"بالنسبة إلي، لا تهمني المشاركة، المهم أن يكون الأعضاء الجدد للبرلمان منبثقين عن إرادة منتخبيهم، وبإمكانهم الاضطلاع بمهمة السلطة التشريعية في البلاد". بهذه الكلمات علّق الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على ضعف الإقبال الملحوظ على الانتخابات البرلمانية، والذي يُعدّ الأدنى منذ 20 سنة، إذ كانت نسبة المشاركة في العملية الانتخابية 30.20%، وذلك على الرغم من الإجراءات العديدة التي اتخذتها سلطة الانتخابات لتحفيز الناخبين على التوجه نحو صناديق الاقتراع، كتمكين الناخبين الذين لم يحصلوا على بطاقاتهم الانتخابية من التصويت ببطاقة الهوية، أو رخصة القيادة، أو جواز السفر، بالإضافة إلى تمديد الاقتراع في المحافظات جميعها ساعةً إضافية.
المفارقة كانت في إعلان رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي، أن ما يقرب من 70% من إجمالي عدد الناخبين كانت من البدو والرحّل.
منافسة شرسة وعزوف صادم
تنافست في هذه الانتخابات 1438 قائمة، تمثل الأحزاب والمستقلين، وتضم أكثر من 15 ألف مرشح تدافعوا للظفر بمقاعد المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري) البالغ عددها 407 مقاعد.
وتوزعت الأحزاب السياسية التي خاضت السباق وفقاً لثلاثة توجهات سياسية كبرى، وهي: الديمقراطي، والإسلامي، والوطني. وتمثل حركة مُجتمع السلم (أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد) أبرز القوى السياسية الإسلامية، تُقابلها حركة البناء الوطني بقيادة المرشح الرئاسي السابق عبد القادر بن قرينة. أما الأحزاب الوطنية، فيأتي في مقدمتها حزب جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، والتحالف الوطني الجمهوري المحسوب على الرئيس السابق، بالإضافة إلى أحزاب أخرى مثل جبهة المستقبل. وتبرز الأحزاب الديمقراطية في حزب جيل جديد.
سجلت العاصمة الجزائرية، ومنطقة القبائل، أدنى معدل تصويت في تاريخ الاستحقاقات البرلمانية، إذ لم تصل نسبة المشاركة إلى 1%. تزامن ذلك مع تطور أسلوب المقاطعة، ليتحول إلى أعمال عنف وشغب
"أليس هذا هو البرلمان نفسه الذي أسقط قانون التقاعد النسبي الذي يُعد واحداً من أبرز حقوق العمال في الجزائر؟". بهذا السؤال استهل الشاب حمزة، موظف في شركة حكومية ويقطن في بلدة درقانة شرق العاصمة، حديثه مع رصيف22 عن سبب مقاطعته للانتخابات، مستطرداً: إن هامش الثقة في هذه المؤسسة لا يزال هشاً، وهي تحتاج إلى جهد كبير من أجل إعادتها إلى الطريق الصحيح، وترميمها.
المدهش في الانتخابات، كانت دعوات المقاطعة التي انطلقت من ناشطين في الحراك الذي يطالب بالديمقراطية، ثم يقاطع أهم استحقاق ديمقراطي تشهده الجزائر!
مصطفى قلعول، أحد الشبان الناشطين في الحراك، يفسر ذلك التناقض لرصيف22 قائلاً: "إن السبب الرئيسي وراء مقاطعتي، هو عدم ثقتي بالسلطة السياسية الحالية، فالانتخابات الحالية لن تختلف عن الاستحقاقات جميعها التي جرى تنظيمها في وقت سابق، فهي عبارة عن ‘نكسة’ جديدة ستضاف إلى قائمة النكسات التي شهدتها البلاد".
هذا وسجلت العاصمة الجزائرية، ومنطقة القبائل، أدنى معدل تصويت في تاريخ الاستحقاقات البرلمانية، إذ لم تصل نسبة المشاركة إلى 1%. تزامن ذلك مع تطور أسلوب المقاطعة، ليتحول إلى أعمال عنف وشغب، إذ أظهرت تسجيلات على شبكات التواصل الاجتماعي صناديق اقتراع حُطّمت في بعض بلديات بجاية، والبويرة، كأميزور، وآث القصر. في حين سجلت محافظات جنوبية نسبة مشاركة كبيرة، تجاوزت في محافظة إيليزي جنوب البلاد الـ40%، بينما تخطت في ولاية برج باجي مختار الـ44%.
“السبب الرئيسي وراء مقاطعتي، هو عدم ثقتي بالسلطة السياسية الحالية، فالانتخابات الحالية لن تختلف عن الاستحقاقات جميعها التي جرى تنظيمها في وقت سابق، فهي عبارة عن ‘نكسة’ جديدة ستضاف إلى قائمة النكسات التي شهدتها البلاد"
الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية مبروك كاهي، يفسر لرصيف22 ظاهرة العزوف عن الانتخابات النيابية، قائلاً: هناك سياقات عدة لتلك المقاطعة، أبرزها تغيير التركيبة السكانية للعاصمة، فضلاً عن وجود فئة تفضّل نظام "الكوتا" بدل أسلوب الانتخاب، ويختم كاهي: يجب ألا ننسى تركيز النظام على مُخرجات العملية الانتخابية، بدل التركيز على العملية في حد ذاتها، وهو ما ألمح إليه الرئيس تبون حين قال إنه غير مهتم بنسبة المشاركة.
العلاقات الشخصية كلمة السر
وعلى صعيد آخر، بدا جليّاً في هذه الانتخابات تأثير العلاقات المباشرة على سير العملية، فهناك قطاع من الناخبين ذهب إلى الصناديق لدوافع شخصية، وعلاقات صداقة أو قرابة، سواء عن طريق النسب أو المصاهرة، وهناك من امتنع خوفاً من كسب عداوات مع مرشحين.
محمد يونس (46 سنة) القاطن في بلدة الرويبة قرب العاصمة الجزائرية، تحدث عن تلك النقطة لرصيف22، ويقول: في السنوات الماضية، كنت أتوجه إلى صناديق الاقتراع بهدف تأدية واجبي الانتخابي لا غير. لكن اليوم أدليت بصوتي الانتخابي لأسباب شخصية إذ تربطني بالمرشح علاقة نسب، فهو قريبي، وقد قطع لنا وعداً بالدفاع عنا، وإيصال صوتنا إلى الوصاية من منبر البرلمان.
اللافت للانتباه في هذه الانتخابات، هو عزوف العنصر النسائي عن التصويت بشكل ملحوظ، ربما بسبب الإرث الثقافي الجزائري الذي أدى إلى عدم انخراط المرأة في الساحة السياسية، وميلها أكثر إلى العمل الخيري، والعمل من خلال الجمعيات
اللافت للانتباه في هذه الانتخابات، هو عزوف العنصر النسائي عن التصويت بشكل ملحوظ، ربما بسبب الإرث الثقافي الجزائري الذي أدى إلى عدم انخراط المرأة في الساحة السياسية، وميلها أكثر إلى العمل الخيري، والعمل من خلال الجمعيات، كما تقول القيادية في حركة مجتمع السلم (أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر)، فطيمة سعيدي.
وبغض النظر عن الفائز، يأمل الجزائريون الذين أدلوا بأصواتهم، أن لا تفتح هذه الانتخابات باباً جديداً من أبواب الأزمة التي تعيشها البلاد منذ شباط/ فبراير 2019، خاصة وأن نسبة الذين امتنعوا عن التصويت تعبّر عن استمرار المأزق السياسي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين