لا تزال أزمة "سد النهضة" الإثيوبي تسبب صداعاً للنظام المصري، ما دفعه إلى استدعاء وجوه سياسية قديمة كانت تتمتع بمصداقية وشعبية لدى المصريين، ربما للتخفيف من قلق الرأي العام من أزمة يشعر المصريون بأنها تمسّ وجودهم.
أحدث هذه الوجوه هو الدبلوماسي المخضرم عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية بين عامي 2001 و2011، ووزير الخارجية المصرية لمدة عشر سنوات قبل ذلك، وأحد المرشحين لانتخابات الرئاسة المصرية عام 2012، قبل أن يتوارى نسبياً عن الأنظار بعدما لم يحالفه الحظ.
"آخر الدواء الكي"
في الأول من حزيران/ يونيو، استضاف الإعلامي الموالي للنظام، عمرو أديب، عبر برنامجه الذي تبثه قناة "إم بي سي مصر"، موسى، في مقابلة مطولة مسجلة، جرى التركيز خلالها على أزمة السد الإثيوبي وكيفية إدارتها من قبل المسؤولين الحاليين.
في البداية، هوّل الدبلوماسي السابق من الأزمة لكنه حافظ على تأييده للتحركات المصرية الحالية في هذا الملف، ملقياً اللوم كله على فترة حكم الرئيس الراحل المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، محمد مرسي.
وعن سؤال "هل تشتم رائحة المؤامرة وراء سد النهضة؟" الذي وجّهه إليه أديب، أجاب موسى: "بالفعل، من وقت بناء السد العالي، ودخول السوفيات في الصورة، كان هناك رد فعل من الجانب الآخر (الدول الغربية)... هنا تقدر تقول في مؤامرة"، منبهاً إلى أن إثيوبيا تعتزم بناء ثلاثة سدود وليس واحداً.
وأشار إلى أن الحديث في أعوام 1989 و1999 و2000 كان عن هذا السد، على أن يخزن 14 مليار متر مكعب، منوهاً بأنه لم تكن لدى الدولة المصرية مشكلة في ذلك.
وفي محاولة واضحة لإلقاء اللوم على فترة ما قبل وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم، قال موسى: "بعد 2011، لمدة سنة واتنين وتلاتة، كان علاجنا لهذا الأمر غير مزبوط (غير جيّد). مصر، الدولة الكبيرة دي، نقاشها في الموضوع كان نقاشاً هزلياً"، ليقاطعه أديب: "وقت مرسي"، ما دفع موسى إلى تكرار: "كان نقاشاً هزلياً".
وشدد موسى على أنه في عهد النظام الحالي، "الدولة المصرية مهتمة ومنغمسة في هذا الموضوع وتقوم بدورها… وأنا من أنصار ألا نُحدث لغطاً حول الدور المصري"، واصفاً زيارة السيسي الأخيرة لجيبوتي بأنها "رسالة إستراتيجية مهمة جداً".
"أنا من أنصار ألا نُحدث لغطاً حول الدور المصري"... عمرو موسى في ثوب المدافع عن السيسي في أزمة سد النهضة
ورداً على عدم توجيه مصر ضربة عسكرية للسد، استشهد موسى بالمثل العربي: "آخر الدواء الكيّ"، قائلاً: "إحنا دولة نامية، وعايزين كل أموالنا أو معظمها تركز على هذه التنمية. الحرب مسألة صعبة بالنسبة لنا كلنا، سواء إحنا أو إثيوبيا. فلا يمكن أن ندعو إلى الحرب"، مشيراً إلى أن مصر من الدول العظمى في القارة السمراء وهذا يضطرها إلى أن تكون كل خطوة تخطوها "مفهومة ومبررة".
رغم ذلك، أكّد على عدم إمكانية وقوف مصر مكتوفة الأيدي بينما تتضرر مصالحها، زاعماً أن "الأوراق" الموجودة بين أيديها "كتيرة جداً"، من دون أن يوضح أية تفاصيل.
لماذا موسى ولماذا الآن؟
هذه ليست المرة الأولى التي يستدعي فيها نظام السيسي أحد وجوه حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك البارزة للمساعدة في الخروج من "ورطة".
حين اتهم الممثل والمقاول محمد علي قيادات الجيش وأسرة السيسي بالفساد، خرج مبارك نفسه ليمجّد بالقوات المسلحة ويعدّد تضحياتها من أجل الشعب المصري ويتحدث عن إعادتها الكرامة والأرض في حرب 6 أكتوبر 1973، في ما اعتُقِد حينذاك بأنه قيل استجابة لرغبة من النظام، إذ لم يكن يُسمح له بالحديث علناً قبل ذلك.
ومع تأزُم الوضع الوبائي على خلفية تفشي فيروس كورونا، واتهام الحكومة بإخفاء "حقيقة" الإصابات والوفيات، ظهر وزير الصحة بين عامي 2002 و2005، محمد عوض تاج الدين، وهو شخصية ذات ثقل وتتمتع بشعبية، وعيّنه السيسي مستشاراً له لشؤون الصحة، وذلك لبث الطمأنينة في نفوس المواطنين، بحسب مراقبين.
هذه المرة أيضاً، كان الاختيار مناسباً إلى حد ما. فموسى يراه مصريون كثر كصاحب "كاريزما" ورجل سياسة محنك، أدار ملفات عديدة حساسة لسنوات، مع اعتقاد شائع بأنه يتحلى بالجرأة والصراحة.
هذه ليست المرة الأولى التي يستدعي فيها النظام المصري أحد وجوه حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك لمساعدته في الخروج من "ورطة"... عمرو موسى يظهر إعلامياً ليدافع عن سياسة مصر في أزمة سد النهضة
وعن ذلك، قال الباحث والمحلل السياسي المصري محمد السيد لرصيف22: "عموماً، من المعتاد أن تلجأ الأنظمة، وقت الأزمات، إلى محاولة طمأنة الناس عبر شخصيات يمكن الاستماع إليها إنْ لم تكن مؤثرة وموثوقة. وذلك لسبب مهم هو ‘تحييد الرأي العام‘ لئلا يكون ضاغطاً على صناع القرار أحياناً، وحتى لا يتطور الغضب إلى تحرك ضد النظام أحياناً أخرى".
يتفق حديث السيد مع الاعتقاد الذي عبّر عنه مصريون على مواقع التواصل الاجتماعي، بأن موسى استُدعي لأداء دور "محدد" و"مرسوم".
ويضيف السيد: "أعتقد أنه ليس الوحيد. ربما هناك وجوه عديدة سيتم الاعتماد عليها في هذا الصدد".
مع ذلك، لا يعتقد أن اختيار موسى كان ذكياً بالقدر الكافي كونه "اتحرق سياسياً" وأصبح "ملوش قيمة"، رغم إقراره بأنه "مش منبوذ، وفي الأول والآخر حديثه منمق ومحترم، قد يقنع البعض".
"أعتقد أنه ليس معوّلاً على موسى بدرجة كبيرة. لكن من باب إنْ لم يفد لن يضر"، تابع السيد.
وعن توقيت إظهاره إعلامياً، أوضح السيد أن النظام الحالي في "مرحلة تجديد النخبة المحيطة بالحكم، وخاصةً التي تلمعه"، مشيراً إلى أن إحدى الإجابات التي قد تبدو منطقية لهذا السؤال تتعلق بمشاعر اليأس التي تسربت إلى نفوس شرائح عديدة من المواطنين في الوقت الراهن حيال قدرة النظام على التعامل مع ملف سد النهضة.
بكلمات أخرى، العديد من المصريين محبطون إزاء طريقة تعامل السيسي وقياداته مع التحركات الإثيوبية التي يرونها استفزازية وعنجهية ومتسارعة، وتنتشر بين الناس رغبة بتوجيه ضربة عسكرية للسد.
وعن دلالة ظهور موسى، وضع السيد فرضيتين: إما أن النظام يعتزم اتخاذ خطوات لا توافق الهوى العام، أو لم يعثر بعد على حل مناسب للأزمة ويخشى تفاقم الغضب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين