شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!

"قتيل القطائف" و"مسحراتي اللحمة المفرومة": مواقف طريفة ونوادر عن رمضان زمان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 28 أبريل 202103:49 م

لا يخلو شهر رمضان الكريم من المواقف الطريفة التي ترتبط بطقوسه المعروفة منذ مئات السنين، وهذه المواقف ليست وليدة هذا العصر بل لها تاريخ طويل، وعرفها المصريون منذ مئات السنين.


قتيل القطائف

للإمام جلال الدين السيوطي، وهو من كبار علماء المسلمين وكان معروفاً بمؤلفاته في الفقه، رسالة بعنوان "منهل اللطائف في الكنافة والقطائف"، وجمعت الرسالة الأشعار التي قيلت عن الكنافة والقطائف.

ويشرح لنا الشاعر والباحث في التراث ياسر قطامش ما أوردته الرسالة عن الحرب التي كانت مقامة بين حزبي القطائف والكنافة. فالشاعر أبو حسين الجزار، وهو من الشعراء الصعاليك في العصر المملوكي، كان يقول الشعر في الكنافة ومن عشاقها، وقال فيها:

سقا الله أكناف الكنافة بالقطر/ وجاد عليها سكراً دائم الدرِّ

وتباً لأوقات المخلّل إنها تمرّ/ بلا نفع وتُحسب من عمري

وأما حزب القطائف قال في شعره:

هات القطائف ها هنا/ فالصوم حببها لنا

قد كان يعشقها أخي/ وأبي وأكرهها أنا

لكنني مذ ذقتها/ ذقت الحلاوة والهنا

ومع ازدياد شهرة حزب القطائف، قرّر أبو الحسين الجزار أن يعشق القطائف أيضاً، وقد أطلق عليه البعض لقب "المرتد"، وقال في حبها:

تالله ما لثم المراشف/ كلا ولا ضمّ المعاطف

بألذّ وقعاً في حشاي/ من الكنافة والقطائف

أبو الحسين الجزار وقع في حيرة كبيرة بينهما، وخاصة بعدما اتهمه محبو الكنافة بالخيانة، وقال:

مالي أرى وجه الكنافة مغضباً/ ولولا رضاها لم أرد رمضانها

ترى اتهمتني بالقطائف فاغتدت/ تصب اعتقاداً أن قلبي خانها

ومذ قاطعتني ما سمعت كلامها/ لأن لساني لم يخاطب لسانها


ويقصّ علينا ياسر قطامش أيضاً حكاية جحظة البرمكي، الشاعر الذي عاش في العصر العباسي واشتهر بحبه للأكل بشرهٍ، وكان له صديق بخيل جداً.

لحلويات رمضان خاصة الكنافة والقطائف حصة من اهتمام الشعراء القدامى.

قام الأخير بعمل صينية قطائف بها 30 قطعة ليأكل كل يوم واحدة، وقد حسب حسبته أن تكفيه الصينية الشهر كله، ولكنه شعر بالصدمة عندما اكتشف أنها عطبت، فقرر أن يمنحها لصديقه جحظة عندما لم يطاوعه قلبه على رميها.

وعندما وجد جحظة صينية القطائف أمامه انقض عليها يأكل بنهم، وكان صديقه البخيل ينظر له في عجب، واعتقد للحظة أنه ربما أساء التقدير، وأن القطائف لم تفسد، فحاول أن يشد الصينية منه ولكن أبى جحظة أن يمنحها له، فقال جحظة:

دعاني صديق لي لأكل القطائف/ فأمعنت فيها آمناً غير خائف

فقال وقد أوجعت بالأكل قلبه/ رويدك مهلاً فهي إحدى المتالف

فقلت له ما سمعنا بهالك/ يُنادى عليه يا قتيل القطائف


المسحراتي شمس واللحمة المفرومة

في كتاب "معجم رمضان" للكاتب فؤاد مرسي والصادر عام 2009، يتحدث فيه عن "مسحراتية" امرأة تُدعى شمس، ظهرت عام 1340 ميلادية في العصر الطولوني، وكانت تقول الأناشيد لتدعو الناس للسحور، وكانت شديدة الحسن والجمال.

وذكر الكاتب أيضاً أن الشيخ زين الدين الوردي غازلها قائلاً:

عجبت في رمضان من مسحرة/ بديعة الحسن إلا أنها ابتدعت

قامت تسحرنا ليلا فقلت لها/ كيف السحور وتلك الشمس قد طلعت؟

وبخلاف المسحراتية شمس، كان هناك مسحراتي آخر شهير ظهر في القاهرة في فترة الأربعينيات، وكان في الثمانين من عمره ولا يملك أي أسنان، وأطلق عليه العامة اسم "مسحراتي اللحمة المفرومة"، والسبب هو أنه كان يقوم بتسحير الناس بطريقة غير مألوفة فكان يقول:

يا رب قدّرنا على الصوم/ واحفظ إيماننا في رمضان

وارزقني باللحم المفروم/ أصل يا ربي ماليش أسنان


طرائف هلال رمضان

ويذكر فؤاد مرسي في "معجم رمضان" أنه في شهر رمضان سنة 1493 ميلادية، في زمن الأشرف قايتباي، ذكر ابن إياس أنه قد نودي بالصوم بعد صحوة النهار وكان أول أيام رمضان، وقد ثبتت رؤية الهلال بعدما أكل أغلب الناس وصعب على العامة الإمساك بعد ذلك، ما تسبب في حالة غضب بينهم.

في عهد السلطان محمد بن قلاوون أًعلن عن "وقف السكر" بسبب ارتفاع أسعاره، لكن الناس تساءلوا: "كيف نأكل السكر والحلويات ونحن لا نجد الخبز والأرز واللحم والسمن وسائر الطلبات"، فعدل السلطان الوقفية وجعلها لصرف السكر الأبيض والسمن والخبز للمحتاجين طوال شهر رمضان

ومن النوادر الغريبة أيضاً التي أوردها ابن إياس وذكرها "معجم رمضان"، ما حدث في التاسع والعشرين من رمضان سنة 1497 ميلادية، زمن الناصر محمد بن قايتباي، الذي أمر أن يكون العيد في الغد سواء ظهر الهلال أو لم يظهر، وعندما علم القاضي زين الدين زكريا بذلك، ذهب إليه مؤكداً أن العيد لا يكون إلا برؤية الهلال، ولكنه غضب وعزله، وتأخرت رؤية الهلال، فامتنع السلطان عن الذهاب لصلاة العيد.

وقال خبير الآثار الإسلامية عبد العزيز عبد العظيم في تصريحات صحفية سابقة أنه في عهد السلطان محمد الناصر بن قلاوون، جاء رمضان في فصل شتاء، وبسبب الأحوال الجوية لم تثبت رؤية الهلال، فأجمع الناس على عدم الصيام، ولكن حدث أن زوجة مفتي البلد كانت تتراءى الهلال من فوق سطح منزلها وكانت حادة البصر، فرأته من خلال السحاب، وأخبرت زوجها بذلك فصدّقها، وذهب إلى السلطان فقصَّ عليه القصة، فاستدعاها السلطان وأحلفها اليمين، فصدّقها الحضور وأُعلنت رؤية الهلال رسمياً، وطاف المنادون بالقاهرة يعلنون الصيام.


نوادر وحكايات

يذكر ياسر قطامش في كتابه "وحوي يا وحوي، رمضان صور وحكايات"، أنه في عشرينيات القرن الماضي، كانت السلطانة ملك، أرملة السلطان حسين كامل، تسير في موكب في شهر رمضان، وكان الموكب عبارة عن عربات خيول مبطنة من الداخل بالحرير تجلس فيها السلطانة، أما قائد العربة فيجلس بجواره فتى يلبس بذلة زرقاء بخطوط رقيقة حمراء وأزرار من النحاس اللامع، وكل وظيفته أن يقفز ليفتح الباب للسلطانة، وينحني لها كما يتطلب البروتوكول.


ويحدثنا شيخ الصحفيين حافظ محمود أن السلطانة كانت تلبس اليشمك الأبيض، وتحرص في رمضان على ملء حقيبتها بأكياس حريرية، بكل كيس عشرة ريالات ذهبية، لتوزعها على الأطفال الصغار خصوصاً الفقراء والأيتام، وهي عادة استمرت عليها طوال عمرها الذي تجاوز الثمانين.

