لا مكان للّعب في مصر السيسي
"الاعتداء على قيم ومبادئ الأسرة المصرية والمجتمع، والاشتراك مع آخرين في استدراج الفتيات واستغلالهنّ عبر البثّ المباشر، وارتكاب جريمة الإتجار بالبشر"، "تلقي تحويلات بنكية من إدارة تطبيق تيك توك مقابل ما حقّقته من مشاهدة، ونشر فيديوهات تحرّض على الفسق لزيادة نسبة المتابعين لها"، "العضوية بمجموعة واتس آب لتلقي تكليفات استغلال الفتيات"، "تشجيع الفتيات المراهقات على بثّ فيديوهات تحرّض على الفسق، والهروب من العدالة ومحاولة التخفّي وتشفير هواتفهم وحساباتهم".
كل التهم السابقة وُجّهت لفتاتين قررتا اللعب عبر برنامج تيك توك في مصر، وانتهى الأمر بالحبس ست سنوات لمودة الأدهم، وعشرة سنوات لحنين حسام، وغرامة تتجاوز الـ10 آلاف دولار.
ما يحدث في مصر مأساة تمسّنا جميعاً، حتى وراء الشاشة لا يوجد أمان، لا مساحة للّعب ولا للتسلية
نحتار حقيقة فيما نكتب، هل نندب ونشتم هكذا نظام قضائي؟ أم نشتم "قيم الأسرة المصرية"؟ أيدينا مكبّلة فعلاً، الحرب التي تُشنّ في مصر على الفتيات واتهامهنّ بأوصاف مماثلة، مهما حاولنا تفسيرها لن نجد الكلمات المناسبة للتعبير: هيمنة حيوية، الخوف من اللعب؟ كل هذه الحذلقات غير كافية، هل نردد الشعار الشهير "يسقط يسقط حكم العسكر"؟
التأويلات والكتابة لن تنفي حقيقة أن هناك فتاتين ستدخلان السجن، ولم نجد كمحرّرين في المقتطف الجديد أي كلمات، سوى أن نذكر أسماء من ظُلموا ونكتب عنهم، ونشير بدقة إلى السبب وراء ذلك.
ما يحدث في مصر مأساة تمسّنا جميعاً، حتى وراء الشاشة لا يوجد أمان، لا مساحة للعب ولا للتسلية، وأن نكتب كمظلومين أو متعاطفين مع المظلومين يظهرنا كنوّاحين وندّابين. لا نعلم إن كان الحل هو الثورة، لكن، كم فتاة يجب أن تعتقل وتُغتصب ويُتحرّش بها حتى ينتهي الأمر وتترك كل امرأة لشأنها، دون عين ويد ومطرقة القاضي والمتحمسين للحشمة؟
نحتار حقيقة فيما نكتب، هل نندب ونشتم النظام القضائي المصري؟ أم نشتم "قيم الأسرة المصرية"؟ أيدينا مكبّلة فعلاً، الحرب التي تُشنّ في مصر على الفتيات، مهما حاولنا تفسيرها لن نجد الكلمات المناسبة للتعبير
جون مكافي مشنوقاً في زنزانته
لا تكفي المساحة المخصّصة للمقتطف للحديث عن صاحب برنامج مضاد الفيروسات الشهير مكافي، من التهرّب الضريبي إلى تهم بجرائم قتل، إلى الترشح لرئاسة أمريكا مرتين.
لا ينتمي مكافي لمليونيرية "وادي السيلكون" الشبّان، كمارك زوكربيرغ أو أيلون ماسك، هو من جيل سابق، أقرانه هم بيل غايتس وستيف جوبز، لكن الاختلاف أن جوبز وغايتس قرّرا مراكمة الثروة والربح، ثم محاولة تحويل العالم إلى مكان أفضل، أو مكان كل ما فيه مراقب.
أما ماكفي، فقرر ببساطة أن يعيش حياته، يتبع نزواته. حياة المليونير الخطرة والماجنة تستدعي التأمل، كونها تعلمنا إلى أي حد يمكن لفرد أن ينصاع لرغباته، إن كان غنياً ومباحاً له ما هو ممنوع أو صعب على غيره. انتحر مكافي في زنزانته في برشلونة خوفاً من الترحيل إلى الولايات المتحدة، قرّر أن ينهي الجدل ويحافظ على ما تبقى من كرامته.
لا يعنينا مكافي ولا نزواته كونها لا تمسّنا نحن قرّاء العربية، لكن اسمه مألوف ومتكرّر على شاشاتنا، عبر برنامج مكافحة الفيروسات الذي دعا لاحقاً إلى إزالته من الحواسب، لكن "العبرة" من حياته، أنه بعكس كل من ذكرناهم، لا يريد السيطرة على العالم أو السوق، يريد فقط السيطرة على حياته، بصالحها وطالحها، وأن يكون هو صاحب القرار الأخير دون خوف من قانون أو شخص أو مؤسسة أو "تطبيق" على الهاتف.
مكافي، ضحية الفردانية الأشد عبثاً.
حيرة حول السلالة الجديدة من البشر
قرأنا هذا الأسبوع خبرين ظهرا على التوازي، الأول عن "الرجل التنين"، والمقصود جمجمة "بشرية" مكتشفة في الصين، تبيّن بعد تحليلها أنها تنتمي لسلالة جديدة من البشر، سكنت المنطقة قبل 146 ألف عام.
جمجمة "بشرية" مكتشفة في الصين، تبيّن بعد تحليلها أنها تنتمي لسلالة جديدة من البشر، سكنت المنطقة قبل 146 ألف عام
في ذات السياق، اكتشفت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، أجزاء من جمجمة، يُقال أيضاً إنها تعود لسلالة جديدة من البشر، وأطلقوا عليها اسم " ناشر رملة"، وهو من سلالة مشابهة لسلالة البشر العاقلين، لكن لم ينجُ منها أحد.
يتأمّل كل واحد من المحررين في المقتطف وجهه في المرآة، ويحاول أن يتعرّف على خصائصه: ربما يحمل صفات تشابه هذه السلالات الجديدة، أو ربما الأمر، كعادة إسرائيل، تلفيقة جديدة مشابهة للتلفيقات الأحفورية التي تعمل عليها ضمن سياساتها الاستعمارية، لتحويل العلم إلى نبوءة دينية. أما في حالة الصين، فالأمر أيضاً مشبوه، ربما هي محاولة لإعادة الصين إلى قائمة الحضارة البشرية بعض الصفعة المدوية التي ظهرت من الصين وأصابت جوهر البشرية، ونقصد هنا وباء كوفيد-19.
ما الذين سيتغير إن كانت هناك سلالة جديدة من البشر؟ سيزداد عدد الملاحدة؟
يعود المحررون للتحديق في المرآة: ما الذين سيتغير إن كانت هناك سلالة جديدة من البشر؟ سيزداد عدد الملاحدة؟ ستزداد رواتب المحررين في المقتطف؟ نكتب عن هذين الاكتشافين في دعوة للتأمل والتحديق عميقاً في أنفسنا، وجدوى حيواتنا قبل أن ننقرض، إما بسبب السيسي الذي يريد إعدام وحبس "الجميع "، أو بسبب المتحوّر الجديد الذي يجتاح العالم، لذا ندعو الجميع للتخفّف من الجدية، اللعب والضحك، والأهم، اكتشاف الموسيقا.
كردستان العراق: متنفّس للسوريين ومساحة للمّ شملهم
ألغى إقليم كردستان العراق تأشيرات الدخول للسوريين اللذين يحملون وثائق سفر أوروبية، أي اللاجئين، وجاء هذا الخبر أشبه بهدية بعد عشر سنوات من التهجير والحرمان من العودة لسوريا. صحيح أن هناك مكاسب اقتصادية للإقليم، لكن لا يهم، البعض سيتمكن من الاجتماع مع أحبائه الباقين في سوريا بعد سنوات من الاتصال المتقطع على سكايب.
تفاؤل هائل اجتاح الكثيرين، داخل وخارج سوريا، ومن الممكن أن يتحول الإقليم إلى مساحة حقيقية للقاء، في حال لم نكتشف ما هو خفي في هذا الموضوع، إذ هناك تخوّف من أن يتحول إلى مساحة لـ"صيد" المطلوبين، لكن إلى الآن، لا دلائل على ذلك.
لتكن كردستان "الدولة" إذا لم تتحقق على الأرض، مساحة رمزية، تفتح أبوابها للجميع، بعيداً عن العصبيات الوطنية والانتماءات الأيديولوجية، فضاء تلتئم فيه الجراح دون خوف أو رعب.
الرهان على الأفراد في حالة كردستان أشدّ نجاعة من الرهان على العصبيات والانتماءات العرقية، ربما (وهذا حلم رومانسي)، قد يتحقّق الحلم الكردي بالتراضي والبناء على الود، لا الاقصاء والتعصب والنزعات التي ما زالت إلى الآن تتحكّم بالكثيرين.
أكثر من 100 ألف شخص وقعوا عريضة بعنوان "لا تسمحوا لجيف بيزوس بالعودة إلى الأرض"، وذلك في ردّ على مخطط الملياردير الشهير، الذي يريد القيام برحلة إلى الفضاء من أجل "مشاهدة الأرض من بعيد"
الكوكب الأحمر... أحمر
يُلاحظ في أفلام الخيال العلمي، أن الأشخاص في الخلفية، أي الناس الذين يشغلون الفضاءات في المستقبل، يمتلكون ملامح آسيوية، في تبنٍّ لنبوءة كتاب الخيال العلمي التي تقول إن "الناس" في المستقبل سيكونون آسيويين. كما نشاهد في أفلام أخرى، مستقبل ديستوبي، يتلاشى فيه كل ما ينتمي إلى العالم القديم، لكن، وهو المستغرب، تنجو فقط المافيات والعصابات الآسيوية.
هذا المتخيل الذي يرعب "الغرب" من الهيمنة والانتشار الآسيوي الذي يتمثل بالصين، أصبح حقيقية، إذ قرّرت الصين خطتها لاستعمار المريخ بحلول عام 2043، والعمل على تجهيز جسر فضائي أشبه بطريق سريع بين الأرض والمريخ.
وجود مستعمرة صينية أو حتى مستعمرة تنتمي لأي بلد آخر، يكشف حقيقة أننا كبشر لا نكترث بمبدأ الأخوّة العالمية، أو كما يقول البعض: "مواطن عالمي"، هناك أيديولوجيات أقوى من الأخوة ووهم المستقبل المشترك، هذه الأيديولوجيات المترافقة مع التطوّر التقني، وصل بها الأمر لاستعمار الفضاء، لكن من سيسكن هناك، وما الذي سنناله نحن؟
الأهم، لم يعد الأمر كما كان سابقاً فيما يخصّ السفر إلى الفضاء، استعراضاً للقوة الوطنية وبناء الرموز الأيدولوجية المتمثلة بالمركبات ورواد الفضاء، بل أصبح محاولة لإعادة إنتاج الحياة خارج الكوكب ضمن شروط استثنائية، في إعلان واضح أن كوكبنا هذا، الأرض، لم يعد صالحاً للحياة، و"الأشطر" من يُسارع للهرب منه.
ابق في الفضاء يا بيزوس
أكثر من 100 ألف شخص وقعوا عريضة بعنوان "لا تسمحوا لجيف بيزوس بالعودة إلى الأرض"، وذلك في ردّ على مخطط الملياردير الشهير، الذي يريد القيام برحلة إلى الفضاء من أجل "مشاهدة الأرض من بعيد"، العريضة ترى أنه لا يجب أن يوجد مليونيرية على الأرض، وإن غادروها فيجب ألا يعودوا.
نقترح هنا عدداً من العرائض الراديكالية في محتواها، لكن في حال نُفّذت، فربما تحسّن وضعنا كبشر ومواطنين:
1- استئجار صاروخ فضائي وإرسال كل رؤساء العالم إلى المريخ، للتصارع هناك.
2- إرسال كل الكتب السماوية إلى الفضاء وإعادة الرسائل الربانية إلى مصدرها مع رسالة شكر.
3- منع أي أحد من الحصول على راتب يتجاوز مقداره رواتب عشرة موظفين.
4- كل بيت لم يسكنه أصحابه لأكثر من 3 سنوات، يتم تأجيره إلى أسرة لا تمتلك منزلاً بمقابل رمزي.
5- منع أي أحد يستخدم عنوان (بين مطرقة كذا وسندان كذا) من ممارسة مهنة الصحافة.
عن سيميولوجيا اللقاحات
تحوّلت أسماء اللقاحات إلى فضاء للصراع الوطني والسياسي، وبعيداً عن نظريات المؤامرة التي تلاحق لقاح "أسترا- زي- نيكا" والأصول السنسكريتية للكلمة، أصبحت كل دولة تسمي لقاحها في محاولة لفرض سطوتها، فخامنئي الذي منع استيراد اللقاحات، ظهر أمامنا وهو يأخذ إبرة من لقاح "كوف أيران بركات" محلي الصنع، ذات الأمر مع كوبا ولقاحها "عبد الله"، بطل مسرحية كوبية شهيرة.
هذه الحرب البلاغية التي تتحرّك بين الاسم العلمي واسم الشركة والاسم ذي الدلالات الوطنية، أفرغت العلم من محتواه، وحوّلت التلقيح إلى شأن دفاعي وطني، فلا أحد يعرف اسم لقاح شلل الأطفال أو الكوليرا، فاللقاح مرتبط باسم المرض، أما الآن، وهذا ما نراه في خيارات بعض الأفراد، الأمر يرتبط بالثقافة الشعبية والتقارير الإعلامية، هل نتلقح إيرانيّاً، أم روسيّاً أم أمريكيّاً؟ أي من البلدان تمتلك من الهيبة وحكاية وطنية مشرفة كي نأخذ لقاحها؟ وأي فريق يستحق أن "ندخل" إبرته في أذرعنا؟ وهل الحل أن نسلم بسلطة رأس المال ونتلقح بفايزر؟
حيواتنا وصحّتنا محط صراع أيديولوجي شديد الابتذال، تركنا مُعلقين أمام الشاشات، نكتشف الصفقات السرية والأعراض الجانبية، وكيف يحاول كل بلد/ شركة أن يربح أكثر من مرضنا. ننتظر الآن الوباء القادم الذي قد يضطرنا للاختبار بين أدوية تحمل أسماء أشد أيديولوجية، كلقاح "السنّة الأحرار" أو "دواء التقمص وتحولات الروح"، أو "دواء الإمام شافي العوام".
*المقتطف الجديد يعبّر عن آراء كتّابه وكاتباته وليس بالضرورة عن رأي رصيف22
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون