أعلنت محكمة أمن الدولة الأردنية، برئاسة المقدم العسكري موفق المساعيد، اليوم 12 يوليو/ تموز، الحكم على المتهميْن باسم عوض الله والشريف حسن بن زيد بالسجن 15 عاماً لكل منهما، في قضية التآمر على نظام الحكم بالبلاد المعروفة إعلامياً باسم قضية الفتنة.
وككل جلسات المحاكمة التي بدأت قبل شهر، منعت المحكمة الصحافيين ووسائل الإعلام من حضور جلسة النطق بالحكم على رئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض الله وعضو الأسرة الحاكمة الشريف حسن، إلا أنها سمحت بتصوير المتهمين لدقائق معدودة، قبل استبعاد ممثلي وسائل الإعلام.
وأعلمت وسائل الإعلام بالحكم في نهاية الجلسة التي لم تستمر أكثر من 30 دقيقة، شملت تصريحات من رئيس المحكمة الذي استبق النطق بالحكم بمهاجمة باسم عوض الله قائلاً إنه "قام بالتحريض على جلالة الملك، وسعى هو والشريف حسن لإحداث الفوضى والفتنة في المجتمع الأردني"، واصفاً تلك التصرفات بأنها "أعمال إجرامية".
المحكمة قررت إدانة رئيس الديوان الملكي الأسبق، باسم عوض الله، والشريف حسن بن زيد بتهمتين هما التحريض على مناهضة نظام الحكم السياسي القائم في المملكة، والقيام بأعمال من شأنها تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر. كما قررت إدانة حسن بن زيد بتهمة تعاطي المخدرات، والسجن لمدة سنة، وغرامة قيمتها ألف دينار مع الرسوم.
شابت المحاكمة اعتراضات مكتومة من قانونيين وجدوا في رفض طلبات الدفاع التي من بينها استدعاء شهود طلبهم الادعاء والدفاع، إخلالاً بإجراءات العدالة
الدفاع يستعد للطعن
رفض المحامي محمد حسن عفيف، الذي يتولى الدفاع عن عوض الله والشريف حسن التعليق على قرار المحكمة، مضيفاً لـرصيف22: "كل ما أستطيع قوله إنه وفقاً لما منحنا إياه القانون، سوف نطعن على القرار أمام محكمة التمييز، والقانون يمنحنا مدة 30 يوماً من عمر النطق بالحكم كي نتقدم بطلب الطعن، ونحن كولاء دفاع سوف نتجه إلى هذه الخطوة خلال الفترة القليلة المقبلة".
وحاولنا أخذ تفاصيل منه عن ردود فعل المتهمين بعد إصدار الحكم وهما داخل المحكمة، وقال: "أيضاً لا تعليق، وأصلاً الجلسة كانت سريعة جداً".
عضو نقابة المحامين الأردنيين المحامي وليد العدوان قال لرصيف22 إن هذا النوع من القضايا يستفيد مما منحه القانون للتمييز فيه (الطعن)، لافتاً إلى أن محكمة التمييز يتمحور اختصاصها في التحقيق في الإجراءات والالتزام بالمعايير القانونية، وليس في موضوع الحكم نفسه. "أي أنها تبحث ما إذا كانت هناك ثغرات مثلاً في لوائح وما إذا كان الحكم يتوافق مع القانون من حيث الدقة وليس الموضوع".
وأضاف العدوان أن القضية "أخذت منحى متسارعاً واضحاً"، مرجحاً أن السبب يعود لحساسية القضية، وأن "تأخر النطق فيها قد يؤدي إلى جعل الشعب الأردني يثور على التأخير".
لم تظهر الرواية الرسمية متماسكة في بداية القضية، ولم تقنع الشارع الأردني الذي تعاطف سريعًا مع الأمير حمزة، ومع تسريب التسجيلات الصوتية وانعقاد مؤتمر الصفدي، والبيانات الدولية التي دعمت خطوات العاهل الأردني، انقلبت الآية.
احتجاجات مكتومة
وشابت المحاكمة اعتراضات مكتومة من قانونيين وجدوا في رفض طلبات الدفاع التي من بينها استدعاء شهود طلبهم الادعاء والدفاع، إخلالاً بإجراءات العدالة، وكذلك شهود طلبهم الادعاء العام وأبرزهم الأمير حمزة بن الحسين، الذي شكل ذكره كطرف في القضية محور مذكرة الاتهام التي حوكم بموجبها المتهمان.
ولا يزال الأمير حمزة بن الحسين الأخ غير الشقيق للعاهل الأردني بعيداً عن المشهد في قضية "الفتنة" الذي هو محورها الرئيسي. وكانت محكمة أمن الدولة قد رفضت طلباً قدمه لها الادعاء العام قبل أسبوع باستدعاء 25 شاهداً، منهم الأميران حمزة وهاشم وعلي بن الحسين، إضافة إلى عدد من اﻷشراف في العائلة الملكية ورئيس الوزراء الحالي بشر الخصاونة ووزير خارجيته أيمن الصفدي، للاستماع إلى أقوالهم في القضية.
ومنذ آخر ظهور له في زيارة أضرحة العائلة الهاشمية في مئوية الدولة وهو يرتدي ربطة عنق والده الراحل الملك الحسين بن طلال، ويميّز نفسه بكمامة تختلف عن باقي الكمامات المتشابهة التي ارتداها الملك وباقي الأمراء، لم تظهر أية أخبار مؤكدة عن مكان الأمير حمزة، رغم أن الملك كان قبل مئوية الدولة قد قال في تصريح إن الأمير حمزة في قصره وتحت حمايته، إلا أن كل العلامات تؤشر على أن الأمير تحت الإقامة الجبرية وممنوع من التواصل مع العالم الخارجي وحتى الافتراضي منه.
وكانت لائحة الاتهام الموجهة لعوض الله والشريف حسن ووصلت رصيف22 نسخة منها، قد كشفت أن الأمير حمزة كان قد "عقد العزم على تحقيق طموحه الشخصي للوصول إلى الحكم في الأردن، ولتحقيق مبتغاه بعد خروجه عن النهج الهاشمي والقانون أخذ يستغل هموم الناس وأية أحداث تحصل على الساحة الأردنية".
وعرضت لائحة الاتهام جميع الرسائل التي كان يتناقلها ثلاثي قضية "الفتنة"، مبينة أنها أظهرت نوايا تحولت إلى خطط للتحريض ضد مؤسسة الحكم. وتفادت لائحة الاتهام لفظة "انقلاب" المستخدمة بكثرة في وسائل الإعلام الغربية المهتمة بمتابعة القضية.
فيما نشر الادعاء العام لمحكمة أمن الدولة، صباح الثلاثاء 15 يونيو/حزيران، لائحة اعترافات المتهم باسم عوض الله، التي كشفت في تفاصيلها علاقته مع الأمير حمزة، وخطط تنفيذ "رجّة" في العرش الملكي.
ووفق ما نشر فإن عوض الله كشف أن لقاءاته مع الأمير بدأت في شهر رمضان من العام الماضي 2020 وبدأ الأخير بالتردد إلى منزله بشكل دوري برفقة الشريف حسن.
انعكاسات ممتدة
لم تظهر الرواية الرسمية متماسكة في بداية القضية، ولم تقنع الشارع الأردني الذي تعاطف سريعًا مع الأمير حمزة، ومع تسريب التسجيلات الصوتية وانعقاد مؤتمر الصفدي، والبيانات الدولية التي دعمت خطوات العاهل الأردني؛ سارت الأزمة بشكل مغاير، إذ استطاع النظام إقناع الشارع بأنها "مؤامرة بدأت خارج الحدود" ارتبطت بها جهات خارجية، دون أن تسميها، لكن تسريبات صحافية تحدثت عن دور سعودي مشبوه في الأزمة، لكن عمّان فضّلت عدم الدخول في نقاش مفتوح حول وجود دور للسعودية، تاركة الأمر للتكهنات.
نجحت مؤسسات الحكم الأردنية في تغيير اتجاهات الشارع من التعاطف مع ولي العهد السابق إلى تبني رؤية ورواية القصر والأجهزة الأمنية.
ونجحت مؤسسات الحكم الأردنية عقب التسريبات لتسجيلات ظهر فيها دور للأمير حمزة في "المؤامرة" على العرش، في تغيير اتجاهات الشارع الأردني من التعاطف مع ولي العهد السابق إلى تبني رؤية ورواية مؤسسات الحكم وعلى رأسها القصر والأجهزة الأمنية.
يقول باحث سياسي مطلع، تحفظ عن ذكر اسمه، لرصيف22، إن مؤسسة العرش استفادت من الأزمة "بل حولتها إلى فرصة لتسهيل الانتقال الآمن لولي العهد الحالي، الأمير حسين نجل العاهل الاردني". مضيفاً: "الآن صار ولي العهد يتنقل بصورة ملحوظة في زيارات رسمية للمؤسسات الحكومية والخاصة، إضافة للقاءات موسعة مع شخصيات عشائرية بارزة، وهو ما كان يفعله الأمير حمزة، قبل القضية، وهو ما يدلل على أن القصر استطاع الاستفادة من القضية".
انتهت القضية إلى القضاء على خصوم الملك بيد القضاء واحتواء العائلة المالكة لولي العهد السابق، إلا أن همسات في المجتمع الأردني ترجح ان تداعيات القضية قد تستمر في التأثير على صورة مؤسسات الحكم المختلفة. فقد عززت القضية من مخاوف الاردنيين من تراجع دور القانون في ميزان القضاء الأردني، أو "تسييس" القضاء لصالح الدولة، بشكل عبّر عنه المحامي محمد علي لرصيف22 قائلاً: "رغم أن ذلك لم يُناقش في قضية "الفتنة" بشكل مباشر، فإنه عزز شكوكاً قوية في جدية التحقيق في القضية، التي أتوقع صدور عفو خاص بعد فترة، تصل لسنوات، عن المتهمين فيها، أو سجنهم في فنادق خاصة، بحكم قربهم من النظام".
غير أن التعاطف الدولي والعربي، وحشد الشارع الأردني بما فيه العشائر والمخيمات والأحزاب السياسية ومجلس الأمة للاصطفاف خلف الملك، وفّرا مساحة أمان واستقرار أكبر للقصر، ليخرج من الأزمة وقد عزز شرعيته في وقت سعى المتهمون والذين وراءهم إلى إنهاء تلك الشرعية أو التشكيك فيها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...