على مدار الأيام القليلة الماضية، لم يعل صوت في مصر على الإشادة والتعبير بالفخر بالإنجازات التي حققتها ثلاث من رياضيات مصر في أولمبياد طوكيو 2020: هداية ملاك لاعبة التايكوندو وصاحبة أول ميدالية (برونزية) في الدورة، وجيانا فاروق أول لاعبة كاراتيه مصرية وعربية وأفريقية تقف على منصات التتويج الأولمبية، وفريال أشرف صاحبة الذهبية الوحيدة لمصر في طوكيو والأولى منذ عام 2004.
في حين أن الفرحة والفخر بإنجازات الفتيات والسيدات الرياضية ينبغي أن تكونا مضاعفتين، لأن التحديات أمامهن في مجتمع كالمجتمع المصري تكون أكبر، كانت تعليقات المدح مطعّمة بالمسيوجينية والتقليل من النساء، أحياناً بشكل فج ووقح وأحياناً أخرى بشكل مستتر وربما غير مقصود.
مما لفتني ما كتبه الفنان عمرو واكد عبر تويتر. قال: "مبروك لمصر نسائها في أولمبياد طوكيو وربنا ياخد بيد رجالها في الدورة القادمة".
تغريدة واكد، مع أن ظاهرها إشادة بالنساء، إلا أنها برأيي توهم بوجود منافسة رياضية على أساس الجندر وهو غير حقيقي، فمنافسات الجنسين منفصلة تماماً تبعاً للاختلافات المتعددة الأوجه بما في ذلك فسيولوجياً. وكل إنجاز يحققه لاعب أو تحققه لاعبة تحت الراية المصرية يحسب للوطن من دون تمييز، أو هكذا يُفترض.
مثل هذا الخطاب الذي قدمه واكد يصوّر إنجاز النساء وكأنه لهن وحدهن، لا للبلد بأكمله، وكأنه أيضاً أمر يعيّر به الرجال ويستحثون للتفوق عليه.
نموذج آخر من الخطاب غير المناسب في الإشادة ببطلات مصر قدمه المعلق الرياضي التونسي رؤوف بن خليف حين غرّد: "ألف ألف ألف مبروك لمصر. وفعلت فريال ما لم يفعله الرجال. شرفت مصر وكل العرب وعادت بأجمل ذهب. روعة".
لماذا لا نشيد بإنجاز بطلاتنا من دون أن نقارنهن بالرجال؟ لماذا لا نكون منصفين ونعترف لكل بطلة بالجهد والعرق من دون نسبة الفضل إلى أمور كـ"الحجاب" و"حسن الخلق"؟ لماذا لا نقول "عاش يا بطلة" وكفى؟
من جديد يتم تصدير إنجازات الرجال على أنها المعيار لكل تقدم ونجاح، وكأن الرجال وحدهم هم الذين ينبغي أن "يشرّفوا مصر والعرب"...
وتطرق مواطنون مصريون إلى إنجازات ثلاث من بطلات مصر الرياضيات، هداية وجيانا وفريال، حتى بات الأمر معارك أيديولوجية بعيدة كل البعد عن طبيعة إنجازهن. فبرز "الحجاب" قاسماً مشتركاً في إشادة آلاف المعلقين، واعتُبر تفوقهن الرياضي "إثباتاً" ليس على الجهد الذي بذلنه لسنوات في التدريب ومواجهة التحديات بل على أن "الحجاب لا يعوق نجاح المرأة" ونكايةً في "أعداء الحجاب".
كان مزعجاً جداً مقارنة البعض بين أن "المحجبات عندنا مش مسموح لهم ينزلوا حمام السباحة في بعض المنتجعات بالبوركيني أو يدخلوا بعض أماكن السهر عموماً بس عادي يجيبوا ميداليات في الأولمبياد".
والتركيز على جسد المرأة ومظهرها عوضاً عن قدراتها العلمية والرياضية والإبداعية ليس بجديد على المجتمع المصري، كما هو الحال في المجتمعات العربية، لكن بات من الاستفزاز بمكان أن يتم تجاهل إنجاز بعض البطلات إذا كنّ غير محجبات أو ملابسهن لا تُرضي "المجتمع المحافظ".
هذا ما حدث مع منتخب السباحة التوقيعية المصري للفتيات والذي حقق إنجازاً رائعاً في طوكيو أيضاً بحصوله على المركز الثامن. لكن معلقين كثراً قللوا من قيمة الإنجاز نظراً لأن ملابس الفتيات لم تعجبهم ورأوا أنها "فاضحة" و"متشرفش".
حتى البطلة فريال أشرف صاحبة الذهبية التاريخية لمصر لم تسلم من الانتقادات بعدما قبّلها مدربها هاني قشطة قبلةً عفويةً على رأسها فور إعلان فوزها بالميدالية. قال معلقون إن هذا "حرام" و"غير جائز شرعاً" واستنكروا أن تقبل اللاعبة "المحجبة" بذلك وأن يقدم مدرب "ملتحٍ" على مثل هذا الفعل.
تطرق البعض إلى معارك أيديولوجية بعيدة كل البعد عن الإنجاز الرياضي. فاعتُبر تفوق هداية ملاك وجيانا فاروق وفريال أشرف "إثباتاً" ليس على جهد سنوات في التدريب بل على أن "الحجاب لا يعوق نجاح المرأة" ونكايةً في "أعداء الحجاب"
غير المتوّجات أكثر معاناةً
غير المتوّجات كن أتعس حالاً إذ لفتهن الأخبار المضللة والسخرية والشماتة في تغاضٍ غير منصف لأن تأهل كل رياضي/ة إلى الأولمبياد هو إنجاز كبير في ذاته.
على سبيل المثال لا الحصر، روّجت حسابات إخبارية وشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي أن الرامية الزهراء شعبان استبعدت من المنافسات بعدما "أصابت الحكم"، علاوة على مئات التعليقات التي تقلل من قدرات النساء الرياضية وعبارات مهينة، بينها: "وبتزعلوا لما نقولكم على المطبخ" و"افتكرته جوزها".
ونفى مسؤولون هذا الزعم جملةً وتفصيلاً. بالطبع، لم يلق النفي رواجاً كما الادعاء الكاذب الذي يشوّه الراميات، والرياضيات، المصريات.
وكانت التعليقات الهادمة لبطلة السباحة الملقبة بالسمكة الذهبية، فريدة عثمان، غير محتملة ومزعجة بشكل خاص، مع الوضع في الاعتبار أن غالبية أفراد البعثة المصرية، نحو 134 رياضياً ورياضية خرجوا مبكراً من المنافسات وفي مراكز متأخرة. وكان الهجوم على فريدة أشد، حتى قبل أن تبدأ المنافسات وفور نشرها صورة لها مع رفاقها من السباحين المصريين المشاركين في الدورة.
حتى البطلة فريال أشرف صاحبة الذهبية التاريخية لمصر لم تسلم من الانتقادات بعدما قبّلها مدربها هاني قشطة قبلةً عفويةً على رأسها فور إعلان فوزها بالميدالية.
بينما كانت فريدة تنشد من جمهورها دعمها وزملاءها والدعاء لهم بالتوفيق، التفتت الغالبية من المعلقين إلى "الشورت القصير" الذي ترتديه. وانهال عليها "الوعظ"...
وعقب نهاية منافساتها من دون الفوز بأي ميدالية، تكررت تعليقات ساخرة على غرار: "الحمد لله إنها مغرقتش"، ووصفت بأنها "فاشلة" برغم إنجازاتها السابقة!
هذه التعليقات كلها تجعلني أعتقد أنه "مفيش فايدة"، ومهما حققت المرأة تظل تقارن بالرجل وتتعرض للتحقير، وإن كان مبطناً. فإن أنجزت فلأنها كالرجال وإن أخفقت فلأنها لا ينبغي أن تغادر المطبخ...
وهنا أتساءل: لماذا لا نشيد بإنجاز بطلاتنا من دون أن نقارنهن بالرجال أو نعاير "هم" بإنجازات "هن"؟ لماذا لا نكون منصفين ونعترف لكل بطلة بالجهد والعرق من دون نسبة الفضل إلى أمور كـ"الحجاب" و"دعاء الوالدين" و"حسن الخلق"؟ لماذا لا نقول "عاش يا بطلة" وكفى؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون