شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
هل يُحرم أبناء الفقراء من العطلة؟ منع المخيّمات الصيفية مثار جدل مغربي

هل يُحرم أبناء الفقراء من العطلة؟ منع المخيّمات الصيفية مثار جدل مغربي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 10 يوليو 202103:31 م

للعام الثاني على التوالي، تقرر الحكومة المغربية إلغاء المخيمات الربيعية والصيفية بحجة التدابير الوقائية الخاصة بانتشار فيروس كورونا. هذا القرار خلّف سخطاً وتنديداً وسط الفاعلين في قطاع المنظمات غير المدنية العاملة في مجالي الطفولة والشباب. كما عبّر موظفو مراكز الاصطياف أيضاً عن استيائهم من قرار المنع، ونظموا وقفات احتجاجية أمام مقر وزارة الشباب والرياضة، مطالبين بحقهم في العمل، والخروج من حالة التشرد التي دخلوها بمعية أسرهم، قرابة سنتين. احتجاج لم يجد آذاناً صاغية لدى الوزير الوصي على القطاع عثمان الفردوس الذي برّر قرار الإلغاء بـ"تطوير البنى التحتية لمراكز التخييم"، وقال في ندوة صحافية سابقة: "تم تحويل الميزانيات إلى مديريات جهوية لمباشرة تطوير البنى التحتية، وتكوين كوادر الجمعيات العاملة في مجال التخييم".

قطاع الشباب "الميت"

مطلع العام الحالي، عاد الحديث بقوة عن إعادة أنشطة التخييم ومجالاته إلى الساحة، بعد الخسائر الكبيرة التي تكبدها الأطفال والمراهقون والشباب والجمعيات والأسر، نتيجة الحجر الذي ولّد القلق، والخوف، والعنف العائلي، وغيرها من التأثيرات النفسية البالغة الأثر. وقد رافقت سنة 2021 مجموعة من المتغيرات المطلبية التي شكلت العنوان الأبرز في المطالبة بعودة المخيمات والتدريبات وفعاليات الترفيه.

ولم يكن تنظيم المخيمات في المغرب المجال الوحيد المشمول بالإلغاء، فمنذ بداية الحجر الصحي وإعلان حالة الطوارئ الصحية في البلاد بدءاً من شهر آذار/ مارس 2020، لم يعد ممكناً إقامة تدريبات لناشطي ومديري وكوادر المخيمات، كما عُلّقت برامج الدعم الموجهة لإفادة الجمعيات التي كانت معتادة على إنجاز البرنامج الوطني للتخييم الذي تنجزه وزارة الشباب والرياضة بالشراكة مع "الجامعة الوطنية للتخييم"، بداية كل سنة، ويستفيد منه ربع مليون طفل ضمن فعاليات مختلفة.

للعام الثاني على التوالي تُلغى المخيمات الصيفية بسبب كوفيد19. فهل يظل أطفال الأسر الفقيرة المغربية سجناء في بيوتهم ؟

هذا ما أكده رئيس "الجامعة الوطنية للتخييم" محمد القرطيطي، في حديثه لرصيف22، وأضاف أنه بفعل هذا التطور الذي فرضته جائحة كورونا، أصبح مجال التخييم محروماً وفاقداً لنحو 30 ألف مشارك ومشاركة، ولم يكن ممكناً إطلاق أي فعالية منذ بداية 2020، بالإضافة إلى غياب الوزارة الوصية عن تدابير الجائحة، وتأطيرها بالوسائل والإمكانيات التي تتوفر عليها، مؤكداً أنه "كان من الضروري أن يتحرك العمل التطوعي من خلال الجمعيات بإمكانياته الذاتية، وينخرط في حملات توعية، وبرامج ثقافية، وترفيهية، غالبيتها تمت عبر التواصل عن بعد (الإنترنت)، وقد حققت هذه المبادرات سقف استفادة لم يكن متوقعاً، وفاق المنتظر منه، وهي نقطة حسنة مشهود لها داخل أوساط المشرعين، والحكومة، والجمعيات".

وقد أفاد القرطيطي أن الجامعة نظمت منذ بداية السنة حركات احتجاجية "سواء عبر مراسلة رئيس الحكومة، ووزير الشباب والرياضة، أو عبر تعبئة النواب في البرلمان، ونشر البلاغات والبيانات والتحليلات على أعمدة الصحف، وكلها تندد بتوقيف المخيمات، وتطالب برجوعها لأنها المتنفس الوحيد للأطفال واليافعين والشباب". لكن هذا التوجه لدى الجمعيات، يظل حبيس مقاربة حكومية تفضل الحد من تحركات السكان وخاصةً الأطفال والقاصرين لتفادي ارتفاع حالات الإصابة بكوفيد19. ويظل أبناء الفقراء أكبر الخاسرين الذين حرموا من السفر عامين كاملين، خلافاً لأبناء الأسر الميسورة الذين يمكنهم التنقل مع عائلاتهم إلى مدن أخرى. وغالباً ما لا تتعدى رسوم التخييم في المغرب الـ60 دولاراً لقاء رحلة لأسبوعين تشمل النقل والإقامة والغذاء.

أطفال الشعب هم الضحايا

يجزم رئيس جمعية "التنمية للطفولة والشباب" محمد شخمان، أن في قرار المنع هذا حيفاً كبيراً في حق الطفولة والجمعيات التربوية، "ينبع من خلفية تحقيرية لهذا القطاع، وكان سارياً في عهدي وزيري الداخلية السابقين محمد أوفقير، وإدريس البصري. ومن المؤسف أنه حتى الأحزاب الديموقراطية والجمعيات الحقوقية وغيرها، لم تقم بأي مجهود للمطالبة بفتح المخيمات".

وأضاف شخمان في حديثه إلى رصيف22 أن "الدولة المغربية ما زالت تعيش إعاقة عدم تطوير قطاع التربية والتعليم، وهي أم المشاكل في الاستثمار في البشر، وبناء إنسان الغد، رجل المواطنة والمسؤولية، وبناء الوطن، وخلق الثروة والسعادة".

وأكد المتحدث أن المخيمات التي أُهمِلت، "تعود الحكومة اليوم لتغلقها، وتزيد من كربة الأطفال الذين عانوا سنة ونصف السنة في الحجر الصحي، وعاشوا ظروفاً نفسية صعبة". ويرى شخمان أن "التحجج بكورونا لإغلاق المخيمات، حق أريد به باطل. فبعد أن فتحت الحكومة المجالات كلها، تصير ملزمة بعدم استثناء فضاءات الطفولة، والشباب، ودور الشباب، ودور الثقافة، مع الالتزام ببروتوكول صحي معين كبقية القطاعات. إن الحكومة بقراراتها الانتهازية هذه، وكي توفر دريهمات المخيمات، تلعب بالنار".

على الرغم من أن الحكومة اقترحت حلولاً بديلة إلا أن نحو ربع مليون طفل مغربي لن يستفيدوا من المخيمات الصيفية. العاملون في القطاع يرون الأمر مجحفاً في حق الأطفال، وفي حق المنظمات 

لم يختلف رئيس "الجمعية المغربية لتربية الشبيبة" محمد الصبر، مع ما أورده المتحدثون السابقون، وقال إنه: "انطلاقاً من مسؤولية الجمعية إزاء جزء من فئات المجتمع المشكّلة من الأطفال واليافعين والشباب، وما يفرضه علينا موقعنا ووظيفتنا كفاعلين مدنيين في ساحة العمل من خلال الجمعيات، فقد آثرنا على أنفسنا ألا نبقى في الظل في موقع المتفرج. ومن هذا المنطلق انخرطنا بفروعنا المنتشرة على خريطة وطننا جميعها، في ملء الفراغ الذي أحدثه الحجر الصحي، وتبعاته، من تباعد اجتماعي بين البشر. من هذه الزاوية انبرت الفروع المشكلة للجمعية، إلى المساهمة بكل ما أوتيت من إمكانات لتنظيم أنشطة متنوعة ومتجددة، تجيب عن مختلف القضايا التي تشغل بال المنخرطين في الجمعية، وتضعها على مشرحة التحليل والتفسير في اللقاءات المنظمة جميعها طوال مدة فرض الحجر الصحي".

حوار صعب مع الحكومة

في سياق متصل، قال الصبر لرصيف22 إن الجمعية "راسلت رئيس الحكومة المغربية، للنظر في وضعية أطفالنا. ونعتقد أن أولى الإجراءات التي يمكن للحكومة التفكير فيها هي تنظيم المخيمات الصيفية في إطار البرنامج الوطني 'عطلة للجميع'، وقد طالبت الجمعية القطاعات الحكومية المسؤولة بالتحرك لإيجاد حلول جذرية، وبدائل تساهم في عدم حرمان الأطفال والشباب من حق التخييم للموسم الثاني على التوالي، لكن للأسف لم تكن الحكومة في مستوى اللحظة، ولم تقدم أي عرض تنشيطي أو ترفيهي لإفادة الأطفال المغاربة طوال عام ونصف العام، والآن بعد تخفيف الإجراءات، تقدم وزارة الشباب والرياضة عرض مخيمات القرب حصرياً في فضاءات الوزارة، وهو عرض لا يرقى إلى مطالب حركة الجمعيات المهتمة بالطفولة".

من جهته قال القرطيطي إن الجامعة، وهي ائتلاف لمنظمات تنشط في مجال التخييم، "عقدت جلسات مع وزير الثقافة والشباب والرياضة، لبحث المجالات المتاحة كلها لتجاوز هذا الاختناق، بالتوازي مع طرح بدائل، عن بعد أو حضورياً، وقد تُوّجت هذه التحركات بانفراجات تتعلق باسترجاع نصف الدعم المالي المعلّق، والموجه للجمعيات، واقتراح مشروع عرض وطني لأنشطة التدريب". وكان أهم ما توصلت إليه المفاوضات مع الوزير "التوافق، كبداية مشجعة، على تنظيم العرض الوطني للتنشيط عن قرب، المقرر أن يقام خلال شهري تموز/ يوليو وآب/ أغسطس، عبر مراحل من ستة أيام في أكثر من 600 مؤسسة في المدن كلها، وهو نشاط مفتوح للجمعيات المنخرطة في الجامعة كلها، ومن المقرر أن يستفيد منه ربع مليون طفل".

أما محسن الودواري، وهو كادر تربوي، فقال لرصيف22 إنه يؤيد قرار منع المخيمات "بحكم أنني تدرجت من مؤطر تربوي إلى مشرف عام على مخيم، وأعرف جيداً هذا المجال، وأتفق مع قرار المنع في بعده الإجرائي حصراً، لأنه يشكّل محطة لإعادة النظر في عملية تنظيم المخيمات من طرف المتدخلين كافة، وفق المستجدات الطارئة التي تتجلى في الحالة الوبائية، وكذلك الأفق المستقبلي الذي يتطلب تعزيز المخيم حتى يكون أكثر جودة".

في العامين الأخيرين، وعلى الرغم من المتاعب الأسرية والنفسية كلها، لم يحظَ الأطفال المغاربة بالمخيمات الصيفية. 

وأضاف الودواري أن "المخيم في الحالة العادية، يواجه مشاكل عدة تسبقه وتليه، وتنطلق من الموارد البشرية لتصل إلى اللوجستية، ولهذا يمكن عد هذا القرار المتعلق بالمنع بمثابة فرصة لإعادة تقييم العملية برمتها من قبل الجمعيات، لتقف على المشاكل السابقة والآنية، وتوفر البدائل الممكنة التي من شأنها أن تعزز هذه العملية".

ويحلم الودواري أن يصبح الشعار الذي أطلقه الوزير الأسبق للشباب محمد الكحص (2002-2007)، "التخييم للجميع"، حقيقة، فتصبح المخيمات أكثر جودة وفعالية من خلال الاهتمام بالبنى التحتية، ومواكبتها مادياً ومعنوياً، بالإضافة إلى المشاركة الحقيقية للقطاعات ذات الصلة بالمخيم.

وطالب الودواري بأن تؤخذ العملية التقييمية المطلوبة، بشكل ملح، في عين الاعتبار، فالطفل جزء مهم من السياسات العمومية التي ينبغي إعادة النظر فيها، على غرار ما يتم العمل عليه مع كل من الشباب والنساء. وأضاف: "لا يمكن أن ننتقل إلى مجتمع بمواطنين في مستوى المواطنة من دون الرعاية التامة بالطفل".

وفي انتظار أن يتم الإعلان عن إجراءات حقيقية تهم الطفولة، سيظل عشرات آلاف الأطفال المغاربة مرة أخرى سجناء في بيوت أسرهم الفقيرة التي لا تستطيع أن تقضي عطلة صيفية على حسابها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image