شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
إلى ناشئات السلة المصريات: شعر الإبطين أهم من بطولة أفريقيا!

إلى ناشئات السلة المصريات: شعر الإبطين أهم من بطولة أفريقيا!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 7 أغسطس 201912:48 م

تأهل منتخب مصر لكرة السلة ناشئات، تحت 16 عاماً، إلى نهائي بطولة أفريقيا والتي انعقدت في "روندا" 2019، بعد فوزهن على منتخب "أنجولا" في الدور نصف النهائي. وانتهت البطولة في الثالث من أغسطس 2019 بفوز منتخب "مالي" على المنتخب المصري، ومع ذلك، تأهلت الناشئات لكأس العالم لكرة السلة، والمقرّر انعقاده في رومانيا 2020.

في الأيام القليلة التي فصلت المباراتين، انتشرت صورة اللاعبات المصريات، يظهرن فيها مليئات بالحماس والبهجة، أفسدتهما تعليقات مُسيئة لبعض مستخدمي الإنترنت، الذين تركوا إنجازهن الرياضي وعلّقوا على شعر إبطهن!

معايير الجمال والتشييء الجنسي

في عام 1997، قدّمت كل من باربرا فريدركسون وتومي آن روبرتسن، بروفسورات علم النفس، نظرية "التشييء الجنسي"، أثناء دراستهما في قسم علم النفس بجامعة "دوك" الأمريكية. تُفسّر النظرية كيف يتم التعامل مع أجسام النساء بوصفها أشياء تخدم الرغبات الجنسية للرجال، وكيف يؤثر هذا التصوّر على أوضاع النساء اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. وأضافتا، أن التشييء الجنسي مُتجذّر في الأنظمة الأبوية، حتى أن بعض النساء يتبنونه باعتباره "العادي".

ساهمت النظرية في تفسير الربط بين التشييء الجنسي للنساء والاقتصاد الذي يتربّح من وراء هذا التشييء، مثل الإعلانات التي ترافق عارضاتٍ بملابس السباحة، أو في أوضاع جنسية صريحة، لتجذب الانتباه للمنتَج، أو كالشركات المُصنِّعة لمنتجات تمليس شعر الرأس، أو إزالة شعر الجسم، كما في السينما التي تقدّم النساء كأدوات إثارةٍ جنسية، وتفرض أنماطاً محدّدة لتعريف الجمال. وعلى هذا الأساس يتم تقييم النساء بالمظهر، شكل الجسم، لون البشرة، القابلية الجنسية إلخ، والذي ربطته النظرية بالاضطرابات النفسية والعقلية التي تصيب أغلبية النساء، بسبب أن صورتهن عن أنفسهن لا تتماشى مع معايير الجمال.

 إن رجعنا بالزمن سنوات قليلة، سنجد صوراً لممثلاتٍ عالميات ومصريات، يظهرن فيها باعتيادية مع شعر الإبط، منهن مارلين مونرو، مديحة كامل، ناهد شريف، هياتم، وسامية جمال

تفرض معايير الجمال نفسها علينا كنساء، ونُعاقب اجتماعياً إذا لم نلتزم بها، أو تجرّأنا على الخروج عليها. فتلك المعايير التي هدفها الأول هو التربّح من تسليع أجسامنا، هي المروُّج والمستفيد من الضغط الاجتماعي المفروض علينا لنبدو "أكثر أنوثة". هذا الربط بين الأنوثة والسلوك أتى إلينا من سُبلٍ مُتعددة، منها الإعلام والسينما، الإعلانات، البورنوغرافيا، وحتى الإنترنت. منتجات إزالة الشعر، تمليس الشعر وتشقيره، رفع الثدي، تكبير المؤخرة، جميعها تخدم الصناعات الراعية لها مالياً، فكل امرأةٍ مرسوم لها سلوك مُسبق وشكل جسم مُحدد لتبدو "امرأة حقيقية". فلتكون الواحدة منّا امرأة حقيقية عليها الالتزام بهذه الخريطة، لتكون مقبولة وغير منبوذة.

من الاعتيادية إلى "القذارة"

تغلغلت تلك النمطية في حيواتنا اليومية. فلو أخذنا مثال إزالة شعر الجسم كواحدٍ من معايير الجمال، نجد أن "العادي" أصبح إزالة النساء لشعر أجسامهن، وما دون ذلك "غير عادي/ غير مقبول". ويصل إلى ترادف إزالة شعر الجسم بالنظافة، فتكون كل امرأة لا تُزيل شعر جسمها ليست فقط غير مقبولة وغير عادية، بل أيضاً "غير نظيفة". وهذا ما حدث في قصة صورة اللاعبات، وكانت التعليقات المُسيئة لهن مبنيةً على هذه الصورة النمطية عن أجسام النساء، والتي هي مُتغيّرة وفقاً لتداعيات السوق.

إن رجعنا بالزمن سنوات قليلة، سنجد صوراً لممثلاتٍ عالميات ومصريات، يظهرن فيها باعتيادية مع شعر الإبط، منهن مارلين مونرو، مديحة كامل، ناهد شريف، هياتم، وسامية جمال. من غير المنطقي اعتبار أن القفزة من اعتيادية وجود شعر تحت الإبط إلى اعتباره سُبّة وقذارة، هي وليدة يوم وليلة، أو وسيلة واحدة فقط من السابق ذكرها، إنما هي نتاج سنواتٍ من التشييء الجنسي للنساء وتقييمهن بناءً على تفضيلات السوق، والتي فرضت نفسها حتى على الرجال الذين تقبّلوا شعر الإبط في السابق، ورفضه أحفادهم الآن، وهم يعتقدون، وبهزلية تامة، أنها "تفضيلاتهم الشخصية" ممزوجة باعتيادية وجود أجسام النساء حليقة أمامهم يومياً، في سياقات لا تمُتّ للحياة اليومية بأي صِلةٍ، مثل الإعلانات والبورنوغرافيا، التي تقرر لهم تلك التفضيلات الشخصية.

الرجل الذي يصمني بشعر إبطي، هو الذي يقيس رجولته بقوّة انتصاب قضيبه: فإزالة شعر إبطيّ، يخدم شركاتٍ تُتنج أدوات إزالة شعر الجسم، وسعيه لانتصاب قضيبه، يخدم شركات تُنتج المقويات الجنسية، وتستمر عمليات تسليع أجسامنا، وصمها، نبذها، وقبولها رهينة "السوق"

إن صورة ناشئات منتخب كرة السلة المصري، مُلهمة. نحن نحتاج هذه الصورة وغيرها، فبدلاً من أن تكبر الفتيات على الالتزام بمعايير الجمال والتعامل مع أجسامهن كأدوات جنسية، نجد فتيات مُنطلقات وفخورات بأجسامهن. تصبح هذه الصور يوماً آليات مقاومة


الصورة النمطية التي يفرضها السوق

الأمر يتعدّى التفضيلات الشخصية. لو كان كل رجل من هؤلاء معنياً فقط بتفضيلاته الشخصية، لما وصموا اللاعبات بشعر الإبط واعتبروه قذارة، فهم غارقون، مع ملايين غيرهم حول العالم، في الصورة النمطية التي تفرضها السوق. الرجل الذي يصمني بشعر إبطي، هو نفس الرجل الذي يقيس رجولته بقوّة انتصاب قضيبه: فإزالة شعر إبطيّ، يخدم شركاتٍ تُتنج أدوات إزالة شعر الجسم، وسعيه لانتصاب قضيبه، يخدم شركات تُنتج المقويات الجنسية، وتستمر عمليات تسليع أجسامنا، وصمها، نبذها، وقبولها اجتماعياً، رهينة بتداعيات السوق.

الأمر مُرهق أيضاً. كمية الوقت والمجهود والطاقة المهدورة منّا في سبيل التحقق الجسماني وفقاً لهذه المعايير، هائلة وصادمة. بالنظر سريعاً للحياة اليومية، فإن أغلب النساء لا يُزلن شعر الجسم باستمرار، أو جميعه. معظمنا مهتمّات بالأجزاء الظاهرة، أو التي لا تأخذ مجهوداً في الإزالة، كحلاقة شعر الساق دون الفخذ، وحلاقة شعر الساعد دون الرسغ، والاهتمام بشعر الشارب على حساب الجبين والرقبة، إلخ.

أما الرجال فحتى أغلبهم ممَن يفضلون إزالة الشعر حول الخصيتين، لا يحلقون الشعر حول فتحة الشرج، إما لأنها منطقة غير مُستخدمة، أو لارتباط عدم استخدامها برهاب المثلية الجنسية.

بشكلٍ شخصي، وجدت صورة ناشئات منتخب كرة السلة المصري، مُلهمة. كنساءٍ، نحن نحتاج هذه الصورة وغيرها، فبدلاً من أن تكبر الفتيات على الالتزام بمعايير الجمال والتعامل مع أجسامهن كأدوات جنسية، تجد فتيات أخريات مُنطلقات ومُتحمسات وفخورات بأجسامهن. تصبح هذه الصور يوماً آليات مقاومة لسنواتٍ طويلة من التطبيع مع معايير قبول اجتماعية أضرّت ملايين النساء. التعامل مع أجسامنا باعتيادية وأريحية، هو وسيلتنا لمواجهة هذا التطبيع.

تحية لكل الفتيات في الصورة، وهنيئاً لهن الميدالية الفضية والمركز الثاني، وحظاً أوفر في انتزاع لقب البطولة القادمة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image