أحد الملفات المسكوت عنها في ليبيا، هو ملف "حرية المعتقد" الذي لم يجرؤ أحد على فتحه، طوال العقود الماضية.
ومؤخراً، وفي ظل سعي ليبيا لوضع دستور جديد، طُرحت الفكرة في إحدى غرف Club house، تحت عنوان "الضمانات الدستورية لحرية المعتقد في ليبيا الجديدة"، ناقش فيها الحضور إمكانية إدراج "حرية المعتقد"، ضمن الدستور الدائم للبلاد.
أثارت المناقشات ردود فعل غاضبة من الكثيرين من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، عبر وسم "إلا الإسلام يا أبواق الإلحاد"، الذي تفاعل عليه الكثيرون.
وتباينت التغريدات على الوسم، بين المطالبة بتطبيق حد الإلحاد على من يتطرق إلى حرية المعتقد، وبين التأكيد على حتمية التمسك بتطبيق الحكم بالشريعة الإسلامية، فيما سخر البعض مما وصفه باستيراد الأفكار العلمانية من الغرب، واتفق الجميع على رفض طرح فكرة "حرية الدين والمعتقد"، في ليبيا، حالياً، أو حتى مستقبلاً، للنقاش.
نورا الجربي، إحدى المشاركات في الغرفة، والتي تلقت تهديدات علنية، تحدثت إلى رصيف22، قائلةً: اتُّهم المشاركون في المناقشة، بالدعوة إلى الإلحاد والشرك، في ليبيا، وهذا لم يحدث فعلياً، ولا حتى نظرياً، وكان هناك مشاركون من خلفيات دينية مختلفة، ومنهم من كان ملحداً فعلاً، لكن النقاش لم يكن لفرض الإلحاد، ولا للجهر به، في ليبيا، وإنما لمجرد فكرة طرح مادة حرية المعتقد.
بلد المليون حافظ للقرآن
منذ انقلاب القذافي، عام 1969، وهناك رغبة من النظام الجديد في تغليب السمة الإسلامية على البلاد، إذ قرر العقيد الوافد حديثاً إلى الحكم، أن القوانين جميعها سوف تُستمد من الشريعة، وأن القرآن هو الدستور، والإسلام هو مركز حياة الشعب.
ومع نهاية السبعينيات من القرن الماضي، كان النظام السياسي الليبي ملتحفاً بالشرعية الدينية، إذ أعلن القذافي أن معارضته إنما تمثل تحدياً للإسلام، وزندقة.
ومع الوقت، غلبت الصبغة الدينية المحافظة على الساحة الليبية، وساهمت في ذلك الطبيعة القبلية المحافظة، فضلاً عن خلل لا تخطئه عينٌ، في النظام التعليمي، فتلاشت القوى المدنية/ الليبرالية، وباتت الغلبة لأصوات التدين المحافظة.
لا يمكن تصنيف ليبيا بأنها دولة دينية، فهي ليست إيران، أو أفغانستان، لكن المؤكد أنها تعاني من انعدام التعددية، فالغلبة التامة في المشهد الليبي، هي لأصوات الإسلاميين
بالطبع، لا يمكن تصنيف ليبيا بأنها دولة دينية، فهي ليست إيران، أو أفغانستان، لكن المؤكد أنها تعاني من انعدام التعددية، فالغلبة التامة في المشهد الليبي، هي لأصوات الإسلاميين، وربما يعود ذلك إلى الأغلبية العددية المسلمة في البلاد. فوفقاً لتقرير المنظمة الدولية للهجرة، سنة 2018، فإن المسلمين في ليبيا يمثلون 97% من السكان، والـ3% المتبقية تتنوع بين المسيحيين، والهندوس، والبهائيين، والبوذيين، وغالبيتهم من المهاجرين، ورعايا دول أخرى.
وفي تقرير "فريدوم هاوس"، لعام 2021، المعني بالحقوق والحريات التي يتمتع بها الأفراد في كل دولة، صُنفت ليبيا في أعلى قائمة الدول التي تنعدم فيها الحرية، وحلّت في المرتبة التاسعة عالمياً، والـ 18 عربياً، بعد سوريا والسعودية، من بين 195 دولة.
"حرية المعتقد" في دستور ليبيا القادم
تمر ليبيا في منعطف شديد الحدة، حيال صياغة دستورها الجديد. فمنذ تشكيل الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور في 2014، والشقاق سيد الموقف، إذ رفض العديد من المكونات، والقبائل، والمدن، والتجمعات المدنية، والسياسية، وبعض أعضاء الهيئة في حد ذاتها، مشروع الدستور الذي أُقرّ بالأغلبية، سنة 2017، وكان مزمعاً طرحه على الشعب الليبي، للاستفتاء حينها، ووصل الأمر إلى حد الدعوات بالانفصال، في حال طرحه على التصويت، وهو ما عدّه البعض الآخر مصادرةً لحقهم في الاختيار، وتقرير مصير البلاد.
وفي ظروف كتلك التي تمر فيها ليبيا، اليوم، طفا على السطح سؤال وضع حرية المعتقد في الدستور القادم.
"هناك من سيدفع الثمن غالياً، من أجل الوصول إلى إقرار حرية المعتقد، فالليبيون منغلقون جداً على أنفسهم، وأي اختلاف في الرأي، يؤدي إلى خلاف قد يصل إلى القتل"
حاول رصيف22 التواصل مع العديد من السياسيين الليبيين، والأحزاب، والبرلمانيين، لمعرفة مدى إمكانية تضمين "حرية الدين والمعتقد"، في الدستور القادم، إلا أن الجميع رفضوا التعليق، باستثناء عضوة الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبية نادية عمران، التي نفت لرصيف22، تلقيهم أي مقترحات في شأن تضمين حرية الدين والمعتقد، في مشروع الدستور القادم، مبينةً أن الهيئة التقت بعشرات الوفود، وتلقت مئات المقترحات، وكانت أبرز المطالبات، التأكيد على التأسيس لدولة المؤسسات والقانون، القائمة على التداول السلمي للسلطة، والفصل بين السلطات، وترسيخ مبادئ المواطنة، والعدالة الاجتماعية، وتوزيع المؤسسات، واحترام الدين الإسلامي، والتأكيد على الحقوق والحريات.
هل يتقبل الليبيون فكرة "حرية المعتقد"؟
"ربما سيحدث ذلك"، تقول الصحافية نورا الجربي، في ردها على السؤال حول مدى تقبل المجتمع الليبي لفكرة "حرية الدين والمعتقد"، في الوقت الحالي، أو حتى مستقبلاً، وتضيف أن الأمر سيكون صعباً، "لأن هناك من سيدفع الثمن غالياً، من أجل الوصول إلى إقرار حرية المعتقد، فالليبيون منغلقون جداً على أنفسهم، وأي اختلاف في الرأي، يؤدي إلى خلاف قد يصل إلى القتل، والتشريد، والتهجير، وليس مجرد خلاف يمر بشكل عادي".
من جانبها، ترى منتجة ومقدمة البرامج الليبية سعدة الهمالي، الرافضة لطرح مثل هذه الأفكار في المجتمع الليبي، أن الحديث فيها من الأساس "مبالغة، ومحاولة للفت الانتباه إلى الأشخاص الذين يطرحونها". وتضيف سعدة لرصيف22، أن "الجميع يعرفون أن المجتمع الليبي مجتمع مسلم، وأنه لن يتقبل هذه الأفكار، لا حاضراً، ولا في المستقبل".
هل تستطيع ليبيا التي عانت من ويلات حرب أهلية، أن تمضي قدماً، صوب الحديث عن ملف حرية المعتقد، أم أن الليبيين المختلفين في القضايا الأساسية، لن يلتفتوا إلى قضية يراها الكثيرون نخبويةً، ومستوردة؟
وتختم الهمالي حديثها، قائلةً: أتمنى ألا يساهم الإعلام في نشر مثل هذه النقاشات، عن حرية المعتقد، التي لا تمثل سوى تقليد أعمى لمجتمعات غربية تعيش تنوعاً دينياً".
السؤال هنا، هو هل تستطيع ليبيا التي عانت من ويلات حرب أهلية، طوال العشر سنوات الأخيرة، وتنهش الخلافات جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية كلها، أن تمضي قدماً، صوب الحديث عن ملف حرية المعتقد، أم أن الليبيين المختلفين في القضايا الأساسية، لن يلتفتوا إلى قضية يراها الكثيرون نخبويةً، ومستوردة؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 18 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.