إن كان أندي وارهول شغل العالم ومعارضه الكبرى بلوحاته عن فضلات العالم الاستهلاكي ومأكولاته من كوكا كولا إلى علب الحساء الملقاة في شوارع نيويورك في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، فإنه يحضر اليوم، وفي صيف 2021، بهذه اللوحات في عاصمة البلد والحكومة التي ناشدت في بدايات تأسيسها عداءً لفنّ البوب باعتباره فنّاً مبتذلاً.
هل كان يتخيل وارهول مثل هذا يوماً ما؟ هو الذي جاء في السبعينيات (1976) بدعوة من سفير إيران لدى الأمم المتحدة لرسم لوحة بورتريه لفرح بَهلَوي، زوجة الشاه الإيراني، يتجلى اليوم في طهران الإسلامية ويؤمّ زيارة أعماله الشبابُ العطاشى للفنّ في طهران، قاصدين متحف الفنّ المعاصر في هذه المدينة.
يختص جزءٌ كبير من أعمال وارهول ببورتريهات المشاهير والبضاعات الاستهلاكية في العصر الحديث، فيتجلى فنه في علب الكوكا كولا، والنقود الأمريكية، والمأكولات المعلبة ليشعّ في وجه ماو تسي دونغ، الزعيم الشيوعي الصيني، ومارلين مونرو، وحتى فرح بَهلَوي، زوجة الشاه الإيراني محمد رضا.
جاء وارهول في السبعينيات (1976) بدعوة من سفير إيران لدى الأمم المتحدة لرسم لوحة بورتريه لفرح بَهلَوي، زوجة الشاه الإيراني
وسوى لوحات وجه فرح التي لم يعرف مصيرها، كشف المعرض عن سبعة أعمال لوارهول ما بين البورتريه وصور أخرى، والتي تشمل 28 لوحة في المجموع، إضافة إلى عرض مستمر لفيلم "الأكل" (Eat) له، والذي يظهر فيه شابّ يأكل الفطر المخدر، هو "روبرت إنديانا"، نجم فنّ البوب الأمريكي.
المعرض الذي افتتح منذ يوم 15 يونيو واستمرّ إلى يوم أمس، 25 يوليو، في طهران، حمل عنوان "برسونا" (Persona). قال أمير راد، منظم المعرض، عن سبب تسمية المعرض بهذا العنوان إن هذه الأعمال تبين تعددية شخصيات أندي وارهول المختلفة، فـ"برسونا" كمفهوم هي صورة لأنفسنا في الظروف المختلفة، كما لو أننا نرتدي أقنعة مختلفة عند وجودنا في مواقع وظروف شتى.
وأكد راد "أننا في هذا المعرض والذي يعرض لأول مرة جميع أعمال وارهول الموجودة في متحف الفن المعاصر بطهران، نحاول أن نقرأ أعمال هذا الفنان بصورة مختلفة لنستكشف حقيقته عبر هذه الشخصيات والأقنعة؛ قراءة تساعدنا على فهم صورة مختلفة له عبر ترك الطبقات المعرفية السابقة التي اعتدنا الاستناد إليها في فهمنا لشخصية وارهول."
أندي وارهول
ولد أندرو وارهولا الذي غير اسمه فيما بعد إلى أندي وارهول، عام 1928 في مدينة بيتسبرغ بولاية بنسلفانيا الأمريكية لأبوين مهاجرين إلى الولايات المتحدة من سلوفاكي. درس الفنون الجميلة هناك، وهاجر إلى نيويورك عام 1949، حيث بدأ العمل كمصمم إعلانات في مجلة "فوغ" و"هاربر بازار".
أنهى وارهول عمله في مجال الدعايات عام 1962، وكرّس وقته للإبداع الفني إلى أن توفي عام 1987، بعد أن بقيت روحه صريعة الأسى الذي أصابه إثر محاولة اغتياله عام 1968 وهو في عزّ شهرته الفنية، من قبل فاليري سولاناس Valerie Solanas، المسرحية والكاتبة النسوية الراديكالية التي أطلقت النار عليه في مشغله ثلاث مرات وأصابته في الطلقة الثالثة. تلك الحادثة تحولت إلى فيلم أمريكي - بريطاني عام 1996 بعنوان "I Shot Andy Warhol" (أطلقتُ النار على أندي وارهول) عن حياة فاليري سولاناس وعلاقتها بأندي وارهول.
في حوار له مع بي بي سي، يقول الكاتب الأمريكي بوب كولاتشيلو، الذي كان يرافق وارهول في سفره إلى إيران إن بورتريه فرح بهلوي من أروع أعمال وارهول.
ويضيف: "استطاع وارهول أن يمسك بضربٍ من السّحر والحزن في نظرة فرَح. ليس واضحاً تماماً كم لوحة من هذه البورتريه طبعها وارهول. أفكر دائماً أنها كانت 14 لوحة. أعطى 6 إلى 8 منها إلى الملكة، ولم يعرف نفسه كم عدد منها بقي في قبو متحف الفنّ المعاصر بطهران. يمكن مشاهدة اثنتين من تلك اللوحات في متحف كازا لور في نيويورك معلقة على الجدار إلى جانب لوحات يظهر فيها كلٌّ من دالي بارتن، ودينيس هابر، وألفريد هيشكوك."
بناء المتحف
كما تذكر فرح بهلوي ضمن حوار لها، جاءت فكرة هذه المتحف من قبل الرسامة الإيرانية إيران درودي، حيث قالت لملكة إيران خلال معرض فني إننا نحتاج إلى مكان لعرض أعمالنا، وكان ردّ فرح: "يا لها من فكرة جيدة! علينا أن نشيد متحفاً". ومن ثم بدأ بناء متحف الفنّ المعاصر بطلبٍ من فرح بهلوي وعلى يد المهندس المعماري الإيراني كامْران ديبا.
يقال إن قبو هذا المتحف يضمّ مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية المتعلقة بالفنّ المعاصر من أنحاء العالم ولفنانين مختلفين، تُقدّر قيمتها بمبلغ ثلاثة مليارات دولار
كانت تودّ فرَح بهلَوي في البداية أن تشتري الآثار الإيرانية المشتتة في العالم لوضعها في هذا المتحف، غير أنها سرعان ما غيرت رأيها، بعد أن رأتت أن شراء تلك الآثار سيكلّف كثيراً جداً، وفي المقابل كانت الأعمال الفنية الحديثة أرخص بكثير والوصول إليها أسهل.
الغبار يغطي الكنوز القابعة في متحف الفن المعاصر في طهران منذ عقود، وقد قرر المسؤولون في السنوات الأخيرة أن يرفعوه عن بعضها بسبب أعمال الترميم التي يشهدها هذا المتحف الذي هو بدوره وكعمارة فنية، مكان يستحق الزيارة.
يقال إن قبو هذا المتحف يضمّ مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية المتعلقة بالفنّ المعاصر من أنحاء العالم ولفنانين مختلفين، تُقدّر قيمتها ما يبلغ ثلاثة مليارات دولار، من بينها أعمال لفرانسيس كوبولا، وألبرتو جياكوميتي، وبابلو بيكاسو، وجاكسون بولوك، ومارك روثكو، وبيير أوغست رينوار، ورينيه ماغريت.
* الصور هنا جاءت من خلال زيارة لرصيف22 لهذا المعرض في العاصمة الإيرانية، طهران.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...