وفي عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون حدث لأول مرة وقف أطلق عليه "وقف السكر"، لأن السلطان لاحظ أن أسعار السكر في شهر رمضان ترتفع بشكل مبالغ فيه، وأن الناس تشكو الغلاء وعدم قدرتها على صنع الحلويات، وكان العامة فرحين بهذا الوقف جداً، وشكروا السلطان لولا أن طالباً أخبره قائلاً: "يا مولانا السلطان لكم التشكرات على هذه الإنعامات، ولكن كيف نأكل السكر والحلويات ونحن لا نجد الخبز ولا الأرز ولا اللحم والسمن وسائر الطلبات"، فعدل السلطان الوقفية وجعلها لصرف السكر الأبيض والسمن والخبز للمحتاجين طوال شهر رمضان.

وفي لقطة طريفة أشار إليها ياسر قطامش، أنه في عام 1959 التقطت صورة للرئيس جمال عبد الناصر برفقة المشير عبد الحكيم عامر في شهر رمضان، أثناء قضائهما سهرة في نادي الضباط، أحيتها كوكب الشرق أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، وتأخر الرئيس وعامر على السحور، وكان كل منهما ينظر إلى ساعته خوفاً من تفويت الموعد.


كما يسرد حافظ محمود في كتابه الشيّق "القاهرة بين جيلين"، ذكرياته مع شهر رمضان، وكيف كان الأطفال يحتفلون بقدوم الشهر الكريم، حيث ظهرت بدعة الفانوس على شكل ترام وآخر على شكل قطار، ومع التطور ظهرت فوانيس تضاء بمادة كيميائية وهى الكربون الأبيض.

وكانت المقاهي في رمضان تمثل بديل المسارح بالنسبة للطبقة الشعبية، حيث ينتشر الزجّالون، وتتحول السهرات إلى نقد اجتماعي ومادة للنكت. ولا تذكر مباهج رمضان الساهرة حتى يذكر معها مقهى الفيشاوي، وشهرته ترجع إلى طريقة السهر فيه، حيث كانت هناك سهرة يومية يحييها بطلا الفكاهة "الجزار والفار"، وكانت نكتهما التي يصيح لها الناس من الضحك أسلوباً رائعاً من أساليب النقد الاجتماعي ومتنفساً للناس.

وينتقل حافظ للحديث بعدها عن المجتمع النسائي القاهري في رمضان، حيث كان للأحاديث الرمضانية في السهرات طعم آخر، فكانت تدور حول موضة الموائد وما عليها من القطائف والكنافة والخشاف، وكيف تتفنن كل واحدة في صنع أصنافها، وكانت هذه الأحاديث تجرى بين طرقعة الكسارة التي يكسرن بها الياميش من اللوز والجوز، والرجل كان دائماً موضع أحاديث هذا المجتمع، وكان يحدث بين الحين والحين أن تنتبه إحداهن بأنهن أوغلن في الاغتياب، فتقف بينهن واعظة مرددة آية التوبة لكي ترددها الأخريات كما يحدث في مجالس الرجال.

الرجل كان دائماً موضع أحاديث المجتمع النسائي في رمضان، وكان يحدث بين الحين والحين أن تنتبه إحداهن بأنهن أوغلن في الاغتياب، فتقف بينهن واعظة مرددة آية التوبة لكي ترددها الأخريات كما يحدث في مجالس الرجال

الإفطار بلحوم البشر زمن القحط

ذكر الرحالة عبد اللطيف البغدادي في كتابه "الإفادة والاعتبار في الأمور والمشاهدات والحوادث المعاينة بأرض مصر"، ونقله عنه فؤاد مرسي في "معجم رمضان"، أنه في عام 1201م/ 597ه، زمن الدولة الأيوبية، كانت الناس قد يئست في مصر من القحط والفقر، وقال البغدادي إنه رأى أثناء مسيرته في شهر رمضان رجلاً قد جُرّدت عظامه من اللحم، وبقى قفصاً كما يفعل الطباخون بالغنم.

ويتحدث البغدادي عن تعلق الفقراء بأكل بني آدم، حتى أن الناس كانت تتناقل أخبارهم، ثم انتشر الأمر فسقط عنه الاستبشاع وصار عادياً واستُهجن الكلام عنه.

وكانت النساء يأكلن لحوم الأطفال الصغار لقلة حيلتهن، عكس الرجال الذين يأكلون لحوم الرجال، وتم حرق 30 امرأة بسبب أكلهن للحوم الأطفال، كما رأى البغدادي امرأة يجرّها الناس كالمجنونة في السوق، متشحة بالسواد وفي فمها أشلاء طفل مشوي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image