في ظل مناخ سياسي محموم، انشغل العديد من الجزائريين بأمر قد يراه غيرهم هامشياً، وسامة عدد من المرشحين والمرشحات للانتخابات التشريعية المرتقبة، وسط تكهنات متباينة بأن يكون هذا عاملاً إيجابياً/ سلبياً على أصحابه أولاً وعلى ثقل أول مجلس نيابي منذ تنحي الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عام 2019.
والخميس 20 أيار/ مايو، انطلقت الحملة الانتخابية للتشريعيات المقرر إجراؤها في 12 حزيران/ يونيو المقبل، وسط دعوات إلى مقاطعتها من أنصار الحراك الشعبي وعدد من الأحزاب المناوئة للسلطة.
وتأتي هذه الانتخابات بعدما أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في شباط/ فبراير الماضي، حل المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى في البرلمان) وعقد انتخابات تشريعية مبكرة لإفساح المجال أكثر أمام الشباب والنساء وإقصاء "أصحاب المال الفاسد من الحياة السياسية"، مع خفض عدد المقاعد إلى 407 عوضاً عن 462.
لضمان تمثيل واسع للنساء والشباب، نص القانون على إلزامية المناصفة بين النساء والرجال في القوائم الانتخابية مع ضرورة أن يكون سن نصف عدد المرشحين أقل من 40 عاماً.
ربما ساهم هذا في ظاهرة وُصفت بأنها "استثنائية وجديدة" على البلاد: صور المرشحات الحسناوات على اللافتات الانتخابية بعدما ندر نشر مرشحة لصورتها في هذا المجتمع المحافظ، أو اكتُفي باستخدام هيكل نسائي دون أي ملامح مميزة كما جرت عادة الأحزاب الإسلامية.
"برلمان الحسناوات"... اتهامات لأحزاب جزائرية بـ"الاستعانة بالحسناوات لاستمالة الناخبين"، تواجهها انتقادات للانتقاص من قدرات المرأة باختزال مؤهلاتها في شكلها
"برلمان الحسناوات"
قاد عدد من وسائل الإعلام والإعلاميين حملة الانتقاد لوجود "الحسناوات". في حسابه عبر فيسبوك الذي يتابعه أكثر من 200 ألف، علّق الإعلامي الجزائري أسامة وحيد على صور عدد من المرشحات للبرلمان بقوله: "التنافس على لقب ملكة جمال الانتخابات انطلق!". حصد المنشور نحو 7000 إعجاب وقرابة 3000 تعليق، غالبيتها العظمى تتسم بالهجوم على المرشحات.
وفي مقال مطول، بتاريخ 23 أيار/ مايو، اتهمت صحيفة "الشروق" المحلية المحافظة بعض الأحزاب بـ"الاستعانة بالحسناوات لاستمالة الناخبين"، متسائلةً عما إذا كان هؤلاء "مُترشحات أم عارضات أزياء".
ووصفت الصحيفة وجود العديد من "الحسناوات" بالقوائم الانتخابية بأنه "ظاهرة استثنائية وجديدة لم تعرفها الجزائر سابقاً"، مكررةً التعليقات الساخرة التي تداولها جزائريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي على شاكلة: "برلمان الحسناوات" و"هذا العام الفُوط (الانتخاب) راح يكون حول الجمال وحسن السيرة" و"هذي انتخابات ولا عرض أزياء" و"النضال الناعم"، إلى آخره.
وذكّرت "الشروق" بأنه خلال الانتخابات الماضية، "لم تتجرأ كثير من النساء على نشر صورهن علناً للناخبين" وأن "الأحزاب ومنها الكبيرة، كانت تجد صعوبة بالغة في إقناع النساء بالترشح وإظهار صورهن"، ما كان يثير سخط البعض الذي كان يرفض انتخاب "أشباح" لم يرهم.
وكان متوقعاً أن تنتشر التعليقات الغاضبة أو الساخرة من صور المرشحات الحسناوات تبعاً لذلك، إذ لفت معلقون إلى أن المنافسة على لقب "حسناء البرلمان" ستكون شرسة هذه المرة ولن تُحسم كما في السابق لصالح المحامية والنائبة نعيمة فرحي، المرشحة هذه الدورة أيضاً، عن ولاية سطيف.
وكان من التعليقات الساخرة: "لا أزال لا أؤمن بالحياة السياسية في الجزائر لا من حيث التنشئة السياسية ولا المشاركة السياسية ولا الوعود السطحية… لكن على الأقل، وجوه شابة تشجع الشباب على المشاركة بقوة. تقول مشاركة في مسابقة الجمال على أقل نستفاد من وجوه نيّرة في البرلمان المتعفن الذي لا يسمن ولا يغني من جوع إلا ساكنيه (أعضائه)".
"المرأة الجزائرية قوية وجميلة وشجاعة وأعربت عن مؤهلاتها السياسية والثقافية والثورية في العديد من المنصات والمحطات التاريخية ولا تزال تعطي الكثير للجزائر… كل الدعم للنساء المترشحات للانتخابات التشريعية"
ولم تخلُ في هذه التعليقات من تشكيك مبطن في قدرة المرشحات في الاضطلاع بالمهام المنوطة بممثل الشعب سواء التشريعية أو الخدمية أو الرقابية.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتم التشكيك على نطاق واسع في مؤهلات نائبات البرلمان الجزائري إذ عُرف البرلمان السابق بـ"برلمان الحفافات" وهي لفظة عاميّة تشير إلى الحلّاقات ويقصد منها عدم وجود علاقة بين نائبات ذاك البرلمان والعمل السياسي والمجتمعي.
وتكررت في كل مناسبة انتخابية أو تشريعية أو رئاسية، مغازلة المرأة أو المغازلة بالمرأة عن طريق إطلاق وعود مثلاً بتزويج "العوانس" أو تسهيل تعدد الزوجات.
مرشحون وسيمون أيضاً
ونوّه معلقون بأن الجمال لم يكن سمةً تميز المرشحات وحدهن، بالإشارة إلى بعض المرشحين الشباب ذوي الوسامة اللافتة. منهم د. معاذ جلولي الذي تواصل معه رصيف22 لسؤاله عن رأيه في وصفه بالوسيم وهل يعتبر ذلك ميزةً أو عيباً.
قال جلولي إنه فوجىء بوصفه بالمرشح الوسيم، موضحاً أنه كان يفضل وصفه بـ"الطموح سياسياً، صاحب القضية، الهادف إلى تغيير مفهوم النائب من مجرد موظف إلى ممثل حقيقي لهموم الشعب".
وأوضح أن الوصف لم يزعجه كثيراً بل قد يعتبره إيجابياً إذا "الوسامة تجيب لي أصوات باش نوصل القضية متاعي".
ولفت إلى أن جمال المرأة قد يكون، في بعض الحالات، عاملاً مساعداً في ترشيحها من قبل أحد الأحزاب لأن هذا الترشيح داعم له، ظناً أنها ستحصل على أصوات أكثر وهو أمر غير وارد في حالة الرجال.
انتقاص من قدرات المرأة النائبة
في المقابل، رفض جزائريون وجزائريات ما وصفوه بـ"الانتقاص" من قدرات المرشحات باختزالهن في الشكل الخارجي.
رداً على التعليقات التي وصفتها بأنها "منحطة"، قالت المحامية ياسمين موطام على فيسبوك: "بعد الإعلان عن بداية الحملة الانتخابية للمترشحين حملة شرسة ضد النساء نلاحظها، كل النساء لهن مستوى تعليمي عالٍ وجميلات. هل أصبح الجمال عيباً؟".
المرشح الجزائري معاذ جلولي يقول لرصيف22 إنه لم ينزعج كثيراً من وصفه بالوسيم وإن كان يفضل وصفه بـ"الطموح سياسياً"، مستدركاً أنه قد يسعد إذا "الوسامة تجيب لي أصوات باش نوصل القضية متاعي"
وسألت: "لماذا كل هذا التعدي على كرامة الأشخاص والأحكام المسبقة على عجز المرأة أن تكون في السياسة مع أن حق الترشح للمرأة مكفول دستورياً. هل هذه هي الديمقراطية التي تتحدثون عنها؟!".
وأضافت أن "برلمان الحفافات لم يزعجكم إطلاقاً ولكن امرأة مثقفة وجميلة نعم!"، مردفةً "أبكيكِ يا بلدي على هذا المستوى المنحط العكر الذي نعيشه".
وشددت على أن "المرأة الجزائرية قوية وجميلة وشجاعة وأعربت عن مؤهلاتها السياسية والثقافية والثورية في العديد من المنصات والمحطات التاريخية ولا تزال تعطي الكثير للجزائر… كل الدعم للنساء المترشحات للانتخابات التشريعية".
بدورها، أوضحت نهاد ميموني، مرشحة حزب جبهة الحكم الراشد عن الجالية الجزائرية في المشرق العربي والخليج وشمال أفريقيا، لرصيف22، أنها كـ"امرأة جزائرية أصيلة" لا تقبل التوصيف أو حصر المرأة بشكل عام، والمرشحات النيابيات بشكل خاص، في المظهر الخارجي. وقد لامت على التغطية الإعلامية مساهمتها في توجيه الرأي العام الجزائري نحو التركيز على الشكل وجمال المرأة لا كفائتها.
وأبدت ميموني، وهي متزوجة وأم لطفلين وتقيم في لبنان، امتعاضاً من عدم الاهتمام بالأفكار والمقترحات التي قدمتها ضمن برنامجها الانتخابي، معتبرةً أن عنصر الجمال لا ينبغي أن يكون "عيباً أو مضراً" بفرص كل سيدة مرشحة.
وفيما شددت على أن الأحزاب الجزائرية لا تستغل النساء المرشحات لجلب الأصوات - كما يدّعي البعض- نظراً لأن الاختيار وقع على سيدات من صاحبات الكفاءة، لفتت إلى أنها كمواطنة جزائرية استقرت لفترات متباينة في أنغولا ولبنان، عاشت مشكلات الجالية في الخارج وهو ما دفعها للترشح.
وفي مقابلة إعلامية، رد عيسى بلهادي، رئيس حزب "جبهة الحكم الراشد" - المتهم الأول باستقطاب الحسناوات لجلب المزيد من المقاعد البرلمانية، على الجدل بقوله: "عندنا في الجزائر نخب وطاقات هائلة… الجميلات والحسناوات، وين راه (أين) المشكل؟ هادوا جزائريات ولكن صاحبات شهادات ومن ذوي المراكز في المجتمع ويأثروا - فيها اللي معلمة، فيها اللي محامية، فيها اللي في الإدارة، فيها اللي في الأعمال، فيها اللي في الجامعة أستاذة".
وتابع: "بالأمس القريب، كنتو تبكيو وتقولو: ‘يدزينا من برلمان الحفافات‘... والجمال نعمة من أنعم الله… والوجاهة مهمة".
علاوة على ما سبق، تتفرد هذه الانتخابات أيضاً بعدد استثنائي من المرشحين بعدما تم قبول 646 قائمة حزبية تمثل 28 حزباً، و837 قائمة مستقلة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.