قالت منظمة هيومان رايتس ووتش في تقرير أصدرته اليوم الثلاثاء 27 نيسان/ أبريل 2021 تحت عنوان "تجاوزوا الحد: السلطات الإسرائيلية وجريمتا الفصل العنصري والاضطهاد"، إن إسرائيل ترتكب جريمتين ضد الإنسانية في فلسطين؛ وهما الفصل العنصري والاضطهاد، في إشارة إلى معاملة إسرائيل للفلسطينيين في الأراضي المحتلة والقدس. ويعرض التقرير واقع الأراضي المحتلة، إذ توجد سلطة واحدة رئيسية- وهي الحكومة الإسرائيلية- تحكم المنطقة بين نهر الأردن والبحر المتوسط؛ حيث تسكن مجموعتان متساويتان في الحجم تقريباً. وتمنح هذه الحكومة امتيازات للسكان اليهود بينما تضطهد وتقمع الفلسطينيين. ويُمارس هذا القمع بشكل أكبر في الأراضي المحتلة، بحسب التقرير.
وقال كيث رووث المدير التنفيذي في هيومان رايتس ووتش: "حذرت أصوات بارزة طوال سنوات من أن الفصل العنصري سيكون وشيكاً إذا لم يتغير مسار الحكم الإسرائيلي للفلسطينيين. تُظهر هذه الدراسة التفصيلية أن السلطات الإسرائيلية أحدثت هذا الواقع وترتكب اليوم جريمتين ضد الإنسانية".
وأقامت منظمة "هيومان رايتس ووتش" مؤتمراً صحافياً اليوم الثلاثاء 27 نيسان/ أبريل تحدثت فيه عن نتائج تقريرها حول الحكم التمييزي الذي تمارسه إسرائيل بحق الفلسطينيين.
تبنّي مطلح دولة "أبرتهايد"
أفاد التقرير بأن السياسة الإسرائيلية تستهدف "الإبقاء على هيمنة الإسرائيليين على الفلسطينيين" مؤكداً بأن هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها إسرائيل اتهامات مشابهة بارتكاب انتهاكات بحق الشعب الفلسطيني. لكن تقرير "هيومان رايتس ووتش" يقول إن "الحكومة الإسرائيلية تجاوزت الحد القانوني" ويجب أن تواجه العواقب نتيجة انتهاجها سياسة "فصل عنصري" ضد الفلسطينيين.
بعد أن كان مصطلح "أبارتهايد" أو الفصل العنصري قد صيغ في سياق متصل في جنوب أفريقيا، أصبح اليوم مصطلحاً قانونياً عالمياً. إذ يشكل الحظر على التمييز الممأسس والقمع الشديدين مبدأ أساساً في القانون الدولي. فالاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها لسنة 1973، ونظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية لسنة 1998 يعرفان الفصل العنصري على أنه جريمة تقوم على ثلاثة عناصر: نية إبقاء هيمنة جماعة عرقية على أخرى، سياق من القمع الممنهج من الجماعة المهيمنة ضد الجماعة المهمشة والأفعال اللا إنسانية.
تقرير "هيومان رايتس ووتش" يقول إن "الحكومة الإسرائيلية تجاوزت الحد القانوني" ويجب أن تواجه العواقب نتيجة انتهاجها سياسة "فصل عنصري" ضد الفلسطينيين
يقول رازي نابلسي، المحلل السياسي والاستراتيجي والباحث في مركز مسارات الفلسطيني للأبحاث، لرصيف22: "يشكل هذا التقرير في الحقيق استمرارية للتقارير السابقة، سيما التقرير الذي أصدره مركز "بتسليم" الإسرائيلي، الذي اعتبر سابقاً النظام في فلسطين التاريخية نظام "أبرتهايد". استمرارية هذه التقارير تشكل بالنسبة إلى إسرائيل ضربة أخرى تضاف إلى ملفات الجنايات الدولية وتؤثر بالضرورة على وضعها الدولي والإقليمي. هذه المؤسسات تؤشر دون، مثار للشك، للاحتلال والعالم إلى أنه: لا يُمكن أن يستمر الحال على ما هو عليه في فلسطين".
في الوقت الذي تعتقد فيه إسرائيل أنها حسمت الصراع
يقول المحلل السياسي والاستراتيجي أنطوان شلحت في حديث لرصيف22: "لا شك أن هذا الاعتراف مهم. أولاً من ناحية جوهره والنقد الذي ينطوي عليه لسياسة إسرائيل وما يمكن أن يثيره من اتساع دائرة الوعي حيال الممارسات الإسرائيلية في العالم أجمع. وثانياً، من حيث السياق الذي يأتي فيه ولا سيما زمنياً. فالتقرير يأتي في توقيت تعتقد فيه إسرائيل أن قضية فلسطين لم تعد تتصدر الأجندة الإقليمية ولا العالمية، وذلك في ضوء ما تسمى "اتفاقات أبراهام" لتطبيع علاقات بعض الدول العربية مع إسرائيل رغم سياستها حيال الفلسطينيين، وما قدمته الإدارة الأميركية السابقة من قرارات وإجراءات وقوانين دعم لسياسة إسرائيل، والتي لم تتخل عنها الإدارة الأميركية الجديدة. كذلك، ثمة أهمية خاصة داخل هذا الموقف فيما يتعلق بالقدس تحديداً، والتي تحسب إسرائيل أنها حسمت الصراع في صددها"، ويتابع شلحت: "طبعاً هذا الموقف يدعم الفلسطينيين في سعيهم لإيجاد حل للقضية الفلسطينية. ولا بد من أن نضيف أن الدعم موجه لتأييد حل الدولتين. علماً بأن القضية الفلسطينية تستلزم حلاً يحقق العدالة لكل الفلسطينيين. ولا أسجل هذه الملاحظة لتسفيه اعتراف "هيومان رايتس ووتش"، وإنما لتأكيد أهميته وكونه خطوة ذات شأن في طريق تحقيق تلك العدالة".
كيف يستفيد الفلسطينيون من هذه الاعترافات؟
وحول أهمية الحصول على اعترافات دولية بممارسات الاحتلال ضد الفلسطينيين، يقول أنطوان شلحت: "تكمن الأهمية في غاية مزدوجة، أولاً: دعم كفاح الفلسطينيين للتخلص من الاحتلال ونيل حقوقهم القومية وفي مقدمها حقهم في تقرير المصير. ثانياً، ممارسة الضغط على إسرائيل للتخلي عن الاحتلال وتغيير سياستها العامة حيال الفلسطينيين.
من الأهمية بمكان أن أؤكد هنا أنه، ولأسباب يطول شرحها، ترتبط بالأساس بحيثيات ما تسمى "عملية التسوية" للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، والتحولات التي طرأت على المشهد السياسي والحزبي الإسرائيلي. ارتفع منسوب أهمية التعويل على الضغوط الخارجية لكنس الاحتلال الإسرائيلي ولإجبار إسرائيل على تغيير سياستها العامة تجاه الفلسطينيين. ومثل هذه الضغوط لم تُمارس كما ينبغي حتى الآن".
ويضيف رازي نابلس: "هناك إمكانية للاستفادة من التقرير وتقارير أخرى والأهم: من السياسات الاستعمارية الإسرائيلية. إلا أن الأزمة في الحقيقة تكمن في انقسام وتفتت الحالة السياسية الفلسطينية، الذي لا يسمح بالحقيقة بالاستفادة من شيء في ظل حالة شلل سياسي وانعدام استراتيجية وطنية".
"يأتي التقرير في توقيت تعتقد فيه إسرائيل أن قضية فلسطين لم تعد تتصدر الأجندة الإقليمية ولا العالمية، وذلك في ضوء ما تسمى "اتفاقات أبراهام" لتطبيع علاقات بعض الدول العربية"
"الأمر يستدعي تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته"
وقد رحبت الرئاسة الفلسطينية بهذا التقرير واعتبرته بمثابة "شهادة دولية" تؤكد على الظلم الذي يقع على الفلسطينيين. وكان الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة أشاد بالتقرير الموسع الذي نشرته المنظمة قائلاً بأنه يمثل "شهادة دولية قوية وحقة" على نضال ومعاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي وسياساته الاستعمارية والقمعية. وأضاف أبو ردينة في تصريحه: "هذا التقرير مُحكم وموثق بشكل جيد جداً ويثبت ارتكاب إسرائيل لجرائم الفصل العنصري والاضطهاد، الأمر الذي يستدعي تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته الفورية تجاه فلسطين، ومساءلة إسرائيل على جرائمها المتعددة بحق شعبنا". وأضاف "إننا نؤمن إيماناً راسخاً بأن العدالة القائمة على قرارات الشرعية الدولية وعدم الإفلات من العقاب هي السبيل الوحيد لتحقيق سلام دائم في فلسطين وإسرائيل والمنطقة بأسرها"، مؤكداً أن هذا التقرير يأتي في وقت تتصاعد فيه الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية بضراوة ضد الشعب الفلسطيني وبخاصة في القدس المحتلة، عاصمة دولة فلسطين، وضد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل.
"يعزز هذا الاعتراف فرص الفلسطينيين لمخاطبة العالم ولنزع الشرعية عن سياسة الاحتلال وعن الاحتلال. وبرأيي أنه في ظل الوضع القائم بين إسرائيل والفلسطينيين، والذي يعود في جانب كبير منه إلى الوضع الفلسطيني الداخلي، والذي لا يخفى بؤسه على أحد للأسف الشديد، وإلى الأوضاع الإقليمية والدولية، فإنه يعزز الموقف الفلسطيني في العالم كافة، وفي المؤسسات الدولية. وأعتقد أن موقف العالم ومؤسسات الشرعية الدولية من الاحتلال بات الساحة الأهم للعمل الفلسطيني السياسي والدبلوماسي. ومن نافل القول إن هذا العمل يحتاج إلى أدوات على غرار تقرير "هيومان رايتس ووتش"، يقول المحلل أنطوان شلحت لرصيف22.
"موقف العالم ومؤسسات الشرعية الدولية من الاحتلال بات الساحة الأهم للعمل الفلسطيني السياسي والدبلوماسي"
إسرائيل تتهم "هيومان رايتس ووتش"
"رد الفعل الإسرائيلي الأساسي والأولي كان التشكيك بحيادية المنظمة ومديرها عمر شاكر، واتهامهما بالعمل أصلاً ضد إسرائيل دون أن تتحمل مسؤولية عن سياستها وعنصريتها وسلوكها"، يقول رازي نابلسي.
من جهتها ردت وزارة الخارجية الإسرائيلية على تقرير "هيومان رايتس" قائلة: "رفضت وزارة الخارجية الإسرائيلية في أورشليم القدس ما ورد في تقرير منظمة "هيومان رايتس ووتش" من مزاعم حول ارتكاب إسرائيل جرائم ضد الإنسانية وممارستها تمييزاً عنصرياً، مؤكدةً أن هذه المنظمة معروفة بمعاداتها لإسرائيل وسعيها لفرض مقاطعة عليها" وأضافت: "إن قرار هيومان رايتس ووتش بعدم الحصول على رد من أي سلطة جهة إسرائيلية مختصة حول هذه المزاعم هو دليل واضح على أن مضمون هذا التقرير ليس إلا دعاية تفتقر إلى المصداقية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...