شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
أزمة بين الباحث الأزهري ومسيحيي مصر أم فتنة؟... انعكاسات

أزمة بين الباحث الأزهري ومسيحيي مصر أم فتنة؟... انعكاسات "نقد التقليد الكنسي"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الثلاثاء 3 أغسطس 202110:19 ص

قبل أسابيع قليلة، تتجاوز الشّهرَ بالكاد، انتهى الباحث المصري محمد هنداوي، المشرف العام على الأكاديمية الإسلامية في النرويج، من كتابه "نقد التقليد الكنسي... الكنيسة المصرية أنموذجاً"، وعلى الفور تلقفته دار نشر ليست من الفئة الأشهر في مصر، تُدعى "اللؤلؤة"، ومقرها مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية.

طبعت الدار نسخاً يسيرة للكتاب، وأفردت له مساحة في معرض القاهرة الدولي للكتاب الأخير، ولم تمرّ سوى أيام، حتى تواردت أنباء عن سحب الكتاب من المعرض، ثم توالت الأخبار عن غضب عارم في الأوساط الكنسية المصرية.

"اطرحْ عنك هذا الوثن"!

يُفتتح الكتاب الذي يقع في 437 صفحة بثلاث مقدمات، كتبها عبد الرحمن جيرة، أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية، وعلي الريّس، باحث ومحاضر في مقارنة الأديان، وسامي عامري، المشرف على مبادرة البحث العلمي للمذاهب المعاصرة والأديان.

في واحدة من المقدمات الثلاث، يدخل الدكتور علي الريس في صُلب الكتاب، ومأربه الحقيقي بقوله: "جاءت الشريعة الغرّاء كاشفة عن أسباب انحراف الأمم السالفة، وذلك لتحصين الأمة من السقوط فيما سقطوا فيه، ولقد كان الانقياد لأقوال آبائهم وأجدادهم بغير بصيرة ولا تمحيص هو من أحد صور الضّلال التي حرصت الشريعة، وحرص الرسول بشكل عملي على تبيانها وتصحيحها، فيقول عدي بن حاتم: أتيت النبي وفي عنقي صليب من ذهب. فقال: يا عدي اطرحْ عنك هذا الوثن."

أما صاحب الكتاب محمد هنداوي، فقد حدد غايته من بحثه في مقدمته، بقوله: "غايته: منازلة أهل الكتاب فيما يدّعونه من صدق التقليد، وأن عقائدهم قد نقلت إليهم مُسلّمة من جيل إلى جيل وتلقوها كابر عن كابر؛ ولبيان زيف ما يدعون أتيت على مصادر التقليد مصدراً مصدراً ومحللاً وموصفاً تارة، ثم مناقشاً تارة أخرى؛ فعرض للكتاب المقدس، والآباء والليتورجيا (هو أحد فروع علم اللاهوت العملي، يبحث في العبادة المسيحية وكلّ ما يختصّ بها) والفن الكنسي، والمجامع الكنسية، والقانون الكنسي."

صاحب الكتاب محمد هنداوي، حدّد غايته من بحثه في مقدمته، بقوله: "غايته: منازلة أهل الكتاب فيما يدّعونه من صدق التقليد"

ويتابع هنداوي في كتابه: "وقد عرضت للكنيسة الأرثوذكسية المصرية، ونِسبتها لمرقس الرسول، مناقشاً دعوى دخول مرقس مصر، وكتابتَه الإنجيل المنسوب إليه".

ثم ينتهي الباحث محمد هنداوي الأزهري في كتابه إلى ما أسماه "خلاصة القول"، بتأكيده أن "القوانين مصدر ثانوي من مصادر التقليد، وهي مذياع لما تقرره المجامع، حاله كحال الليتورجيا، يبدأ بسيطاً ويتطور تبعاً لما يجد من هرطقات وما يعرض من قضايا ومشكلات."

كتاب كنسي مُضادّ لم يظهر للنور!

"الرب يحفظ الإيمان بغير انكسار، كما أنَّ الحدود التي وضعها الآباء الأولون لا يتجاوزها أحد. وعندئذٍ فإنَّ مخافة الناموس يُرنم بها، ونعمة الأنبياء تُعرف، وإيمان الإنجيل يتأسس، وتقليد الرسل يُحفظ، ونعمة الكنيسة ترتفع."

بهذا التقديم أعلنت دار "رسالتنا" المهتمة بنشر الأعمال المسيحية، بعد خمسة عشر يوماً من إصدار كتاب "نقد التقليد الكنسي" نيتها إصدار كتاب مضادّ بعنوان "دحض نقد التقليد الكنسي"، للردّ على ما ساقه محمد هنداوي الأزهري في كتابه، ويقوم على إعداد الكتاب القسُّ مينا القمص إسحق، وموريس وهيب.

وتواصل رصيف22 مع القس مينا إسحق، للوقف معه على أبرز ما سيسوقه من ردود في كتابه، لكنه أكد أنهم تراجعوا عن إصدار الكتاب، مشيراً إلى أنهم اكتفوا بالردود المنتشرة من أبناء الكنيسة على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة أن الكتاب لا يستحق الردّ عليه في كتاب مضاد، إذ أنه "معيب، ويقتطع اقتباسات بعينها لدعم وجهة نظره، وهذه طريقة غير أكاديمية"، على حد تعبيره.

ويضيف القس مينا في حديثه لـرصيف22: "من متناقضات الكاتب، أنه قدّم الشكر لبعض المسيحيين الذين ادعى أنهم ساعدوه في كتابه، ومن جانبنا استبشرنا خيراً بهذه الخطوة، وقلنا إنه قد يكون خطوة في الحوار المسيحي الإسلامي، لكن بعد قراءة الكتاب، اختلف نفس الأشخاص المسيحيين الذي استبشروا به، وكتبوا نقداً فيه، وغالباً فضيلة الشيخ (يقصد محمد هنداوي) حذف كلّ من انتقد كتابه وأظهر ما فيه من عوار، وغالباً حظرهم من حسابه على فيسبوك."

تفنيدات شعب الكنيسة المصرية

لم ينتظر المتعمقون في الشأن المسيحي المصري على مواقع التواصل الاجتماعي صدور كتاب للدفاع عن عقيدتهم، وانهالوا على كتاب "نقد التقليد الكنسي"، وتوالت المنشورات المفندة لما اعتبروه افتراءات من محمد هنداوي الأزهري.

ومن الردود ما طرحه نوح أبّا بيشوي، في سلسلة مقالات جمعها في كتاب إلكتروني بعنوان "نقض النقد"، إذ عدّد مجموعة من المآخذ -بحسب اعتقاده- أهمها: "فساد استخدام المنظور الإسلامي في مبدأ صحة السند دليل على صحة المتن لنقد التقليد المسيحي، وفساد مبدأ عدالة الرواة كدليل على صدق أي كتاب مقدس."

وتابع نوح ردوده، بقوله: "الكتاب به أيضاً فساد في منهج تحديد الهدف من البحث لأنه يؤدي إلى تلفيق البحث ليصل إلى الهدف المنشود، والقفز من الاقتباسات المسيحية إلى نتائج مُضللة لا علاقة لها بالاقتباس الأصلي، مثل الاستدلال من طول الرحلة على أن كاتبها لا يعرف الطريق!."

مثل هذه الأزمات التي تطرح على السطح في مصر، كثيراً ما تُقابَل بالتجاهل سواءً من المؤسسة الأزهرية، أو من خلال الأعمدة الرئيسية في الكنسية، هرباً من إشعال الفتنة

تلك النقطة الخاصة بـ"تضليل الاقتباس" اتفق معها الباحث الكنسي مينا موريس في منشورات له جمعها في كتيب إلكتروني بعنوان "سلسلة دحض نقد التقليد"، وخصّص في أحد المنشورات استشهاد الأزهري بكتاب "يسوع والأناجيل الأربعة"، فقال: "نقل الأزهري في كتابه: (فربما يكون التقليد الذي يربط مرقس بالإنجيل الثاني بعيداً تماماً عن الحقيقة، فيوحنا مرقس الذي تقابلنا معه في العهد الجديد هو شخص لا أهمية كبيرة له، وليس من نوعية الشخص الذي تعزى إليه كتابة إنجيل."

ويتابع مينا: "بينما النص في الكتاب الأصلي هو العكس تماماً، ونصه: فربما [لا] يكون التقليد الذي يربط مرقس بالإنجيل الثاني بعيداً تماماً عن الحقيقة"!

أين البابا؟

مثل هذه الأزمات التي تطرح على السطح في مصر، كثيراً ما تُقابَل بالتجاهل سواءً من المؤسسة الأزهرية، أو من خلال الأعمدة الرئيسية في الكنسية، هرباً من إشعال الفتنة، ويبدو أن هذا ما جعل المقالة الأخيرة للبابا تواضروس، بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تتحدث عن أهمية الكتب وتباري الأفكار، مما جعل الكثيرين يتكهنون بأن البابا يُعلق بشكل خفي على كتاب "نقد التقليد الكنسي".

في المقالة المنشورة في مجلة "الكرازة" تحت عنوان "كتب مرجعية هامة"، بعد أسبوعين فقط من صدور كتاب محمد هنداوي الأزهري، يفتتح البابا حديثه، باستشهاده بقول الدكتور طه حسين، الذي وصفه بأنه "أحد عظماء مصر تاريخها الحديث"، حين قال: "ما نعرف شيئاً يحقق للإنسان تفكيره وتعبيره ومدنيته كالقراءة".

ويستكمل البابا مقاله باستشهاد آخر للجاحظ، حين قال: "يذهب الحكيم وتبقى كتبه، ويذهب العقل ويبقى أثره"، وبعد تلك المجموعة من الاستشهادات الدالة على أهمية الكتب، دلّ البابا قُراء المجلة إلى ثلاثة كتب، وصفها بأنه "مرجعية هامة"، كونها تختص بشروحات الكتاب المقدس.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard