عام 2018، أصدر عدة شبان وشابات من بيروت بواكيرهم/ن الأدبية الأولى (شعرية كانت أو سردية) بشكل متقارب، وبدأت تأخذ حيثيتها في المشهد البيروتي والعربي.
سطعت هذه التجارب وسلك كل منها طريقه ومنحاه، وتوجه نحو تحقيق مشروعه الأدبي أو الشخصي. باختصار، بدأت في تلك المرحلة تتشكل المعالم لجيل أدبي جديد، له ما له وعليه ما عليه. وليس هذا حكراً على بيروت فقط، بل يمكن للمتصفح أن يعكس التجربة البيروتية على عواصم عربية شتى، وقس على ذلك.
المفارقة الكبرى أنه لم يتح لنا المجال آنذاك للسؤال أو حتى التفكير من أين أتى هؤلاء الشعراء – الأدباء الشباب؟ ما هي الخلفية الأدبية أو المعرفية التي أتى منها هؤلاء؟ إلى أي مدى يمكن للقراءة أن تسهم في بروز تجربة أو خفوتها؟ وغيرها من الأسئلة التي تطول وتطول.
لعله بات من المسلم أن الجيل العربي اليوم هو جيل هوامش وتناقضات، تناقضات قد تذهب به إلى مفاصل ومنعرجات معرفية وأدبية، وأيضاً يفتقد بشكل أو بآخر إلى منابر تحتضن مواهبه. هذه المنابر التي وجدت في الستينيات والسبعينيات، في مجلة "شعر" أو "مواقف" أو "الآداب"، وصولاً إلى ملاحق ثقافية ونشرات في عواصم عربية متنوعة. ساهمت هذه الفسح الثقافية، إن صح القول، بعملية تظهير الأصوات العربية ومنحها شرعية أدبية وإطلاقها في هذا الفضاء.
يروي لي صديق في هذا الصدد:
هل يقرأ شاعر اليوم؟ هل يفتح كتاباً؟ هل يجلس أمام مكتب أو بين دفّتيْ مُؤَلَّف؟
"كنت في العشرين من عمري. ربيع 1987، أدخل مرتجفاً بوابة الجريدة. بصوت مخنوق، أطلب الصعود إلى القسم الثقافي. بيدين متعرّقتين وخجل غامر أصافح محمد علي فرحات. أتلعثم وأرتبك: "عندي ثلاث قصائد، أتمنى أن تعجبكم واحدة لنشرها". يا لوقاحتي، يا لادعائي. من أنا لتنشر لي جريدة "السفير" قصيدةً، في الصفحة نفسها التي يحضر فيها كبار الشعراء العرب.
خرجت نادماً، متأكداً أن فعلتي هذه عار سيلاحقني زمناً طويلاً، سأبقى في ذهن هذا المحرر صورةً عن الهواة السذج، كاريكاتوراً للسخرية. كنت متأكداً أنه رمى قصائدي في سلة المهملات فور خروجي من مكتبه.
رغم ذلك، لم يتبدد كلياً ذاك 'الحلم' برؤية قصيدة لي منشورةً في 'السفير'. في الأيام الثلاثة التالية، اشتريت الجريدة، لتداهمني الخيبة. في اليوم الرابع، وكنت موشكاً على اليأس، أفتح الجريدة: قصائدي الثلاث تحتل صدر الصفحة الثقافية.
مشيت منتشياً كالمعتوه في منتصف الطريق، بين السيارات العابرة بالاتجاهين، ممسكاً الجريدة مفتوحةً 'على مصراعيها'، أسير ولا أرى أمامي، ولا أملّ من التحديق بقصائدي مطبوعةً في جريدة.
تلك الحادثة، رسمت خياري في الحياة، أن أكتب الشعر وأسعى لأكون صحافياً.
خلال سنتين، سأكون معتاداً على قضاء فترة قبل الظهر في القسم الثقافي بـ'السفير'، محاطاً بالياس خوري، محمد علي فرحات، فيصل سلطان، محمد سويد، عبيدو باشا، عباس بيضون وبسام حجار، قبل أن أعمل فيها بمنتصف التسعينات، سيرة 'السفير' في بلا خاتمة".
بالعودة إلى السؤال الأساسي: ماذا يقرأ الشعراء الشباب اليوم؟ والأوضح، هل يقرأ شاعر اليوم؟ هل يفتح كتاباً؟ هل يجلس أمام مكتب أو بين دفتي مؤلف؟
زنزبيا ظاهر: "أقرأ ما يغذي الكائن البدائي في. كل ما قد يردني إلى الغابة أو إلى الحقل. فيما عدا ذلك، الحياة أقصر من أن أمنهج قراءتي لها. القراءة حياة، وحفر عشوائي في الداخل. حفر قلق باحث عن المعنى "
الجواب حقيقةً محيّر وملتبس التباس الشعر والأدب بالعموم. وقد تركنا في رصيف22 لعدة أصوات عربية حرية الإجابة عن هذه الهواجس.
نور حطيط: قراءات متخبطة في زمن التسويق
"لا زالت إشكالية كتب 'البيست سيلر' تراودني: هل تستحق القراءة؟ ما المعيار الذي أختاره لأقرأ؟ خصوصاً وأن التسويق أصبح كل شيء.
لقد كثر الحديث عن هذه الأسئلة وبالمقابل، ملايين الأجوبة اندلقت علينا، حتى أن كتاباً كثراً صنعوا كتباً ليضعوا هذا الحدث- أي فعل القراءة والكتابة أيضاً- موضع تساؤل عميق. أميل إلى القراءات الأقل انتشاراً والسبب أنني أحب انتشال الغبار عن الكتاب، ولأنني أحسب الكتاب كوني فيّ، ويتيح لي الغوص في فضاءات العالم الذي يمشي به الراوي/ القاص والشاعر مع شخصياته، ليتفاجأ كالقارئ بالجريمة.
أرى أن القراءة فعل خلق كالكتابة، أنا أشعل النص بالتأويل والمعاني التي لا تنتهي وهذا مشروعي الهرمسي. أن أعيش صيرورة الألغاز اللانهائية التي تشبه الحياة، جاعلة النص أمامي واسعاً وحراً كالسماء".
محمد رضا: أسكن لغتي الحلوة وأقرؤها بقسوة
"الشيء الوحيد الذي آسف عليه حقاً، أنه لن يتسن لي الوقت الكافي لقراءة كل الكتب التي أودّ قراءتها. لا أخرج بدون كتاب في جيبي، والوحدة تعني إما كتاباً أو الموت، على حد تعبير دوراس. أعتقد أننا أكثر صدقاً حين نقرأ كتاباً ما بوعي متألم، والقراءة تعني أن تمتلك روحك. لكنني حزين أن الكتب صارت باهظة الثمن ويصعب الحصول عليها.
أسكن لغتي الحلوة وأحبها بقسوة وتفرد، لكنني أقرأ كثيراً باللغتين الفرنسية والإنجليزية، لأنني مهتم باللغات وبتاريخها وتطوّرها. كل لغة تصل إلينا ناقصة، إن لم تكن أول كلمة نطقناها هي 'أمي'، وبهذا نعيش دوماً في معاجم مموهة ومبتورة".
يحيى عاشور: القراءة سجائري وقهوتي
"القراءة والكتابة هما سجائري وقهوتي. أقرأ لأحتمل، وأكتب لأتجاوز. لا أدخّن السجائر ولا أشرب القهوة، أنا أقرأ وأكتب. الخطة الوحيدة هي وضع كتب الشعر على سلم الأولويات. متى توفرت أمامي مجموعة شعرية، خاصةً إذا صدرت حديثاً، ولا يهمني إن كانت لشاعر مهم أو لا، أقتنيها، ويمكن أن تمرّ فترات لا أقرأ فيها إلا الشعر. ولكني بالتأكيد أقرأ أنواعاً أخرى من الكتب، كالسير الذاتية والنثر وكتب الفلسفة والعلوم الإنسانية، بالإضافة إلى أنني أتابع بشغف كتب الأطفال والفتيان".
حنين الصايغ: القراءة في عالم يسوده التوتر
"حياة الكائن العربي اليوم يسودها التوتر، ومحاولة السيطرة على الأحداث. شخصياً لا أعتبر القراءة عالماً منفصلاً عن عوالمنا أو حياتنا اليومية. نحن نأخذ معنا ذواتنا ونسقطها على كل ما نقرؤه. ولكن المدهش بالقراءة هو وجودنا الصامت في أدق تفاصيل حياة الآخرين. أعتبر القراءة متعة لا واجب. فأقرأ فقط ما أجده ممتعاً ومُرْضياً، وأترك أي عمل لا يجذبني في بداية الطريق مهما كان مهماً أو عالمياً".
"إسماعيل توبة: أقرأ كل شيء، إن لم يكن كتاباً، فأقرأ الموسيقى والأفلام والأصوات والمواقف والأشخاص، وأحياناً أقرأ الفراغ"
عامر الطيب: القراءة ذلك الفضول الطفولي
"القراءة بالنسبة لي ليست غائية، أعني أنني لا أقرأ لأدعم موهبتي أو لأبدو مطلعاً أو مفوّهاً، إنني أقرأ لإرضاء فضولي. لقد سكنتني تلك الرغبة منذ الصغر.
كنت أقرأ كتباً دينية مثلاً للتأكد من وجود الجنة والجحيم. ما زال ذاك الفضول الطفولي يتملكني، مع فارق أنني لم أعد أقرأ اليوم لأتأكد من قيمة ما، إنما لأكتشف وأعرف وأفهم، وأظن أن الفهم شرط الحرية. لن تكون حراً ما لم تفهم القضايا التي تدعمها أو التي تحاول الدفاع عنها.
وبالعودة إلى السؤال الفضولي المحبب: ما الذي أقرؤه الآن؟ إنني لا أقرأ كتاباً واحداً فذلك يشعرني بالملل، إنما أضع عيني على ثلاثة كتب وأواصل قراءتها معاً. مثلاً أقرأ اليوم قضايا الشعريات للأديب الجزائري عبد الملك مرتاض، إضافة إلى مختارات الشاعر الألماني برتولت بريخت، وكذلك أعيش بين دفتي رواية مترجمة".
علي قادري: رفقة القراءة العفوية
"قراءتي المنهجية بأساسها متعلقة بالبحث الأكاديمي في دراساتي للماجستير في الأدب العربي والنظريات الأدبية المعاصرة. القراءة المخططة هي استراتيجية أتبعها كي أحاول تغطية جانب من منجز شاعر ما أو روايات أدب السجون مثلاً، أما القراءة العفوية والعشوائية، فتتراجع مع تقدم السن، لأنك تدرك أنك لا تملك الوقت لقراءة كل شيء، ولذلك لا بد دون الشهد من إبر النحل".
زنوبيا ظاهر: أقرأ ما يغذي بدائيتي
"أقرأ ما يغذي الكائن البدائي في. كل ما قد يردني إلى الغابة أو إلى الحقل. فيما عدا ذلك، الحياة أقصر من أن أمنهج قراءتي لها. القراءة حياة، وحفر عشوائي في الداخل. حفر قلق باحث عن المعنى (وليس من الضرورة أن يوجد)".
باسل الأمين: السينما بديلاً عن القراءة
"لا أفهم الأسئلة المتعلقة بالقراءة، أحب السينما أكثر. لماذا لا يسألنا أحد: ماذا تشاهد؟ أو كم فيلماً شاهدت؟ أحب السينما لشدة ما أثرت على طريقتي في الكتابة. أما بالنسبة للقراءة، فأقرأ شعراء محددين أمثال: عباس بيضون ورياض الصالح الحسين وأنسي الحاج. أما في الرواية، فأبحث عن أسلوب خاص، الأسلوب الذي تسهل ترجمته إلى السينما، مثل رواية كونديرا 'كائن لا تحتمل خفته'. السينما هكذا تغلبني بخفّتها".
هدى عرموش: أبحث مثل بحار عن الكنوز
هذا العالم الكبير جداً، كان نافذتي الأولى، ومنفذي إلى الآن، ليس هروباً من قلة كلامي، أو هروباً من انطوائيتي التي كانت مصاحبة لي حتى وقت قريب.
كانت القراءة أوضح شيء لا أراه، لما أشرع بالقراءة إلى آخر صفحة، لا أنتبه إلى شكل الكلمات، وكيف مرت من أمامي مكونة كل تلك الصور والمشاعر-من الدهشة- وفي لحظة تختفي مع إغلاق الكتاب. لما نضجت أكثر قليلاً، صار عندي سفينة من حب تلك اللحظات، وصنعت لها شراعاً كبيراً صنعته من رقع، من كتب: دين، وتاريخ، وفلك، وفلسفة، وفيزياء، وعلم نفس، وشعر جدتي.
لا يعني أنني ضليعة بأي منها، لكنني طرقت أبوابها جميعاً وكلها فتحت لي الباب، وأهدتني لباساً مسروداً. لأجد نفسي أبحر بها فيها، وأبحر بدونها في عالم غير العالم، بقارب من المشاعر وبعض من شعور المسؤولية الملاحق في نقلها وعرضها. وما زلت كبحار يبحث عن كنز ليوزعه على الجميع. اليوم أسعى إلى ترتيب قراءاتي بنهج ما أقرأ في القانون وفي فلسفة القانون، ومؤخراً شرعت في قراءة كتب مهدي عامل، وأبقي الرواية والشعر بقربي".
مروى بديدة: قراءتي ليست نهمة
"علاقتي بالقراءة ليست عفوية. أختار ما أقرأ بعناية، كما أنه ثمة مواد تثير فضولي، كنت أجهلها وأجد فيها كل ما يشبع ذائقتي. أعترف أنني لست نهمة، لكنني أقرأ بشكل يومي وليس بصفة آلية. إنما ما يأسر خيالي. مثلاً: الروايات الخيالية والشعر الغرائبي".
إسماعيل توبة: أقرأ الفراغ
"بالفطرة، أنا أقرأ كل شيء، إن لم يكن كتاباً، فأقرأ الموسيقى والأفلام والأصوات والمواقف والأشخاص، وأحياناً أقرأ الفراغ".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون