شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"الاقتراب من المحظور"... عسكريون تونسيون متقاعدون يطلقون مبادرة "الأمل الأخير"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 30 مايو 202104:53 م

دخل عسكريون تونسيون متقاعدون على خط الأزمة القائمة بالبلاد، بعد فشل الحكومة والرئاسة في التوصل إلى حوار سياسي لحل خلافاتهم، وسط مخاوف من اتساع دائرة الخلاف وتنجر المؤسستين العسكرية والأمنية بالبلاد إلى مربع السياسية، وعودة تونس إلى مربع الحكم الأمني الذي هربت منه في 14 يناير 2011.

تعيش تونس معركة سياسية طاحنة منذ ما يزيد على 4 أشهر، وهي أحدث فصول الصراع بين حكومة هشام المشيشي المدعوم من حركة النهضة، وبين الرئيس قيس سعيد.

المبادرة التي أطلق عليها العسكريون اسم "الأمل الأخير"، نشرها العميد مختار بن نصير الرئيس السابق  للجنة الوطنية لمكافحة الفساد عبر حسابه الشخصي على فيسبوك، ووقع عليها عدد من الجنرالات العسكريين المتقاعدين من الجيش التونسي، ووجهوها إلى الرئيس قيس سعيد، مطالبين إياه بعودة البلاد إلى "مسارها الصحيح".

وجاءت المبادرة الأخيرة بعد بيان شديد اللهجة أطلقه الأميرال المتقاعد كمال العكروت طالب فيه بـ"إنقاذ البلاد من خطر تفكك مؤسسات الدولة ومن ديمقراطية شكلية وطبقة سياسية همها الاِستحواذ على السلطة بلا إنجاز"، مطالباً بـ"تخليص البلاد من منظومة اِستبداد بعض الأحزاب بمقدّرات البلاد بمنطق الغنيمة واِحتكار القرار الوطنى، وإعادة السّيادة للشًّعب للتعبير عن إرادته الحرّة، وإخراج تونس من مستنقع الفشل والفوضى والفساد بإنفاذ سلطة القانون على الجميع".

أثارت المبادرة مخاوف الأوساط التونسية من انجرار المؤسسة العسكرية إلى المسائل السياسية الخلافية، بعد أن ظلت على الحياد طيلة السنوات التالية على الثورة، وهو سيناريو يفضل التونسيون عدم الدخول فيه

وتعيش تونس معركة سياسية طاحنة منذ ما يزيد على 4 أشهر، وهي أحدث فصول الصراع بين حكومة هشام المشيشي المدعوم من حركة النهضة، وبين الرئيس قيس سعيد، وبدأت فصولها في التشابك عقب رفض قيس سعيد تعديلاً وزارياً في حكومة هشام المشيشي في يناير/ كانون الثاني الماضي، على خلفية "شبهات فساد وتضارب مصالح" تدور حول أربعة وزراء.

لكن تحالف حركة النهضة وحزب قلب تونس في البرلمان وقفا بالمرصاد للرئيس، وأعلنا دعمهما لحكومة المشيشي، ورفضا استقالة حكومته بدعوى أنها "قد تحدث فراغاً أو تؤثر على تماسك السلطة"، ومنذ ذلك الحين يسعى كل طرف إلى لي ذراع الآخر من دون التوصل إلى حلول سياسية، وهو ما دفع العسكريين المتقاعدين إلى إطلاق المبادرة الأخيرة.

تفاصيل المبادرة

المبادرة طالبت الرئيس التونسي بإلقاء "خطاب توجيهي تجْمِيعِي في جلسة عامّة ممتازة لمجلس نوّاب الشعب، يحضرها كلّ أعضاء الحكومة ورؤساء المنظمات الوطنيّة. والدعوة إلى إيقاف كل حملات تبادل العنف والتشويه والسّباب، وتجنّب كلّ ما يُعَكّر الأجواء العامّة".

وتطرقت المبادرة إلى دعوة رئيسي مجلس النّواب والحكومة إلى اجتماع عاجل بقصر الجمهوريّة بقرطاج، يُعْقَد في غضون 48 ساعة من تاريخ الخطاب بمجلس النوّاب، "يُخصَّص لِطَيِّ صفحة القطيعة واستعادة الاتّصالات الطبيعيّة بين الرئاسات الثلاث، وتدارس رهانات المرحلة ومتطلّباتها، على أن يتمّ التوصّل في ذات الاجتماع إلى حلّ يُمَكِّن الوزراء الحائزين على ثقة مجلس النوّاب، باستثناء الذين تعلّقت أو تتعلّق بهم قضايا فساد جارية، من أداء اليمين أمام سيادتكم في غضون 3 أيّام من تاريخ الاجتماع، حتّى تستكمل الحكومة تركيبتها الطبيعيّة".

وطالبت المبادرة بتقديم بعض التنازلات إعلاء لمصلحة الوطن، وقالت إن "مراجعات المواقف السابقة وتقديم التّنازلات الضروريّة، تبقى من شِيَمِ الكِبَار الذين يتحَلَّوْن بنُكْرَانِ الذّات من أجل خدمة الوطن والمصلحة العامّة"، معللين  إطلاقهم المبادرة برغبتهم في أن "تعود البلاد إلى مسارها الصحيح وتجنيبها ما لا يُحمد عقباه".

وقع على المبادرة كل من محمد المؤدب، أمير لواء متقاعد، والبشير مجدوب رئيس جمعيّة قدماء معهد الدّفاع الوطني، وبوبكّر بنكريّم كاهية رئيس أركان جيش البر سابقا، و مختار بن نصر العميد المتقاعد ورئيس سابق للجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب، وعلى السلامي وهوعقيد متقاعد، وسُهَيل الشّمنقي- عميد متقاعد.

وقد ازدادت المخاطر في تونس بعد تعقيدات المشهد السياسي الحالي، المصحوب بأزمة اقتصادية طاحنة تعيشها البلاد، وسيادة التخوفات من أن تفسد الأوضاع السياسية فرص الديمقراطية العربية الوليدة في الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، وهو ما قد يدفع البلاد إلى تضخم كبير وتنجر إلى "سيناريو فنزويلي" حسب حديث مروان العباسي محافظ البنك المركزي.

من المستفيد من المبادرة؟

حسب قول الناشطة السياسية التونسية مريم عزوز، فإن حركة النهضة قد تكون هي المحرك للمبادرة التي أطلقها العسكريون المتقاعدون، مشيرة إلى أنها ( حركة النهضة) هي المستفيد لأنها "هي من كانت تدعو إلى الحوار والتوافق بعد قطيعة مع رئيس الجمهورية الذي يحظى بشعبية كبيرة. وزادت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي ولدتها الجائحة من تدهور الأوضاع في تونس، مما وضع الائتلاف الحاكم المتزعم من حركة النهضة أمام ازمة حكم عميقة وهم اليوم يبحثون على مخرج من الأزمة".

وقالت عزوز لـ رصيف 22 " هذا البيان يمثل نداء استغاثة لإنقاذ الحزب الأول في الحكم، الذي ما انفك عن المطالبة بالحلول والحوار للمصالحة مع المنظمات الوطنية والرئيس، في تركيز واضح جاء في البيان على المجتمع المدني الذي يريدونه أن يلعب دوراً في حل الخلافات والمرور إلى حل"، وفق قولها.

أثارت المبادرة مخاوف الأوساط التونسية من انجرار المؤسسة العسكرية إلى المسائل السياسية الخلافية، بعد أن ظلت على الحياد طيلة السنوات التالية على الثورة، وهو سيناريو يفضل التونسيون عدم الدخول فيه، لا سيما أن البلاد تعاني من أزمة اقتصادية بعد أن تسببت جائحة كوفيد - 19 في خفض الناتج الاقتصادي العام الماضي بنسبة 8.8% ودفعت الدين العام إلى نسبة 91% من الناتج المحلي الإجمالي.

وتعليقا على ذلك تقول "عزوز" إن هناك ردود فعل استنكرت هذا البيان، واعتبرته تدخلاً في العمل السياسي، إذ أن المؤسسة العسكرية يجب أن تكون محايدة وبعيدة عن  المعارك والمسائل السياسية هذه.

من جانبه، انتقد الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، مبادرة العسكريين المتقاعدين، معتبراً أن "دخول بعض القيادات العسكرية المتقاعدة في الشأن السياسي ظاهرة غير صحية وخطيرة".

ويرى الشواشي في تدوينة عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أن "هناك جهات سياسة متخفية تدفع العسكريين المتقاعدين لهذا الصنيع لغايات لا علاقة لها باستقرار البلاد" .

ودعا الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي الرئيس قيس سعيد بأخذ زمام الأمور وممارسة صلاحياته، و"سحب البساط من الفوضويين والمخربين والانتهازيين"، على حد قوله.

الاقتراب من المحظور

اعتبر عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري في تدوينة له عبر حسابه بفيسبوك أن بيان العكروت والمبادرة العسكرية التي أعقبته يعد "اقتراباً من المحظور ولعب بالنار".

وقال الشابي " هذه التحركات لم تأت من فراغ، بل هي نتيجة طبيعية لاستسهال الحديث عن الانقلابات، والدعوة الى إقحام المؤسسة العسكرية في حسم الخلافات، ولتنازع الصلاحيات حول المؤسسة الأمنية"، داعياً العسكريين الذين يعتزمون دخول المعترك السياسي إلى "التخلي عن صفاتهم ورتبهم، والمشاركة في الحياة السياسية كمواطنين لا كفيالق عسكرية، حتى وإن كانوا متقاعدين. وإلا فإننا سنحفر قبر الديمقراطية بأيدينا" على حد قوله.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image