شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"صوت غرفة النوم"... ما الذي يجعل بعض الأصوات أكثر اغراءً من غيرها؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 11 يونيو 202105:07 م

قال المؤلف الموسيقي الألماني ريتشارد شتراوس، إن "صوت الإنسان هو أجمل آلة ربانية، ولكن في نفس الوقت هي أصعبها عزفاً".

قد نتحدّث إلى شخص مجهول عبر الهاتف ويجذبنا صوته العميق، فنبدأ برسم ملامح وجهه في مخيلتنا، ونقول في أنفسنا: "لا بد أن يكون وراء هذا الصوت العميق والهادىء شخص جذاب للغاية"، غير أن هذه التصوّرات قد تصطدم بالواقع، بحيث نكتشف عند مقابلته أنه لا يتمتع "بالكاريزما" التي كنّا نتوقعها، ومع ذلك لا يمكن أن نتجاهل ميزة صوته الجذاب.

في الواقع، إن صوت غرفة النوم أو voix de chambre à coucher، هو المصطلح الذي يطلقه الفرنسيون/ات عند الحديث عن الأفراد الذين يتمتعون بنغمة جذابة وبقدرة كبيرة على الإغواء بسبب صوتهم العميق والمثير، الأمر الذي يجعلهم أكثر قوة في التأثير على الآخرين.

ماذا يقول التفضيل العالمي للصوت العميق على كيفية حكمنا على الشخصية؟

علاقة الأصوات العميقة بالإغواء

في مطلع إحدى قصائده، قال الشاعر بشار بن برد: "يا قَومُ، أُذْني لِبَعضِ الحَيِّ عاشِقَةٌ/ وَالأُذنُ تَعشَقُ قَبلَ العَينِ أَحيانا".

بمعزل عن الثقافة أو الحدود الجغرافية، هناك سمة يبدو أنها محببة ومغرية لدى الكثير من الناس: الصوت العميق.

في هذا الصدد، تحدثت الباحثة في علم اللغة، ميليسا ديفراداس، من جامعة مونبلييه، عن العلاقة بين الأصوات العميقة والإغواء، قائلة: "مهما كانت الثقافة، فإن أي امرأة قادمة من اليابان أو من الولايات المتحدة الأميركية أو من فرنسا أو من أي مكان في العالم، تميل لتفضيل الرجال ذوي الأصوات العميقة".

صوت غرفة النوم أو voix de chambre à coucher، هو المصطلح الذي يطلقه الفرنسيون/ات عند الحديث عن الأفراد الذين يتمتعون بنغمة جذابة وبقدرة كبيرة على الإغواء بسبب صوتهم العميق والمثير، الأمر الذي يجعلهم أكثر قوة في التأثير على الآخرين

وقد تمت ملاحظة التفضيل الجنسي للرجال الذين يتمتعون بالأصوات العميقة في الشعوب الأصلية من الأمازون إلى تنزانيا، بالإضافة إلى عدد لا يحصى من الأمثلة في بقية العالم، بحيث يربط الناس في العادة الأصوات العميقة بالنجاح الوظيفي والقوة، بالإضافة إلى مهارة الصيد لدى بعض الشعوب.

وفي السياق نفسه، أشار موقع بي بي سي، إلى أننا في العادة نصنّف السياسيين، أصحاب الأصوات العميقة، على أنهم أكثر جدية، ما يزيد من فرص فوزهم في الانتخابات، كما أنه من المرجّح أيضاً أن يتم توظيف المرشحين للوظائف، من الذكور والإناث، ذوي الأصوات المنخفضة والعميقة بشكل أكبر من غيرهم/نّ.

سرّ الانجذاب إلى الصوت العميق

خلال فترة المراهقة، تقلّ حدّة الصوت بسبب التغيرات التي تطرأ على مستويات هرمون التستوسترون، لكن يمكن التنبؤ بدرجة عالية من الدقة بنبرة صوت المرء (وبخاصة الرجل) بناءً على ما كانت عليه نبرته في سن السابعة.

وبحسب الأبحاث، فإنه يتم تحديد مستويات هرمون التستوستيرون عند الرجال من خلال تعرضهم لأندروجينات أمهاتهم (مجموعة الهرمونات التي ينتمي إليها التستوستيرون) خلال الأسابيع 8-24 من الحمل.

وعليه، من وجهة نظر تطورية، يعتبر البعض أن الرجال الذين لديهم نسبة مرتفعة من هرمون التستوسترون هم أكثر جاذبية، وذلك بسبب ربط هذا الهرمون بصفات الذكورة والرغبة الجنسية وإنتاج الحيوانات المنوية وعمق الصوت، بمعنى آخر، فإن الصوت العميق يجعل الرجل أكثر جاذبية في عيون العديد من النساء.

في العادة نصنّف السياسيين، أصحاب الأصوات العميقة، على أنهم أكثر جدية، ما يزيد من فرص فوزهم في الانتخابات، كما أنه من المرجّح أيضاً أن يتم توظيف المرشحين للوظائف، من الذكور والإناث، ذوي الأصوات المنخفضة والعميقة بشكل أكبر من غيرهم/نّ

أما بالنسبة إلى تفضيلات الرجال للنساء فقد تكون أكثر تعقيداً بقليل: لوقت طويل، كان هناك اعتقاد بأن الرجال يفضلون النساء اللواتي يتمتعن بأصوات عالية وعميقة، وذلك لاعتبارها بمثابة دليل على الكفاءة وعلى عدد سنوات الخصوبة والصحة الإنجابية.

بالرغم من اعتراض بعض العلماء على هذه النظرية، إلا أن من الملاحظ أنه عندما نجري محادثة جيّدة مع شخص ما، فإننا نميل إلى ضبط نغمة صوتنا مع صوته، وهو ما يسمى "الإنجذاب الإيجابي"، فتقوم المرأة مثلاً بجعل صوتها عميقاً مثل الرجل، أما عندما يكون الآخر جذاباً بالفعل بالنسبة إلينا، فيحدث التالي: يخفض الرجال نبرتهم أكثر، وترفع النساء من أصواتهنّ، واللافت أنه كلما وجدنا شخصاً ما أكثر جاذبية، كلما زاد الاختلاف في نبرة الصوت.

وبشكل عام، تعطي النساء الأولوية للمحادثات الجيدة على الجاذبية، بينما يعطي الرجال الأولوية للجاذبية، من هنا يتضح كيف أن تلاعب المرء بنغمة الصوت قد يجعله أكثر جاذبية في عيون الآخر.

ماذا عن تغيير اللهجة لتحسين الانطباع لدى الناس؟

يقولون إنه يجب دائماً ارتداء الملابس المناسبة لإحداث انطباع جيّد في العمل، ولكن هل ينبغي أن يمتد ذلك إلى الطريقة التي نتحدث بها؟

هناك بعض الأسماء الشهيرة التي فعلت ذلك بالفعل بهدف "نواياها الخفية"، فقد استبدلت مارغريت تاتشر لهجتها الأصلية وبدأت تتحدث بلهجة أكثر فخامة، كان يُعتقد في ذلك الوقت أنها أكثر انسجاماً مع موقع السلطة السياسية، أما بالنسبة إلى طوني بلير وجورج أوزبرون فقد نقلا لهجتيهما إلى الاتجاه المعاكس، عبر إدخال ألفاظ خاصة بالطبقة العاملة على خطابهما، في محاولة لجعل الجمهور يتقبلهما بصورة أكبر، إلا أن ذلك جعلهما يتعرضان للاستهزاء الشديد.

أما اليوم، فقد أصبحت الأمور أكثر تعقيداً من مجرد تغيير لهجتنا لكي نعزّز من فرص تقدمنا المهني والوظيفي.

ولكن بالعودة إلى الأسباب التي تدفع شخصاً ما إلى تغيير لهجته، فإننا نكتشف مجموعة من التحيزات والأحكام المسبقة التي لا ينبغي بالضرورة تعزيزها، بخاصة وأنه ليس من السهل استخدام لهجة جديدة للعمل و"خلعها" عندما نكون في المنزل كما لو كنّا نرتدي بدلة جديدة.

كما أن اللهجات لا تتعلق فقط بالطريقة التي نتحدث بها، بل هي واحدة من أكثر الإشارات التي تعكس خلفياتنا.

بمعنى آخر، تحدد اللهجة على الفور من نحن وتشكل جزءاً أساسياً من هويتنا، هذا وقد نشأت قوالب وصور نمطية حول لهجات مختلفة، كالقول مثلاً بأن سكان نيويورك وقحون، والبريطانيين الذين يتحدثون بلهجة رسمية متعلّمون، والأميركيين الجنوبيين لطيفون.

وفي هذا الصدد، أظهرت الدراسات أن الأمر قد يستغرق 30 جزءاً من الثانية فقط، وهو ما يكفي للقول كلمة "مرحباً" مثلاً، حتى يتمكن المستمعون/ات من تحديد الخلفية العرقية أو الثقافية للمتحدث/ة وإطلاق أحكام سريعة حوله، سواء كانت أحكام إيجابية أو سلبية.

وبسبب هذا "التمييز"، يمكن أن تكون اللهجات طريقاً مختصراً لتوصيف الأفراد من الناحية اللغوية، بناء على الصورة النمطية لخلفياتهم أو طبقتهم أو جنسهم أو عرقهم، لا سيما وأنه منذ الستينيات، قامت الأبحاث بالربط بين جميع أنواع السمات الشخصية للمتحدثين/ات، من الطول، الجاذبية الجسدية، الوضع الاجتماعي، الذكاء، التعليم، الشخصية الجيدة، التواصل الاجتماعي وحتى الإجرام، بناءً على لهجتهم/نّ فقط.

هذا كله قد يعود إلى المواقف اللغوية التي تصبح فيها اللهجة بالنسبة للبعض مصدراً للتفاخر الثقافي، فيما تصبح مصدراً للشعور بالعار بالنسبة لآخرين.

ولكن بدلاً من أن ننصح الناس بأن يغيروا جزءاً أساسياً من هويتهم، من المهم أن نصبح جميعاً أكثر وعياً بأفكارنا اللغوية المسبقة والنوايا الخفية.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image