شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"الحور العين أطهر وألذ"... من أخلاقيات "متدينين" ورغباتهم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 28 يوليو 202106:32 م

يقضي الشاب الملتحي أحمد (40 عاماً) من غزة جل وقته في المسجد، تلمح في نظراته جدية الشخص الملتزم، المتدين، وترى في لغة جسده تعففاً غير طبيعي، فهو يرتدي جلباباً رمادي اللون، قديماً نوعاً ما (رغم أنه ليس هناك في الإسلام ما يسمى فقه الرداء، ولكنها سنة كما يبرر) ويحمل مصحفاً، ويقرأ سورة الواقعة، وهي سورة يُذكر فيها الحور العين، "اللؤلؤ المكنون".

"لا أنوي الزواج".

تعلق أحمد كثيراً بهذه السورة من القرآن، وغيّرت في نظرته لذاته، يقول: "حتى الآن لم أتزوج ولا أنوي الزواج، فأنا أسعى لنعيم الآخرة، أسعى لزوجات من الحور العين، فهن أجمل، وأطهر، وأنقى، وألذ، وأشهى".

وبضيف: "ظروفي المادية لا تسمح لي بالزواج، فأنا تقريباً عاطل عن العمل، نتيجة الحصار في غزة، ولهذا أصبر على هذه المشكلة كي يعوضني الله تعالى في الآخرة".

ماذا عن شهوتك؟ خاصةً أنك في ريعان شبابك، وكيف تتغلب على غريزتك؟ يجيب: "أحارب الأمر بالصوم، فإنه وجاء "حماية" كما أنني أعيش حالة روحانية أتخيل فيها نساء الجنة، وأرى نفسي مستمتعاً بينهن، فهن كثيرات، وشديدات الجمال، الأمر الذي يجعلني لا ألتفت إلى نساء الأرض، فنساء الجنة من الحور العين، ما لا عين رأت، فهن كاللؤلؤ المكنون كما يصفهن حديث أبي هريرة، بأنهن "زوجتان يُرى مُخَّ سوقهما من وراء اللحم من الحُسن".

يعاني قطاع غزة من ظروف اقتصادية صعبة نتيجة الحصار الإسرائيلي، والانقسام، هذه الظروف أدت إلى تفشي ظاهرة البطالة، في ظل ارتفاع معدلات الفقر، وبالتالي يعاني الشبان في هذه المنطقة من تأخر سن الزواج.

"أعيش حالة روحانية أتخيل فيها نساء الجنة، وأرى نفسي مستمتعاً بينهن، فهن كثيرات، وشديدات الجمال، الأمر الذي يجعلني لا ألتفت إلى نساء الأرض"

ترى الأخصائية الاجتماعية ربا سالم (35 عاماً) من القدس أنه "في ظل البؤس المعيشي، والوضع الاقتصادي المزري، فإن فكرة الجنة ومتعها تزدهر، بل وتتوهج، بما فيها فكرة الحور العين، في محاولة لتعويض حرمان الدنيا، والبؤس المعيشي".

صفات الحور العين

ويمثل أحمد نسبة لا بأس بها من أولئك المقتنعين بجزاء الآخرة من نساء الجنة "الحور العين"، وتعتمد فكرة إدمان هذه الفكرة على صفات ذكرها القرآن والحديث، وهي صفات ألهب بها رجال الدين عقول الشباب.

يقول الشيخ رمزي باقر (45 عاماً) فلسطيني من الضفة الغربية لرصيف22: "هؤلاء النساء في عيونهن كحل وملاحة، وحسن وجمال، ويتمتعن باتساع العين، ومن هنا أتت التسمية، فالحور العين تعني اتساع العين الشديدة البياض، والشديدة السواد".

بينما يقول شيخ آخر (56 عاماً) من سوريا، فضل عدم ذكر اسمه لرصيف22: "هن كأمثال اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ، أي كأنهن اللؤلؤ الأبيض الرطب الصافي البهي، المستور عن الأعين والريح والشمس، الذي يكون لونه من أحسن الألوان، لا عيب فيه بوجه من الوجوه، فكذلك الحور العين، لا عيب فيهن بوجه، بل هن كاملات الأوصاف، جميلات النعوت، فكل ما تأملته منهن لم تجد فيه إلا ما يسر الخاطر ويروق الناظر".

وقديماً، وصفهن ابن القيم في كتاب "روضة المحبين": بأنهن خيرات حسان، وهو جمع خَيْرة وأصلها خَيّرة، وهي التي قد جمعت المحاسن ظاهراً وباطناً، فكمل خلقها وخلقها، فهن خيرات الأخلاق حسان الوجوه".

كما وصفهن بـ"الطهارة"، يقول القرآن: "ولهم فِيهَا أَزواج مطهرة وهم فيها خالدون"، كما أنهنّ "مطهرات من الحيض والبول والنجو (الغائط)، وكل أذى يكون في نساء الدنيا، وطهرت بواطنهن من الغيرة وأذى الأزواج، وتجنيهن عليهم"، بحسب تعبيرات ابن القيم.

واعتماداً على ما سبق من صفات تسلب ألباب الذكور، فقد وجد رجال الدين ضالتهم في كيفية استمالة الشباب للدين والآخرة، وتحريض البعض الآخر على القيام بـ"الجهاد" في سبيل الله للفوز بهؤلاء النسوة، وتتم عملية غسل الدماغ في الخطب الدينية، وعلى المنابر، وتبدأ العملية بتغذية الوعي واللاوعي بجنسنة متعة الآخرة، فيقوم الخطيب بدغدغة مشاعر الذكورة، وتصوير الأمر وكأنه خيال إباحي لا مثيل له من المتعة اللامتناهية.

"أرى الجنة كل ليلة"

أم رامي، كما فضلت أن تسمّي نفسها (54 عاماً)، سعودية، هي الأخرى تحفزها خيالات الجنة أكثر إلى مساعدة زوجها، إلى الدرجة التي تراها في منامها، فهي أيضاً ستكون "سيدة نساء الحور العين". كما تعد بعض الآثار الزوجة "الصالحة"، تقول لرصيف22: "زوجي مريض، مقعد، ونعيش من راتب استقطاعي توفره لنا الحكومة، وأنا أقوم بخدمته ليل نهار، لدرجة أنني تبرعت له بكليتي وعيني اليمنى، ولا أريد سوى جزاء الآخرة".

وتتابع: "أنا أعيش بكلية واحدة، وعين واحدة، وقد ضحيت بذلك طلباً لرضى الله، كل ليلة في المنام أرى نفسي في الجنة، أرى حدائق غناء، وألواناً لم أرها في الدنيا، وأنهاراً من العسل والخمر واللؤلؤ، وأكون في قمة السعادة، وهو ما يحفزني لخدمة زوجي أكثر وأكثر، فما أراه من أحلام هو رسائل من الله بأنه راض عني كوني أقوم بخدمة زوجي، الذي لا حول له ولا قوة".

نفسياً يجيب الدكتور إبراهيم سكافي، أخصائي الطب النفسي والعصبي، فلسطيني من الضفة الغربية حول فكرة الجنة، وما تحفزه فينا من سلوكيات: "تبدأ الفكرة من الطفولة، بأنها شيء جميل، ومعظم الأشياء السلوكية التي نحن عليها الآن آتية من الطفولة، إيجابية كانت أم سلبية، فمن سن الروضة يربطون الشيء الجميل للطفل بالجنة، وتتم برمجة الطفل على أن الجنة هي المكان الخرافي، وبالتالي تبدأ الصورة الذهنية ترتبط بالفكرة، وهي صورة جميلة، وتبدأ هذه الفكرة بالنمو حتى ترسخ في العقل الباطن، في منطقة المعتقدات الراسخة".

ويضيف: "وفي مرحلة المدرسة يتم تعزيز الفكرة بربطها كنوع من المقارنة بين الجنة والنار، وبين الحلال والحرام، ويصبح هناك مثلت من المعتقدات، والأفكار العميقة المتجذرة، وهي البنية النفسية العميقة للعقل الباطن".

"كل ليلة في المنام أرى نفسي في الجنة، أرى حدائق غناء، وألواناً لم أرها في الدنيا، وأنهاراً من العسل والخمر واللؤلؤ، وأكون في قمة السعادة، وهو ما يحفزني لخدمة زوجي أكثر وأكثر"

ويتابع: "ثم يتحول الأمر إلى سلوك، حتى يفوز بالجنة، وهنا الموضوع له أبعاد أكبر من مجرد صورة جميلة، فيبدأ عند الفتى حب المساجد، وفعل الخير، وسلوكيات أخرى، أكثر إيجابية، وفي مرحلة المراهقة، يصبح هناك صراع الهوية بين المعتقدات التي اكتسبها، وبين ما يؤمن به، ويبدأ بالسؤال: هل الجنة موجودة؟ وهي مرحلة خطيرة، والنتيجة إما يتمرد على هذه الفكرة ويبدأ التخلي عنها، إن لم تكن المعتقدات قوية أو سيزداد لديه الالتزام الديني".

ويثمن الشيخ عبد العزيز عودة، داعية وخطيب من غزة، حالات الموت والآخرة كـ "محفز أول، وضابط دقيق، وقوي لحركة الإنسان، فالموت من أكبر الحوافز لفعل الإيجابيات ولفعل الخير، من هذا الخوف ينشـأ محفز فعل الخير، فيبدأ التحرر من النفاق والكذب والجريمة والتصنع والذنوب خوفاً من المصير الذي سيلقاه المرء بعد الموت".

تأملت في كلام الشيخ، ولكن إذا نظرنا إلى أنفسنا بشكل أعمق، فربما أبصرنا واقعاً نفسياً مختلفاً.

الخوف من الآخرة، ونكران المشاعر الدنيوية يعزز من احتماليات التطرف، والعزلة، وكذلك الخيالات الجنسية في الجنة عززت من صورة الرجل لنفسه بصفته شهوانياً أكثر من المرأة، وباحثاً عن المتع الجنسية، وكذلك يغذي في الدنيا نظرته للمرأة ككائن مسخر لإشباع رغباته، وقد تخدر دوافعه لتحسين حياته المادية، والظفر بشريكة حياة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard