ترى سارة وهي نسوية اشتراكية فلسطينية، كما تحب أن تُعرّف عن نفسها، في فيديو متداول على الإنترنت، أن الرجال في المجتمعات العربية متمسكون بالنظام الأبوي/ الذكوري ليس لأنه الأفضل لهم بل لأنه أصبح شيئاً طبيعياً عندهم، ولكنه يؤذيهم أيضاً.
برأيها أن الذكورية شوهت الجنسين، فحولت بعض الرجال بكبتهم للجانب الأنثوي، والبكاء والعواطف الجياشة، إلى مجرمين وأشباه مجرمين، لأنهم لا يستطيعون التعامل مع الأحاسيس المؤذية، وبعض النساء إلى مرضى نفسيات.
تدعونا سارة إلى تأمل حال السجون والمصحات النفسية، الأولى تعج بالرجال مقارنة بالنساء، والثانية مكتظة بالنساء، لأن النساء يتعاملن مع مشاعرهن بطريقة سليمة، أما الرجال فلا يتقنون التعامل مع المشاعر السلبية مثل الغضب.
تطرح رؤية سارة تساؤلاَ، قد لا يتقن الإجابة عنه سوى الرجال أنفسهم، كيف يقيمون وضعهم، وكيف يرون أنفسهم في هكذا مجتمع ذكوري وأبوي؟ وكيف ينظرون إلى الحراك النسوي، الذي يتوهج حيناً ويخفت أحياناً أخرى؟
"الراجل الصح"
مجموعة من الأطفال الذكور والشباب تجمّعوا في مقطع فيديو للتعريف بـ"الراجل الصح" وفق تعبيرهم، فقالوا مجموعة من الجُمل، مثل :" الراجل يقدر يطبخ عادي/ الراجل يساعد في البيت.. يعبر عن مشاعره عادي.. يلبس الألوان اللي تعجبه.. مش لازم يكون له شكل معين.. مش متحكم.. الراجل والست اتنين بني آدمين والغلط واحد ليهم هما الاتنين".
"الراجل الصح" حملة ضمن مشروع تخرج لثلاثة طلاب (طالبة وطالبان)، يلقي الضوء على أن كبت الرجال مشاعرهم يعرضهم لاضطراب الشخصية الحدية، واضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، وهو أمر يمثل عائقاً كبيراً على حياتهم الاجتماعية، وفي بعض الأحيان يؤدي إلى الانتحار.
كما يمكن أن يسفر كبت المشاعر عن تذبذب الشخصية، وانعدام الإحساس بالثقة والشعور بالذات، وهي النتيجة التي استخلصها المشروع بعد التواصل مع مجموعة من الأطباء النفسيين، وعدد من المتخصصين في مجال الصحة النفسية، رافعين شعار "رجولتك وشجاعتك تكمنان في إظهار مشاعرك وليس العكس".
تواصل رصيف22 مع أحد مؤسسي الحملة، وهو الطالب علي أشرف، الذي أوضح أن النتائج التي خرجت بها الحملة جاءت بعد عمل استبيان لعينة عشوائية من 300 رجل، وأن الهدف هو القضاء على الظواهر السلبية المرتبطة بالمفاهيم الذكورية الخاطئة، مع محاولة خلق مجتمع آمن للجميع، يحوي سيدات لا يتعرضن لتعنيف أو مضايقات، والأهم من وجهة نظره أن لا يتعرض الرجل لضغوط "هو حاططها على نفسه بدون أي داعي، فنحن نقول للرجل خليك سَويِ. راجل سوي، فانفتاح المشاعر للرجال أمر مهم جداً"، وهو ما أكده لأصحاب الحملة أطباء نفسيون كُثر.
يقول علي: "الحملة تلقت رسائل عديدة من رجال يرغبون في التواصل مع أطباء نفسيين، لديهم متاعب نفسية عديدة ناجمة عن النشأة، والتربية القائمة على مفاهيم خاطئة".
"ضد وصم الذكورة"
برزت مؤخراً في مصر صفحة مثيرة للجدل على فيسبوك، عنوانها يبدو صادماً، ومثيراً للاشمئزاز من النظرة الأولى "ضد الإرهاب النسوي"، وهي صفحة مَعنية بانتقاد سلوكيات يراها أصحاب الصفحة مؤذية، ومشوهة لـ"الذكورة"، فالكلمة لها جانب مشرق كما لها جانب مظلم، وتُفرض عليهم أحياناً خاصة إذا كانوا من الشخصيات العامة أو اليسارية أو المثقفة تبني أفكاراً قد يرونها مجحفة، أو متطرفة، وأحياناً المشاركة في حملات لا يقتنعون بمصداقيتها.
فوجئنا بأحد مؤسسي الصفحة يشدد على مجهولية اسمه، ويزعم بوجود حملات موجهة ضده لمواقفه "المستقلة" عن أفكار وحملات نسوية شائعة.
محمود (اسم مستعار)، يعمل بالمحاماة وعمره 27 عاماً، يقول إنه يتعرض حالياً لحملات "ريبورتات" منظمة، "وهذا دليل على وجود تيار نسوي "ينتقد أي حد ينقده أو يطرح تساؤلات بخصوص آليات عملهم أو أهدافهم".
وعن الهدف من إنشاء الصفحة، يقول إن الأمر بدأ "بعدما رصد القائمون عليها تنامي آليات متطرفة، ومخالفة للقانون والمنطق، يتبناها "تيار" ونستطيع القول بإنه "تنظيم"، ينسب نفسه للحركة النسوية، وهذا التنظيم يشرف عليه كوادر كبار، معمرون ومخضرمون، وتنشط معهم مجموعة من الشابات المتحمسات، وأهدافهم التي يعلنونها بشكل عام نبيلة، ولا يمكن الاختلاف معها، هي مناهضة العنف ضد المرأة، والتحرش الجنسي مثلاً، إلا أن الأزمة في الآليات المُتبناة من هذا "التنظيم"، وتحديدا آلية "التشهير العقابي" بأي "متهم" بواقعة تحرش مثلاً دون إجراء أية تحقيقات حول الادعاء من أي جهة محترفة سواء قانونية أو خاصة".
"خليك سوي، خليك راجل، الراجل الصح يقدر يطبخ في البيت، ويلبس الألوان اللي بيحبها، ويبكي، ويروح لدكتور نفسي، الراجل زيه زي الست تمام"
ويعتبر محمود أن ما أسماه بـ"التنظيم النسوي" يعمل على الترويج وتمرير مبدأين بهما عوار قانوني وعلمي، وهما: "تصديق الادعاء بدون تحقق لمجرد أن صاحبة الادعاء أنثى، ثم - وهو الأخطر- مبدأ "الحق في المجهولية" أي أن صاحبة الادعاء تكون مجهولة للجمهور، وبالنيابة عنها يتم نشر الادعاء والتشهير بالمدعى عليه عبر منصات وسيطة تنشر من خارج مصر لتلافي المساءلة القانونية".
ولفت إلى أنه - من خلال الصفحة - يقوم بنقد هذه الآلية الخطيرة، وتوضيح ما يمكن أن تسببه من خلل مجتمعي وقانوني، وتعطي سلطة مطلقة لمجموعة تنسب نفسها للنسوية بالقيام بكافة الأدوار السلطوية، يقول: "هم يشرعون لقانون نصدق الادعاء طالما هو من أنثى ولا نفصح عن هويتها، ثم بدور قضائي، يقومون بالحكم بإدانة المدعى عليه دون تحقق، ثم دور تنفيذي: يقومون بالتشهير بالمدعى عليه على سبيل العقاب عبر حملات ممنهجة تبدأ بنشر الادعاء على منصة ثم استخدام بعض الغروبات النسوية على وسائل التواصل الاجتماعي في حشد جمهور للإفصاح عن هوية المدعى عليه والتشهير به على أوسع نطاق".
وفي رأي محمود هذا نوع من أنواع "الإرهاب الاجتماعي"، فهو لا يطال المدعى عليه فقط بل يطال المجتمع كله، حيث يتم ترهيب الجميع: "إذا لم تشارك في حملة التشهير فأنت متحرش محتمل، وتخشى على نفسك مستقبلا"، فضلاً عن الخطر الذي يترتب على توغل مثل هذه الآليات، فبالتأكيد يتم استخدامها لتصفية الحسابات بكل سهولة، كشخصية مجهولة تكتب ادعاء وترسله لمنصة آمنة تقنياً من الملاحقة، والنتيجة تدمير حياة أي شخص بدون تحقق.
لا يوافق محمود على تنميط المسؤولين عن "صفحتهم" كمناهضين للحركة النسوية في المطلق، ولا الهدف منها هو مناكفة النساء عموماً، كما لا يصف القائمين عليها كذكوريين بالمفهوم النسوي للذكورية، لكنهم أيضاً "ضد تدجين الذكورة ووصمها".
حاولت التواصل مع ناشطات نسويات، وباحثات في المجال النسوي بشأن ما تطرحه هذه الصفحة من إشكاليات، خاصة ما يتعلق بالتنظيم النسوي السري المزعوم، ولكن لم أتلق رد حتى كتابة هذه السطور.
ولكن عبر بحثي وقراءتي لمجمل ما يثار من أفكار وقضايا على المنصات المستقلة والسوشيال ميديا، تشكو العديد من النسويات من آليات القانون، التي يرونها تنحاز إلى الرجل عبر ثغرات في قانون العقوبات، وآليات إثبات الجريمة، إضافة إلى العقاب الجماعي من إلحاق العار بالضحية، والفصل من العمل، والوصمة التي تلاحق "الناجية" الأنثى.
يرين في أساليب التخفي، والتشهير، والعقاب "غير القانوني"، حلاً مؤقتاً وناجعاً، ورادعاً للذكر المتحرش
لذا، وحتى تكون المساواة كاملة جنائياً مع الرجل، قد يرين في أساليب التخفي، والتشهير، والعقاب "غير القانوني"، حلاً مؤقتاً وناجعاً، ورادعاً للذكر المتحرش والمغتصب والمعتدي بشكل عام.
من ناحية أخرى،على امتداد الشهور التي توهج فيها الحراك النسوي الخاص بالتحرش والاعتداءات، وغياب آليات قضائية شرعية، بات أكثر من زميل، خاصة الطموحين منهم، أكثر حذراً في التعامل مع النساء، وميلاً إلى الابتعاد عن العلاقات الحرة، وأبدوا انزعاجاً من تصوير بعض مشاهير النسوية لجنس الرجال في العموم كمتحرشين محتملين، أو جناة حتى تثبت براءتهم.
"المعادون للنسوية ذكوريون"
على العكس من محمود، يدين عمرو وائل، فلسطيني، أدمن مجموعة نسوية عربية - Arab Feminist عبر فيسبوك، كل الصفحات والحملات الموجهة بالأساس ضد التيار النسوي، ويراها ذكورية، ودليلاً آخر على نجاح الحراك النسوي، الصحي والإيجابي في مجمله.
يقول وائل لرصيف22: "الحركة النسوية في العالم العربي تسعى لتوعية المرأة بأنها إنسان وكيان، يحق له أن يختار أموره بإرادته، وتسعى لتوعية المجتمعات العربية بما يحصل من جرائم بحق النساء يومياً، من تحرش، واغتصاب، وعنف أسري، وزواج قاصرات، وسلب أبسط حقوق الإنسان".
"لسنا ضدهن ولكننا ضد وصم الذكورة وتدجينها"، "كل الحملات الموجهة بالأساس ضد النسوية لا تقدم أي فكر نهائياً"، يختلف نشطاء رجال حيال نشاطات وتنظيمات وآليات التيار النسوي
"النسوية في العالم العربي أدت إلى توعية فتيات كثر، وأفهمتهن المعنى الصحيح للنسوية، وأن المرأة يجب أن تكون إنساناً كاملاً حراً يستطيع التحكم في حياته، والآن أصبحت الفتيات واعيات للجرائم التي تحدث من تحرش وعنف واغتصاب، وأصبحت المرأة تفهم أنها ليست كياناً دون قيمة في المجتمع، وأن دورها محصور في خدمة الزوج، ومكانها المطبخ".
ويضيف وائل: "النسوية هدفها الأكبر التوعية الكاملة للجميع، رجالاً ونساء، ومحاربة الأفكار المتطرفة بحق النساء، والأفكار التي تسلب حقوقهن".
ورداً على التراشق الحاصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والحملات المضادة للحركة النسوية في العالم العربي، يرد عمرو بأن "الغروبات التي هي ضد النسوية وتهاجمها لا تقدم أي فكر جديد نهائياً. هي عبارة عن هجوم على النساء، وتعليم الذكور أن النساء يحق ضربهن وسلب حقوقهن".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 16 ساعةمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 3 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ أسبوعلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.
mohamed amr -
منذ اسبوعينمقالة جميلة أوي