اتخذت السلطات السعودية قراراً مفاجئاً يقضي بمنع أكثر من 400 شاحنة أردنية محمّلة بالمواشي والخضار من الدخول إلى أراضيها، لأسباب تقول إنها فنية وترتبط بتاريخ صنع تلك الشاحنات، والذي يقلّ عن عام 2000، ليشكل القرار صدمة حقيقية لأصحاب السيارات الشاحنة في الأردن، الذين تفاجأوا بالقرار عند دخولهم المراكز الحدودية السعودية.
القرار لن يكتفي بحرمان ومنع الشاحنات المصنّعة قبل عام 2000 من دخول السعودية فحسب، بل يقضي أيضاً بمنع المرور منها إلى باقي دول الخليج، الأمر الذي سيؤدي إلى خسائر فادحة تُقدّر بنحو 600 مليون دينار بحسب نقيب أصحاب الشاحنات محمد خير الداوود، الذي أشار في حديثه إلى رصيف22 إلى أنّ هناك ما يقرب من ثلاثة آلاف شاحنة على خط النقل الدولي لدول الخليج العربي سوف تتأثر مباشرة بالقرار.
اتخذت السلطات السعودية قراراً مفاجئاً يقضي بمنع أكثر من 400 شاحنة أردنية محمّلة بالمواشي والخضار من الدخول إلى أراضيها... حصار اقتصادي أم قرار فني؟
حصار غير معلن للأردن
ويؤكد الباحث الاقتصادي عامر الشوبكي، لرصيف22 أنّ الأردن بات في مشكلة مزدوجة في حجم العمالة الذي سوف ينجم بعد إصدار القرار الأخير، وحجم الخسارة الذي سيبلغ مليار دولار، وأيضاً في زيادة عدد العاطلين عن العمل من أصحاب هذه الآليات، وهنالك المشكلات التي ستطال مصدّري الخضار والفواكه، الذين إذا ما لجأوا إلى التصدير في الوقت الحالي، فإنّ حجم التصدير سيتقلّص بسبب الاستغلال ورفع أجور النقل من قبل مالكي الشاحنات التي تستوفي الشروط التي أقرّتها السعودية، مشيراً إلى أنّ الأردن يعاني من حصار غير معلن إذ إنّ التبادل التجاري مع دولة العراق انخفض بنسبة كبيرة عن السنوات السابقة على الرغم من الاتفاقيات المعلنة بين البلدين، وذلك بحسب إحصائيات دائرة الإحصاءات الأردنية العامة، منوّهاً إلى أنّ التبادل التجاري بين الأردن وسوريا لا يزال متوقفاً حتى اللحظة، وإلى أنّ حركة التصدير والاستيراد عبر المعابر البرية بين الأردن وإسرائيل باتت محدودة جداً، علاوة على أنّ حركة التبادل التجاري والنقل التجاري مع مصر تُعدّ قليلة جداً.
يحذّر الشوبكي من أن السعودية قد تضع مزيداً من القيود والاشتراطات على حركة دخول الشاحنات التجارية الأردنية، وتالياً على الأردن أن يتماشى مع هذه الاشتراطات، كون السعودية تُعدّ سوقاً مهماً لمنتجاتها الزراعية، كاشفاً الضوء على محاولات أردنية مع الجانب السعودي لحلّ المشكلة وإصدار قرار استثنائي لفترة زمنية محددة ومؤقتة حتى يستطيع ملّاك الشاحنات تصويب أوضاعهم.
أما السائق الأردني علي المناصرة الذي يعمل منذ أكثر من 15 عاماً على شاحنة خاصة يملكها في حركة تصدير البضائع إلى السعودية، فيرى أنّ قدرة مالكي الشاحنات القديمة على التجديد تكاد أن تكون مستحيلة في ظل أسعار الشاحنات الباهظة ورسوم الجمارك العالية المترتبة عليها، بالإضافة إلى الرسوم السنوية التي تصل إلى أكثر من 650 ديناراً سنوياً، وبالإضافة إلى رسومٍ مترتبة على السائقين مقابل تأشيرة الدخول إلى الأراضي السعودية التي تصل إلى 750 ديناراً يتم تجديدها كل ستة أشهر، وكل هذه الأعباء بحسب المناصرة لن يكون السائق الأردني قادراً على الالتزام بأدائها في ظل القرار الأخير الذي تزامن أيضاً مع جائحة كورونا، التي أدّت هي الأخرى إلى ضرر كبير على حركة النقل التجاري بين الأردن والسعودية ودول الخليج.
خلفيات القرار وأسبابه
ويتساءل البعض حول أبعاد القرار وأسبابه الحقيقية، وهل أنّ سببه مرتبط باستمرار احتجاز الأردن لرئيس الديوان الملكي الأردني السابق باسم عوض الله، لدوره فيما عرف بالفتنة مؤخراً؟
رغم تأكيد السلطات السعودية أنّ قرارها بمنع شاحنات أردنية محملة ببضائع متنوعة كانت في طريقها إلى السوق السعودية أو عبرها إلى دول الخليج الأخرى، ليست له أية أبعاد سياسية، وأنّ القرار يشمل الشاحنات الداخلة الى السعودية كافة، أو عبرها إلى دول الخليج، والتي يزيد عمرها على العشرين عاماً، إلا أنّ أوساطاً عديدة ترى أنّ للقرار أبعاداً أخرى.
وبدوره يعلق خبير الأمن الاستراتيجي عمر الرداد لرصيف22 قائلاً: هناك أوساط تنظر بريبة إلى القرار السعودي، وترى أنّه جاء في إطار رد فعل سعودي على الإجراءات الأردنية تجاه مواطنيْن سعودييْن "الشريف حسن وعوض الله"، وعدم الاستجابة لإطلاق سراحهما، وهو سيناريو مفترض لكن ما من أدلة قوية تدعمه، ويبقى في إطار التكهنات، خاصة وأنّ أوساطاً إعلامية ما زالت تعيش ظلال الأزمة السابقة بين الدوحة والسعودية، وتحاول تبنّي هذا السيناريو وإشاعته بوصفه حقيقة مؤكدة.
"هناك أوساط تنظر بريبة إلى القرار السعودي، وترى أنّه جاء في إطار رد فعل سعودي على الإجراءات الأردنية تجاه مواطنيْن سعودييْن 'الشريف حسن وعوض الله'، وعدم الاستجابة لإطلاق سراحهما"
ويرى الرداد أنه من اللافت للنظر أنّ القرار السعودي كان مفاجئاً ولم يتم تنبيه قطاع الشاحنات الأردني قبل مدة مناسبة، وهو ما رتّب خسائر فادحة على الأردن قاربت المليار دولار أمريكي، في وقت يعاني فيه الاقتصاد الأردني أزمة حادة أسهمت كورونا وتداعياتها من إغلاقات للأسواق، في تعميقها وبصورة غير مسبوقة.
وفي الخلاصة فإن المرجح بحسب الرداد أن تفضي المحادثات التي تجريها السلطات الأردنية مع السعودية إلى إيجاد حلول مناسبة، لاسيما وأنّ الجانب السعودي استجاب لدخول مئة شاحنة محملة بمواد غذائية قابلة للتلف، بعضها مروراً إلى دول الخليج الأخرى، من دون أن يعني ذلك إغلاق الملف في المدى القريب، مشدداً على أن بقاء القرار السعودي نافذاً يعني إعدام هذا القطاع الحيوي في الأردن الذي يضم أكثر من ستة آلاف شاحنة، كما أنّ هذا القطاع ليس بمقدوره الوصول إلى دول الخليج الأخرى من دون المرور بالمنافذ الحدودية السعودية.
يُعدّ هذا القرار المتخذ من الجانب السعودي قراراً مدمراً للاقتصاد الأردني. "الخسائر ستفوق 600 مليون دينار، لذلك مطلوب من الدولة الأردنية اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لإشعار الجانب السعودي بأنّ هناك رغبة أردنية لمعالجة هذا الملف"
قرار يهدد بتدمير الاقتصاد الأردني
ويُعدّ هذا القرار المتخذ من الجانب السعودي قراراً مدمراً للاقتصاد الأردني، وهذا ما يؤكده رئيس المنظمة الأردنية للتغيير د. حسام العبدلات لرصيف22، ويقول: الخسائر ستفوق 600 مليون دينار، لذلك مطلوب من الدولة الأردنية اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة تجاه القرار الأخير، وذلك لإشعار الجانب السعودي بأنّ هناك رغبة أردنية لمعالجة هذا الملف، والذي يكون عبر دعم قطاع النقل من قبل الحكومة الأردنية واتخاذ إجراءات حيال ذلك منها تخفيض أو حتى إعفاء قطاع النقل والشاحنات وسيارات النقل الكبيرة من الرسوم الجمركية المقررة، والعمل في المقابل على رفع رسوم الترخيص السنوية، وزيادة الرسوم المفروضة على المعابر والحدود الأردنية لإحداث توازن في هذه المسألة، مشدداً على أنّ الحكومة الأردنية إذا ما أرادت استمرار هذا القطاع المهم الذي يدرّ على الخزينة مئات الملايين، فعليها أن تتحرك لحل هذه الأزمة قبل ضرب هذا القطاع، ويؤكد العبدلات بأنّ السعودية تملك خيارات أخرى أكثر فعالية للضغط على الأردن، منها العمالة الأردنية التي تصل إلى أكثر من 700 ألف أردني في السعودية والخليج، مقدّراً أنّ القرار الأخير هو أمر فني، وليس سياسياً بالدرجة الأولى؛ لأنّ السعودية أصدرت تعليمات أكثر من مرة بخصوص عمر الشاحنات التي تدخل أراضيها، ويأتي تخوّفها ذاك من عمليات تهريب المخدرات المتكررة داخل أراضيها كما حصل مع لبنان، عادّاً أسطول الشاحنات الأردنية في معظمه قديماً ومتهالكاً، نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة، وهذا يتطلب معالجة جذرية على المستوى الرسمي، وتدخلاً رسمياً من قبل العاهل الأردني الملك عبدالله، وليس على مستوى الحكومة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...