شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
اطلقوا العنان لمشاعركم: الغضب كقوّة تغيير والتعبير عنه متعة

اطلقوا العنان لمشاعركم: الغضب كقوّة تغيير والتعبير عنه متعة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 20 مايو 201907:38 م

من الملاحظ أن العالم قد أصبح أكثر غضباً من أي وقتٍ مضى، ففي العام الماضي، كشف 22% من المشاركين في جميع أنحاء العالم لمنظمة Gallup إنهم شعروا بالغضب، وهو رقمٌ قياسي منذ طرح السؤال لأوّل مرّةٍ في العام 2006، مع العلم أن غضب اليوم بات مختلفاً عمّا كان عليه في السابق، إذ يبدو وكأن غضبنا قد تعرّض لما يشبه التخثّر وأصبح فاسداً، خاصّة وأنه على صعيد المجتمع، لا يبدو أننا نعبّر عن غضبنا ونتجاوز الأمر، بل نكتمه داخلنا فيزداد قساوةً ويتحوّل لعنفٍ وكراهية.

ما الغاية الرئيسيّة من الغضب؟ وهل الرجال هم أكثر غضباً من النساء؟ وكيف يمكن تحويل الغضب إلى طاقةٍ إيجابيّة؟

مفهوم الغضب

عرّفت صحيفةُ الغارديان البريطانيّة الغضبَ بالقول إنه "وميض النار الذي يلمع في عقلكم عندما تشعرون أنكم تعرّضتم للغدر".

والغضب هو من أكثر المشاعر البدائيّة التي نختبرها، وفي حين أن درجته تتفاوت من كائنٍ إلى آخر، إلا أن العلم يحاول مؤخّراً تقديم تفسيراتٍ جديدةٍ حول مدى تأثير الشخصية والعمر والجنس وخبرات الحياة على الشعور بالغضب.

في الواقع انخرط الغضب في الدماغ البشري منذ ملايين السنين، فهو يشكّل جزءاً من غريزتنا لمحاربة التهديدات والتنافس على الموارد وفرض المعايير الاجتماعيّة، بمعنى آخر، يمكن القول إن الغضب متأصّل في دائرة المكافأة في الدماغ البشري.

من الملاحظ أن العالم قد أصبح أكثر غضباً من أي وقتٍ مضى

والشعور بالغضب يحثُّ جسمنا على الاستجابة، إمّا عن طريق القتال أو الفرار، وعندها يتمّ إطلاق هرمونات التوتر، مثل الأدرينالين والتستوسترون، كتحضيرٍ للعدوان الجسدي، وسواء انتهى بنا الأمر إلى الشتم أو لَكْمِ وضَرْبِ الشخص الآخر، فإن هذا كلّه يعتمد على قشرة الفَصّ الجبهي، المسؤولة عن صنع القرار والتفكير، الأمر الذي من شأنه أن يضع غضبنا في سياقٍ معيّن ويذكّرنا بأن نتصرّف بطرقٍ مقبولة اجتماعيّاً.

كما أن الاستجابة للمشاعر الغاضبة، تعتمد على التواصل المتوازن بدقّةٍ بين عدة مناطق في الدماغ، وعندما يتعطّل هذا التواصل، يصبح سلوك الناس عدوانياً بشكلٍ غير متوقع.

الغضب "الجندري"

في المتوسّط، يبدو أن الرجال هم أكثر عدوانيةً من النساء، ما يجعل البعض يعتقد أنهم أكثر غضباً من الجنس الآخر، غير أن هذه الفرضيّة ليست صحيحة.

فقد وجدت الأبحاث أن النساء يشعرن بالغضب بشكلٍ متكرّرٍ وبوتيرةٍ أعلى من الرجال، ووفق استطلاعٍ أجراه علماء من جامعة جنوب غرب ولاية ميسوري وشمل 200 رجل وامرأة، اتضح أن الرجال الذين يشعرون بالغضب هم أكثر عرضةً لإظهار العدوان، في حين أن النساء تتمتّعن بقدرةٍ أكبر على التحكّم في الاستجابات المتهوّرة والفوريّة للغضب.

انخرط الغضب في الدماغ البشري منذ ملايين السنين، فهو يشكّل جزءاً من غريزتنا لمحاربة التهديدات والتنافس على الموارد وفرض المعايير الاجتماعيّة

وعليه اعتبر البعض أن هذه الاختلافات بين الجنسين متجذّرة في الاختلافات الأساسيّة الموجودة في بيولوجيا الدماغ، فقد كشفت دراسة أجراها "روبن وراكيل كور" من كلية الطبِّ في جامعة بنسلفانيا، أنه في حين أن حجم اللوزة الدماغيّة هو نفسه لدى الرجال والنساء، فإن حجم القشرة الأماميّة المداريّة والمسؤولة عن الدوافع العدوانيّة، هو أكبر بكثير لدى النساء.

هذا ولا يمكن إنكار أن التجارب الحياتيّة تُملي أيضاً الطريقة التي قد يختبر بها الناس الغضب، فقد كشفت دراسةٌ حديثةٌ أن الأشخاص الذين عانوا من طفولةٍ عنيفةٍ كانوا قادرين على التمييز بين الغرباء "الجيّدين" و"السيّئين"، ولكنهم كانوا أقلّ عرضةً للثقة بالناس:" إنهم دائماً على أهبة الاستعداد وغير متأكّدين من كيفيّة التنقّل في هذا العالم الاجتماعي".

كيف يغيّر الغضب نظرتنا للأمور؟

بمعزلٍ عن اختلاف حدّة الغضب من شخصٍ إلى آخر، فإن الشعور بالغضب يمكن أن يغيّر الطريقة التي ينظر بها الفرد إلى المخاطر، ما يجعل  الفرد أكثر اندفاعاً وتهوّراً وغير آبهٍ بالمخاطر المترتّبة.

النساء يشعرن بالغضب بشكلٍ متكرّرٍ وبوتيرةٍ أعلى من الرجال

ففي إحدى الدراسات، قدّر المشتركون الذين شعروا بالغضب، فرص الإصابة بأمراض القلب على أنها أقلّ، مقارنةً مع الآخرين الذين تمَّ حثّهم على الشعور بالخوف والقلق، وعليه يمكن القول إنه وفق الحالة والسياق، فإن الغضب يمكن أن يجعل المرء أكثر شجاعةً أو أكثر تهوّراً.

وبالمثل، فقد تبيّن أن الغضب يؤثّر على ديناميّات المجموعة، إذ أنه عندما نشعر بالغضب فإننا نميل إلى التفكير بشكلٍ سلبي وبطريقةٍ متحيّزة، ويزداد احتمال إلقاء اللوم على السمات السلبيّة للشخص الآخر بدلاً من تفهّم ظروفه، إذ تشدّد الأبحاث على أن الأشخاص الذين يشعرون بالغضب، يميلون للبحث عن شخصٍ ما لإلقاء اللوم عليه.

الغضب "المُثْمِر"

نظراً لكون آثار الغضب مروّعة جداً في بعض الأحيان، فمن السهل الاستنتاج بأن الغضب سيّء بطبيعته، لكن الدراسات أظهرت باستمرار أنه حتى الغضب اليومي العادي يمكن أن يكون له نتائج إيجابيّة.

ففي السبعينيات، وجدت دراسةٌ أجراها الباحث الأميركي "جيمس أفريل" أن التعبير السلمي عن الغضب ساعد الناس على فهم بعضهم البعض بشكلٍ أفضل، والتعاون بطريقةٍ أنجح.

لكن المهمّ يبقى ترجمة الغضب إلى أفعالٍ وبالتالي التوصّل إلى حلٍّ، خاصّة وأنه يسيطر حالياً على عالم اليوم الغضبُ الذي ليس له فائدة على الإطلاق.

فقد اعتبرت صحيفة الغارديان أنه" قمنا ببناء عالَمٍ بارعٍ في توليد أسباب الغضب، ولكنه سيّء جداً في تزويدنا بأي وسائل بنّاءة للتعامل معه"، موضحةً أننا "نعيش في مجتمعات أكثر كثافة، وبالتالي نحصل على دعم بعضنا البعض بشكلٍ متكرّرٍ، لكن امتعاضنا يكون عادةً مع الغرباء، ما يعني أنه لا توجد علاقة مسبقة تجمعنا بهم يمكن مناقشتها وإعادة تقييمها".

التعبير السلمي عن الغضب ساعد الناس على فهم بعضهم البعض بشكلٍ أفضل، والتعاون بطريقةٍ أنجح

وتضيف الصحيفة:"إننا نواجه قوى نظاميّة كبيرة تهدّد رفاهيتنا -الأتمتة والعولمة وقبل كلّ شيء التغيّر المناخي- ولكن ذلك يوفّر طرقاً قليلة للأفراد أو المجتمعات لتحويل غضبهم إلى تغيير. هذا يفسرّ أن "التنفيس" عن الغضب، عن طريق ضرب وسادةٍ أو ما شابه، لا ينجح، بل ويمكن أن يزيد الأمر سوءاً، إذ أن هذه النصيحة القديمة تفترض أن العواطف تحتاج ببساطةٍ إلى طريقة لإطلاقها، لكن الغضب ليس رياحاً عالقةً، فهو لا يحتاج إلى مكانٍ للذهاب إليه، بل يحتاج إلى شيءٍ للقيام به".

وفي عصرنا هذا تلعب مواقع التواصل الاجتماعي دوراً رئيسيّاً في تأجيج الغضب، ففي حين أنها تبدو وكأنها تقدّم شيئاً بنّاءً لفعله، عبر التفاعل مع المنشورات، فإن ما يحدث في الحقيقة هو المساعدة في انتشار الغضب بصورةٍ أكبر، بدلاً من توجيهه بطريقةٍ مسؤولةٍ نحو الحل.

كيف يمكن تحويل الغضب إلى قوّة؟

قال مارتن لوثر كينغ: "لا يكفي أن يشعر الناس بالغضب، فالمهمّة الأسمى للقائد هي تنظيم وتوحيد الناس حتى يصبح غضبهم قوّة تحوّلٍ".

ولمحاربة الإستغلال الشعبوي للغضب وللتعامل مع الغضب في حياتنا اليوميّة أيضاً، اعتبرت الغارديان أنه يجب أن نبدأ بالاعتراف بحقيقة أن بعض القادة على غرار ترامب، يفهمون بالفعل أن الغضب هو جزءٌ منّا، وجزء ممتع في الكثير من الأحيان.

الغضب ليس رياحاً عالقةً، فهو لا يحتاج إلى مكانٍ للذهاب إليه، بل يحتاج إلى شيءٍ للقيام به

فالغضب يجعلنا نشعر بالارتياح ويساهم في انخفاض معدّل الكورتيزول، وهو هرمون التوتّر والإجهاد، وزيادة إفراز هرمون نورإبينفرين، الذي يخفّف من الآلام الجسديّة.

من وجهة نظر بعض المعالجين النفسييّن، فإن الغضب هو دوماً آليةٌ دفاعيّة وشعورٌ ثانوي ينشأ لاستعادة الشعور بالسيطرة عندما لا يتقبّل "الأنا" بعض المشاعر الأخرى مثل القلق أو الخوف.

قمنا ببناء عالَمٍ بارعٍ في توليد أسباب الغضب، ولكنه سيّء جداً في تزويدنا بأي وسائل بنّاءة للتعامل معه

باختصار، شدّدت الصحيفة على أن الغضب ليس جنوناً، سواء في أنفسنا أو في الآخرين، وحتى عندما ينتهي الأمر بالتعبير عنه بطرقٍ بغيضةٍ، فهو دائماً يكون منطقياً بطريقةٍ ما، وسنكون قادرين على التعامل مع أسوأ مظاهره عندما نتوقّف عن التظاهر بخلاف ذلك.

وبالتالي إذا كنتم تريدون تخفيف حدّة غضبكم، أو غضب الآخرين، أو الآثار المدمّرة للغضب في العالم بأسره، فإن المسار المُجدي هو القيام بشيءٍ ملموسٍ، مهما كان بسيطاً، بطرقٍ من شأنها تحسين الموقف، بدلاً من تأجيج دائرة الغضب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image