في ما قد يكون أول دليل على أن الصين تدير "مواقع سوداء" خارج حدودها، قالت شابة صينية إنها احتُجزت ثمانية أيام في مركز سري تديره الصين في دبي مع محتجزتين أخريين على الأقل من أقلية الأويغور المسلمة المضطهدة هناك.
والمواقع السوداء هي سجون سرية لا يتمتع سجناؤها باستجوابات عادلة ولا توجه إليهم تهم، وغالباً ما تتمثل في فنادق أو دور ضيافة. وهي شائعة داخل الصين ويعتقل داخلها أفراد الأقليات العرقية والمعارضون السياسيون.
أخبرت وو هوان (26 عاماً)، وكالة أسوشيتدبرس، أنها "اختطفت" خلال وجودها في الإمارات وتعرضت للاستجواب والاحتجاز من قبل عملاء صينيين في فيلا جرى تحويلها إلى مركز احتجاز لأن خطيبها كان يُعتبر منشقاً، مضيفةً أنها شاهدت/ سمعت سجينتين أخريين من الأويغور في الفيلا نفسها. علماً أن وو وخطيبها وانغ جينغيو (19 عاماً) من سلالة الهان التي تمثل الأغلبية العرقية في الصين.
لكن وانغ مطلوب في الصين لنشره منشورات تشكك في التغطية الإعلامية الصينية لاحتجاجات هونغ كونغ عام 2019 وممارسات الصين في الاشتباك الحدودي مع الهند.
ظروف الاحتجاز
ولم تكن وو تهتم بالسياسة حتى القبض على خطيبها في دبي في 5 نيسان/ أبريل الماضي بتهم قالت إنها كانت "غير واضحة". آنذاك، أجرت مقابلات مع وسائل الإعلام وبدأت الاتصال بمعارضين صينيين مقيمين بالخارج طلباً للمساعدة.
وفي 27 أيار/ مايو الماضي، قالت إن مسؤولين صينيين استجوبوها في الفندق الذي كانت تقيم فيه بدبي، Element Al-Jaddaf، قبل أن يقتادها أفراد من شرطة دبي إلى مركز شرطة بر دبي، مبرزةً أنها احتُجزت ثلاثة أيام في المركز حيث صودر هاتفها ومتعلقاتها الشخصية.
موضحةً أنها قابلت/ سمعت محتجزتين من الأويغور هناك... شابة صينية تقول إنها "اختطفت" واحتجزت من قبل عملاء صينيين في فيلا سرية بدبي بمساعدة شرطة الإمارة. هل تدير الصين "موقعاً أسود" في الإمارات؟
وفي اليوم الثالث، جاء لزيارتها مسؤول صيني عرّف عن نفسه بأنه "لي زوهانغ" وأخبرها أنه من القنصلية الصينية في دبي، وسألها إذا كانت قد تلقت أموالاً من مجموعات أجنبية للعمل ضد الصين. وهو ما نفته بشكل قاطع.
وتابعت وو أن لي أخرجها من مركز الشرطة واصطحبها مع رجل صيني آخر وهي مقيدة اليدين في سيارة تويوتا سوداء كان بها العديد من الصينيين ومروا عبر منطقة يعيش فيها العديد من الصينيين. بعد القيادة نصف ساعة، توقفت السيارة في شارع مهجور قبل أن تُنقل إلى فيلا بيضاء اللون مكونة من ثلاثة طوابق بها سلسلة من الغرف التي تحولت إلى زنازين فردية، على حد قولها.
داخل الفيلا، كان الجو هادئاً بارداً وأُدخلت وو إلى زنزانتها، التي هي غرفة ذات باب معدني ثقيل لا يُفتح إلا لإدخال الطعام مرتين يومياً، وتشتمل على سرير وكرسي وضوء أبيض لا يغلق طوال النهار أو الليل.
عن زنزانتها قالت وو: "أولاً، لا يمكن إدراك الوقت. وثانياً، لا توجد نافذة، ولا يمكنني النظر لمعرفة إذا كان الوقت ليلاً أم نهاراً". وأضافت أن الحراس الذين لم يخلعوا أقنعة الوجه مرةً نقلوها إلى غرفة أخرى للاستجواب باللغة الصينية عدة مرات، وأن المحققين هددوها بأنها لن تخرج من السجن أبداً.
وعن رفيقات الفيلا، أوضحت أنها رأت سجينة من الأويغور ذات مرة وهي تنتظر دخول الحمام، فيما سمعت صراخ امرأة أخرى من الأويغور في مناسبة أخرى. "لا أريد العودة إلى الصين، أريد العودة إلى تركيا"، قالت السجينة بحسب وو.
وقالت وو إن الحراس قدموا لها هاتفاً وأمروها بالاتصال بخطيبها والقس بوب فو، رئيس منظمة "تشينا إيد" (ChinaAid ) المسيحية غير الربحية التي تقدم المساعدة للشريكين. أكد وانغ لأسوشيتدبرس أن خطيبته اتصلت به وسألته عن موقعه بينما قال فو إنه تلقى عدة اتصالات ورسائل من وو كانت أحياناً "مضطربة" خلالها.
وزادت وو أنه قرب نهاية احتجازها رفضت تناول الطعام وصرخت وبكت ليطلق سراحها، مضيفةً أن آخر ما طلبه منها خاطفوها هو التوقيع على وثائق باللغتين العربية والإنكليزية تتهم فيها خطيبها بالإساءة إليها. "كنت خائفة حقاً وأجبرت على التوقيع على الوثائق. لم أرغب في التوقيع عليها"، قالت.
وفي 8 حزيران/ يونيو الماضي، أعيدت وو إلى فندقها وأعيد إليها هاتفها ومتعلقاتها الشخصية. وعقب ثلاثة أيام، هربت إلى أوكرانيا حيث التقت وخطيبها وفرّا إلى هولندا طالبيْن اللجوء حالياً.
رجّح سكان سابقون من الأويغور في الإمارات أن الإمارات تعد "مركزاً للاستخبارات الصينية في ما خص الأويغور في الشرق الأوسط" إذ قدموا شهادات عن دور البلد الخليجي كمقر للمقابلات بين عملاء صينيين وأفراد أويغور أُجبروا على التجسس على رفاقهم
هل تدير الصين مركز احتجاز في الإمارات؟
ويبقى السؤال الأهم: هل تدير الصين "موقعاً أسود" على الأراضي الإماراتية؟
عقب تلقيها شهادة وو، لم تتمكن أسوشيتد برس من تأكيد أو دحض ما قالته الشابة بشكل مستقل، كما لم تتمكن من تحديد مكان هذا الـ"موقع الأسود" المزعوم على وجه الدقة. لكن وو قدمت بعض الأدلة المؤيدة لكلامها، وبينها تسجيل هاتف لمسؤول صيني يطرح عليها أسئلة ورسائل نصية أرسلتها خلال الاحتجاز.
على الجانب الآخر، نفت وزارة الخارجية الصينية ما قالته وو. وقالت شرطة دبي إن أي مزاعم عن امرأة صينية محتجزة من قبل السلطات المحلية نيابة عن دولة أجنبية "كاذبة"، وإن وو "غادرت البلاد بحرية مع صديقها قبل ثلاثة أشهر".
تجدر الإشارة إلى أن التقارير حول احتجاز إماراتيين وأجانب في فيلات سرية تكررت في السنوات الماضية وأشهرها قضية اتهام الأميرة لطيفة ابنة حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد لوالدها بخطفها وإعادتها إلى البلاد واحتجازها قسراً في إحدى الفيلات.
كذلك لدبي تاريخ كمكان يتم فيه استجواب الأويغور وترحيلهم إلى الصين. ويقول نشطاء إن دبي نفسها ارتبطت باستجوابات سرية نيابةً عن دول أخرى.
قالت رادها ستيرلنغ، المحامية القانونية التي أسست مجموعة الدعوة لإطلاق المحتجزين في دبي وهي أيضاً محتجزة سابقة هناك، لأسوشيتد برس، إنها عملت مع عشرات الأشخاص الذين أفادوا باحتجازهم في فيلات في الإمارات، بينهم مواطنون من كندا والهند والأردن لكن ليس من الصين.
قالت المحامية: "ليس هناك من شك في أن الإمارات احتجزت أشخاصاً نيابة عن حكومات أجنبية متحالفة معها. لا أعتقد أنهم سيرفضون طلباً من مثل هذا الحليف القوي (الصين)".
لكن باتريك ثيروس، سفير أمريكا سابقاً في قطر والمستشار الإستراتيجي لمنتدى الخليج الدولي، اعتبر أن ادعاءات وو "غير منسجمة أبداً" مع الإماراتيين، مبيناً أنهم "لا يسمحون للحلفاء بحرية الحركة" داخل أراضيهم.
وأردف: "فكرة أن الصينيين سيكون لديهم مركز سري (في دبي)، غير منطقية".
تجمع الصين والإمارات علاقات اقتصادية وسياسية عميقة وأيضاً في مجال مكافحة التجسس، كما برزت الإمارات حقل تجارب للقاحات الصينية خلال محنة كوفيد-19. لكن إلى أي مدى تعاونت/ تورطت أبوظبي مع بكين في سحق حقوق الأويغور؟
عمق التعاون بين الصين والإمارات
وبشكل عام، تجمع الصين والإمارات علاقات اقتصادية وسياسية عميقة وكلتاهما تعمل مع الأخرى في مجال مكافحة التجسس. وكان البلدان قد صادقا على معاهدة تسليم المجرمين عام 2002 ثم على اتفاقية تعاون قضائي عام 2008. وخلال محنة كوفيد-19، برزت الإمارات حقل تجارب للقاحات الصينية وشاركتها الاختبارات على البشر في مرحلة متقدمة.
في ما خص أزمة اتهام الصين باضطهاد الأويغور، أخذت الإمارات صف الصين على الدوام ضد الأقلية المسلمة. ففي عام 2019، دعمت الإمارات، من بين 37 دولة عربية وغربية، إجراءات الصين القمعية ضد الأويغور، معتبرةً أنها "تكافح التطرف"، وذلك في خطاب موجه إلى الأمم المتحدة.
في تصريح ذي مغزى، قال الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي والحاكم الفعلي للبلاد، إنه على استعداد للعمل مع الصين من أجل توجيه "ضربت مشتركة للقوى الإرهابية المتطرفة".
وبعد زيارته إلى إقليم شينجيانغ عام 2020، حيث معسكرات الاعتقال الضخمة للأويغور، أشاد سفير الإمارات في بكين، علي الظاهري، بسياسات الصين في المقاطعة قائلاً إن أكثر ما "لفته" خلال الزيارة هو "الخطة والرؤية الإيجابية لشينجيانغ؛ تريد الصين أن يلعب الإقليم دوراً نشطاً في الاقتصاد الصيني ويوفر الاستقرار ويرفع مستويات المعيشة ويحسن حياة شعوب المنطقة".
من المصادر، عبد الولي أيوب الذي قال إنه تحدث مع ثلاثة من الأويغور أُجبروا على العمل جواسيس في تركيا، وقالوا له إنهم مروا بدبي لالتقاط بطاقات SIM والنقود ومقابلة عملاء صينيين.
وفي حزيران/ يونيو الماضي، وثقت شبكة سي أن أن الأمريكية عمليات توقيف وترحيل 10 أفراد من الأويغور من الإمارات والسعودية ومصر إلى الصين. وقالت مصادر لأسوشيتد برس إن السلطات الإماراتية أوقفت ورحلت، بين أواخر عام 2017 وأوائل عام 2018، خمسة من الأويغور على الأقل إلى الصين.
وأوضح ناشطون أويغور للوكالة أن غالبية الاعتقالات نفذها عرب على الأرجح من الشرطة الإماراتية، عدا حالتين، قالت امرأة إن زوجها تعقبه ثلاثة عملاء صينيين خلال وجوده في مطعم للأويغور بدبي قبل ترحيله، وقالت زوجة محتجز آخر من الأويغور إن زوجها استجوب مرتين من عملاء يبدو أنهم من الشرطة الصينية في دبي قبل ترحيله.
ورجح سكان سابقون من الأويغور للوكالة أن الإمارات تعد "مركزاً للاستخبارات الصينية في ما خص الأويغور في الشرق الأوسط". وقدموا شهاداتهم عن دور الإمارات كمقر لمقابلات العملاء الصينيين وبعض الأويغور الذين أجبروا على التجسس على أفراد الأقلية الآخرين وما شابه.
من المصادر، عبد الولي أيوب الذي قال إنه تحدث مع ثلاثة من الأويغور أُجبروا على العمل جواسيس في تركيا، وقالوا له إنهم مروا بدبي لالتقاط بطاقات SIM والنقود ومقابلة عملاء صينيين.
وقال آخر إن أمن الدولة الصيني استدرجه من هولندا إلى الإمارات، عام 2019، بعدما حصلت زوجته السابقة على وثائق سرية بشأن معسكرات الاعتقال في شينجيانغ حيث تم الترحيب به من قبل نحو 10 أشخاص عرفوا عن أنفسهم بأنهم يعملون لدى الحكومة الصينية في دبي.
وفي حين أكد العديد من التقارير الإخبارية والحقوقية أن الدول في الشرق الأوسط مستعدة للرضوخ لقمع الصين ضد الأقليات العرقية والمعارضين في الداخل والخارج، بما فيها تركيا والإمارات ومصر وغيرها، تُعد المزاعم بوجود "موقع أسود" في الإمارات دليلاً على مدى استغلال الصين نفوذها الدولي بشكل متزايد لاحتجاز/ إعادة المواطنين المعارضين من الخارج.
كما تعدّ -إن صحت- دليلاً على عمق تعاون/ تورط الإمارات في سحق حقوق الإنسان مع الصين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون