شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
هل الأغنياء بالفعل أعداء لنا؟

هل الأغنياء بالفعل أعداء لنا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 11 يونيو 202110:59 ص

قد يستغرب البعض هذا السؤال من الأساس. ولكن كثيراً ما يطرحه كُثُر وعادةً ما يأتي ضمن حديثٍ طويلٍ يهدف إلى شيطنة الأغنياء وكأنّهم سرّ هلاكنا وتعاستنا.

كشخص يعيش في ألمانيا، أحياناً أشعر بالخوف من اسمي العربي أو لكنتي الألمانية الأجنبية، لمعرفتي بأنّ البعض سيحمّلني كلّ الآثام التاريخية لاضطهاد المرأة والذكورية والتشدد، تماماً كما كنت أخشى في بلدي ذلك السؤال "مِن وين الشاب؟"، والذي وللوهلة الأولى قد يبدو سؤالاً بريئاً يهدف إلى فتح حديث ما للتسلية، إلا أن الجواب عنه سيكون بمثابة بوابة مصيرية لرأي صاحب السؤال بك: كل كينونتك، خبرتك، آرائك، إنجازاتك، كل ما عشته وتحلم به سيصبح بلا قيمة، أمّا مكان ولادتك وقيدك فسيحددان مكانتك في ذهن السائل.

تبدو هذه المشاكل معتادة وقد سمع الجميع عنها كثيراً. فالعنصرية والطائفية والمناطقية والوطنية والقومية ليست منتجاتٍ جديدة في عالمنا، وأنا اعتدتُ عليها كما اعتدتُ على شرب كأس الحليب كلّ صباح في طفولتي. ولأحسن التشبيه أكثر، سأشبهها بالتبغ، فكل المدخنين موقنون لأضراره على صحتهم، ولكنهم يستمرون في استهلاكه.

أما عداء الأغنياء، فهو سمة مخيفة أكثر من كل ما سبق. تخيّل أن تحلم/ي بأن تصنع/ي ثروة والقلق يطاردك: من السرقة، من التعرض لحملات كراهية، من فقدان المقرّبين منك لقناعتهم بأنّ غناك سببُ تعاستهم.

في صناعة الثروة، توجد طريقتان عامتان: أولهما ما يُدعى بحالة الربح المتبادل win-win situation مثل أن أمتلك بقرة أبيعك حليبها وأنت تملك/ين القمح فأشتري منك الطحين لنخرج بصفقة ترضينا سوياً. في هذه الحالة، لا ندفع الضرائب لأحد وكلّ منّا إذا حسّن من جودة منتجه فسيطلب ثمناً أعلى لرغبة الآخر بالحصول على طحين ألذ أو حليبٍ أدسم، ما ينعكس علينا بمزيدٍ من الفائدة والسعادة.

الطريقة الثانية، وهي ما تسببت بظهور حالات الكره الجمعية ضد الأغنياء، تلك الطريقة تُسمّى عادةً zero-sum game، أي "لعبة محصلتها صفر"، وهي أشبه بكعكة حجمها ثابت سنقتسمها بيننا وهذا يعني أنّ ازدياد حصة أحد الأشخاص سيؤدي بالضرورة إلى نقصٍ في حصص الباقين.

"عوضاً عن الصراع على الكعكة، يجب البحث عن حرية الأفراد للبحث عن تلك المواد بكيفهم ليكتشفوا طرقاً جديدة لصناعة الكعك"

أعزائي، قبل القفز إلى الاستنتاجات، علينا أن ندرك أنّ كون الواقع في بلادك كمثال الكعكة، فهذا لا يعني أن العالم صغير ولا مجال آخر فيه، فالكعكة ليست أمراً واقعاً حقيقياً وإنما هو صناعي.

ماذا يعني وجود الكعكة دون بدائل؟

مثال الكعكة رمزيته مهمة، فهو يعني أنّ هناك مَن يصنع الكعكة وذلك الذي يصنعها هو مَن يحدد كمية الطحين والحليب والسكر والفرن المستخدَم لإنضاجها. عوضاً عن الصراع على الكعكة، يجب البحث عن حرية الأفراد للبحث عن تلك المواد بكيفهم ليكتشفوا طرقاً جديدة لصناعة الكعك. عدم رؤيتك للبدائل لا يلغي وجودها، بل يعني أنك لا تمتلك/ين الخيال الكافي.

عام 1789، توقع الاقتصادي البريطاني الشهير توماس روبيرت مالتوس أنّ التزايد السكاني السريع سيؤدي إلى نقص حاد في المخزون الغذائي لأنّ الإنتاج الغذائي لن يتمكن من مجاراة هذا النمو. في ذلك الوقت، كان تعداد البشرية على كوكب الأرض لا يتجاوز المليار بينما اليوم، في عام 2020، فإنّ عدد البشر يقترب من ثماني مليارات نسمة والفقر في العالم تتناقص شدته بدل التزايد.

مالتوس، رغم خبراته الاقتصادية الهائلة ووسع علمه، لم يمتلك الخيال الكافي لإدراك قدرة البشرية عندما تمتلك حرية التجربة والاكتشاف. عند النظر إلى العالم على أنه كعكة ثابتة الحجم سنحارب كل المغامرين والمغامرات الذين يمتلكون نبالة حب المغامرة والغوص في المجهول ليستخرجوا لنا الكنوز التي يحاصرها الخوف البشري.

"الأعداء ليسوا الأغنياء أو الطامحين للغنى، الأعداء هم مَن يقوّضون حرياتنا ويرهبوننا ويحبسوننا في ضيق أفقهم، ويمنعوننا من لبس ثوب المغامرة، ويضعون الحواجز أمام رغبتنا في عيش ملحمتنا الخاصة في رحلة التنقيب عن النجاح"

طوّر العلماء والاقتصاديون وسائل إنتاج أغذية جديدة وطرق تمويلٍ وتوزيعٍ حديثة بالإضافة إلى تكنولوجيا متطورة مكّنتهم من تنمية الإنتاج الغذائي بمتتالياتٍ هندسية في بعض الأحيان كانت أسرع من النمو السكاني، فرأينا بعض الدول تضطر أحياناً للتخلص من فائض الإنتاج الغذائي.

الأعداء ليسوا الأغنياء أو الطامحين للغنى، الأعداء هم مَن يقوّضون حرياتنا ويرهبوننا ويحبسوننا في ضيق أفقهم، ويمنعوننا من لبس ثوب المغامرة، ويضعون الحواجز أمام رغبتنا في عيش ملحمتنا الخاصة في رحلة التنقيب عن النجاح والثروة. هؤلاء قد يكونون أغنياء أو شديدي الفقر إلا أنّ ما يجمعهم هو حب القمع والترهيب. أما الثروة، ولا أقصد المادية فقط، فلكلٍ تعريفهُ الخاص للنجاح، وثروته المنشودة قد تكون فكريةً، روحية أو مادية.

في عالم الربح المتبادَل الحر لن يظهر غنيٌّ دون إنجاز. لنصبح أغنياء في ذلك العالم، علينا أن نقدّم ابتكاراتٍ خلّاقة يرى فيها الآخرون قيمةً عالية وفائدة لهم فيتوافدون على شرائها بأعدادٍ كبيرة ونكسب الربح من خلال ما نقدّمه من منفعة لهم.

أما الأغنياء الذين يقتاتون على الاحتكار والإكراه، فهم بالفعل من الأعداء، ولكنّ السبب ليس غناهم وإنما قمعهم لحرياتنا وتكبيلهم لخيالنا لنتناسى أنّ أي مناسفة حقيقة كفيلة إما بإخراجهم من الأسواق أو على الأقل بتهذيبهم وتلقينهم درساً عن احترام الزبائن ورغباتهم المنشودة. هم صانعو منطق الكعكة وآكلو أكبر أجزائها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image