قضى المفكر والمعارض السوري البارز ميشيل كيلو (81 عاماً)، الاثنين 19 نيسان/ أبريل، في أحد المستشفيات الفرنسية متأثراً بإصابته بفيروس كورونا.
أكثر من معارض
لم يكن كيلو، المولود في اللاذقية عام 1940، مجرد واحد من أبرز السياسيين والمعارضين في تاريخ سوريا الحديث، بل كان أيضاً مفكراً فذاً ومدافعاً عن حقوق الإنسان، وكاتباً ومترجماً ذا قلم رصين.
وداعاً #ميشيل_كيلو pic.twitter.com/lZYYK44nxd
— Ääse (@secureuser1) April 19, 2021
بدأ كيلو نشاطه السياسي قبل الثورة السورية بسنوات طويلة، ولم يكن معارضاً لبشار الأسد وحده، بل كذلك لوالده من قبله. وقد اعتُقل وسُجن في ظل النظامين القمعيين.
كان كيلو أيضاً أحد أبرز قادة ما يُعرف بـ"ربيع دمشق". عقب الثورة السورية، انضم إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية عضواً مستقلاً لعب دوراً بارزاً إذ مثّل التيار الليبرالي فيه قبل أن يغادره عام 2016.
بعد "نصف قرن في مقارعة الاستبداد الأسدي"... المفكر والمناضل السوري ميشيل كيلو يقضي إثر إصابته بفيروس كورونا. الخسارة الكبيرة الثالثة للسوريين هذا العام بعد حسّان عباس وحبيب عيسى
نتيجة نشاطه المعارض، حجز النظام السوري احتياطياً على أمواله وممتلكاته داخل البلاد أواخر عام 2012، ثم قضت محكمة الإرهاب بإعدامه لاحقاً عام 2015.
وكان قبل ذلك قد اعتقل، عام 2006، بتهمة "نشر أخبار كاذبة وإضعاف الشعور القومي"، ولم يُفرج عنه إلا عام 2009.
الوصية الأخيرة للسوريين
في رسالة أخيرة من على سرير المرض "إلى السوريين"، نُشرت في 9 نيسان/ أبريل الجاري عبر "العربي الجديد"، قدّم كيلو "نصائح صادرة من قلبي، وعن تجربتي، وعن أملي بمستقبل أفضل لكل السوريين" وتداولها سوريون باعتبارها "الوصية الأخيرة" له.
وكان من أبرز هذه النصائح "لن يحرّركم أي هدف غير الحرية فتمسّكوا بها، في كل كبيرة وصغيرة، ولا تتخلّوا عنها أبداً، لأن فيها وحدها مصرع الاستبداد، فالحياة هي معنى للحرية، ولا معنى لحياةٍ بدون حرية" و"لا تنظروا إلى شعبكم ووطنكم من خلال أهوائكم وأيديولوجياتكم وهوياتكم، الآنية والضيقة والسطحية، بل انظروا إلى ذلك كله، من خلال شعبكم ووطنكم".
وأضاف: "لن تقهروا الاستبداد منفردين أو متفرقين... لن تقهروه إذا لم تتّحدوا في إطار وطني، وعلى كلمة سواء، أقصد على رؤيةٍ وطنيةٍ جامعةٍ" و"كي تصبحوا شعباً واحداً، يا بنات شعبنا وأبناءه، اعتمدوا معايير وطنية، وانبذوا العقليات الضدّية، والثأرية، في النظر إلى بعضكم وإلى أنفسكم".
وتابع: "لم تتمكّن ثورتنا من تحقيق أهدافها، بسبب مشكلات داخلية، وارتهانات خارجية. وقد دفع شعبنا أثماناً باهظة طوال السنوات العشر الماضية".
"كي تصبحوا شعباً واحداً، يا بنات شعبنا وأبناءه، اعتمدوا معايير وطنية، وانبذوا العقليات الضدّية، والثأرية، في النظر بعضكم إلى بعض وإلى أنفسكم"... من وصية ميشيل كيلو الأخيرة للسوريين من على فراش المرض
وفيما أكد: "لن تصبحوا شعباً واحداً ما دام نظام الأسد باقياً، وما دام يستطيع التلاعب بكم"، طالب السوريين: "لا تتردّدوا في حثّ الخطى من أجل الخلاص منه نهائياً، ويأتي في مقدمة ذلك الوحدة، لعزل هذا النظام والتخلص منه نهائياً".
ودعاهم في الوقت ذاته للالتفاف حول "أصحاب المعرفة والفكر والمواقف النبيلة" من السوريين، معبراً عن "كل التقدير والعرفان" لـ"المرأة السورية الرائعة والشجاعة والصابرة"، داعياً إلى منحها "حقوقها ومكانتها السامية في المجتمع" في سوريا الجديدة بعد بنائها.
ولم ينس القضية الفلسطينية بل أوصى السوريين بها كواحدة من "قضايانا الأساسية" على اعتبار أن "كفاحنا مع شعب فلسطين جزءٌ من كفاحنا ضد الاستبداد، وبالعكس". وختم: "شعبنا يستحق السلام والحرية والعدالة... سوريا الأفضل والأجمل بانتظاركم".
رحل قهراً وبقي الطاغية
وعبر العديد من السوريين عن تحسرهم لوفاة كيلو قبل أن "تُكحل عيناه" بسوريا حرة. وغردت سهير أتاسي، العضوة في "اللجنة العامة للثورة السورية": "رحل ميشيل كيلو... وما بقا فيه شي ينقال بعد كل هالوجع".
وأكد نصر الحريري، رئيس "الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية"، على أهمية "الخسارة الكبيرة" برحيل كيلو كـ"قامة فكرية ووطنية كبيرة".
وقال الصحافي السوري قتيبة ياسين إن "أبو أيهم" - كيلو- رحل "بعد أن أمضى نصف قرن في مقارعة الاستبداد الأسدي. رحل دون أن يرى العدالة تتحقق".
"خطيئة المثقف لا تُغتفر"... في حين لا يُختلف على وطنية ميشيل كيلو ولا يُخفى نضاله ضد نظامي حافظ وبشار الأسد، يعتب عليه سوريون بسبب موقفه من "الأصولية الإسلامية"
نفس الموقف اتخذه الناشط أحمد أبازيد الذي أعرب عن حزنه لرحيل كيلو بعد يوم واحد من وفاة حبيب عيسى، مضيفاً: "عاشوا طيلة حياتهم مناضلين، وقضوا سنين في سجونه، ورحلوا في لحظة قهر لهم ولنا لأن الطاغية لم يرحل بعد".
وقال رئيس الوزراء السوري الأسبق رياض حجاب إن "وصيته التي خطها قبيل وفاته تعتبر نهجاً يحتذى به في التعاون والتكاتف الوطني".
برغم ما سبق، يعتب سوريون على كيلو بسبب موقفه من "الأصولية الإسلامية" إذ قال في تصريح تلفزيوني: "ما تصدقوا هذه الأساطير التي تُحكى أنه ما في شيء في سوريا إلا نظام عظيم عم يحارب الأصولية، هذا الكلام مو صحيح". ورفض أيضاً المقارنة بين "جبهة النُصرة" وتنظيم "داعش" الإرهابي.
وقال: "جبهة النصرة لا أضعها مع داعش، فداعش تقول نريد خلافة إسلامية والذي لا يريدنا سنذبحه، إلا إن النصرة تتحدث عن نظام إسلامي انتخابي".
ويعتبر منتقدو كيلو أن "خطيئة المثقف لا تغتفر ولا تزول، ولا يجوز أن تعد حدثاً يمكن تجاوزه، خصوصاً إذا كانت عن سبق الإصرار والعزم، ولم يتم الاعتذار عنها بشكل واضح وصريح لاحقاً".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...