ظهر أحمد مسعود الشاب، نجل المناضل الأفغاني أحمد شاه مسعود، في أحد الفيديوهات الذي تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، مرتدياً القبعة التقليدية الأفغانية التي عُرف بها والده، مستذكراً إياه يقراءة قصيدة لحافظ الشيرازي مطلعها: "ألا يا أيها الساقي أدِرْ كاساً وناولها/فإني هائمٌ وجداً، فلا تمسكْ وعجّلها"، هو العاشق للشعر كأبيه. لكن هذا المطلع في أصله الفارسي يختلف عن الترجمة المنظومة لقصيدة الشيرازي التي تنازلت عن المعنى على حساب الوزن، ففي الأصل الفارسي يقول حافظ: "ألا يا أيها الساقي أدِرْ كأساً وناولها/فالحبّ بدا سهلاً، ثم بدأت الصّعاب".
الصّعاب؛ لا شكّ أنها أكثر بكثير مما كان يتوقع الشاعر الإيراني قبل قرون في طريقه نحو الحبيب، فالشاب الذي أبدى استعداده لمجابهة طالبان منذ سيطرتهم على أفغانستان في منتصف الشهر الجاري، تنتظره كثير من الصعوبات والعقبات في الطريق نحو تحقيق أمله بتحرير بلده من قبضة طالبان، في حين أن خيط الأمل الوحيد لدى الأفغانيين اليوم منعقد في يديه.
أصبح هذا الفتى يحتلّ مكانة مهمة في المشهد السياسي في أفغانستان هذه الأيام، وبات يذكّر الأفغانيين بوالده، المجاهد الأسطوري والقائد العسكري ووزير الدفاع الأفغاني الأسبق أحمد شاه مسعود، أو كما يسميه مناصروه: "أسد بَنْجشير"، بعد صراعه ضد الاتحاد السوفياتي في الثمانينيات من القرن الماضي، وضد طالبان في التسعينيات منه.
ويعتبر أحمد شاه مسعود رمزاً للمقاومة لدى الشعب الأفغاني، وقد اعتُبر بطلاً قومياً بموجب مرسوم رئاسي في 2019، ومنذ عام 2012 أخذ يتم إحياء ذكرى وفاته في "يوم الشهيد" في أفغانستان الذي يصادف التاسع من أيلول/سبتمبر؛ فبقيادته جبهةً قوية ضد طالبان أفشل مسعود محاولات الحركة للسيطرة على وادى "بَنجْشير" (الأسُود الخمسة) خلال فترة حكمها للبلاد من 1996 إلى 2001، وجعل من "بنجشير" معقلاً وأيقونةً للمقاومة ضد طالبان.
تم اغتيال أحمد شاه مسعود في 9 سبتمبر 2001، قبل يومين من تفجيرات ناطحات السحاب بالولايات المتحدة، إلا أنه لا زال جزء من الشعب الأفعاني يتحدث عنه وعما قام به، ولم تنفك صوره ترتفع في البلاد وترسم في الجداريات باعتباره رمزاً للمقاومة لدى جزء كبير من الشعب الأفغاني.
رغم اعتماد مسعود الابن على إرث والده في المقاومة، ورغم تشابهمها في المظهر والزي، لكن يبدو أن ثمة اختلافات بين مسعود الوالد ومسعود الابن، في الظروف السياسية، والدعم الدولي، وفي الخطط والرؤية أيضاً
ويتم هذه الأيام، تداول صور وتصريحات نجله أو خليفه "أحمد" على مواقع التواصل الاجتماعي من جانب المواطنين الأفغان، منهم صحرا كريمي، المخرجة الأفغانية ورئيسة مركز أفغانستان للأفلام، التي نشرت على صفحتها في إنستغرام صورة لأحمد مسعود، معلقة: "أنت ماء وجوهنا هذه الأيام". كما أن هناك مواطنين أفغان آخرين عبروا عن دعمهم وتعاطفهم مع "البطل" الشاب عبر مئات التعليقات على مواقع التواصل، معبرين عن أملهم فيه بمواجهة طالبان، وخروج البلاد من الأزمة. لكن هل يمكن إنقاذ أفغانستان وشعبها على يد أحمد مسعود، أم إنه مجرد حلم تربّيه "اللاحيلة"؟
من هو أحمد مسعود؟
ولد أحمد مسعود عام 1989، في بَنجشير، ودرس الابتدائية وبعضاً من الإعدادية في طاجيكستان. يصف أحمد طفولته بـ"الصعبة للغاية"، ويقول: "مررنا بأيام صعبة للغاية وبعبارة أخرى لم أعرف كيف أمضيت طفولتي. ربما قد مررت بطفولة أكثر صعوبة من الناس العاديين، لم نكن مختلفين عن الناس العاديين من حيث ظروف المعيشة؛ أتذكر أياماً لم يكن فيها خبز القمح متاحاً وكان على والدتي أن تصنع الخبز من دقيق الذرة".
ويواصل أحمد: "في هجوم طالبان الأول على بنجشير، حوصر الوادي ولم يبق هناك سبيل لدخول الطعام. أتذكر جيداً أنه لم يكن لدينا حتى وجبة بسيطة في اليوم. كانت حياتنا أصعب من الأطفال الآخرين لأنه كان علي أن أكون أكثر حذراً بسبب مكانة والدي. لعدة مرات أرادوا اختطافي لممارسة الضغط على والدي".
بعد اغتيال والده، وكان عمره آنذاك 12 عاماً، انتقل برفقة والدته وشقيقاته الخمس إلى إيران، وأنهى الثانوية هناك. ثم أمضى عاماً (بين 2010 و2011) دورة عسكرية في أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية. وفي عام 2012 بدأ دراسته الجامعية في دراسات الحرب من كلية كينغز كوليدج بلندن، حيث حصل على درجة البكالوريوس عام 2015. وحصل على درجة الماجستير في السياسة الدولية من جامعة لندن سيتي.
ورغم أنه كان منشغلا بدراسة الدكتوراه في لندن، عاد إلى بلاده عام 2016، وعُين الرئيس التنفيذي لمؤسسة "مسعود". ومنذ 2019 دخل السياسة رسمياً خلال حفل أقيم إلى جوار قبر والده، فاختار أنصار أحمد شاه مسعود، نجلَه خلفاً له، وأعلنوا عن ولائهم له.
علقت المخرجة صحرا كريمي: "أنت ماء وجوهنا هذه الأيام"
وقال أحمد مسعود في تصريحات في ذلك الوقت: "ليست هناك رغبة شخصية في الوصول إلى السلطة جلبتني إلى البلاد، بل إحساس بالمسؤولية. عشت حياة مريحة في لندن وكنت أتابع الدكتوراه. لكنني الآن إلى جانب الشعب. وضعْنا حياتنا في أكفّنا ونحاول توحيد أولئك الذين يقلقهم مستقبل البلاد؛ أولئك الذين يريدون أن يكونوا متماسكين ومنظمين. إن تم التوصل إلى اتفاق، يمكن لطالبان أن تأتي بسلام وتبقى طالما أنها تحترم شروط الاتفاق. لكنها إن لم ترضخ لهذه الشروط، فإن القوة التي وقفت في طريقها في السابق يمكن أن تفعلها ثانية".
وادي بَنجْشير، أيقونة المقاومة ضد طالبان
وادي بَنجْشير، كان معقل أحمد شاه مسعود خلال سنوات نضاله إلى قبل وفاته، وهو اليوم معقل نجله أحمد. يقع هذا الوادي الجبلي على بعد 130 كيلومتراً شمال شرقي العاصمة كابول، وذاع صيته لأنه خلال سيطرة طالبان على أفغانستانَ منذ عام 1996 إلى 2001، لم تتمكن إطلاقاً من السيطرة عليه. يصعب الوصول إلى هذا الوادي بسبب موقعه الجغرافي حيث يقع بين الجبال، وله نقاط دخول محدودة. عدد سكانه 173 ألف نسمة وغالبيتهم من قومية "الطاجيك" التي ينتمي إليها أحمد وعائلته، ويتحدث سكانه الفارسية. يُذكر أن غالبية أنصار طالبان ينتمون إلى قومية "البَشتون"، وذلك أيضاً سبب آخر يحول دون سيطرتهم على الوادي.
رؤية وخطط مسعود الشاب وفرص نجاحه
بعودة أفغانستان إلى أيامها الصعبة، كما كان الحال في التسعينيات، وبعد سيطرة طالبان على البلاد في 14 أغسطس 2021، أي بعد 20 عاماً على طردها من الحكم (عام 2001) من قبل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة عقب هجمات 11 سبتمبر، ذهب أحمد مسعود إلى بنجشير، وقام بتشكيل حزب سياسي أطلق عليه "جبهة المقاومة الوطنية"، ودعا الشعب إلى مقاومة طالبان، وأعلن أنه سيقاتل الحركة حتى اللحظة الأخيرة.
وأجرى أحمد منذ سيطرة طالبان على أفغانستان حتى الآن، العديد من المقابلات مع وسائل الإعلام المحلية والدولية، قدم فيها رؤيته لحل الأزمة في بلاده، وبينما تمسك بسياسة الحوار، أكد أيضاً على استعداده للقتال. وإلى جانب تأكيده على المقاومة والقتال، أعلن عن تأهبه لإجراء مفاوضات مع طالبان، تؤدي إلى التوافق على تشكيل حكومة شاملة وحكم فيدرالي لأفغانستان. وتمركز إلى جانب أمر الله صالح، النائب الأول السابق للرئيس والذي يعتبر نفسه الرئيس الشرعي لأفغانستان بموجب الدستور الأفغاني الحالي، في منطقة بنجشير، إلى جانب مجموعة من جنود الجيش الأفغاني، وأنصاره.
وكتب خلال هذه الفترة عدة مقالات في صحف أجنبية، شرح فيها رؤيته، كما دعا فيها دول العالم إلى مساعدته. وفي مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست في 19 آب/أغسطس، طلب دعماً أمريكياً بالأسلحة والذخائر للقوات التي يقودها. وفي عمود نشره في المجلة الفرنسية "لا ريغل دو جو"، دعا الأفغان إلى الانضمام إليه في معقله في بنجشير، والتي اعتبرها آخر منطقة حرة في بلده المحتضر.
وقال في تصريحات له في آب/أغسطس 2021: "نودّ أن ينهي كل الأفغان هذه الحرب المستمرة منذ 40 عاماً، ولكن كي تكون طالبان سلمية، يجب أن يكون لدينا بعض الأشياء الأساسية، التي تشمل اللامركزية والتي تشمل الحكم الذاتي الإقليمي ونقل السلطة. نحن لا نريد القتال، ومع ذلك، فإننا على استعداد للقتال إذا دخلوا بنجشير. صحيح أنه يمكنهم الدخول بسلام ودون أسلحة، ولكن في حال دخلوا بالبنادق، فنحن مستعدون للدفاع حتى آخر رجُل. ولكن يجب إعطاء السلام فرصة، حتى إن كان هذا السلام مع طالبان".
في عمود نشره في المجلة الفرنسية "لا ريغل دو جو"، دعا أحمد الشعب الأفغاني إلى الانضمام إليه في معقله في بنجشير، والتي اعتبرها "آخر منطقة حرة في بلده المحتضر"
ورغم اعتماد مسعود الابن على إرث والده في المقاومة، ورغم تشابهمها في المظهر والزي، الذي يتضمن اللحية والقبعة الأفغانية التقليدية، لكن يبدو أن ثمة اختلافات بين مسعود الوالد ومسعود الابن، في الظروف السياسية، والدعم الدولي، وفي الخطط والرؤية أيضاً.
ويبدو حسب المؤشرات، أن مسعود الشاب يحظى مثل والده بشعبية كبيرة ووزن سياسي في بلاده. ورغم أن الدعم الرئيسي لأحمد شاه مسعود كان يأتي من روسيا وإيران القلقتين من طالبان آنذاك، إلا أن نجله لم يحصل إلى حد الآن على دعم من هاتين الدولتين ودول أخرى (ما عدا تأييد من طاجيكستان وفرنسا)، وربما لن يحصل عليه، حيث بعض هذه الدول أصبحت تعترف بطالبان.
وبينما يدعو مسعود الابن إلى الحوار مع طالبان، والمصالحة الوطنية وتدشين حكومة فيدرالية، كان والده يتخذ موقفاً مختلفاً، وقد ركز من خلاله على المقاومة العسكرية أكثر من أي شيء آخر، نظراً لطبيعة الوضع والظروف التي عاشها.
وطالب عدد من المشرعين في الكونغرس الأميركي إدارة بلادهم بمساعدة أحمد مسعود. وفي إيران، طالب الملحق الثقافي الإيراني السابق والخبير في شؤون أفغانستان محمد حسين جعفريان بدعم أحمد مسعود من جانب طهران، وقال إنه تحدث خلال الفترة الأخيرة مع مسعود، وتحدث مع المسؤولين الإيرانيين وحثهم على دعمه، لكنهم لم يستجيبوا.
وقال جلال خوش تشِهره المحلل الإيراني في الشؤون الدولية: "بنجشير هي الأمل الوحيد حالياً لمن يعارضون وجود طالبان في أفغانستان". وأضاف: "عندما واجه أحمد شاه مسعود، طالبان، كان لديه دعم دولي، لكن أحمد مسعود الآن في عزلة مفروضة وجميع دول الجوار، بما في ذلك إيران والصين وروسيا وحتى بعض القوى الغربية مثل الولايات المتحدة وأوروبا لديها نظرة إيجابية تجاه طالبان، والقوات التي يقودها أحمد مسعود في بنجشير من المستبعد حصولها على تمويل ودعم عسكري حالياً".
رغم عدم تلقي أحمد مسعود دعماً دولياً إلى اليوم، والذي بإمكانه أن يعزز فرص نجاحه في مهامه، لكنه يتمتع بشعبية كبيرة من قبل المعارضين الأفغان، وكما يقول الصحافي الأفغاني فهيم نيكزاد لرصيف22: "أحمد مسعود، مثل والده، له شخصية قيادية خاصة. إنه يعرف السياقات الاجتماعية والثقافية لأفغانستان أفضل من غيره (السياسيين) وله علاقات وثيقة مع الشباب والسياسيين وشيوخ القبائل والأديان وما إلى ذلك. كل هذا أدى إلى دعمه حتى الآن من جانب القوات الشابة والمناهضة لطالبان ورجال الأعمال، ومن بلدين (فرنسا وطاجيكستان) وقادة في الجزء الغربي من البلاد (هراة ونيمْروز وغور وفراه). وبشكل عام، له شعبية كبيرة بين جميع المجموعات العرقية، باستثناء عدد قليل من البشتون المتشددين والمتطرفين، وقليل من الأشخاص الذين يتعرض وضعهم الاجتماعي والسياسي للخطر بحضوره".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين