شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
قطارات مصر بين سائق ووزير...

قطارات مصر بين سائق ووزير... "سكة الحوادث" ممهدة بالوصم وضعف الرواتب وغياب الرقابة

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 21 أبريل 202104:19 م

ينتظر سيد عبد العال، وهو سائق قطار مصري (59 عاماً)، مضي الأشهر الخمسة المقبلة بصبر يكاد يفرغ، منتظراً بلوغه سن التقاعد وانتهاء خدمته بالسكك الحديدية في سلام، خشية التعرض لحادث يجد نفسه بعده في السجن، كما حدث مع زميله قائد القطار الذي تعرض لحادث في منطقة طوخ بمحافظة القليوبية شمال القاهرة، الأحد 18 أبريل/ نيسان الجاري.

إن غياب الصيانة على القطارات أحد أهم أسباب وقوع وتكرار الحوادث، وهذا لا يعني أن السائقين لا يخطئون. فهناك أخطاء واردة لكن آفة المسؤولين في السكك الحديدية هي "الاستسهال وإلقاء اللوم على السائق والتهمة موجودة: تعاطي المخدرات".

حادث القطار الأخير تسبب في مقتل 11 شخصاً، وإصابة 98 آخرين، بعد خروج عرباته عن السكة، وأفادت وسائل إعلام محلية بإلقاء القبض على قائد القطار ومساعده حتى الانتهاء من تحقيقات الحادث.

جاء ذلك قبل يومين من بيان وزارة النقل، الصادر مساء الثلاثاء 20 نيسان/أبريل، والذي تضمن "قرارات وزارية هامة" أصدرها الفريق كامل الوزير، وزير النقل والمواصلات، تضمنت عزل المهندس أِشرف رسلان رئيس مجلس إدارة هيئة سكك حديد مصر المسؤولة عن تشغيل وصيانة وإدارة القطارات، عن منصبه، ونقله إلى وظيفة "مستشار الوزير لشؤون السكك الحديدية"، في وقت كان يتوقع الجميع إقالة رئيس الهيئة بعد إعلان وسائل إعلام مصرية خبر الإقالة، قبل أن ينفي متحدث وزارة النقل ذلك الخبر.

في كل مرة يقع حادث قطار، يوجه الاتهام فوراً إلى سائق القطار أو مساعده، قبل مباشرة التحقيقات، التي غالباً ما تنتهي إلى إدانة العمال دون المساس بتداعي منظومة السكك الحديدية التي كانت يوماً موضع مساءلة دائمة في الصحف والبرلمان أيام كانت تتناول الصحف ملفات الفساد وتداعي الخدمات في مصر.

وهو ما يفتح الباب للحديث عن أوضاع سائقي القطارات وظروف عملهم.

في كل مرة يقع حادث قطار، يوجه الاتهام فوراً إلى سائق القطار أو مساعده قبل مباشرة التحقيقات، التي غالباً ما تنتهي إلى إدانة العمال دون المساس بتداعي منظومة السكك الحديدية التي كانت موضع مساءلة، أيام كانت الصحف تطرح ملفات الفساد وتداعي الخدمات في مصر. 

ضعف الرواتب ووصمة المخدرات

يقول سيد لـرصيف22: "السائق هو الحلقة الأضعف في منظومة السكك الحديدية، دائماً يتحمل مسؤولية أي حادث حتى لو كانت خارج اختصاصاته. يُعامل معاملة دون المستوى، وتوجه إليه اتهامات تعاطي المخدرات، بالرغم من أن السائق يخضع لفحص طبي مفاجئ كل شهر أو شهرين من قبل لجنة طبية مشكلة من السكة الحديد. إلا أنهم دوماً يتهمون السائق بتعاطي المخدرات".

عقب حادث جرار محطة قطارات رمسيس المعروفة باسم "محطة مصر"، والذي روعت مشاهده المصريين، أتاحت السلطات عقد لقاء تلفزيوني بين الإعلامي وائل الإبراشي وسائق الجرار الذي اتهم بالمسؤولية الكاملة عن الحادث. وكان اللقاء الذي ركز على الإِشادة بالحكومة قد استبق التحقيقات الرسمية ووجه اتهامات إلى السائق، أبرزها تهمة تعاطي المخدرات.

ويتفق محمود عواد* قائد قطارات بورش السكك الحديدية مع ما يطرحه زميله سيد عبدالعال، مشيراً في حديثه مع رصيف22 إلى أن بيئة العمل صارت لا تناسب السائق بسبب تدني المرتبات، فضلاً عن الصورة الذهنية الراسخة عند الرأي العام بأن سائق القطار "بتاع مخدرات"، على حد تعبيره، وهو ما يجعل سيد في حرج مجتمعي من الكشف عن مهنته. "كل هذا يؤثر علي أثناء العمل، لا أحد يسأل عن المنغصات التي تواجه السائق، لكن عندما يقع حادث، يبحثون عن السائق ليكون هو المتهم الأول!".

لدى سيد خبرة لا تقل عن 37 عاماً في قيادة قطارات السكك الحديدية، مع ذلك لا يتعدى راتبه خمسة آلاف جنيه (344 دولاراً تقريباً)، شاملاً الحوافز والإضافات. هذا الراتب لا يفي باحتياجاته الشخصية والعائلية، ما يجعله في حالة نفسية سيئة على الدوام. يقول: "حين أذهب إلى عملي لقيادة القطار أقضي خارج البيت يوماً أو يومين. كل ذلك يكلفني مصروفات إضافية لتناول الإفطار والغداء والعشاء على نفقتي الشخصية"، مما يشكل عبئاً اقتصادياً إضافياً عليه فضلاً عن متطلبات البيت واحتياجات الأبناء، يتساءل سيد: "فكيف أستطيع العمل في مثل هذه الظروف؟".



حال عواد لا يختلف كثيراً عن حال سيد، فمرتبه الأساسي لا يتجاوز 2100 جينه، ومع إضافة الحوافز يصير الإجمالي أربعة آلاف جنيه (نحو 210 دولارات). يقول: "أقود معدات تتجاوز قيمتها الملايين من الجنيهات وأنا في حيرة من راتبي الضعيف". يصمت عواد قليلاً ثم يكمل حديثه: "أنا محطم نفسياً".

في عام 2016 ألقت أجهزة الأمن القبض على سائق قطار العياط وعامل التحويلة، في حادث انقلاب قطار أودى بحياة 35 راكباً، وفي أذار/مارس 2018 ألقي القبض على سائق قطار كوم حماده بعد حادث تصادم قطارين أودى بحياة 20 شخصاً، وفي نفس العام أيضاً ألقي القبض على سائق قطار البدرشين بعد انقلابه وإصابة 55 راكباً، قبل أن يلقى القبض على سائق قطار محطة مصر وهي الحادثة الشهيرة التي أودت بحياة 30 راكباً في عام 2019، أما العام الجاري فجرى التحفظ على سائق قطار سوهاج بعد اصطدامه بقطار آخر مخلفاً 19 قتيلاً، وهو ما حدث مع سائق قطار طوخ المنكوب بعد انقلابه وتسببه في مصرع 11 راكباً.

يقول سيد بصوت منفعل: "هذا جو غير مناسب للعمل. أنا أعمل وسط ضغوط هائلة، دائماً أتخيل نفسي مكان زملائي السائقين الذين تم القبض عليهم مباشرة. إذ من الممكن أن أكون مكانهم، وهذا يزيد من معاناتي أثناء القيادة".


السائق مدان حتى تبتّ براءته

لا ينكر سيد وعواد تسبب البعض من سائقي القطارات في حوادث على شريط السكك الحديدية. إلا أن هناك حوادث أخرى لا يتحمل السائق مسؤوليتها – في رأيهما- ومع ذلك يكون هو "كبش الفداء" أو "المتهم البريء" بحسب تعبير عواد.

ويذكر السائقان عدة عوائق تعترض رحلاتهما بالقطارات ليست في نطاق مسؤوليتهما. يقول عواد إن منظومة السكك الحديدية غير مكتملة، فإذا كان الجرار أي كابينة القيادة في حالة جيدة، تكون الإشارات في حالة يُرثى لها، وذلك يعود إلى غياب الرقابة على صيانة القطارات قبل خروجها، وهي مشكلة اشتكى منها السائقون مراراً في تقارير صحافية مختلفة نشرت على مدار الأعوام العشرين الماضية.

ويفصّل سيد عبد العال ذلك بقوله إن بعض القطارات يخرج من المحطات بدون صيانة أو التأكد من فعالية "فرامل" عربات القطار، ولو طلب التأكد من صيانة القطار قبل خروجه من المحطة، يتهمونه بالتقصير وتعطيل حركة القطارات. "حينها أقود القطار واتخذ احتياطاتي بفرملة القطار قبل الدخول إلى المحطة بـ 50 متر".

ما يؤكد كلام عبد العال تقرير صادر عن النيابة الإدارية في 29 آب/أغسطس 2018 بشأن التحقيق في حادث انقلاب قطار المرازيق بمنطقة البدرشين بالجيزة، وقد جاء فيه أن أعمال صيانة القطارات في هذه المنطقة "تتم في غياب كبار المختصين بالصيانة، ولا يوجد سجل بالمحطة ليوقع فيه المختصون بالصيانة أثناء مرورهم الشهري أو الأسبوعي– حسب الاختصاص– لمتابعة عمل وصيانة الإشارات".

الصيانة "حسب التساهيل"

حديث سيد وعواد عن صيانة القطارات، أكده حسين موسى* قائد ومفتش سابق على قطارات السكك الحديدية انتهت خدمته في 6 شباط/ فبرايرالماضي بعد بلوغه سن التقاعد، وأضاف لرصيف22 أن غياب الصيانة على القطارات أحد أهم أسباب وقوع وتكرار الحوادث، وهذا لا يعني أن السائقين لا يخطئون. فهناك أخطاء واردة لكن آفة المسؤولين في السكك الحديدية هي "الاستسهال وإلقاء اللوم على السائق والتهمة موجودة: تعاطي المخدرات".

تقرير رقابي: صيانة القطارات  "تتم في غياب كبار المختصين بالصيانة، ولا يوجد سجل بالمحطة ليوقع فيه المختصون بالصيانة أثناء مرورهم الشهري أو الأسبوعي– حسب الاختصاص– لمتابعة عمل وصيانة الإشارات".

يعود موسى إلى الوراء متذكراً حادثة تصادم قطاري سوهاج في 26 أذار/مارس الماضي، واتهام مساعد أحد القطارين وعامل البرج بتعاطي المخدرات والترمادول، متسائلاً: "ما علاقة المخدرات بحادث التصادم؟ سبب الحادث معروف وهو أن أحد البائعين المستهترين ضرب مكابح الطوارئ مما أدى إلى توقف القطار فنزل السائق ومساعده لمعرفة ما حدث، فجاء القطار الآخر من الخلف وحدث التصادم.. لماذا نلخص كل مشاكل السكك الحديدية في تعاطي المخدرات فقط؟".

أما بخصوص حادث خروج قطار طوخ عن مساره وانقلاب بعض عرباته، مطلع الأسبوع الجاري، فقد أثار القبض على قائد القطار مباشرة قبل بدء التحقيقات استغراب موسى، وقال متسائلاً: "لماذا لم يسأل أحد عن مسمار البارون الذي يربط عجلات القطار بعضها ببعض؟ هذا المسمار ربما يكون أحد أهم أسباب الحادث بسبب غياب الصيانة الدورية عليه"، ولم تفصح التحقيقات بعد عن أسباب الحادث.

ويقول موسى إن البنية الأساسية للسكك الحديدية غير صالحة لسير القطارات، فالقضبان متهالكة تحتاج إلى تجديد، ولا توجد علامات إرشادية للسائق قبل المحطات في حال قيادته أثناء الضباب، متسائلاً: "كيف يقوم المسؤولون بتطوير نظم الإشارات فقط والبنية التحتية تحتاج إلى إصلاح؟".

ظروف صعبة ونقابة لا تستجيب

حسب تقرير النيابة الإدارية، يتجاوز عدد العاملين بالسكك الحديدية 52 ألفاً. منهم 5000 آلاف سائق ومساعد سائق موزعين بين القطارات ومترو الأنفاق. هؤلاء العاملون تتولى نقابة العاملين بالسكة الحديد مهمة تمثيلهم مهنياً وحماية حقوقهم والدفاع عن مصالحهم، ويتولى رئاستها عبد الفتاح فكري.

لكن النقابة لا ترضي طموحات سيد عبد العال ومحمود عواد، إذ اتفقا معاً على أن النقابة لا تمثلهما ولا تقف بجوار السائقين وتتركهم تحت وصاية المسؤولين لأنه: "تمت برمجتها لصالح رئاسة هيئة السكك الحديدية"، على حد تعبير عبد العال.

وفي استطلاع "غير منهجي" أجراه رصيف22 عبر مجموعة "ائتلاف قائدي القطارات ومساعديهم" على موقع فيسبوك، لقياس مدى رضى العاملين عن أداء النقابة في حمايتهم والدفاع عن حقوقهم، شارك في الاستطلاع 134 شخصاً، صوّت 125 منهم لصالح خيار أن النقابة لا تقف بجوارهم، فيما صوت أربعة لصالح خيار مساندة النقابة لهم، وصوت أربعة آخرون على خيار قاموا هم بإضافته تلقائياً وهو أن أعضاء النقابة "مصلحجية" – وهو تعبير شائع في الأوساط المصرية عن بحث الشخص عن مصلحته فقط.



فيما جاءت التعليقات لتؤكد نفس المعنى بأن النقابة لا تدعمهم ولا تقف إلى جوارهم في قضايا القبض على السائقين أو مساعديهم، وإنما تسعى جاهدة في الحفاظ على صورة المسؤول على حساب العامل.

وتواصل رصيف22 مع عبد الفتاح فكري رئيس نقابة السكك الحديدية عن طريق الهاتف، إلا أنه لم يستجب للرد، وكرر المحرر محاولات الاتصال به أربع مرات أخرى، فجاء الرد التلقائي أن "الهاتف غير متاح"، مما يشير إلى أن رئيس النقابة قد فعل خاصية تمنع ورود المكالمات إلى هاتفه.

وقبل نقل رئيس هيئة السكك الحديدية أشرف رسلان، حاول رصيف22 التواصل معه للتعليق على حادث قطار طوخ إلا أنه لم يرد أيضاً.

 

 (*) تم تغيير الاسم بناء على طلب المصدر


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard