شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
جيفة الكلب المتفسخة... لماذا يجب تحقير كل رمز يمثل السلطة؟

جيفة الكلب المتفسخة... لماذا يجب تحقير كل رمز يمثل السلطة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 16 يوليو 202112:41 م

قمت منذ أشهر بإرسال مسودة كتابي الثاني إلى بعض دور النشر العربية في محاولة نشر جديدة. كان هناك تفاوت في ردود الأفعال إزاء الكتاب. لكن يمكن اختصار الموضوع بأنّ الردود كلها لم ترفض جوهره، أو أسلوبه، أو أفكاره، على الرغم من تحفّظ البعض على ما ورد في أجزاء منه، لكن كان هناك شبه اتفاق على رفض أحد النصوص، وتحديداً جملة ضمن ذلك النص القصصي تقول: "إنه ليس أكثر من إمبراطور، إنه جيفة كلب تفسخت لسبعين عاماً إلهية في بركة مليئة بدماء نساء حائضات ممتزجة بقيح مئة وخمسين رجلاً اجترعوا التيكيلا المكسيكية فتقيأوا فوق الدماء".

طبعاً طبيعة النص تهكميّة، إلى درجة أن تلك الجملة تتكرر أكثر من عشر مرات في محاولة لترسيخ صورة الاستهزاء الطبيعي جداً من إحدى أهم الأفكار والرموز السلطوية، بشكل صريح وواضح. وهو أمر مُتقصَّد فنياً لإسقاط الهالة التقديسية عن فكرة الرمز السلطوي، وأيضاً لأني شخصياً لست مستعداً لاحترام أي رمز يمثّل السلطة، سياسياً كان، أم دينياً، أم اقتصادياً. بالنسبة إليّ، جميعهم عبارة عن قمامة، بل أكثر من ذلك، إنهم، بالضبط، جيفة الكلب التي تفسّخت.

في المحصلة، دور النشر جميعها أرسلت ردوداً ووافقت فيها على نشر الكتاب، بشرط تغيير النص، أو على الأقل حذف هذه الجملة. بغض النظر عن موقفي من طلبهم، والسجال الذي دار حول النشر الذي لم يتحقق حتى الآن، بسبب إصراري على إبقاء النص. وبغض النظر عن الكتاب، ما أردت قوله هو طرح ذلك السؤال الذي يؤرق فعلياً: لماذا يجب علينا، كشعوب، أن نحترم شخوصاً تمثل السلطة؟

مثلاً لماذا يجب أن أحترم ملكاً، أو رئيساً، أو إمبراطوراً، أو أميراً؟ من هؤلاء؟ حقاً من هؤلاء؟ وهنا لا أطرح السؤال كدعابة، كي يبتسم القارئ بسذاجة، أو يظن أني أحاول تسليته، بل أسأل بشكل جدي وعميق، وأعتقد أنّ الجميع يجب أن يسألوه، ويحاولوا الإجابة عليه، بعيداً عن النصوص الداعمة لأولئك السلطويين من أمثال (أطيعوا أولي الأمر منكم). لا تطيعوا أولي الأمر أبداً، لأن أولي الأمر أثبتوا في النهاية أنهم سفلة.

وهو أيضاً سؤال مطروح بدرجة أخرى على هؤلاء الذين يمثلون السلطة، سواء أكانوا رؤساء سياسيين، أو حتى خدامهم من البوليس الأمني المستعدين للقتل، واغتيال أي شخص يعارض الحُكم، أو رجالات دين يلعقون مؤخرات الحكّام، أو اقتصاديين يدعمون ثراءهم بنصوص غيبية دينية؛ هذا سؤال حقيقي لأولئك المتمثلين في السلطة كلهم: من أنتم؟

من كان يحارب داعش، مثلاً، كونها نظاماً دينياً، يجب عليه في المقابل محاربة إسرائيل كونها نظاماً دينياً أيضاً، وقبول إسرائيل يعني قبول داعش

أنتم بالضبط عبارة عن توليفة العهر بين الأشكال الثلاثة لاستغلال أبدي للشعوب وتجهيل البؤساء، وهذه حقيقة تعلمونها في أنفسكم جيداً. لذا أعزائي، يا من تمثلون السلطة، عندما يقول أحد ما بأنكم جيفة كلب... الخ، فيجب ألا تشعروا بالإهانة، لأنّ هذه هي حقيقتكم. يكفي أن تنظروا صباحاً في المرآة لتشاهدوها. يكفي أن تتأملوا ما يجول في أدمغتكم، لتعرفوا مستوى الوضاعة التي تحلمون بتنفيذها. أليس كذلك؟ المشكلة أن الموضوع بديهي، وليس في حاجة إلى إثبات أصلاً، فالواقع يُقال في العالم بأسره.

أما إذا سألتمونا كشعوب مناهضة لكم أبداً، لماذا تحقيركم واجب؟ فالسؤال خطأ، ويصيبنا كشعوب بالاندهاش، لأنكم تتوجهون به إلى الجهة الخاطئة، والسؤال الصحيح هو أن تطرحوا على أنفسكم التالي: "لماذا لا يجب أن نحتقر أنفسنا، ونحن أسباب البلاء، والجهل، والتخلف، والتدمير، والفقر، والانفلاش، في هذا العالم؟". نحن كشعوب نندهش حقاً، وتجحظ أعيننا عندما تندهشون من وصفنا لكم بأنكم سفلة، أتندهشون من شيء بديهي؟ هل هناك كائن عاقل يندهش من البداهة؟ بالإضافة إلى سفالتكم، تمتازون بالغباء. يا الله بماذا ابتليتنا؟

أنتم رموز فاسدة، وسادةٌ رعاعٌ حقيقيون، ومنحطّون، وتعلمون هذه الحقيقة، ومستعدون للتصالح معها إلى الأبد. لا تدافع بعض الشعوب عن وجودكم، إلا لأنكم اشتريتموهم بأن رميتم إليهم بعض ما تبقى من فتات موائدكم، ويقبلون بتلك الحياة الوضيعة، لأنهم لا يمثلون الشعوب. هؤلاء لاعقو مؤخرات. ونحن من يمثل الشعوب، نحن الذين نحتقركم في العمق، لأنكم سادة حقراء بلا أدنى شك.

طبعاً هذه المقدمة الأدبية كلها، المحترمة جداً، التي لم تفِكم حقكم أبداً في الاستهزاء والسخرية منكم، هي ضرورية كي نصل إلى تلك النقطة التي نحاول فيها تشريح بعض جدالات الطواغيت الصغار، التافهين، الحمقى، المتفلسفين، الذين يدافعون، من دون أي دراية، عن سلطاتهم، وسلوكياتهم التطبيعية، ويدافعون عن إسرائيل.

قبل البدء، هناك سؤال بديهي، ويجب طرحه: لماذا نحن ضد إسرائيل؟ والجواب ببساطة لأننا ضد السلطات العربية جميعها (مطبّعين علنيين، ومن يحاولون إيهامنا بأنهم مقاومين عروبيين)، ولأننا نحتقر كل رمز سلطوي فيها، فإسرائيل في النهاية سلطة مثل أي سلطة.

إسرائيل بوضوح ليست أكثر من دولة دينية فاشية في جوهرها، ومن سيتحدث كداعم لإسرائيل على أنها دولة مدنية وعلمانية، فحريّ به أن يضع شيئاً في حنكه. إنها دولة بالصريح الواضح تقوم على نصها التوراتي، فكيف تصبح علمانية أو مدنية؟ دولة ثيوقراطية، إقصائية، متخلفة، تجهيلية، وتمتلك قوة عسكرية. إنها في العمق تشبه مشروعاً كمشروع داعش. إسرائيل لديها مشروع دولة مبني على أسطورة توراتية كإعادة إحياء للتاريخ. وداعش، كمثال، لديها مشروع دولة إسلامية مبني على فكرة إعادة إحياء التاريخ. فما الفرق بينهما فعلياً؟ كلتاهما فكرتان فاشيتان، غبيتان. لذا عزيزي، من كان يحارب داعش، مثلاً، كونها نظاماً دينياً، يجب عليه في المقابل محاربة إسرائيل كونها نظاماً دينياً أيضاً، وقبول إسرائيل يعني قبول داعش. لأن الجذر المؤسس للحركتين تاريخياً، هو مشروع نصي ديني من ذات إلهية واحدة، على الرغم من اختلاف النصيين. لكن أن يصبح رفض داعش وقبول إسرائيل مثالاً، أو قبول داعش ورفض إسرائيل، بحجة أن أحدهما مدني، والأخر شرعي، فهذا ضرب من هراء، وأحد أشكال انفصام العقل المدني، أو بمعنى آخر انفصام العقل الدولي.

إن محاربة فكرة السامية، امتداد طبيعي لمحاربة كل دولة دينية وعسكرية استبدادية، لأنها تقوم على المنطق الأزلي نفسه

تريدون ممارسة سياسة الكيل بمكيالين؟ لا بأس، لكن اخرجوا إلى العلن، وقولوا إنكم تريدون ممارسة هذه السياسة. أما أن تتبجحوا بالتمدن والتحضر، فهذا والله شيء معيب، لقد أصبح كل رئيس منكم بحجم بغل، فإلى متى يجب أن نبقى ساخرين منكم؟

طبعاً لا أحد يفهم مما سبق، أني أدعم مشروعاً دينياً ما، لأنّ الدول الثيوقراطية جميعها لا أشتريها (بفرنكين صدئيْن)، إن كانت دولاً قائمة، أو دولاً تحاول أن تقوم، جميعهم سفلة، لكن المثال تقريبي كي يفهمه المحنّك المتثاقف المنفصم المدافع عن دولة فاشية متجاهلة، كإسرائيل.

إسرائيل أولاً، دولة عسكرية تشبه رموز السلطة العسكريين الذين يحكمون بالحديد والنار كلهم، وثانياً، هي دولة إخونجية، دولة تبني مستوطنات بحسب السياق النصي التوراتي. أتريدون أكثر من ذلك دليلاً معبراً عن عمق الأخونة، طبعاً إخوان يهود. بالإضافة إلى أنهم يطبّعون مع دول قياداتها ليست أكثر من إخوان مسلمين بهيئة مدنيّة. عظيمة أنتِ يا راقصة الشرق المقدسة، فلنقِم الأفراح الملاح... هذا ما كان ينقص الشرق الأوسط؛ إخوان يهود في تحالف مع إخوان مسلمين. يا لتفاهة هذا العالم.

صلة القرابة مذهلة، أولاد عم في السياسة والدين والتاريخ. لذا دائماً كنت أقول إن محاربة فكرة السامية، امتداد طبيعي لمحاربة كل دولة دينية وعسكرية استبدادية، لأنها تقوم على المنطق الأزلي نفسه. وكي لا يخرج إسرائيلي، أو تافه داعم للسامية، ويقول إني معادٍ لها، ومن "هالعلاك"، فالسامية ليست حكراً على أحد. السلطات العربية الإخونجية (المعلنين عن أنفسهم، وغير المعلنين عن أنفسهم، ويختبئون وراء ستار الجمهوريات)، التي كنت أسخر منهم في البداية، هي أيضاً سامية، فهم أولاد عمومتكم. فاستحقارهم يؤدي منطقياً، حسب المنطق الأرسطي، إلى استحقاركم، لأنكم امتداد للجذر التاريخي نفسه.

عندما تصف أحداً ما، بأنه معادٍ للسامية، وتعده تحقيراً للآخر، فهذا لأنك فاشي لا ترى سوى أنّ السامي هو أفضل من الجميع، فعقلك لا يستوعب أنّ فكرة معاداته للسامية أمر أقل من طبيعي. هو شيء منطقي، لأنه تجاوز فكرة الانتماء إلى التاريخ، والنسل الذي لا تستطيع إلا أن تنتمي إليه بسخافة. فأنتم كإسرائيليين فاشيين، ورموز سلطوية من أولاد عمومتكم الإخونجيين العرب، لا عمل لكم سوى التفاخر الأجوف بتاريخكم؛ إنه طبع وراثي سامٍ هزيل وعفن، فتحقير السامية، ورموزها السلطوية هو أمر أخلاقي.

نحن الشعوب ننتمي إلى الإنسانية والفكر والحضارة والمستقبل والسلام، ونناهضكم ونحتقر سلطاتكم جميعها، وقرابتكم السامية، لكنكم لا تستطيعون سوى الانتماء إلى نِطاف التاريخ المتهالك، ونسله الديني الأسطوري السخيف، والتعلق بتاريخ ذكوري تافه كي تشعروا بأنكم كائنات ما زالت تستطيع أن تفاخر بوجودها. الوجود بالنسبة إليكم هو في حفرة الظلام العقلي المتلاشي من الواقع والحياة.

أيها القارئ، يا من تنتمي إلى الشعوب البائسة، حريتك والبحث عن العدالة والمساواة والسلام، لا تبدأ إلا في لحظة احتقار السلطويين كلهم، والدليل الأكبر أنّك، دائماً، الوقود في أي معادلة لبقاء السلطات ورموزها المنحطّة واستمرارها، تحت مسميات الوطن، والدفاع عن أولي الأمر، والحفاظ على وجه الأمة، ومن هذا "العلاك" الذي لا ينتهي أبداً.

في النهاية، إنه ليس أكثر من إمبراطور، إنه جيفة كلب تفسخت لسبعين عاماً إلهية في بركة مليئة بدماء نساء حائضات ممتزجة بقيح مئة وخمسين رجلاً اجترعوا التيكيلا المكسيكية فتقيأوا فوق الدماء.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image