بينما القضاء على الجوع يتصدر أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة عام 2030، يوشك العالم أن بدخل في أزمة غذاء تتعدد أسبابها ويبقى وباء فيروس كورونا المستجد وتغير المناخ أبرزها. إلى ذلك، يرجح أن يكون نصيب الدول العربية من الأزمة أكبر.
وبحسب أحدث تقرير شهري صادر في 3 حزيران/ يونيو الماضي، بلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لأسعار الغذاء 127.1 نقاط في أيار/ مايو 2021، بزيادة قدرها 4.8% عن الشهر السابق و39.7% عن مستواه في نفس الفترة من العام المنصرم.
شكلت هذه "أكبر زيادة من شهر إلى آخر" منذ تشرين الأول/ أكتوبر عام 2010. وهي الارتفاع الشهري الثاني عشر على التوالي في قيمة المؤشر الذي بلغ أعلى مستوى له منذ أيلول/ سبتمبر عام 2011. ورصدت المنظمة "زيادة حادة" في أسعار الزيوت والسكر والحبوب.
أسباب الأزمة
وتهدد معدلات التضخم المدفوعة بالزيادات الحادة في أسعار المواد الغذائية بزيادة الفقر وسوء التغذية والحد من الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية.
أما عن أسباب أزمة ارتفاع أسعار الغذاء، فتتنوع بين أسباب قصيرة المدى وأخرى يُخشى أن تستمر طويلاً. من هذه الأسباب، الجفاف في بعض الدول كالبرازيل والعراق، وزيادة الاستخدام العالمي للزيوت النباتية والسكر والحبوب التي تعالج لإنتاج الوقود الحيوي، وزيادة تكاليف الشحن، والتضخم العالمي المرتبط بالتدهور الاقتصادي الذي ترتب على جائحة الفيروس التاجي والتدابير الاحترازية التي فرضتها.
من الأسباب أيضاً تدني قيمة العملات المحلية والاضطرابات الأمنية والسياسية في دول عدة، منها لبنان وسوريا والعراق.
"التنافسات الجيوسياسية وتغيّر المناخ" أخطر أسبابها… ارتفعت أسعار الغذاء حول العالم بنحو 40% مقارنة بالعام الماضي وللشهر الثاني عشر على التوالي. هل يواجه العالم أزمة جوع قريباً؟
ولعب الطلب المتزايد الذي يتناسب مع الإنتاج من بعض الدول، مثل الصين، دوراً في تفاقم الأزمة. في حين تعرقل الإنتاج بسبب سوء الأحوال الجوية في بعض مناطق الإنتاج الرئيسية حول العالم.
وأدى ضعف الدولار الأمريكي إلى دفع الأسعار عالمياً نحو الارتفاع إذ انخفضت قيمته بين 10 و15% مقابل العملات الرئيسية الأخرى خلال العام الماضي. وتتم تجارة السلع بالدولار الأمريكي غالباً.
وتعد البلدان ذات الدخل المنخفض -وهي الأكثر تضرراً من الركود العالمي عام 2020- الأشد تأثراً بارتفاع أسعار الغذاء العالمية إذ يمثل الغذاء نحو نصف سلال الاستهلاك و20% من وارداتها.
تحديات أكبر للمنطقة
في ما يتصل بموقف دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نجد أنها تواجه تحديات أكبر في ما خص الغذاء. وكانت الفاو قد دعت، عام 2018، دول المنطقة إلى "نهج استباقي يستند إلى مبادئ تقليص المخاطر لتعزيز الصمود في وجه الجفاف"، مبرزةً أن المنطقة إحدى أكثر مناطق العالم من حيث ندرة المياه إذ تمثل الصحراء ثلاثة أرباع مساحتها.
وفي نفس التقرير، الذي يغطي 20 دولة عربية، أشارت الفاو إلى أن المزارعين ومربيي الماشية -أي المنتجين الرئيسيين للغذاء- هما الأكثر معاناة جراء شح المياه وتآكل الأراضي وهشاشة التربة.
تواجه بعض الدول العربية ظروفاً أشد قسوة بسبب الأحوال الجوية أو موارد المياه وأسعار العملات المحلية وعدم القدرة على الاستيراد.
على سبيل المثال، عانى العراق من الجفاف وقلة الأمطار إذ إن كمية الأمطار المتساقطة في الشتاء الفائت هي الأقل منذ 40 عاماً. والثلاثاء 6 تموز/ يوليو، حذر ناقد خميس، المستشار في الفاو بالعراق، من أن الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، أثرا سلباً على الموسم الزراعي والثروة الحيوانية، ويهددان الأمن الغذائي للبلاد. وقدر الانخفاض في محصول القمح بالموصل على سبيل المثال بأكثر من 70%، و99% للشعير. وهما محصولان رئيسيان في البلاد.
فاقم قرار البنك المركزي العراقي تغيير سعر صرف الدينار العراقي أمام الدولار، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بسبب الأزمة المالية وتدهور أسعار النفط وتراجع الإيرادات النفطية، أزمة أسعار الغذاء هناك.
تواجه الدول العربية تحديات أكبر في ما خص إنتاج الغذاء وتوفيره لأسباب عديدة، أبرزها ضعف موارد المياه وتدني قيمة العملات المحلية وارتفاع التضخم بسبب الجائحة. العراق ولبنان وسوريا ومصر نماذج لذلك
علاوة على ما سبق، تراجعت حصتا العراق وسوريا بنسبة 80 و40% على التوالي، من نهري الفرات ودجلة اللذين يمثلان شريان الحياة للبلدين بسبب السدود العملاقة التي أقامتها تركيا عليهما.
وتواجه سوريا ضغوطاً تتعلق بالعقوبات الأمريكية والحصار الدولي المفروضين عليها لاستيراد الغذاء. يُضاف إليهما تراجع الليرة إلى مستويات قياسية.
لبنان ليس أفضل حالاً إذ يواجه أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه وقد تركت نحو نصف السكان في فقر. ويشكو اللبنانيون النقص في مختلف السلع بما في ذلك الغذائية، وهو الذي اعتاد استيراد نحو 80% من استهلاكه، غير أن فقدان الليرة نحو 80% من قيمتها منذ بداية الاحتجاجات الشعبية على السلطة في ثورة تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019.
يطمئن "المعهد الدولي لبحوث الدراسات الغذائية" (IFPRI) إلى أنه "لا يوجد سبب للذعر في الوقت الحالي".
مصر أيضاً تواجه تحديات متعلقة بحصتها من مياه نهر النيل بسبب أزمة سد النهضة الإثيوبي. علماً أنها تحاول مواجهة ذلك عبر تقنيات ترشيد الاستهلاك كالري بالتنقيط وأخيراً باتت تدرس إمكانية تحلية مياه البحر.
"لا داعي للذعر"؟
ويعتقد عبد الرضا عباسيان، كبير الاقتصاديين في الفاو، أنه بينما قد تتلاشى بعض العوامل التي تسبب ارتفاع الأسعار على المدى القصير، فإن العوامل البعيدة المدى قد تفاقم التقلبات، خاصةً بسبب عاملين أساسيين: التنافسات الجيوسياسية وتغير المناخ.
في غضون ذلك، يطمئن "المعهد الدولي لبحوث الدراسات الغذائية" (IFPRI) إلى أنه "لا يوجد سبب للذعر في الوقت الحالي". وأضاف: "في حين أن هناك بعض الاتجاهات المقلقة، لا يوجد سبب للذعر من تكرار محتمل لأزمة أسعار الغذاء العالمية التي حدثت قبل عقد من الزمن. تبدو آفاق إنتاج المحاصيل الأساسية مواتية لموسم 2021-2022".
واقترح المعهد، للحد من آثار هذه الأزمة، "زيادة أنظمة الحماية الاجتماعية وتعزيزها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين