تشهدُ الجزائر هذه الأيام حراكًا عُماليًا واسع النطاق يضغط على الحكومة بقوة من أجل افتكاك مطالب ظلت عالقة لسنوات وتحسين الظروف المعيشية، التي انهارت بسبب تهاوي قيمة العُملة الجزائرية (الدينار) إلى مستويات مُتدنية قياسية.
اللافت في الحركة العمالية التي تشهدها البلاد هذه الأيام أنها جاءت على شكل "انتفاضة" مُوحدة شملت عدة قطاعات مهنية وخدماتية، تتقاطع في نقاط مشتركة تتمثل في رفع الحد الأدنى للأجور وتحسين القدرة الشرائية للموظفين التي شهدت تراجُعًا ملحوظًا.
إضرابات مفزعة
وكان أحدث الإضرابات التي أفزعت الحكومة الإضراب المُفاجئ لموظفي البريد في أغلبية مُحافظات البلاد، لأسباب عديدة أبرزها عدم التزام الحكومة الوفاء بوعودها بشأن دفع منح وعلاوات تحفيزية للعمال والموظفين، وفاقم هذا الإضراب متاعب الجزائريين الذي يعانون منذ أشهر مشكلة نقص السيولة، وأجبر وزير البريد إبراهيم بومزوار على احتواء غضب الموظفين والتكفل بالمطالب العالقة منذ سنوات خاصة ما يتعلق بالمنحة الفردية والجماعية ومراجعة ساعات أيام العمل الأسبوعية وإعادة النظر في ملفات العمال الذين يشغلون مناصب غير تلك المذكورة في مقررات التعيين.
ولم تكد تهدأ موجة الغضب في قطاع البريد حتى تفجرت أخرى في قطاع التربية، ويمكن القول إنها الموجة "الأعنف" منذُ بداية الموسم الدراسي الحالي، فالمعلمون اليوم في عدد من المحافظات على غرار وهران (غرب العاصمة) متوقفون عن العمل، يُطالبون بصرف أجورهم المتأخرة ويضغطون من أجل تحسين أوضاعهم الاجتماعية، وتزامن إضرابهم من دون أي غطاء نقابي مع إضراب آخر دام يومين تحت إشراف إحدى النقابات الفاعلة في القطاع التربوي.
كما أعلن قطاع الحماية المدنية أو ما يعرف بـ "الدفاع المدني" الدخول في إضراب عن العمل في 26 و27 أبريل/ نيسان الجاري، وأرجع السبب إلى "تقاعس الإدارة الوصية في تلبية المطالب الاجتماعية والمهنية المرفوعة لديها منذ سنوات، وأكد بيان لأصحاب القطاع أن " الوصاية لا زالت تتعاملُ مع قطاع الحماية المدنية بشي من الازدراء وعدم الجدية، رغم أنهم موجودون دائمًا في الصفوف الأمامية في كل الأزمات والكوارث"، واستدلوا بمنحة الخطر التي يتلقونها ولا تتعدى سقف 40 دولارًا.
اللافت في الحركة العمالية التي تشهدها البلاد هذه الأيام أنها جاءت على شكل "انتفاضة" مُوحدة شملت عدة قطاعات مهنية وخدماتية، تتقاطع في نقاط مشتركة تتمثل في رفع الحد الأدنى للأجور وتحسين القدرة الشرائية للموظفين التي شهدت تراجُعًا ملحوظًا
وقبل أيام من هذا التاريخ، شهد قطاع الصحة هو الآخر إضرابًا، إذ شلت ثلاث نقابات بارزة في القطاع، هي النقابة الوطنية للأساتذة الجامعيين ونقابة مستخدمي الصحة ونقابة شبه الطبيين، لمدة 24 ساعة بسبب تأخر صرف الحكومة منحة كان قد منحها الرئيس عبد المجيد تبون لصالح الأطباء والممرضين مقابل الجهود التي بذلوها في مواجهة كورونا.
رسائل للرئيس
بالمُقابل وجهت الكونفدرالية المستقلة للنقابات التي تضمُ 13 نقابة قطاعية عمالية، قبل أيام قليلة فقط، رسائل مطلبية للرئيس وللحكومة، أوجزها الناطق الرسمي باسمها سليم أولهة في مراجعة قانون التقاعد وإعادة النظر في الحد الأدنى للأجور في ظل التراجع الملحوظ في القدرة الشرائية للجزائريين والارتفاع القياسي في أغلب المواد ذات الاستهلاك الواسع خلال الفترة الأخيرة.
يقول أولهة لرصيف22 إن قانون التقاعد المعمول به حاليًا يتضمن بُنودًا مجحفة وظالمة لقطاع عريض من العمال الذين لن يتراجعوا عن هذا المطلب باعتباره حقًا مكتسبًا، وهي نفس المطالب التي جهر بها سابقًا الاتحاد العام للعمال (أكبر التنظيمات النقابية في الجزائر).
الانتخابات على المحك
ويبدو أن الحركة العمالية أصبحت "صاخبة" ومن الصعب جدًا إسكاتها وفق المحلل السياسي الجزائري احسن خلاص، إذ يقول لرصيف22 إن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد "خانقة" وبوادرها بدأت تظهر للعلن مع تراجع القدرة الشرائية وفقدان آلاف المواطنين لمناصبهم والإضرابات الحالية تعبير عن القلق والمخاوف القائمة من استمرار عمليات التسريح وتأخر الأجور.
وفي حديثه عن إمكانية تجاوب الحكومة الجزائرية مع مطالب الغاضبين، يستبعد خلاص ذلك لعدة أسباب، أبرزها أن الفريق الحُكومي الحالي الذي يقوده التكنوقراطي عبد العزيز جراد الذي تم تعديله في وقت سابق بات في حالة احتضار سيرحلُ مُباشرة بعد الانتخابات البرلمانية المُقررة في 12 يونيو/ حزيران المقبل.
"الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد 'خانقة' وبوادرها بدأت تظهر للعلن مع تراجع القدرة الشرائية وفقدان آلاف المواطنين لمناصبهم والإضرابات الحالية تعبير عن القلق والمخاوف القائمة من استمرار عمليات التسريح وتأخر الأجور"
ويعاتب متتبعون للمشهد السياسي والاقتصادي في البلاد، السلطة على خفض قيمة العملة المحلية بهدف إيجاد موارد مالية جديدة لسد العجز المسجل في الخزينة العمومية، والذي بلغ نسبة 10 بالمائة، بعد أن وضع الرئيس عبد المجيد تبون خيار اللجوء إلى الاستدانة الخارجية والعودة لطباعة النقود على حدة، وهو ما انعكس سلبًا على أسعار المواد ذات الاستهلاك الواسع والقدرة الشرائية للجزائرية التي انخفضت حسب العضو السابق في لجنة الموازنة بالمجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري) هواري تيغرسي، 50 بالمائة في السنوات الأخيرة بسبب ارتفاع مستوى التضخم.
اهتزاز الجبهة الاجتماعية في موازاة استمرار الاحتجاجات السياسية التي استرجعت زخمها مع حلول الذكرى الثانية للحراك الشعبي الذي تشهده البلاد منذ أكثر من عامين، سيعقد من وضع السُلطة ويضع الانتخابات التشريعية المبكرة في البلاد على المحك. وتعزز مخاوفها من تراجع نسبة المشاركة في هذا الاستحقاق وتكرار سيناريو الاستفتاء حول الدستور واتساع رُقعة العزوف الانتخابي، إذ لم تتجاوز المُشاركة في يوم الاستفتاء نسبة 23,7 بالمائة أي أقل من ربع عدد الناخبين المُسجلين، وهي أدنى نسبة تم تسجيلها بالنسبة للاستفتاء في الجزائر منذ الاستقلال عام 1962.
يقول القيادي في حركة مجتمع السلم الجزائرية (أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد) مهدي زنتوت لرصيف22: "في الدول الديمقراطية الإضرابات العمالية عامل من عوامل رفع نسبة المشاركة لأن الانتخابات أداة لتغيير نظام بأخر قد يلبي حاجيات الناس، غير أن العكس يحدث في الجزائر، فالانتخابات من منظور عامة الناس محسومة قبل بدايتها استنادًا للتجارب السابقة، وعليه فغالبية الجزائريين ينظرون للانتخابات على أنها استمرار لنفس النظام، وبالتالي لن تغير في الوضع شيئًا".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع