"في مكان الانفجار، أينما ولّيت وجهك: كل شيء قابل للانفجار”. كتب محمود درويش هذه الجملة في قصيدته “مديح الظل العالي” حين كان محاصراً في بيروت أثناء الاجتياح. اليوم بعد عقود لا يزال كل شيء قابلاً للانفجار. ففي لبنان هناك من خسروا فعلاً حياتهم في انفجار المرفأ في الرابع من آب /أغسطس من العام الماضي. وهناك من يخسرون حياتهم اليوم بسبب إهمال الطبقة الحاكمة نفسها التي تحرم الناس من الدواء والماء والكهرباء والبنزين.
هذا الرجل قتل في منزله وعلى سريره وهو عاجز عن تشغيل المكنة التي تمدّه بالحياة لأن ذل الدولة اللبنانية يقطع الأنفاس
في الأيام الأخيرة رحلت عن بلادنا ثلاث أرواح جميلة بسبب غياب معايير الحياة الأساسية نتيجة إهمال الدولة. الطفلة جوري السيّد ضحية انقطاع الدواء. الشاب عمر جيلاني ضحية انقطاع الماء. والسيد المسن بسام هضبة ضحية انقطاع الكهرباء.
جوري وعشرة أشهر من الأنفاس الأخيرة
“ساعة عم نفتّش على غرفة عناية لبنت عمرها 10 أشهر... والبنت عم تلفظ أنفاسها الأخيرة. ليه الصيدليات مسكرة؟ من وين بدنا نجيب دواء للبنت من وين؟”. بهذه الكلمات توجّه مازن السيد والد الطفلة جوري إلى شاشة تلفزيون الجديد. يبكي السيّد بينما يحتضن زوجته بعد أن خسرا طفلتهما جوري التي انقطع نفسها وتوفيت في السيارة قبل نقلها من مستشفى مزبود إلى مستشفى حمّود في صيدا بسبب عدم توفّر مادّة البنزين ليتم نقلها في سيارة الإسعاف.
في مقابلة مسجّلة، تشرح ريان الحج والدة جوري ما حصل في الليلة الأخيرة من حياة طفلتها: “ابنتي لم تكن مصابة بأمراض مزمنة. كانت تعاني من حرارة مرتفعة بسبب أسنانها. وحين سألت طبيبتها عن إمكانية إدخالها إلى المستشفى، أعلمتني أن لا جدوى من الأمر بسبب انقطاع الأدوية في المستشفيات. حاولنا أن نجلب لها الأدوية المطلوبة إلا أن كل الصيدليات كانت مقفلة بسبب الإضراب العام، وفي النهاية استقبلنا صيدلاني الساعة التاسعة مساءً ومدّنا بالدواء المطلوب. لكن في اليوم التالي تدهورت حالتها الصحية، وقصدنا المستشفى المركزي في مزبود حيث قام الأطبّاء بواجبهم. لكنّ جسدها كفّ عن التجاوب للعلاج. وتوجّب نقلها إلى مستشفى مختصّ، لكنّنا لم نجد فيه مكاناً"، وكان همّ الأهل تأمين المبلغ المالي المطلوب.
راحت بين إيديي. هلقد بدها واسطة كرمال فوتها على مستشفى؟ هلقد بدها واسطة لنمشّي سيارة إسعاف؟ أخروها كتير. معاش ترجع
حين جاءت الموافقة بعد أكثر من ساعتين وبمساعدة طبيبتها، كانت العائلة قد تاخّرت على إنقاذ ابنتهم. تختم والدة جوري مقابلتها بالقول: “تأخرنا عليها، نحنا وبالسيارة وهي على ركابي، راحت بين إيديي. هلقد بدها واسطة كرمال فوتها على مستشفى فيها عناية أطفال؟ هلقد بدها واسطة لنمشّي سيارة إسعاف؟ أخروها كتير. معاش ترجع”.
عمر الجيلاني ضحية المياه
استيقظنا صباح اليوم على خبر وفاة الشاب عمر الجيلاني (27 عاماً) بسبب عدم توفر المياه في منزله نتيجة انقطاع الكهرباء إذ قصد السطح ليقوم بتركيب خزان خاص به فوقع عن الطابق الخامس وتوفي.
عمر الشاب الذي تزوّج قبل ثلاثة أشهر كان قد بحث عن منزل ببدل إيجار يناسب راتبه، وصعد مع السنكري إلى السطح إلا أن رجله زلّت ممّا أدى إلى وقوعه واستقرار جسده في موقف السيارات أسفل المبنى.
على صفحته الخاصّة على فيسبوك كان قد شارك عمر منشوراً ينعى فيه الطفلة جوري والحاج بسّام اللذين دفعا حياتهما ضريبة عيشهما في لبنان.
بسّام هدبا... انقطاع النفس من انقطاع الكهرباء
أخبرنا هادي عن وفاة والده “تاج رأسه” من خلال منشور شاركه عبر صفحته على فيسبوك، كتب فيه: “انتقل الى رحمة الله تعالى والدي وتاج رأسي نتيجة استمرار انقطاع الكهرباء. والوالد رحمه الله كان بحاجة لمكنة تنفس بشكل دائم . شكراً يا دولة لبنان الكبير وزعماءنا ورؤساءنا الزعران”.
الوالد رحمه الله كان بحاجة لمكنة تنفس بشكل دائم . شكراً يا دولة لبنان الكبير وزعماءنا ورؤساءنا الزعران
لم يجمّل هادي كلماته ولم يشرح كثيراً، قال الأمور كما هي بصراحة مطلقة جعلت الواقع يصفعنا في وجهنا. هذا الرجل المسن توفي على سريره الذي نراه في الصورة لأنه يعيش في بلد لا كهرباء فيه. هذا الرجل توفّي ليس لأن عائلته لم تؤمّن جميع احتياجاته. فمكنة الأوكسيجين بجانبه. وليس لأن لا عائلة لديه. هذا الرجل قتل في منزله وعلى سريره وهو عاجز عن تشغيل المكنة التي تمدّه بالحياة لأن ذل الدولة اللبنانية يقطع الأنفاس. وكما قال هادي وشقيق عمر، وحدها الدولة التي تحرمنا من حقّنا بالتنفّس مسؤولة عن القتل الجماعي الذي يحصل. وفي هذه البلاد أينما ويلّينا وجوهنا يبدو كل شيء قابلاً للقتل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع