رجل مندوب مبيعات يحل محل "الخاطبة" في صعيد مصر، آباء يشترطون اشتراطات غريبة تتعلق بممارسة الشريك المحتمل لنفس المهنة، حتى الشابات والشباب تغيروا شيئاً فشيئاً بعد غياب ملحوظ للزيجات القائمة على الحب والإعجاب.
بعضهم يقدم على الفكرة مؤمنين أن الزواج "شر لا بد منه"، لكنهم يضعون شروطاً أخرى عطلتهم في الأصل عن العثور على الشريك الذي يرتضونه.
"زوجتي تمارس نفس مهنتي"
نادر، طبيب من محافظة الجيزة، في العقد الثالث من عمره، يتمنى أن تمارس شريكة حياته المحتملة مهنته ذاتها، يقول لرصيف22: "شرطي الأول في زوجتي المستقبلية أن تكون طبيبة مثلي، فأنا أملك مركزاً طبياً، ولا بد أن تكون زوجتي طبيبة وتساعدني في إدارته".
يبرر رغبته هذه قائلاً: "لا أخجل من قول ذلك، فأغلب الأطباء يتزوجون طبيبة مثلهم، والمهندسون كذلك يتزوجون من نفس مهنتهم. ولأنه لا توجد قصة حب فالأفضل الزواج ممن تناسب مركزك العلمي والاجتماعي، وتشرفك أمام عائلتك ومعارفك وتتفهم ظروف عملك".
الحقيقة أن نادر ليس مجرد حالة فردية، إذ ينتشر الزواج بين أصحاب المهنة الواحدة في مصر، ويرجعه البعض إلى التفاهم بين الطرفين لمعرفتهما بظروف المهنة الصعبة، فيما يعتبره البعض وسيلة للمشاركة في العمل وزيادة الدخل، تماماً مثل ماهر الديب (30 عاماً)، محاسب مغترب في السعودية.
في هذه الزيجات يحدد لك مجموع درجاتك في الثانوية العامة من يمكنك الارتباط بها، لذا يفضل العديد من الآباء دخول بناتهم كليات الطب والصيدلة والهندسة، حتى لو كليات خاصة بمصروفات ضخمة
رغب الديب في الزواج من فتاة بعد قصة حب، ولكن والدها رفض، "فقط لأنها دكتورة وأنا محاسب، رغم تفاهمنا وحبنا، وظروفي المالية الجيدة".
ماهر يطلق على هذا النوع من الزواج "جوازات مكتب التنسيق"، في إشارة إلى الجهة التي تحدد وجهة طلاب الثانوية إلى الجامعة التي تناسب درجاتهم الدراسية.
في هذه الزيجات يحدد لك مجموع درجاتك في الثانوية العامة من يمكنك الارتباط بها، لذا يفضل العديد من الآباء دخول بناتهم كليات الطب والصيدلة والهندسة، حتى لو كليات خاصة بمصروفات ضخمة، فقط لتتزوج من طبيب أو وكيل نيابة "يشرفه أمام معارفه"، بحسب الديب.
يفكر الديب في الزواج الآن، وينظر له في منطقته باعتبار أنه "ثري خليجي"، لذا عليه أن يدفع لينال رضا العروس وأهلها.
بورصة الزواج
يسخر سمير نسيم (26 عاماً)، صيدلاني حديث التخرج، من مركز "أبو قرقاص" في محافظة المنيا جنوب مصر، من فكرة زواج أصحاب المهن الواحدة، ولم يفكر في الزواج بهذه الطريقة، يقول: "كنت سعيد الحظ لأني وقعت في حب فتاة قوية وقفت أمام تلك الأفكار، وأصرت على الزواج بي، رغم ذلك لا يزال أمامي سنوات لتكوين مستقبلي، أتمنى ألا تطول".
من جهة أخرى، يشكو نسيم كثرة أعداد الشباب المهاجرين، الذين يعودون لبلادهم في كل إجازة، عارضين مبالغ تبدو خيالية للمقيمين (3500 دولار) يقول: "ما يحدث عندنا في الزواج جنون محض، فالشاب العادي الذي لم يسافر للخارج إن لم ترض به إحدى قريباته، ابنة عم أو ابنة خالة، قد يفشل في العثور على عروس مناسبة، لا سيما مع اقتناع بنات اليوم أيضاً بتفكير أهلهن أن العريس الغني أفضل، حتى لو كان حاصلاً على شهادة متوسطة أو حتى بدون شهادة. لذا أغلب شباب قريتي يفكرون في أمر واحد، السفر للخارج".
بالنسبة إلى نسيم، الزواج في بلده تحول إلى "بورصة"، لمن يدفع أكثر، بغض النظر عن المستوى التعليمي والثقافي.
الخاطبة "مندوب مبيعات"
لا أحد يعرف بالضبط متى بدأت مهنة "الخاطبة" في الظهور، تلك المرأة التي تجلب العرائس للباحثين على الزواج والعكس صحيح، أو "توفق راسين في الحلال" كما يقولون عنها.
البعض يعيدها إلى العصر المملوكي في مصر قبل 800 عام تقريباً، ورغم انقراض مهنة الخاطبة بشكلها التقليدي تقريباً خلال نصف القرن الأخير، حلت محلها مكاتب الزواج وتطبيقات على الهاتف، التي يزورها عدد كبير من الباحثين/ات عن شريك العمر.
لكن في صعيد مصر ظهرت "خاطبة" من نوع فريد، مغايرة عن الصورة السينمائية للخاطبة المحفورة في أذهاننا. فأخذ دورها رجل يعمل على جلب العرسان لبنات قريته والقرى المجاورة اللواتي قاربن الثلاثين من عمرهن، وباتت فرصتهن قليلة في انتظار العريس المناسب، وكذلك الرجال المتأخرين في السن.
رجل يعمل بائع بضائع متجولاً، ما يتيح له رؤية بنات القرى، ويعرف ظروفهن جيداً، فيبدأ في جلب العريس المناسب لمن ترغب مقابل مبلغ من المال من العريس ووالد العروس إذا تمت الزيجة.
سميرة، اسم مستعار، تخطت الثلاثين من عمرها، رغم ذلك كانت ترفض الزواج عن طريق هذا الرجل، لكنها اضطرت للجوء له بعد أن حصلت العام الماضي على فرصة السفر إلى الولايات المتحدة عن طريق القرعة العشوائية للهجرة.
أخذ دور الخاطبة المصرية رجل يعمل على جلب العرسان لبنات قريته والقرى المجاورة اللواتي قاربن الثلاثين من عمرهن، وباتت فرصتهن قليلة في انتظار العريس المناسب، وكذلك الرجال المتأخرين في السن
تقول لرصيف22: "كان آخر ما أفكر فيه الزواج بهذه الطريقة، وقمت بطرد "الرجل الخاطبة" من بيتنا مرتين، كان يعرض على أبي عرساناً جدداً، لكني التجأت إليه مضطرة بعد قبولي في الهجرة إلى أمريكا، فلقد رفض والدي وكل الأسرة سفري بمفردي، وكادت تضيع فرصتي في السفر وبدء حياتي من جديد بسبب عدم زواجي، هنا اضطررت لقبول العريس الذي أحضره هذا الرجل في المرة الثالثة إلى بيتنا، لم أفكر إذا كان مناسباً أو لا، كل ما يهمني السفر الآن".
ورغم صعوبة الطلاق في المسيحية، وهو ما تعرفه سميرة جيداً، قررت المغامرة.
تقول: "أفضل المغامرة في الزواج بسبب رغبتي في السفر، والخروج من هذا المجتمع المغلق، الذي يحكم على البنت بالموت إن لم تتزوج، ولا تستطيع تحقيق أحلامها في العمل والتعلم. حتى لو سعت لذلك يعتبرها مجتمعنا فاشلة، ما دامت لم تتزوج وتنجب مثل باقي النساء".
زواج تقليدي في أمريكا
ربما تعتقد أن شباب وشابات الجالية المصرية، في أمريكا وكندا، الذين يبحثون عن شريك العمر هناك أفضل حالاً، غير أن الحقيقة تقول إن وضع هؤلاء أصعب بسبب انخراطهم في العمل سنوات طويلة لتحقيق الذات، وطبيعة الحياة العصرية ومتطلباتها في الدول المتقدمة، وفجأة يجدون أنفسهم تخطوا الثلاثين دون أن يفكروا في الزواج، حسب الصحافية المصرية تيريزا سمير، المقيمة في الولايات المتحدة.
الزواج المدبر هو الحل أمام الشباب في المهجر، خاصة المحافظين منهم، سواء بناءً على ترشيحات الأصدقاء أو أسرة الشاب الباحث عن عروس، بحسب تيريزا. وتضيف: "اختلاف الثقافات والعادات والتقاليد بين المصريين والجاليات الأخرى أو أصحاب البلد الغربيين يجعل أمر اختيار شريك الحياة أصعب مما هو عليه في مصر، ونادراً ما تجد مصرياً تزوج أجنبية خوفاً من صدام العادات والتقاليد، وقل الأمر نفسه بالنسبة إلى الشابات، الأغلبية تفضل الزواج من مصريين مثلهن، ونظراً لصعوبة الحياة وسرعة نمط المعيشة هنا في أمريكا، يضطر القبطي المصري للبحث عن عروس عن طريق الكنيسة أو الأهل في مصر إذا لم يجد من يناسبه هنا".
وتشير تيريزا إلى زيادة عدد المشاكل الأسرية بين المغتربين المصريين بسبب الانفتاح الفكري والثقافي هنا في أمريكا، وزيادة الوعي بالحقوق والقوانين التي تناصر المرأة خلافاً لما يجري في مصر والدول العربية، ما يخلق صراعاً بين الأزواج يصل إلى وقوع مشاكل بينهما، سواء تم الزواج بمصرية تعيش في أمريكا قبل الزواج، أو حضرت بعض الزواج.
وتختم تيريزا: "لذلك يهرب مصريون في أمريكا من فكرة الزواج نفسها، ويجدون صعوبة في التواصل مع طرف آخر للتعارف لغرض الزواج، وفي نفس الوقت يعرفون أنه ليس أمامهم الوقت أو العمر ليجربوا الوقوع في الحب أو انتظاره".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...