عرضت تركيا على الولايات المتحدة أن تقوم بمهمة لا يريد أحد القيام بها لمخاطرها الفادحة، وهي حراسة وإدارة مطار كابول بمشاركة المجر وباكستان، بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، ويتوقع ان تتلقى تركيا مقابل "الخدمة" مكافآت كبيرة.
وفي 26 يونيو/ حزيران الجاري، بدأت تركيا الاستعداد لمهمتها في كابول، فيما تتواصل المحادثات بينها وبين الولايات المتحدة لاستكمال الترتيبات، في الوقت الذي تواصل فيه حركة طالبان التوسع في السيطرة على مناطق أوسع من البلاد.
وتنشر تركيا أكثر من 500 جندي في أفغانستان في إطار مهمة حلف شمال الأطلسي لتدريب قوات الأمن الأفغانية، وقال مسؤول تركي لرويترز إن هناك حاجة إلى قوات إضافية في مهمة تأمين المطار.
ويذكر تقرير لوكالة رويترز أن حركة طالبان - التي تمتلك علاقات جيدة مع قطر وباكستان وهما حليفتان لأنقرة- رفضت وجود قوات تركية على الأراضي الأفغانية ووصفتها بـ"الاحتلال"، وهو ما يعكس حجم المخاطر الهائلة التي تهدد الأتراك، لكن "مكاسب السياسية والاقتصاد" تغري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للقيام بهذه المهمة.
حركة طالبان - التي تمتلك علاقات جيدة مع قطر وباكستان وهما حليفتان لأنقرة- رفضت وجود قوات تركية على الأراضي الأفغانية ووصفتها بـ"الاحتلال"، وهو ما يعكس حجم المخاطر الهائلة التي تهدد الأتراك
أرباح المغامرة
في العام الماضي، توترت العلاقات التركية الأمريكية بعدما اشترت أنقرة نظام إس 400 الصاروخي من روسيا، وهو ما دفع واشنطن، في ديسمبر/ كانون الأول 2020، لفرض عقوبات على تركيا.
ويختلف البلدان أيضاً بشأن الدعم الأمريكي للمقاتلين الأكراد في سوريا، وموقف أنقرة من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وقضية بنك خلق التركي التابع للدولة والذي يخضع مسؤولوه للمساءلة القانونية في واشنطن.
وتقول وكالة رويترز إن خطة تأمين مطار كابول قد توفر فرصة نادرة لبناء النوايا الحسنة من جديد بين تركيا والولايات المتحدة عقب هذه القضايا الخلافية.
من جانبه، قال مدير برنامج تركيا في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات أيكان أردمير لرصيف22 إن أردوغان يرى أن عرضه بتأمين مطار كابول بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان يمثل فرصة نادرة لعقد صفقة مع إدارة بايدن تخفف أي انتقاد أو إجراء عقابي في المستقبل من قبل الولايات المتحدة.
وتابع: "صمت إدارة بايدن الأخير بشأن محاولة أردوغان الأخيرة لحظر حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد في تركيا، هو أحد هذه التنازلات التي تطمح إليها تركيا".
أردوغان يرى أن عرضه بتأمين مطار كابول بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان يمثل فرصة نادرة لعقد صفقة مع إدارة بايدن تخفف أي انتقاد أو إجراء عقابي في المستقبل من قبل الولايات المتحدة.
فيما يري الباحث علي باكير، الأستاذ المساعد في جامعة أزمير التركية، أن تركيا لديها ثلاثة أهداف من التقدم لمهمة تأمين مطار كابول، أولها يتعلق بتعزيز تمدد نفوذها في القوقاز وآسيا الوسطى ودول المجلس التركي - البلدان التي تتحدث التركية- خصوصاً بعد الانتصار الذي حققته في دعم أذربيجان نهاية العام الماضي لتحرير أراضيها من أرمينيا.
ويقول باكير لرصيف22 إن انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان سوف يشجع دولاً منافسة لتركيا وباكستان مثل إيران والهند، على ملء الفراغ، لافتاً إلى أن الهدف الثاني هو تعزيز وضع تركيا المحوري داخل الناتو كبوابة شرقية للحلف، بعد تشكيك متطرفين أيديولوجيين في الغرب، في عضويتها ومطالبتهم بطردها.
ولفت الأكاديمي المختص بشؤون الشرق الأوسط إلى الهدف الثالث من تقدم تركيا إلى هذه المهمة، وهو أن "انسحاب الولايات المتحدة سوف يقوض من النفوذ الأمريكي في آسيا الوسطى ويتيح لبكين ولموسكو تعزيز وجودهما في المقابل، لكن الوجود التركي يتيح لواشنطن أن يكون لها موطئ قدم من خلال تركيا وباكستان والمجر".
مكافآت مخبأة
في تقرير نشره الصحافي التركي سيلكان ؤهاك أوغلو في وكالة بلومبرغ الأمريكية في 25 يونيو/حزيران الجاري، قال إن حماية مطار دولة غير ساحلية أمر بالغ الأهمية لأولئك الذين يريدون الحفاظ على وجود إستراتيجي في أفغانستان. ويشمل ذلك القوى الغربية التي تريد مواجهة التهديدات الإرهابية الناشئة، والصين التي لها مصالح هناك في الاستثمار بالرواسب المعدنية الضخمة، والهند التي تريد كابول حليفاً رئيسياً في صراعها مع باكستان.
ويضيف الصحافي التركي أن أردوغان يضع عينه على المكافآت المحتملة من هذه المهمة، مشيراً إلى أن تولي وظيفة لا يريدها أي شخص آخر من شأنه أن يوفر فرصة لإصلاح العلاقات مع واشنطن المتوترة.
وينقل عن جيني وايت، الأستاذة في معهد الدراسات التركية بجامعة ستوكهولم، قولها إن "حماية المطار هي طريقة لجعل الأمور لطيفة، من دون التخلي عن الكثير من القضايا التي تهم الولايات المتحدة، بما في ذلك قضية الصواريخ الروسية".
وأضافت: "بسياساتها العدوانية، فقدت تركيا أصدقاء في كل زاوية، وتحتاج إلى تقديم وجه جيد للأسواق المالية، وتأمل كسب ود الولايات المتحدة وأوروبا".
من جانبها، أكدت مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن تركيا عرضت الاستمرار في تأمين المطار إذا تلقت دعمًا ماليًا من الولايات المتحدة، مؤكدة أن عرض تركيا في جزء منه إجراء حسن نية لإقناع واشنطن بتخفيف العقوبات على أنقرة.
في الأسبوع الماضي، بحث الاتحاد الأوروبي منح تركيا 3.5 مليار يورو (4.18 مليار دولار) لتمويل استمرارها في استضافة اللاجئين السوريين، وهو إجراء طالما طالبت أنقرة الدول الأوروبية به في حين ماطلت الأخيرة في تنفيذه.
مخاطر ونفوذ
يبدو أن تركيا قد تكون في وضع جيد لتولي تأمين المطار نيابة عن القوى الغربية، لأنها على علاقة جيدة بحركة طالبان وحكومة أفغانستان، حيث استضافت بالفعل اجتماعات بين طالبان والقادة السياسيين الأفغان.
"لعل الأزمة الليبية كانت خير شاهد على ارتهان مقاتلين سوريين مرتزقة للروس أو الأتراك، والتقارير الأممية والدولية كانت دللت على ذلك في مناسبات عديدة".
في أبريل/نيسان الماضي، طلبت إدارة الرئيس جو بايدن من أنقرة استضافة مؤتمر سلام مع طالبان. وتتمتع تركيا أيضاً بعلاقات عميقة مع اللاعبين الإقليميين الرئيسيين، قطر التي تتمتع بنفوذ لدى طالبان أو باكستان والصين اللتين تتمتعان بعلاقة جيدة مع أنقرة.
ومع ذلك، ردت طالبان أن تركيا جزء من أمة إسلامية عظيمة، لكنها ترفض مقترحها وستعتبرها "جزءًا من الاحتلال الأجنبي"، مؤكدة أن أرض أفغانستان ومطاراتها وأمن السفارات الأجنبية مسؤولية الأفغان، ولا ينبغي لأحد أن يأمل في الحفاظ على وجود عسكري أو أمني.
في تقرير سيلكان هاك أوغلو في بلومبرغ أورد أن المسؤولين الأتراك يعترفون بشكل خاص بالتحديات، وسيطلبون بالدعم العسكري واللوجستي والمالي الذي يريدونه.
وتعرض المطار لقصف متكرر بالقنابل والهجمات الصاروخية على مر السنين الماضية. كان أحد أكثر الحوادث دموية في عام 2018 عندما استهدف هجوم انتحاري نائب الرئيس الأفغاني آنذاك عبد الرشيد دوستم أثناء عودته من تركيا. نجا دوستم، لكن ما يقرب من 80 شخصًا جاءوا للترحيب به، قتلوا أو أصيبوا.
لتجنب تكرار هذا السيناريو الدموي، قال هاك أوغلو إن الحكومة التركية حثت باكستان وقطر على استخدام نفوذيهما مع طالبان لحملها على التخلي عن معارضتها لخطة حراسة المطار التركية، وستسعى للحصول على موافقة برلمانية لنشر جنود في أفغانستان مع معدات كاملة، ربما تشمل طائرات تركية بدون طيار للمراقبة.
سيناريو سوريا
في الداخل التركي أثارت المعارضة حملة انتقادات قوية ضد خطة أردوغان وهو سيناريو متكرر ومماثل للتدخل في قطر وسوريا وليبيا، ويتمكن الرئيس التركي بفضل تحالفه مع القوميين من الحصول على موافقة البرلمان.
لكن طرح محللون معارضون للرئيس التركي فكرة استخدام شركات خاصة في الخطوط الأولى لتأمين حراسة المطار على غرار المهمة التي نفذتها أنقرة في سوريا وحتى ليبيا.
حول هذا الطرح رأى الباحث السوري مالك حافظ أن "حضور مقاتلين سوريين في الخطة لن يكون بالغريب، ولنا على ذلك شواهد قريبة سابقة. ولعل تمييع القضية السورية أدى إلى حضور دائم للمرتزقة السوريين بعد غياب البوصلة الوطنية، الأمر الذي أدى إلى سهولة ارتهانهم لأي جهة".
وقال لرصيف22: "لعل الأزمة الليبية كانت خير شاهد على ارتهان مقاتلين سوريين مرتزقة للروس أو الأتراك، والتقارير الأممية والدولية كانت دللت على ذلك في مناسبات عديدة".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...