من قتل مارادونا؟
تمّ رسمياً اتهام 7 أطباء، كانوا مشرفين على صحة دييغو مارادونا الذي غادر عالمنا العام الماضي. الاتهامات الموجهة هي القتل العمد بسبب التقصير والإهمال.
هناك جانب شعري في قراءة خبر كهذا، الأسطورة لا يمكن لها أن تموت، واتهامات القتل تفعّل المخيلة، ما يعني أن مارادونا مات قبل وقته، وربما حرمنا، نحن محبّيه، من حماقة أخرى قد يرتكبها أو معجزة أخرى.
لا نحاول هنا انتقاد تحقيق العدالة، لكن موت مارادونا سبّب حزناً عالمياً، بالرغم من تدهور صحته وغرابة أطواره، لكنه عاش حياته للأقصى، و"قَتْله" يُكسب حكايته معنى مختلف. بالطبع ستتفعّل نظريات المؤامرة، لكنه سيحافظ على أسطورته. لا يمكن لصاحب اليد الإلهية أن يموت هكذا مثلنا، بابتذال على سريره إثر نوبة قلبية، هي ميتة بلا معنى.
أما القتل، فيشعل المخيلة، لم قتل مارادونا؟ فقط إهمال؟ أم أن هناك شيئاً خفياً؟ ببساطة، الأسطورة لا تموت، بل تقتل قتلاً كي تبقى حية.
انتصار الفصحى
امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بالمقالات التي تستخدم اللغة العربية دون نقاط من أجل "محاربة" سياسات فيسبوك ورقابته على المحتوى الفلسطيني. خطوة لا يمكن إنكار حذاقتها وذكائها، لكن من وجهة نظر أخرى، هي انتصار للفصحى، ولا نقصد هذه التي نكتب بها الآن، بل الفصحى التقليدية بشدّة، السابقة على التقعيد والتنقيط والتشكيل، تلك التي كانت تُفهم بالسليقة وحسب السياق.
هناك جانب شعري في خبر اتهام الأطباء بقتل مارادونا، ما يعني أن مارادونا مات قبل وقته، وحرمنا، من حماقة أخرى قد يرتكبها. ببساطة، الأسطورة لا تموت، بل تقتل قتلاً كي تبقى حية
تظهر العربية الفصحى هنا، بالرغم من كل الحرب التي تشنّ عليها كل فترة، كأداة مقاومة، واكتسبت دوراً لم نكن نظن أنها ستلعبه في عصرنا هذا. الفصحى التي كانت حكراً على المكتوب وعلى الترجمة، لكنها فجأة أصبحت ذات شعبية، واتفق الجميع على "أهميتها"، بل طوّرت لوحات مفاتيح عربية دون نقاط.
يظهر أيضاً جانب شعري مثير للاهتمام: اللغة تنتصر على منطقية الأرقام، تواصلنا كبشر ليس حكراً على الشاشات والكلمات المتفق عليها، وكأن هناك سلاحاً سرياً ظهر فجأة.
لنتخيّل إذن سيناريو خيال علمي تهيمن فيه الآلات علينا وعلى تواصلنا، وظهرت في هذا المستقبل الديستوبي جماعة مُقاومة، تكتب بلغة لا تفهمها الآلات، لغة حكر لنا، نحن من نميّز الشكل على أساس "الفطرة" لا الحساب المنطقي المضبوط.
نتغنّى هنا بهذه الظاهرة دون أي نزعة عروبية أو أيديولوجية، بل نشير إلى مساحات لم تكن مكتشفة في اللغة، حولتها إلى سلاح وأسلوب تواصل كان قد أهمل أمام الصورة والتواصل الآني.
سوريا الأسد: الانتخاب خوفاً، الانتخاب عنفاً، الانتخاب سفالة
هناك ثلاثة أنواع من المشاركين في الانتخابات السورية: الخائفون، أي المجبرون على الانتخاب، الذين يساقون بالترهيب أو ينصاعون لعرف الطاعة، كما يحدث داخل سوريا، هؤلاء هم الناخبون خوفاً.
النوع الثاني هم الناخبون بسبب العنف، المجبرون بسبب شروط معيشتهم خارج سوريا للانتخاب بسبب التهديد من قبل المؤيدين للأسد، والذين في ذات الوقت، تعرّض بعضهم للضرب من قبل "معارضي" الأسد خارج سوريا، هذه الفئة هي الأشد مأساوية.
هناك من يهتف بروح القائد وهناك من يلعنها، لكن كلاهما سوريون ولهم ذات الحقوق
النوع الثالث هم المصوتون عن قناعة، المؤمنون بأن التصويت حقهم الديمقراطي وأن الحل الوحيد لكل مشاكل سوريا يتمثّل في بقاء الأسد، الذي لا علاقة له بأصواتهم حقيقة، بل هم جزء من استعراض ساخر يشاركون به عن قناعة.
