شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
انهيار اقتصادي وجنسي.... العجز يدخل الى أسرّة اللبنانيين

انهيار اقتصادي وجنسي.... العجز يدخل الى أسرّة اللبنانيين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 15 يوليو 202112:00 ص
Read in English:

Sexual and Economic Collapse.... Impotence Invades Lebanon’s Beds

قد يظن البعض أن فعل ممارسة الجنس تصبح أمراً ثانوياً في ظل انهيار اقتصادي شامل وبلد يتوجّه نحو المجهول. لكن في الحقيقة حين تصبح كل تفاصيل الحياة خارجة عن السيطرة يلجأ الفرد إلى نفسه، أفكاره وجسده كي يشعر أن لديه قرارات خاصّة يتّخذها، وأنه يملك شيئاً. لكن في ما يخص الطبقة الوسطى التي تتلاشى تدريجياً في لبنان والطبقة الفقيرة، حتّى الأجساد صارت ملكاً للدولة اللبنانية وانهيارها.

يُفترض أن يكون الجنس فعلاً خاصاً وشخصياً، نابعاً من قرارات يتّخذها الأفراد بحسب رغباتهم، إلا في لبنان، صار فعل الجنس يحدّد بحسب قوانين الانهيار الاقتصادي.

حبوب منع الحمل مفقودة

في ظل احتكار التجّار، وعدم تحرّك مصرف لبنان كما يجب وغياب الرقابة والتهريب، فُقدت الأدوية الأساسية من الصيدليات ومنها أدوية منع الحمل.

تشرح السيدة زينب وهي عاملة في إحدى الصيدليات أنه في بداية الأزمة حين شعر الناس باحتمال غياب الأدوية الأساسية قاموا بتخزينها، مما أدى إلى نفادها بسرعة قياسية، كما أن الأدوية اليوم تصل بكميات محدودة إلى الصيدلية وتنفذ بسرعة. ثم حين ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، توقّفت الشركات الأساسية عن إمداد الصيدليات بالأدوية خوفاً من الخسارة المادية، لأن الأدوية يتم استيرادها بالدولار. هذا الأمر أدّى إلى عدم توفّر الأدوية التي يحتاجها الناس الذين يعانون من أمراض مزمنة، وخلق صفحات تبادل للأدوية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وصار اللبنانيون يعتمدون على عودة المغتربين محمّلين بالأدوية.

 الانهيار الاقتصادي حلّ على جسدي كما حلّ على وظيفتي ومنزلي

قد يظن فريق من الناس أن وسائل منع الحمل ليست من الأدوية الأساسية، لكنها في الواقع مرتبطة مباشرة بحياة النساء وقراراتهن المتعلقة بالإنجاب.

الخوف من الحمل

قبل حوالي الأسبوع كانت رنوة (اسم مستعار) تمارس الجنس مع زوجها حين اكتشفا اختفاء الواقي الذكري. في بادئ الأمر ظنّت أنّه تمزّق لكنه في الحقيقة علق بداخلها. أخرجت رنوة الواقي وقصدت في اليوم التالي أغلب صيدليات بيروت باحثة عن “حبوب الصباح التالي” وهي نوع من وسائل تحديد النسل الطارئة، تستخدمها النساء لمنع الحمل في حالة المعاشرة الجنسية دون استخدام وسيلة لمنع الحمل، أو في حالة فشلها، وهي عبارة عن حبّة دواء يمكن تناولها في الحالات الاستثنائية، لكن لا يمكن الاعتماد عليها دائماً، إذ إنها قد تسبّب ضرراً. تنجح هذه الوسيلة في حال عدم تخصيب البويضة، وينصح بتناولها بعد ممارسة الجنس غير الآمن خلال مدّة لا تتخطّى الثلاثة أيام.

وفي النهاية وجدت رنوة طلبها، لكن قبل كل هذا عانت من خوفها من حبل غير مخطّط له في بلد ينهار ولا يؤمّن الحليب لأطفاله: “في السابق كنت أعتمد على حبوب منع الحمل، كان ذلك قبل نفادها أو وصولها بكميات محدودة. اليوم، صار اعتمادي الأساسي على زوجي والواقي الذي يشتريه. لكن هناك مشكلة أخرى متعلقة بالكوندوم، لأن العلبة الصغيرة ذات النوعية الجيدة والتي تتضمّن ثلاثة واقيات ذكرية يتخطّى سعرها 33 ألف ليرة لبنانية. كما تم سحب نوع durex من الأسواق بسبب غلائه وعدم قدرة الناس على اعتماده بعد اليوم. ولذلك بدأنا باستخدام أنواع جديدة، ضمن هذه الأنواع كان الواقي الذي انزلق إلى داخلي. حبوب منع الحمل غير متوفّرة، الواقي صار نوعه متدنياً، لا توجد أدوية في الصيدليات تحمي جسدي، إنجاب طفل في هذه البلاد هو فكرة غير واردة وظلم لن أسامح نفسي عليه. إذاً، ما الحل؟ هل نكف عن ممارسة الجنس؟”

منذ مدّة فقد الجنس خصوصيته وصار خاضعاً للانهيار الاقتصادي. في هذا البلد خسرنا أحلامنا، وأموالنا، وظائفنا وحقنا بالحميمية

وتختم: “لو أنّنا نعيش في بلد طبيعي لما كنت سأضطر إلى التفكير بفعل ممارسة الجنس مع زوجي، لأن هذا الفعل الحميمي يفترض أن يؤمّن التواصل والحب والراحة النفسية والجسدية. لكن منذ مدّة فقد الجنس خصوصيته وصار خاضعاً للانهيار الاقتصادي. في هذا البلد خسرنا أحلامنا، وأموالنا، وظائفنا وحقنا بالحميمية”.

راتبي لا يسمح لي بشراء الواقي

“أنتظر قدوم صديقي المقرّب من تركيا الأسبوع المقبل ليجلب لي معه الواقيات الذكرية التي أحتاجها”.

هذا هو الحل الذي يعتمده صالح لكي يحصّل حقّه بممارسة الجنس الآمن، فهو الذي يعمل براتب لا يتخطّى المليونيّ ليرة في الشهر لا يستطيع أن يتحمّل تكاليف ممارسة الجنس وكل ما ينتج عنه، ويشرح: “لنقل أنني أريد ممارسة الجنس بحسب رغبتي ورغبة شريكتي، فسيكلفني ذلك حوالي 300 ألف ليرة في الشهر. الوقود وحده صار يكلف حوالي 600 ألف شهرياً، بالإضافة إلى إيجار المنزل، ووسائل النقل العامّة، والمأكل والمشرب. على هذه الحال ينبغي أن أتديّن لأكمل الشهر. وبالتالي لم يعد بإستطاعتي تغطية تكاليف الجنس”.

ويضيف: “انفجار وانفجرنا، أكل وما عم ناكل لحمة. بنزين وكهربا ومي وانذلينا... بس كس اختها هالدولة لاحقتنا عالتخت!”.

اختار صلاح وشريكته ممارسة الجنس غير الآمن في أغلب الأيام التي لا تكون فيها خلال فترة الإباضة، والامتناع عنه في تلك الفترة. لكن هذا الخيار يأتي معه القلق من الحمل، وقلق دائم أثناء ممارسة الجنس: “في كوندومز، هول الرخاص. العلبة بـ10000 بس منّن مناح وبخوفوا. والأنواع المنيحة صارت كتير غالية. وأدوية منع حمل ما بتلاقي. وما فينا نخلّف ولا نتجوّز هلّق ونفتح بيت. ما في شي بيبسط بهالبلد، ولا لحظة وحدة خالية من القلق حتى بالسكس”.

الانهيار يشمل أجساد النساء

كانت تعاني د. ح. من الجفاف المهبلي خلال ممارسة الجنس، إلا أنها عالجته بالأدوية والمرطبات وكانت قد تأقلمت مع جسدها، وصارت مدركة لكيفية التعامل معه. لكن كل هذا تغيّر في ظل الانهيار الاقتصادي.

“كان التدخين واحداً من المسببات الأساسية للجفاف المهبلي لدي. وبالتالي أقلعت عن هذه العادة، قصدّت طبيبتي وخضعت للعلاج اللازم. حُلّت المشكلة جزئياً واعتمدت على المزلقات الجنسية في أغلب الأوقات. لكن اليوم أغلب هذه المواد مفقودة في لبنان، وبالتالي حياتي الجنسية تأثّرت بطريقة مباشرة. اشتريت قبل مدّة مزلقاً جنسياً محلّياً، وحين عدت لتخزين كميات منه كان قد اختفى عن الرفوف. لدي ما يكفي حاجتي. وسأعتمد على الاستيراد من الخارج. لكن بكل صراحة يمكنني القول إن الانهيار الاقتصادي حلّ على جسدي كما حلّ على وظيفتي ومنزلي”.

انفجار وانفجرنا، أكل وما عم ناكل لحمة. بنزين وكهربا ومي وانذلينا... بس كس اختها هالدولة لاحقتنا عالتخت

هناك التفاصيل اليومية المتعلّقة بكيفية تأمين المأكل والمشرب، وهناك أيضاً عدم قدرة الناس على التنقّل بالمواصلات العامّة التي صارت تكلّف يومياً حوالي 20 ألف ليرة. هناك النساء وعدم قدرتهنّ على شراء الفوط الصحية، وهناك أيضاً الحاجة إلى ممارسة الجنس وما ينتج عنه من إيجابيات بحسب ما تبرهن الدراسات. لكن في ظل الانهيار الاقتصادي الشامل صار الجنس واحداً من مسبّبات القلق لدى الفئات التي لا تتلقى رواتبها بالدولار. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard