"أنت ممنوعة من المبيت في فنادق مصر لأنك فتاة". عبارة قد يعدّها البعض مزحةً، ولكن هذا هو الواقع المرير الذي اختبرتْه فتيات مصريات أردنَ المبيت في فندق، أو اضطُررن إلى ذلك بسبب سفر عاجل، إما للدراسة، أو لرحلة عمل قصيرة، أو للسياحة، أو للعلاج، ليُفاجأن بأنهن غير مرحب بهن كونهن غير متزوجات.
حينما تتوجه إحداهن إلى فندق من الدرجة الثالثة للحجز، يكون الرد: "عفواً لا نستقبل فتيات بلا محرم"، أو "مفيش غرف فاضية"، أو "لا نستقبل فتيات دون سن الأربعين". يتعامل البعض مع الأنثى على أنها عار، أو عورة، ويفرض أصحاب فنادق قيوداً على الفتيات، من دون وجود أي قانون ينص على منع فتاة بلا محرم من المبيت في فندق.
بسبب ذلك، أقام محامٍ مصري دعوى قضائية أمام القضاء المصري للسماح للفتيات بالمبيت في الفنادق بمفردهن، مطالباً بمعاقبة المخالفين. كما تقدمت نائبة بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس النواب المصري لبحث هذه القضية الشائكة.
قضت ليلتها في الشارع
أرادت ميريهان محمد (30 عاماً) القيام بجولة سياحية داخلية، فباتت ليلتها في الشارع، ترمقها نظرات الرجال، بعد رفض ستة فنادق استقبالها.
لم تكن طالبة الدكتوراه في جامعة القاهرة، والمعلمة في إحدى المدارس الدولية، تعلم أن رحلتها التي قطعت خلالها عشرات الكيلومترات من القاهرة إلى محافظة الإسكندرية، ستتحول إلى معاناة لن يمحو ذكراها الزمن.
تروي ميريهان تفاصيل رحلتها لرصيف22: "عام 2017 قطعت عشرات الكيلومترات من مسقط رأسي إلى الإسكندرية بغرض التنزه، وكنت قد عقدت العزم على المبيت يوماً في أحد الفنادق. وعليه توجهت إلى ستة فنادق من الدرجة الثالثة، كلها على البحر، وفوجئت برفضهم استقبالي مبررين ذلك بأن وزارة السياحة ألزمتهم بعدم السماح للفتيات بالمبيت بمفردهن، وذلك على عكس الحقيقة".
قصة ميريهان ليست قصة معزولة. فتيات كثيرات عشن التجربة نفسها.
يتحدث البعض عن أن ما يحصل يجري وفق تعليمات من وزارة الداخلية، ووزارة السياحة المصريتين. ولكن وليد بدوي، وهو شريك في أحد فنادق مصيف رأس البر، يقول لرصيف22 إنه "لا توجد على الإطلاق تعليمات تفيد بمنع الفتيات دون سن الأربعين من المبيت في فندق، لا من وزارة الداخلية، ولا من وزارة السياحة"، مضيفاً: "مفيش مالك فندق هيرفض رزق، والفتاة مثلها مثل الرجل، فلا مبرر لرفض استقبالها إلا في حالة تخوّف مالك الفندق من نزيل ما سواء أكان رجلاً أو فتاة".
بدوره، أشار رئيس غرفة المنشآت السياحية في منطقة الدلتا ومدن القناة، وعضو مجلس إدارة غرفة المنشآت السياحية علي كامل منصور لرصيف22، إلى أنه "لا توجد إطلاقاً تعليمات من وزارة الداخلية المصرية للمنشآت السياحية والفنادق بمنع الفتيات، سواء أكنّ مصريات أو من دول التعاون الخليجي دون سن الأربعين، من المبيت في الفنادق"، متابعاً: "على العكس، الدولة تشجع السياحة الداخلية إلى أقصى درجة، سواء أكانت سياحة داخلية، أو علاجية، والأنثى تعامل كالرجل من دون تمييز".
وكانت وزارة الداخلية المصرية قد أصدرت في الثامن من حزيران/ يونيو بياناً نفت فيه ما جاء في دعوى قضائية تحدثت عن وجود تعليمات صادرة للفنادق والمنشآت السياحية بعدم السماح للسيدات المصريات، أو لمواطنات من دول مجلس التعاون الخليجي من الإقامة فيها بلا "محرم"، إذا كانت أعمارهن تقل عن 40 عاماً.
"يتعامل البعض مع الأنثى على أنها عار، أو عورة"... أصحاب فنادق في مصر يفرضون قيوداً على إقامة الفتيات من دون وجود أي قانون ينص على ذلك
وبالعودة إلى ميريهان وما خبرته، تقول: "لم أكن أعلم أنني سأواجه موقفاً لن يُمحى من ذاكرتي إطلاقاً"، وتضيف: "لحظي العاثر، كانت تلك الرحلة سفري الأول، وللأسف لم أكن أعرف أحداً في تلك المحافظة ليتدخل، ويحل لي مشكلتي، فاضطُررت إلى المكوث على البحر طوال الليل حتى صباح اليوم التالي، ثم تواصلت مع أصدقاء لي هاتفياً في القاهرة، وسمّوا لي فندقاً لأذهب إليه، وهناك لقيت معاملة راقية على عكس الفنادق الستة التي تسببت في إقامتي في الشارع للمرة الأولى في حياتي".
وتسأل ميريهان التي لم تكن تعلم أن نظام العديد من الفنادق في الإسكندرية يمنع الفتيات من المبيت بمفردهن: "يعني إيه البنات تنام في الشارع بس ما تنامش في فنادق؟".
تتذكر ميريهان تفاصيل ليلة مبيتها في الشارع قائلةً: "إنها المرة الأولى في حياتي التي يحدث فيها هذا. تعرضت لمضايقات من المارة، خاصةً وأننا كنا في فصل الصيف، والبعض يجوبون الشوارع بسياراتهم". وتتابع: "يعدّ البعض أي فتاة تتواجد في الشارع في وقت متأخر فتاةً ‘مش مزبوطة’. اضطُررت إلى أن أقطع كيلومترات عدة سيراً على الأقدام حتى منطقة سيدي بشر الشهيرة في الإسكندرية، لأدخل إلى الشاطئ، حيث حجزت ترابيزة، وأمضيت الساعات المتبقية حتى الصباح على كرسى، لأعود وأبحث مجدداً عن فندق".
وتتابع: "بالنسبة إليّ، مكوثي على الشاطئ أهون عليّ مليون مرة من جلوسي في الشارع"، عادّةً تجربة السفر بمفردها أمراً صعباً بعد الذي واجهته. "بات أخذي شنطة سفري، والسفر إلى أي محافظة لوحدي، مجازفة غير محسوبة المخاطر طالما أنني بنت".
على الرغم من تجربتها السيئة، إلا أن ميريهان انبهرت بالإسكندرية، وقررت الانتقال إليها، فاستأجرت شقة مفروشة، ووجدت عملاً في مدرسة دولية هناك.
الآن اختلفت أزمتها، إذ ترفض فنادق القاهرة استقبالها إذا اضطرت إلى البقاء ليلة فيها أثناء زيارة دراسية لها إلى هناك، لأنه مكتوب في بطاقة هويتها الشخصية أن محل الإقامة في القاهرة.
تقول إنها كلما توجهت إلى القاهرة لمتابعة رسالة الدكتوراه "تواجهني معاناة مع فنادقها، إذ ليس من حقي النزول في فنادق في المحافظة التي محل إقامتي فيها".
وترفض فنادق الدرجة الثالثة عادةً نزول فتاة من المحافظة نفسها حيث محل إقامتها، وفي الكثير من المحافظات ترفض فنادق هذه الفئة إقامة أي فتاة دون الأربعين حتى ولو كانت من خارج المحافظة.
وتعدّ ميريهان العوائق التي تواجه الفتيات والنساء في مصر بناءً على وضعهن الاجتماعي أمراً مستفزاً للغاية، خاصةً وأن ما يحدث مخالف تماماً للقانون والدستور المصريين، مشيرة إلى ضرورة قيام وزارة السياحة بالرقابة الجادة على الفنادق، ومنعها من "الممارسات العنصرية" ضد الفتيات.
"قالوا لى لازم يكون معاكي محرم"
حاولت ماريا سامي (26 عاماً) مواليد محافظة القاهرة، وتعمل في إحدى شركات الاستثمار العقاري، حجز غرفة في فندق في محافظة الإسكندرية هاتفياً، قبل أربع سنوات، بغرض زيارة المدينة، والتنزه فيها، فكان رد مسؤول الحجز في الفندق غريباً بالنسبة إليها: "لازم يكون معاكي محرم، سواء زوجك، أو شقيقك، أو والدك". فكان ردي عليه: "بتقول كده إزاي؟ لقد تجاوزت السن القانوني". ولاحقاً، تكرر الموقف في فندق آخر حاولت وصديقتها المبيت فيه. وطالبت ماريا بالمساواة بين النساء والرجال في الحصول على حقوقهن بالإقامة في الفنادق.
أما جهاد المسلمي (29 عاماً)، فقد اعتادت السفر والتجوال والتنقل بين المحافظات، بسبب طبيعة عملها، فهي تمتلك شركة استثمار زراعي، لكنها لم تكن تعلم أن رحلتها إلى مرسى مطروح ستتسبب لها في قطع ما يزيد عن 300 كيلومتر ليلاً بعدما عجزت عن إيجاد غرفة في فندق. فضّلت العودة، وقطع هذه المسافة كلها في اليوم نفسه كي لا تبيت في الشارع.
"العوائق التي تواجه الفتيات والنساء في مصر بناءً على وضعهن الاجتماعي أمر مستفز للغاية، خاصةً وأن ما يحدث مخالف تماماً للقانون والدستور المصريين"
تروي جهاد قصتها لرصيف22: "في أحد الأيام كنت في محافظة مرسى مطروح، وقد أنهيت عملي عند الرابعة عصراً، وعقب تناولي وجبة الغداء، حاولت عمل check in في ستة فنادق، لأُفاجأ برفضهم استقبالي مرددين: ‘إنتي بنت... لستِ متزوجة ولا نسكن فتيات’. حدث ذلك في نهايات عام 2019".
في الفندق الأخير، تتابع، "كنت قد اقتربت من الاتصال بالشرطة لأشكو مسؤولي الحجز في الفندق، وكان أمامي حلّان لا ثالث لهما: إما المبيت في الشارع داخل سيارتي حتى صباح اليوم التالي، ما قد يعرضني للمخاطر، وإما السفر وقطع مسافة تزيد عن 300 كيلومتر لأصل إلى القاهرة"، وتتابع: "اضطررت إلى السفر ليلاً، وكان الأمر بالنسبة إليّ سخيفاً للغاية".
وتضيف جهاد: "لا أعلم سبب رفض عدد من الفنادق إقامة الفتيات، طالما أن الفتاة لا شبهة جنائية عليها، ومعها أوراقها الثبوتية كافة. فلماذا تُمنع من المبيت في فندق؟"، وتسأل: "ما المبرر وراء رفض إدارات الفنادق إقامة فتيات أجبرتهن ظروفهن على المبيت في فندق؟"، مشيرةً إلى ضرورة توفر إجراءات قانونية محددة يمكن اتخاذها تجاه أي فندق يرفض مبيت الفتيات، كالاتصال بالشرطة، وتغريم الفندق، ورفع دعوى قضائية، "كي نتمكن من حفظ حقوقنا القانونية".
"عايز راجل أتعامل معاه"
تروي مؤسِسة مبادرة "مش هنسكت على التحرش" هادية عبد الفتاح، أنها اختبرت تجربة صعوبات الإقامة في فندق في القاهرة، عندما انتقلت إليها من مسقط رأسها في محافظة دمياط.
تقول: "لم أجد سهولة في حجز فنادق لكوني بمفردي. قيل لي: ‘لا نقبل إقامة فتيات بمفردهن’".
كما تكرر الموقف عندما حاولَت حجز شقة بعد انتقالها وشقيقتها إلى القاهرة للعمل: "قالت مالكة عقار: ‘لا أقوم بتأجير شقق لفتيات’، وقال آخر لي: ‘عايز راجل أتعامل معاه’"، مضيفةً أن والديها انتقلا ليقيما معها ومع شقيقتها، و"يأتي هذا في الوقت الذي لا تواجه فيه الأجنبيات الصعوبات ذاتها"، مشيرة إلى أن نظرات الرجال التي تطارد أي فتاة تذهب للتنزه بمفردها، تشعرها وكأنها ترتكب جريمة.
هذا وقدّمت النائبة أميرة صابر قنديل طلب إحاطة إلى رئاسة مجلس النواب يفيد بعدم دستورية عدم السماح للسيدات بالإقامة في الفنادق من دون محرم، ووجهت الطلب إلى رئيس الوزراء، ووزير السياحة، في شأن التضييق على إقامة النساء في الفنادق، وهو الأمر المخالف تماماً للدستور والقانون.
وطالبت النائبة بإحاطة مجلس الوزراء في شأن الشكاوى التي وردت من سيدات مصريات، وغير مصريات، تقل أعمارهن عن الـ40 عاماً، وفوجئن بمنعهن من الإقامة بمفردهن من دون أزواجهن، أو أقاربهن من الذكور من الدرجة الأولى، كـ"الأب، والأخ"، والمبيت في عدد من الفنادق والبنسيونات في محافظات مصر، إذ قام عدد من القيّمين على نزُل فندقية، باتخاذ إجراءات من تلقاء أنفسهم، أو بناءً على تنبيهات شفوية مخالفة للدستور والقوانين التي تؤكد على مبادئ المساواة، وعدم التمييز.
وأضافت النائبة أن عدم السماح للنساء بالإقامة في الفنادق يُعد تمييزاً ضد المرأة، وحجْراً على أهليتها القانونية، وفرضاً لوصاية قبلية تتنافى مع مدنية الدولة المصرية، وهدراً لحقوقها الدستورية "كمواطن مصري مكتمل الأهلية مكافئ للرجل"، وهو ما يُعدّ مخالفة صريحة لنصوص الدستور، وما يتبعها من نصوص تجريم وردت في قانون العقوبات.
بدوره، أقام المحاميان هاني سامح وصلاح بخيت في 19 أيار/ مايو 2021، دعوى قضائية أمام الدائرة الأولى حقوق حريات في محكمة القضاء الإداري في مصر، قُيّدت تحت رقم 48010 لسنة 75 قضائية، طالبا فيها بإلغاء القرار، والتعليمات الأمنية، والتنبيهات الصادرة من وزارة الداخلية للفنادق والبنسيونات، وبالأخص فنادق الدرجة الثالثة، بعدم السماح للسيدات المصريات، أو مواطنات دول الخليج اللواتي تقل اعمارهن عن 40 سنة، بتسجيل الوصول بمفردهن، والاقامة من دون أزواجهن، أو أقاربهن من الذكور.
وقال بخيت لرصيف22: "هناك تعليمات صادرة من وزارة الداخلية للفنادق بمنع المصريات، ومواطنات دول مجلس التعاون الخليجي، دون سن الأربعين، من المبيت في الفنادق من نجمة واحدة إلى ثلاث نجوم، وفي البنسيونات".
وعن الدعوى، قال: "تقدمنا اليوم ببلاغ إلى مجلس الوزراء بسبب استمرار رفض الفنادق استقبال الفتيات دون الأربعين، مبررين ذلك بأنه قرار صادر من وزارة الداخلية"، وأضاف أن "الوزارة تعلم أنه لا يجوز التمييز بين الرجل والمرأة".
وعن سبب إقامة الدعوى، يقول بخيت: "خلال إجازة عيد الفطر المبارك، وأثناء إقامتنا في فندق في محافظة الإسكندرية، فوجئنا برفض الفندق استقبال فتيات بدعوى أن هناك تعليمات لإدارة الفندق بذلك".
هذا وطالب مقيما الدعوى المحكمة، بإلزام الجهة الإدارية إصدار ما يفيد بوجود تنبيهات تمنع استقبال الفنادق والبنسيونات للفتيات.
كما طالبا رئاسة الوزراء، ووزارة الداخلية، ووزارة السياحة، بإصدار تعليمات للفنادق بأشكالها ودرجاتها كافة لقبول إقامة النساء المصريات من دون أي تمييز عن الذكور، وإلغاء العراقيل كافة.
ويشير المحامي إلى أن هذه الوقائع المرتكَبة ضد النساء، تشكل انتهاكاً للخط الذي تسير عليه الدولة في حماية حقوق النساء وإقرارها، وتشكل جرائم لا تسقط بالتقادم، واعتداءً على الحقوق الدستورية للمرأة، وجرائم تمييز.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين