"أشعر بأنني سأموت". هذه هي العبارة الأكثر شيوعاً التي قد يستخدمها الناس لوصف شعورهم عند الإصابة بنوبات الهلع.
في الحقيقة، غالباً ما يفكر الشخص المصاب بنوبة الهلع بأنه على وشك الموت أو الاختناق، قد يشعر أيضاً أن هذه أعراض نوبة قلبية أو أنه على شفير فقدان الوعي أو حتى الإصابة بالجنون.
عادة ما تبدأ هذه النوبات فجأة، وتصل إلى ذروتها في غضون 10 دقائق وتنتهي في غضون نصف ساعة.
شعور بالهلاك
في الواقع، إن نوبات الهلع شائعة بشكل مدهش، بحيث يختبرها ثلثنا على الأقل في مرحلة ما من مراحل حياتنا.
في حوار أجراه موقع رصيف22، مع الأخصائية في علم النفس، لانا قصقص، أوضحت أن نوبات الهلع تحدث للأفراد الذين تعرّضوا لصدمة عاطفية أو لأولئك الذين يمرون بضغوطات نفسية كبيرة، بالإضافة إلى البعض الذي يعاني أصلاً من متلازمة القلق، والتي يمكن أن تتطور وتصل إلى حدّ اختبار نوبات الهلع.
وأشارت لانا إلى أن نوبة الهلع تحدث بشكل مفاجىء، من دون أن يكون المرء مستعدّاً لها، فيشعر عندها بالخوف الشديد والقلق من أي شيء يحيط به.
غالباً ما يفكر الشخص المصاب بنوبة الهلع بأنه على وشك الموت أو الاختناق، قد يشعر أيضاً أن هذه أعراض نوبة قلبية أو أنه على شفير فقدان الوعي أو حتى الإصابة بالجنون
في حين أن الأعراض تختلف من شخص إلى آخر، فإنها يمكن أن تشمل تسارع دقات القلب، ضيق في التنفس، التعرّق، الارتجاف، الغثيان، الوخز أو التنميل في أصابع اليدين والقدمين، بالإضافة إلى شعور عامر بالهلاك الوشيك: "يشعر الشخص بالانفصال عن الواقع ولا يستطيع السيطرة على نوبة الهلع التي تحدث له".
وأضافت قصقص أن وقع هذه التجربة يكون سيئاً على الأفراد المعنيين وتؤثر سلباً على جوانب مختلفة من حياتهم وعلى سلامهم الداخلي: "بعض الأشخاص يصبح لديهم رهاب من احتمال تكرار نوبة الهلع، في سياق ما يعرف بأغورافوبيا أي رهاب الخلاء".
تجربة خارج الجسم
بالنسبة للعديد من الأشخاص، فإن مشاعر الخوف الشديد وأحاسيس الرعب التي يمكن أن تحاكي نوبة قلبية أو حالة طبية خطيرة أخرى، تكون مصحوبة بقناعة بأنهم على وشك الموت، في حين أن البعض الآخر ينتابه إحساس "بعدم الواقعية"، بحيث يصبح الوقت والإدراك مضطربين، وفق ما كشفت سيندري آرونسون، وهي طبيبة نفسية في نظام Mount Sinai الصحي في مدينة نيويورك: "تبدو الأصوات مختلفة - نشعر وكأننا في نفق وأن الأشياء بعيدة، تبدو الألوان مختلفة. يصفها الناس أحياناً على أنها تجربة خارج الجسم، بحيث يشعرون أنهم يفقدون السيطرة وقد يصابون بالجنون".
ليس من المستغرب إذن أن يقصد العديد من الأشخاص غرفة الطوارئ معتقدين أنهم يعانون من نوبة قلبية أو من حالة اختناق، ولكن على الرغم من مدى رعب هذه اللحظات التي لا تُنسى، إلا أنها ليست خطيرة بطبيعتها.
بدلاً من ذلك، فإن نوبات الهلع هي مظهر من مظاهر عدم تزامن الدماغ والجسم، فهي استجابة خوف فيزيولوجية طبيعية تحدث في وقت غير مناسب تماماً.
في الواقع، هناك مجموعة من الاستجابات الدفاعية التي يجب أن تكون مصممة بشكل مناسب لأنواع مختلفة من التهديدات. على سبيل المثال، قد نتصرّف وفق مبدأ "القتال أو الهروب" عندما يكون هناك حيوان مفترس على وشك التهامنا.
هذه الاستجابة متأصلة بعمق في أدمغتنا عبر قرون من التطور، ما ساعد البشر على النجاة من جميع أنواع المشاكل، غير أن نوبات الهلع تحدث في غياب تهديد "حقيقي"، على الرغم من أن التهديد قد يُنظر إليه على أنه حقيقي للغاية.
ماذا يحدث في الجسم أثناء نوبة الهلع؟
على الرغم من أن الأطباء النفسيين قاموا بتحليل مفهوم الذعر منذ منتصف القرن التاسع عشر، فإن مصطلح "اضطراب الهلع" لم يظهر في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية حتى العام 1980.
في بعض الأحيان، قد يبدأ الذعر بالجسم نفسه، ثم ينتقل إلى داخل العقل، في أحيان أخرى، يمكن أن تكون بداية نوبة الهلع بأكملها في الدماغ، ومن ثم تنتقل بعد ذلك إلى الجسم، هذا وقد تلعب الجينات أو التغيرات في وظائف الدماغ دوراً، ناهيك عن التوتر الذي يعد عاملاً رئيسياً في نوبات الهلع.
ولكن بمجرد حدوث النوبة، فإن سلسلة الاستجابات الفيزيولوجية في الجسم تكون نفسها بالنسبة إلى الجميع إلى حدّ ما: عادة، يبدأ الأمر بشيء ما يتسبب في تسارع دقات القلب، قد يكون صوت أو رائحة يربطها العقل بحدث صادم، هذا وينطلق تسارع ضربات القلب من إنذار الخطر في الدماغ ويرسل استجابة الخوف في الجسم إلى حالة مفرطة.
حدد الباحثون مؤخراً مناطق معيّنة من الدماغ تصبح مفرطة النشاط أثناء نوبة الهلع. تشمل هذه المناطق اللوزة، وهي مركز الخوف في الدماغ، وأجزاء من الدماغ المتوسط تتحكم في مجموعة من الوظائف، بما في ذلك تجربتنا مع الألم.
"تبدو الأصوات مختلفة - نشعر وكأننا في نفق وأن الأشياء بعيدة، تبدو الألوان مختلفة. يصفها الناس أحياناً على أنها تجربة خارج الجسم، بحيث يشعرون أنهم يفقدون السيطرة وقد يصابون بالجنون"
استخدمت دراسة، أجراها علماء في مركز ويلكوم ترست للتصوير العصبي في جامعة كوليدج لندن، التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي لتحديد مناطق الدماغ المحددة التي تنشط عندما يشعر الشخص بتهديد وشيك. ووجد العلماء نشاطاً في منطقة من الدماغ المتوسط تسمى المنطقة الرمادية، وهي منطقة تثير استجابات الجسم الدفاعية، مثل التجمد أو الهروب.
وتعليقاً على هذه النقطة، كتب دين موبس، المؤلف الرئيسي للدراسة: "عندما تتعطل آليات دفاعنا، قد يؤدي ذلك إلى المبالغة في تقدير التهديد، مما يؤدي إلى زيادة القلق، وفي الحالات القصوى، الذعر".
وبعدها، تتسع حدقة العين، يزداد معدل التنفس، ما يسمح للجسم باستهلاك أوكسجين إضافي. يتحول التمثيل الغذائي الخلوي لزيادة كمية الغلوكوز المتاحة للدماغ والعضلات إلى الحدّ الأقصى. يتم تحويل الدم بعيداً عن بعص المناطق مثل أصابع اليدين والقدمين والمعدة ونحو العضلات الرئيسية في الذراعين والساقين، ما يجعل المرء إمّا يقاوم تهديداً أو يفرّ من مكان الحادث.
كيف نتعامل مع نوبات الهلع؟
نوبة الهلع هي إنذار "كاذب" دراماتيكي يطال الجسد والعقل على حدّ سواء.
ولكن لكي يتم تصنيفها على أنها نوبة هلع، يجب أن تظهر الأعراض بسرعة أو في غضون بضع دقائق.
هناك بعض الأساليب القوية التي يمكن أن تساعدنا على التخلص من هذه النوبات المزعجة.
استبعاد العوامل الطبية: يجب الاعتراف بتجربتنا على أنها نوبة ذعر وليست أزمة طبية أكثر خطورة، وتذكير أنفسنا بلطف بأنه لا يوجد شيء غير آمن جسدياً حيال ذلك.
هذا ويجب أن نتحقق جيداً من أننا لا نعاني من أي أعراض محددة مرتبطة بالنوبة القلبية، مثل الضغط في الصدر أو الألم الذي يتراكم أو ينتشر في الذراع أو الفك.
البحث عن مكان هادئ: من المهم عزل أنفسنا لبعض الوقت ومحاولة التحدث مع ذاتنا. على سبيل المثال، قد نقول لأنفسنا: "أشعر بالدوخة لأن دمي يُعاد توجيهه إلى أطرافي. أتنفس بصعوبة لأن جسدي يستجيب بطريقة تطورية للأدرينالين. كل ما يفعله جسدي الآن مصمم لإبقائي آمناً وحمايتي".
عندما نفعل هذا، فأننا ندعو منطقة أخرى من الدماغ إلى المحادثة (القشرة الأمامية). تقع هذه المنطقة خلف الجبهة مباشرة، وهي مسؤولة عن التفكير الواعي والحكم وحل المشاكل. إن تحليل الطريقة التي تلاحظ بها هذه الأحاسيس يمكن أن يساعدنا في التأكيد على أنها مجرد عمليات فيزيائية عابرة تتحرك من خلالنا.
التنفس ببطء: يتنفس معظم الناس في المتوسط من 12 إلى 20 نفساً في الدقيقة، وعند الخوف والذعر يصبح معدل التنفس سريعاً، من هنا يجب إبطاء التنفس تدريجياً إلى ما بين خمسة إلى 10 أنفاس في الدقيقة، ما يهدف إلى جعل الزفير أطول من الشهيق، الأمر الذي من شأنه تنظيم معدل ضربات القلب.
ومن المثير للاهتمام أنه من خلال التنفس بطريقة بطيئة، فإننا نرسل إشارة قوية إلى عقلنا بأننا نشعر بالاسترخاء ولا يوجد ما نخشاه. وهذا بدوره يحفز أجزاء معينة من عضلة القلب ويساعد على استقرار النبض.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.