خلال زيارة سلطان عمان هيثم بن طارق إلى العاصمة السعودية الرياض مطلع الأسبوع الجاري، أعلن مسؤولون كبار في مسقط عن افتتاح أول طريق بري جديد بين البلدين قريباً.
وبدأ الحديث عن قرب افتتاح الطريق الجديد في 7 تموز/يوليو الجاري، على لسان سالم النعيمي وكيل وزارة المواصلات والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات العمانية، خلال مقابلة مع تلفزيون عمان سبقت زيارة السلطان العماني الجديد إلى الرياض، وهي أولى زياراته الخارجية منذ توليه منصبه خلفاً للسلطان الراحل قابوس بن سعيد.
وقال النعيمي إن الطريق شبه مكتمل "والعمل الآن على قدم وساق لإنشاء المرافق اللازمة لتوفير خدمات للمستخدمين"، مشيراً إلى أن الطريق البالغ طوله 800 كيلومتر، "تأخر افتتاحه سنوات"، وأنه سيقلل وقت السفر بشكل كبير.
وأوضح أن الطريق الذي يمتد بين مدينتي عبري جنوب غربي عمان والأحساء شرق السعوية، ويمر "عبر بعض أصعب التضاريس في العالم وعبر صحراء الربع الخالي، وطوله 580 كيلومتراً في السعودية و160 كيلومترا في عمان".
ومن المتوقع أن يوفر الطريق وقت انتقال الأفراد والبضائع بين الدولتين بمقدار 16 ساعة.
كأن للسعودية ولي عهد جديد، يفكر في الشؤون الإقليمية بشكل مختلف، مهتم ببناء علاقة متعددة الأوجه تتمحور حول دول مجلس التعاون الخليجي لا الإمارات وحدها".
أهمية الطريق الجديد
اعتبر محللون تحدثوا إلى رصيف22 أن الطريق الجديد "ضرب عصفورين بحجر واحد"، إذ يغير من الوضع القائم الذي كان يجعل من الإمارات بوابة وحيدة للوصول برياً إلى سلطنة عمان، ويفتح سبيلاً بديلاً بين دول السعودية وبحر العرب (قطاع شمال غربي المحيط الهندي) بعد أن كانت مضطرة للاعتماد على الإمارات أو اليمن، كما أن الطريق – في رأي المحللين- يمثل ضربة أخرى لمستقبل المصالحة السعودية الإيرانية، كونه يقلل حاجة السعودية إلى التعامل مع إيران كونها لن تضطر لتمرير بضائعها عبر مضيق هرمز الذي تتقاسم إيران السيادة عليه مع الإمارات.
السعودية الرابح الأكبر
الطريق المتفق عليه واحد من عدة اتفاقات اقتصادية وقعها الطرفان في ظل معاناة سلطنة عمان التي هي أكبر من باقي دول الخليج في تنويع اقتصادها والخروج من حقبة الاعتماد على النفط وحده مصدراً للدخل.
ويرى الكاتب العماني زاهر المحروقي أن الطريق سيوفر الجهد والوقت للعمانيين خصوصاً الحجاج منهم، كونهم سيصلون السعودية، من دون الحاجة إلى المرور بدولة الإمارات، ولا يعني هذا توفيراً كبيراً للوقت فقط، بل توفيراً للأموال كذلك. كما يرى المحروقي أن الطريق الجديد الذي يربط بين سلطنة عمان والسعودية، طريق حيوي للمملكة كذلك، لأنه يفتح لها طريقاً مختصراً نحو بحر العرب. وستكون السعودية هي المستفيدة الكبرى كونها باتت قادرة على تصدير نفطها وبقية إنتاجها إلى دول آسيا عن طريق ميناء الدقم العماني على المحيط الهندي مباشرة، وهذا ما يزيد من تنافسية السلع السعودية ومن مكاسبها مع انخفاض تكاليف النقل البحري الذي كان يتم عبر الإمارات، وتدفع فيه رسوم العبور إلى الإمارات، وكذلك التخلص من التهديدات الأمنية المرتبطة بمضيق هرمز والخليج الفاصل بين دول الخليج والإمارات والذي يشهد حروباً صغيرة بين إيران ودول أخرى.
وأضاف الكاتب العماني لرصيف22: "هناك رغبة أكيدة من الدولتين في الإسراع بفتح هذا الطريق بعد تأخر سنوات لظروف قد تكون سياسية".
"تأخرت السعودية كثيراً لأسباب تعود إلى الرياض نفسها، منها توطيد تحالفها مع الإمارات، والغضب السعودي الإمارتي من الموقف العماني المعارض للحرب على اليمن"
لماذا تأخر افتتاحه؟
في عام 2015 أعلن مسؤولون في عمان انتهاء إنشاءات الطريق، وقال السفير العماني لدى السعودية أحمد هلال البوسعيدي، وقتذاك إن الطريق الجديد سيفتتح قريباً للجمهور.
وكرر البوسعيدي أن البلدين يقومان باستكمال البنى التحتية الإدارية، بما في ذلك نقاط الهجرة ونقاط التفتيش عبر طرفي الطريق. وبرغم ذلك ظل الطريق مغلقاً.
المسؤولون في الدولتين أكدوا أن "مشاكل فنية" حالت دون افتتاحه، في حين يعتقد محللون أن مشاكل سياسية هي التي عطلت تشغيل الطريق.
في عام 2018، قال عيد بن محمد الثقفي، سفير السعودية لدى السلطنة في ذلك الوقت، إن "العوائق الفنية" أدت إلى التأخير، لكن يجري حلها.
إلا أن المحروقي يرجح أن التأخير كان من الجانب السعودي، وليس العماني. مشيراً إلى أن فكرة إنشاء الطريق كانت في الأساس فكرة سعودية وافق عليها السلطان الراحل قابوس.
وأضاف: "قام الجانب العماني بتجهيز الطريق بما يقرب 160 كيلومترا، بينما يقع نحو 580 كيلومتراً في أراضي المملكة. وقد تأخرت السعودية كثيراً لأسباب تعود إلى الرياض نفسها، منها توطيد تحالفها مع الإمارات والغضب السعودي الإمارتي من الموقف العماني الذي عارض الحرب على اليمن، واتهامهما عمان بتهريب الأسلحة إلى الحوثيين، وهي الادعاءات التي ثبت كذبها وتأكدت منها السعودية بعدما زالت الغشاوة الإماراتية عن عينيها".
رسالة للإمارات
تاتي الزيارة وتوقيع الاتفاقات الاقتصادية بين السعودية وسلطنة عمان في ظل توتر سعودي إماراتي متصاعد، يشوبه التنافس الاقتصادي، والخلاف على إدارة إنتاج البترول، ما أظهر التعاون الاقتصادي العماني السعودي وكأنه رسالة سياسية من السعودية إلى الإمارات بخلق المملكة تحالفات جديدة بديلة.
فخلال زيارة السلطان هيثم للمملكة، وافق مجلس الوزراء السعودي على إعداد وتوقيع مشاريع اتفاقات مع عمان في عدد كبير من المجالات، بما في ذلك التجارة والثقافة وترويج الاستثمار والبريد والنقل، وهو ما يشير إلى أن افتتاح طريق هو انفراجة اقتصادية كبيرة للبلدين.
يقول "أيهم كامل"، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة أوراسيا لاستشارات المخاطر السياسية لوكالة بلومبرغ الأمريكية: "كان هناك الكثير من العمل وراء الكواليس لمحاولة بناء أساس لشيء أكثر أهمية بين السعوديين والعمانيين". ويضيف: "يُنظر إلى السلطان هيثم في الرياض على أنه يميل نحو السعودية فيما يتعلق بشؤون الخليج".
ويتابع كامل: "كأن هناك ولي عهد جديداً تقريباً (في إشارة إلى تغير توجهات محمد بن سلمان) يفكر في الشؤون الإقليمية بشكل مختلف. إنه مهتم أكثر ببناء علاقة متعددة الأوجه تتمحور حول دول مجلس التعاون الخليجي التي لا تعتمد فقط على حليف واحد، الذي كان الإمارات في السابق، بل على شبكة أوسع بكثير من التحالفات".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...