هؤلاء هم الأشدّ إثارة للغيظ، لا يمكن القيام بأي شيء تجاههم سوى الشتم. هم سوريون أيضاً ولهم كل حقوق الآخرين، والشتم هنا أداة تعبير عن الرأي والاختلاف، هناك من يهتف بروح القائد وهناك من يلعنها، لكن كلاهما سوريون ولهم ذات الحقوق.
كل النماذج الثلاثة مهما بلغ عددها لن تؤثر في نتائج الانتخابات المحسومة، العبارة التي تتكرّر منذ خمسين عاماً، لكن نتوقع (وبالطبع سيخيّب الأسد توقعنا دوماً) ألا تكون نتائج الانتخابات 99,99% "نعم لبشار"، فهناك مرشحون آخرون. لذا أرجوكم، تلاعبوا بالنسبة كالعادة، لكن قلّلوا الرقم، فقط للتخفيف من الذلّ الذي تتعرّض له نسبة كبيرة من المصوّتين.
نتنياهو والـpower point
يشتهر بنيامين نتيناهو بأنه رجل استعراض، إذ يستخدم في الكثير من مؤتمراته الصحفية الصورة والرسومات وغيرها من "الأدوات التوضيحية" وكأنه يقدم Pitch لمنتج جديد يحاول بيعه.
هذه المرة، وبعد الهدنة بين الطرفين، ظهر نتيناهو وبين يديه "حيلة جديدة"، لنشرحها علينا أن نشير إلى الترويج الذي تبع استراتيجية المشي عبر الجدران التي يتبناها الجيش الإسرائيلي، تلك التقنية التي يقال إن الجنود الإسرائيليين يوظفونها لاختراق الجدران والأرض وحصار الفلسطينيين.
لكن هذه المرة نحن أمام جدران تحت الأرض وجدران إلكترونية، كلها تستهدف أنفاق حماس، بدأ بناؤها منذ 2017، حسب نتنياهو، وظهرت أهميتها مؤخراً، حيث كشفت حسّاساتها وما فيها من أجهزة عن تحركات مقاتلي حماس، بل وشلّت حركتهم وقدرتهم على التسلّل من قطاع غزة نحو الأراضي المحتلة.
هذا الترويج للقدرات العسكرية لا يتجاوز جدواه مساحة الشاشة التي يعرض عليها نتنياهو الصور، هي جزء من حرب إعلامية يروّج فيها نتنياهو لخطورة الوضع في إسرائيل والتهديد الدائم الذي تتعرّض له، لكن حقيقة، إن كانت حماس بكل هذه القوة وبحاجة لجدران إلكترونية وحسّاسات حركة للوقوف في وجه زحفها، فنحن أمام قوة لا يمكن الاستخفاف بها أو الوقوف بوجهها.
التأخر من شيم الساخرين، لا شيء في الجوهر يستحق أن نأتي على الوقت لأجله، وتأخر بضع دقائق لا معنى له، هذه الأخطاء تؤكد أننا بشر لا آلات مطيعة تعمل على الوقت دوماً ودون كلل
لدرجة أنه بعد عدة سنوات قد تتحوّل "إسرائيل" إلى فقاعة إسمنتية لا يمكن اختراقها، وهنا تبرز أهمية هكذا "حكايات" و"تكنولوجيا". هي تخلق الرعب لدى الطرفين، و تخدم البرنامج الانتخابي لا أكثر، لأن الصواريخ كما رأينا، اخترقت القبة الحديدة عبر حل بسيط جداً، زيادة عددها وتسارع انطلاقها، دون أي خوارزميات وحسّاسات.
معجزة القطار الياباني المبتذلة
كل فترة يظهر ذات الخبر في صفحات المنوعات في الصحف، قطار ياباني تأخر بعض ثوان أو دقيقة، ما اضطر سائقه للاعتذار أمام جميع الركاب، لتبدأ التحقيقات والاعتذارات و"انمحان" الكثيرين على الانضباط في اليابان.
هذه المرة سبب التأخير هو اضطرار سائق القطار الذهاب للحمام، فسلّم القيادة لمراقب التذاكر، حقيقة هو لم يسلّم الدفّة بالمعنى الحرفي، فالقطار يمشي وحده بسرعة 150 كم بالساعة، ولا يقوم السائق حرفياً بكل ثانية بالتحكم به، هو يراقب في بعض الأوقات.
هذه الاحتفاء بالدقة والصرامة والمواعيد اليابانية يثير الغيظ، خصوصاً أن التحديق بها يكشف أنها لا تدل إلا على سطوة نظام العمل وشدته. صحيح أن الدولة تقدّم خدمات عالية الجودة، لكنها أيضاً تضبط تدفق الأفراد وحركتهم وكيفية انتقالهم، هذا الضبط يحول الجميع إلى ما يشبه الخوارزمية التي لا خلل فيها.
التأخر من شيم الساخرين، لا شيء في الجوهر يستحق أن نأتي على الوقت لأجله، وتأخر بضع دقائق لا معنى له، إلا إن كنا آلات، وخطأ /تأخر واحد يهدد ماكينة الإنتاج، والأهم، هذه الأخطاء تؤكد أننا بشر لهم نزواتهم وأوقاتهم وأمزجتهم المختلفة، لا آلات مطيعة تعمل على الوقت دوماً ودون كلل.
تأخر القطار جزء من الظاهرة البشرية ومساحة لبناء علاقاتنا داخل المدن، إذ يكسبنا وقت لنكتشف ما حولنا ونشاهد أوجه المنتظرين، خصوصاً أن أشهر ما يميز المنتظرين أنهم "عشّاق"، ودون هذا التأخر هم مجرد موظفين تعساء، إن لم يصلوا إلى عملهم على الوقت، سيخصم من رواتبهم.
وداعاً إنترنيت إكسبلورر
لا نستطيع تحديد موقفنا بدقة من الـinternet explorer، المتصفح الذي كان الأول من نوعه وبوابة الكثيرين نحو الإنترنيت، والذي ما لبث أن تحول إلى قطعة أحفورية قديمة لم يعد يستخدمها أحد بسبب منافسيه.
سبب الحيرة أن مايكروسوفت أعلنت رسمياً موعد إيقاف العمل بهذا المتصفح بعد أكثر من 25 عاماً على وجوده، ففي الـ 15 من حزيران في العام المقبل سيتخفى المتصفح شديد البطء إلى الأبد.
لنتخيّل سيناريو تهيمن فيه الآلات علينا وعلى تواصلنا، وظهرت في هذا المستقبل الديستوبي جماعة مُقاومة، تكتب بلغة عربية بدون تنقيط، لغة حكر لنا، نحن من نميز الشكل على أساس "الفطرة" لا الحساب المنطقي المضبوط
سيتلاشى حرف e الأزرق من شاشاتنا، هذا إن لم يكن متلاشياً بالأصل، فالكثيرون يقومون بتعطيله وإخفاء وجوده، لكننا نعلم أنه موجود في مكان ما، في لحظات الخطر أو التهديد أو الأعطال، يظهر المتصفح الشهير كمقاتل عجوز، يأخذ وقته الخاص لإنجاز المهمة، وعلى مهل يعيد لنا "الإنترنيت".
هذا الأمان بأن المتصفح موجود في أحد زوايا الحاسوب سيختفي، ويحل مكانه شعور بالنوستالجيا، خصوصاً أنه تحول إلى غرض متحفي قد نراه في معرض ما، والمثير للاهتمام، أن هذا البرنامج، بزمن قصير نسبياً، تحول إلى مستحاثة، علامة على زمن قديم كان الإنترنيت فيه أبطأ وأقل هيمنة، زمن لم يكن للسرعة بعد فوائد كثير.
هذا الزمن يذكره الكثيرون ممن كانوا واعين قبل "الإنترنيت"، وهنا المفارقة بسبب التطور التكنولوجي وتسارعه الفائق، أصبح تكدس الزمن أسرع، والماضي القريب أشد بعداً.
ربما بعد عدة سنوات، ستتحول الأجهزة النقالة التي نستخدمها الآن إلى غرض متحفي، نوع من أنواع الـvintage الذي سيسخر منه الجيل الجديد، الذي يمتلك رقاقة وراء عينه تمكنه من تصفح ما يريد حرفياً بلمح البصر، لاكما الآن، نحن بحاجة لأن نكتب و نضغط ونلمس كي نصل إلى المعلومة، فيديو البورن أو المقال الصحفي.
مزاد فضائي لاختبار الطفو
أعلنت شركة Blue Origin المملوكة لجيف بيزوس، عن مزاد من أجل شراء مقعد في رحلة إلى الفضاء، يمكن خلالها للمشترين اختبار انعدام الجاذبية، ووصل سعر المقعد إلى 2.4 مليون دولار. هذه المقاعد ستكون في كبسولة تسع ستة أشخاص فقط، وإلى الآن لا نعلم من هم، لكن هؤلاء الـستة سينطلقون إلى الفضاء القريب ثم يعودون، ضمن رحلة لن تتجاوز عشر دقائق.
يمكن لقارئ المقتطف الجديد أن يلاحظ أننا نستحضر هذه الأخبار في كل أسبوع، ذلك للإشارة إلى تحول الفضاء إلى مساحة سياحية للأغنياء وهذا ما يثير الغيظ والاستفزاز. فسابقاً كان الهدف تحقيق حلم الإنسان، ثم تنافساً وطنياً بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، ثم استكشاف الفضاء لإنقاذ البشرية.
لكن يبدو أن الهدف الأخير لم يعد مقنعاً أو ربما مستحيل، وكان الأسلوب الأفضل الآن هو زيارة الفضاء وصرف النقود التي من الواضح أن منافعها لن تعود إلا إلى فئة صغيرة جداً قد تتمكن من مغادرة هذا الكوكب الأزرق، أما نحن الباقون فعالقون على هذه الأرض مع بشار الأسد والسيسي والإمارات.
*المقتطف الجديد يعبّر عن آراء كتّابه وكاتباته وليس بالضرورة عن رأي رصيف22
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...