منذ عام 2018 وحتى أيار/ مايو 2021، ألحقت رئاسة الوزراء المصرية 33 مستشفى نموذجياً بأمانة المراكز الطبية المتخصصة الخاضعة لإشراف وزارة الصحة المصرية، ما أثار تخوّف الكثير من المواطنين البسطاء الذين اعتادوا التردد عليها.
كانت هذه المستشفيات تقدّم خدماتها الطبية للمرضى مقابل جنيه واحد، هو ثمن تذكرة الكشف في العيادات الخارجية. ويخشى كثيرون أن تصير خدماتها للمقتدرين فقط، فيفقد "الغلابة" سبيلهم الوحيد لتلقي الخدمة العلاجية بشكل شبه مجاني، كما في السابق.
تلقى هذه القرارات تأييداً من قبل البعض، ورفضاً واستنكاراً من قبل آخرين. وتقدمت الكتلة البرلمانية في محافظة دمياط، شمال مصر، بطلب إلى رئاسة الوزراء للعدول عن القرار الذي يطال المستشفى المركزي في المحافظة، والذي عدّوه مجحفاً بحق نحو 30 ألف مريض يترددون شهرياً على العيادات الخارجية للمستشفى الذي يعمل فيه نحو 500 طبيب وطبيبة.
ومستشفيات الأمانة هي إحدى القطاعات الحكومية الخاضعة لوزارة الصحة المصرية، لكنها تقدّم خدماتها للمريض لقاء بدل مادي يحدده مجلس إدارة كل واحد منها. وتمنح الأمانة مجلس إدارة كل مستشفى صلاحية إعفاء المرضى من 30% من المصاريف، ويُستثنى من دفع التكلفة التابعون للتأمين الصحي ونفقة الدولة.
وتختلف اللائحة المالية لأمانة المراكز الطبية المتخصصة في إدارة المستشفيات، كلياً أو جزئياً، عن لوائح المستشفيات النموذجية التابعة لمديريات الشؤون الصحية. هذا بالإضافة إلى أن نسبة مساهمة المريض في الفحوصات الطبية كصور الأشعة، والتحاليل، قليلة للغاية في المستشفيات النموذجية، كما أن هناك لائحة تسمح بإعفاء غير القادر من الدفع. أما بحسب لائحة مستشفيات الأمانة فهذا غير متاح نهائياً.
وأصدرت الحكومة المصرية ثلاثة قرارات منفردة بنقل تبعية 33 مستشفى حكومياً عامّاً إلى أمانة المراكز الطبية المتخصصة؛ أولها كان عام 2018 ونقل تبعية خمسة مستشفيات، والثاني عام 2020 ونُقل خلاله 13 مستشفى، بينما صدر القرار الأخير في الـ18 من شهر أيار/ مايو الجاري ونقل تبعية 15 مستشفى.
"عبء جديد على المواطن البسيط"
يرى عبد الغني العزبي (65 عاماً)، وهو موظف على المعاش يقيم في محافظة دمياط، أن تحويل عدد من المستشفيات النموذجية إلى تبعية أمانة المراكز الطبية المتخصصة، عبء جديد يضاف إلى كاهل المواطن البسيط.
وصدر قرار وزاري في شهر أيار/ مايو 2021 قضى بضم المستشفى التخصصي النموذجي، والذي يُعدّ أكبر مستشفى في المحافظة بأكملها، ويخدم زهاء مليون و600 ألف مواطن هم عدد سكان المحافظة، إلى الأمانة.
العزبي واحد من أصحاب الأمراض المزمنة، إذ يعاني من أمراض السكري والضغط، هو أحد المترددين على المستشفى النموذجي. يقول لرصيف22: "في المستشفيات النموذجية يُكشف على المريض مقابل جنيه واحد في العيادات الخارجية، مع صرف الدواء له مجاناً، ولكن بعد القرار الأخير سيصبح المريض مطالباً بدفع مبلغ مالي عن كل كشف، ناهيك عن شراء الأدوية من الخارج، وسداد تكاليف الفحوصات من أشعة وتحاليل".
أما أشرف أبو عيطة، صانع أثاث، فيشير إلى أن الكثيرين من البسطاء سيتضررون من هذا القرار، لأن ثمن تذكرة الكشف في عيادات المستشفيات النموذجية الخارجية كان ملائماً لظروفهم المادية، خاصةً وأن التأمين الصحي الشامل لم يُطبَّق في عدد من المحافظات.
وتنقسم المنظومة الصحية في مصر كالآتي:
ـ مستشفيات حكومية تخضع لإشراف وزارة الصحة المصرية، وتحدد الأخيرة ميزانياتها، ولوائح العمل فيها.
ـ مستشفيات جامعية تخضع لإشراف وزارة التعليم العالي، وجامعة الأزهر، ويعمل فيها الأساتذة القائمون بالتدريس في الكليات الطبية، وتوفّر تخصصات نادرة قد لا تتوفر في المستشفيات الحكومية في الأقاليم، كجراحة الدماغ، والأعصاب، وأمراض الدم، وتقدّم خدماتها الطبية للمرضى من دون استثناء، وبتكاليف زهيدة، وهي مجهزة بأحدث الأجهزة الطبية.
كانت المستشفيات النموذجية في مصر تقدّم خدماتها الطبية للمرضى مقابل جنيه واحد، هو ثمن تذكرة الكشف في العيادات الخارجية. ويخشى كثيرون أن تصير خدماتها للمقتدرين فقط بعد نقلها إلى أمانة المراكز الطبية المتخصصة
ـ مستشفيات خاصة يمتلكها رجال أعمال تقدّم خدماتها الطبية للقادرين فحسب، نظراً لتكاليف خدماتها الباهظة، فعلى سبيل المثال قد تصل كلفة الحجز لمريض كورونا في مستشفى استثماري إلى 250 ألف جنيه.
ـ مستشفيات عسكرية تقدّم خدماتها للمدنيين، والعسكريين على حد سواء، بتكاليف بسيطة، وتعمل فيها أفضل الكفاءات الطبية، وتتعاقد معها العديد من النقابات المهنية، والشركات.
أما المستشفيات الحكومية، وتخضع كلها لوزارة الصحة، فتنقسم إلى:
ـ مستشفيات تتبع مديريات الشؤون الصحية في المحافظات، ويطلَق عليها اسم "نموذجية أ"، و"نموذجية ب"، وتقدّم خدماتها الطبية للمريض مقابل تذكرة كشف في العيادات الخارجية قدرها جنيه واحد فقط.
ـ مستشفيات تتبع أمانة المراكز الطبية المتخصصة، مجهزة بأحدث الأجهزة الطبية، وأساس العمل فيها تقديم الخدمة لقاء مقابل مادي. على سبيل المثال تكلفة الكشف في العيادة الخارجية 20 ضعف ثمن الكشف في المستشفى النموذجي. ولكل مستشفى في كل محافظة لائحة مالية مختلفة يحددها مجلس إدارة كل منها.
ـ مستشفيات تتبع هيئة التأمين الصحي، ويستفيد من خدماتها المرضى المغطون بالتأمين الصحي والذين يُقدّر عددهم بالملايين، ويتلقون الخدمة الطبية من دون سداد أي أموال، وتجهيزاتها الطبية أقل من المستشفيات النموذجية، ومستشفيات الأمانة.
"مهاجمو القرار منتفعون من القطاع الخاص"
يرى الرئيس السابق للمعمل المشترك في دمياط، وهو هيئة تقوم بالتأكد من سلامة الأغذية والمياه والهواء، الدكتور محمد كرد، أن قرار ضم عدد من المستشفيات النموذجية إلى أمانة المراكز الطبية المتخصصة، سيعود بالفائدة على المواطن والطبيب على حد سواء، وسيقدّم خدمة طبية ممتازة.
ويتّهم مَن يهاجمون القرار بأنهم منتفعون من عمل المستشفيات والعيادات الخاصة، لأن مستشفيات الأمانة تنافس القطاع الخاص، فيما كان عدد من العاملين في المستشفيات النموذجية يقومون بتحويل المرضى إلى مستشفيات وعيادات خاصة، وهو ما لا يحدث في مستشفيات الأمانة التي تتعاقد مع كبار الاستشاريين في تخصصات نادرة، الأمر غير المتوفر في الكثير من المستشفيات النموذجية.
"في المستشفيات النموذجية يُكشف على المريض مقابل جنيه واحد في العيادات الخارجية، مع صرف الدواء له مجاناً، ولكن بعد القرار الأخير سيصبح المريض مطالباً بدفع مبلغ مالي عن كل كشف، ناهيك عن شراء الأدوية من الخارج"
ويضيف كرد الذي قضى أربع سنوات في أحد مستشفيات الأمانة، وما يزيد عن 11 عاماً في مستشفيات حكومية، أن الخدمة الطبية في مستشفيات الأمانة في الأقاليم توازي الخدمة الطبية في مستشفيات العاصمة.
ويتابع أن المريض الذي سيتردد على مستشفيات الأمانة سيحظى بخدمة طبية فائقة، والمواطن البسيط هو أول المستفيدين، سواء أكان على نفقة الدولة، أم على نفقة تأمين صحي، وهذا الأمر سيلحق ضرراً شديداً بالقطاع الخاص.
ويلفت إلى أن تحقيق عوائد مالية في مستشفيات الأمانة، يعود جزء منه إلى الأطقم الطبية، وأن هذه المستشفيات تتعاقد مع أطباء استشاريين في الجراحات الدقيقة، والأمراض النادرة، ويقول: "أي طبيب يعمل في تلك المنظومة سيعمل مليون حساب للمريض، على عكس السابق، فهذه المنظومة تدور كالساعة".
"ثلاثة وزراء سابقين يديرون المنظومة وما زلنا نعاني"
في المقابل، يقول وكيل لجنة الصحة في مجلس الشعب سابقاً، الدكتور جمال الزيني: "للمرة الأولى يدير المنظومة الصحية ثلاثة وزراء سابقون"، هم مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية والوقائية، ورئيس لجنة الصحة في مجلس النواب الدكتور أشرف حاتم، ووزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد، "وعلى الرغم من ذلك تعاني المنظومة الصحية كثيراً، ولم تشهد تطوراً ملموساً بالنسبة إلى المريض".
وأردف أن القرار الجديد سيترتب عليه تحميل المرضى أعباء مادية جديدة، سواء في الكشف الطبي، أو في الفحوصات، مضيفاً أن ما يهم المريض هو تقديم تلك المستشفيات، عقب تحويلها إلى إشراف الأمانة، خدمات طبية متميزة تتواءم مع الميزانيات المخصصة لها، مع مراعاة المرضى غير القادرين.
وأشار الزيني إلى أن الإمكانيات المادية للمستشفيات التابعة للأمانة، أكبر من غيرها في المستشفيات غير التابعة لها، مطالباً وزارة الصحة بتخصيص مخصصات مالية متوازنة للمستشفيات الخاضعة لإشراف مديريات الشؤون الصحية في المحافظات، ومستشفيات التأمين الصحي، ومستشفيات الأمانة، كونها تخضع لإشراف الدولة، وهي مستشفيات حكومية. كما يطالب أعضاء البرلمان بالقيام بدورهم المنوط بهم في مراقبة المنظومة الصحية، ومحاسبة المقصّرين فيها.
بدوره قال مدير "مركز الحق في الدواء" محمود فؤاد لرصيف22: "حينما بدأت مستشفيات الأمانة في عهد الوزير الأسبق حاتم الجبلي، كان الغرض منها تأسيس منظومة مميزة للعلاج أساسها الخدمة مقابل المال، وحينذاك كانت مستشفيات الأمانة تستقبل أي مواطن، وكانت قيمةً مضافة للعلاج والبحث الطبي".
وأضاف: "لكن نقل تبعية المستشفيات النموذجية إلى الأمانة، تمهيد لنقلها إلى التأمين الصحي الشامل، أي أن مشتركي التأمين الصحي هم مَن سينتفعون بالخدمة فحسب".
اعتراضاً على القرارات الصادرة، تقدّم النائب ضياء الدين داوود، وأعضاء الكتلة البرلمانية في مجلسي النواب والشيوخ عن محافظة دمياط، بمذكرتين إلى كل من رئيس الوزراء، ومحافظ دمياط، للاعتراض على قرار رئيس الوزراء رقم 1000 لسنة 2021 القاضي بتحويل تبعية مستشفى دمياط التخصصي النموذجي إلى أمانة المراكز الطبية المتخصصة.
ويقول داوود: "سبق وناقشنا هذا الملف قبل عامين، ورُفض من قبل محافظ دمياط، ومديرية الشؤون الصحية في المحافظة، للخلل الشديد الذي سيتسبب به في التخصصات الطبية داخل المحافظة، نظراً إلى أن الأطباء عندما يكونون تابعين لمديرية الشؤون الصحية يمكن انتدابهم، ونقلهم بسهولة من مستشفى إلى آخر داخل المديرية، وفقاً لتقديرات العجز والزيادة والاحتياج. ولكن وفقاً للقرار الوزاري القاضي بنقل تبعية المستشفى إلى الأمانة، لن يكون متاحاً نقلهم مرة أخرى إلى مستشفيات الشؤون الصحية حسب الاحتياجات، ونظراً إلى أن المستشفى التخصصي وحده يعمل فيه ما يقرب من 500 طبيب، حينذاك سيتضح حجم الأزمة ولن يكون مسموحاً نقلهم من مستشفيات الأمانة إلى أي جهة أخرى".
ويقترب عدد المترددين على العيادات الخارجية في المستشفى التخصصي النموذجي من الثلاثين ألف مريض شهرياً، وهو ما يعرّض هؤلاء لصدمة، وعجز عن تلقي الخدمات الطبية المباشرة في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تمر فيها محافظة دمياط.
ويأتي هذا في الوقت الذي تستعد فيه المحافظة لدخول منظومة التأمين الصحي الشامل عام 2024. ويرى النواب أنه لا حاجة لإحداث اضطراب في المنظومة الصحية بخروج أكبر مستشفى في المحافظة من كنف مديرية الشؤون الصحية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...