كل عام، ومع اقتراب شهر رمضان، يبدأ الصائمون في إعداد الطعام للشهر الكريم وشراء كل المنتجات اللازمة لذلك.
اعتادت الكثير من العائلات المصرية إعداد وجبات متواضعة على مدار السنة، إلا أن الأمر يختلف مع الصيام، فلا تنازل عن أشهى الأطعمة، حتى وإن تسبب ذلك بحدوث ضائقة مادية قد تكون مربكة في كثير من الأحيان، خاصة مع تدهور الأوضاع المعيشية بشكل غير مسبوق.
لحوم ودواجن وسمك
قمر محمد، من مدينة فوة بكفر الشيخ بمصر، قالت لرصيف22 إنها تحضّر لشراء لوازم رمضان قبله بمدة طويلة، وتدخل في "جمعية" مع عدد من الزملاء والأقارب، أي تدفع مبلغاً كل شهر على سبيل الادخار، لتحصل عليه كاملاً قبل رمضان وتشتري ما يلزمها، كما يمكن أن تشتري بعض المتطلبات بالدين من المحلات الموجودة بالقرية، وتسدد الديون بعد انتهاء الشهر.
قد أضطر للسلف من جيراني لاستكمال الشهر كما بدأناه.
وأشارت السيدة الأربعينية إلى أن الأسرة لا تتنازل طوال شهر رمضان عن أكل اللحوم والدواجن والأسماك، ما يجعلهم يتعرّضون لضائقة مادية، ورغم أن الأكل يتبقى منه الكثير إلا أنهم كل يوم يحضّرون أصنافاً جديدة.
"نأكل لقيمات بسيطة ونضع الباقي للطيور"، هكذا قالت سماح قنديل (35 عاماً) من محافظة كفر الشيخ، لرصيف22، مؤكدة أن تحضير إفطار أول يوم في رمضان يستغرق عدة ساعات، ولابد من تجهيز مختلف أصناف الطعام، وإلا تحدث مشكلة مع أهل البيت، وخاصة الرجال الذين يعتقدون أنهم سيتضورون جوعاً، ثم يؤذن المغرب ولا يأكلون إلا لقيمات بسيطة.
من موائد الإفطار في القرى المصرية
"لا غنى عن البط والمحشي أول يوم"، تقول رحاب عبدالله (42 عاماً) من محافظة البحيرة، لرصيف22: "في اليوم الأول من رمضان يكون الأكل كثير جداً على الطبلية. نقتصد كثيراً من أجل هذا الشهر، وفي أوقات أضطر للسلف من جيراني لاستكمال الشهر كما بدأناه، وربنا يرزقنا، الأهم إننا نفرح".
وتنوّه فاطمة عبد العزيز من محافظة الإسكندرية إلى معضلة تتمثل في أن "المرتب في رمضان ينفد قبل مرور ثلث الشهر، وذلك بسبب شراء لوازم الإفطار إضافة للعزائم، إذ يجب أن ندعو عائلتي وعائلة زوجي وبعض الأصدقاء أيضاً على الإفطار"، وتتابع السيدة ذات الأعوام الثمانية والعشرين في حديثها لرصيف22: "زوجي يقترض وأنا أيضاً، وأحياناً أوفر قبل رمضان بشهور بعض النقود لصرفها، وهذا يحدث مع العدد الأكبر من صديقاتي".
أعباء إضافية على الأهل
"متزوجة من 20 سنة وأهلي لازم يشتروا لي لوازم رمضان"، هذا ما أكدته سعاد فوزي (48 عاماً) من محافظة الجيزة، قائلة لرصيف22 إن العرف يتطلب من الأهل أن يرسلوا في رمضان كل شيء لابنتهم حتى وإن كانت مقتدرة، حتى أن بعض الحموات يغضبن إن لم يرسل الأهل لبناتهم مشتريات رمضان.
الأمر ذاته يحدث مع سماح محمد، من محافظة كفر الشيخ، لكنها هذا العام طلبت من أهلها ألا يرسلوا لها أي شيء، وأن يلتفتوا لاحتياجات شقيقاتها، وتضيف السيدة الثلاثينية لرصيف22: "أعرف أن أهلي لا يقدرون على شراء كل تلك الأصناف وإرسالها لي، ولا أريد أن أشكل عبئاً زائداً عليهم، لكن العرف يحكمهم، وهذا يحدث في الأعياد وكل المواسم".
المرتب في رمضان ينفد قبل مرور ثلث الشهر، وذلك بسبب شراء لوازم الإفطار إضافة للعزائم، إذ يجب أن ندعو عائلتي وعائلة زوجي وبعض الأصدقاء أيضاً على الإفطار. زوجي يقترض وأنا أيضاً، وأحياناً أوفر قبل رمضان بشهور بعض النقود لصرفها
أما أهل داليا عودة، من محافظة البحيرة، فقد اعتذروا عن إرسال متطلبات رمضان وحلويات العيد لأن إمكانياتهم لا تسمح لهم، وحينها أكدت داليا لوالدتها بأنها لا تهتم، "لكني فوجئت بأن أمي اقترضت المال من جارتها لتشتري لي ما يلزم، وذلك كيلا يعترض أحد من أهل زوجي على عدم التزام عائلتي بالعادات والتقاليد"، أضافت السيدة الثلاثينية أثناء حديثها مع رصيف22.
ويشير الباحث في التراث المصري خطاب معوض، إلى أن الله تعالى فرض الصيام لكي يتقرب العبد الصائم من ربه بترك الشهوات، ومنها شهوة تناول الطعام والشراب، "ولكننا للأسف نجد الكثير من الأسر تنتهج نهجاً أبعد ما يكون عن الدين والعقل، ففي أواخر أيام شهر شعبان وقبل مَقْدم شهر رمضان، نجد الكثيرين يتسابقون في تخزين الأطعمة والمواد التموينية بطريقة هستيرية، بل ونجد البعض يقترض ويستدين لشراء مستلزمات رمضان، ويفعلون ذلك وهم يقولون إنه شهر كريم ويحب الخير الكثير".
ويضيف خطاب أثناء حديثه مع رصيف22: "ينفق البعض خلال رمضان أضعافاً مضاعفة لما ينفقونه خلال الأشهر الأخرى، كما أن الكثيرين، ورغم أحوالهم المادية الصعبة، يلتزمون بعادات تعارفوا عليها منذ أزمان طويلة، حيث تكلف العديد من الأسر الفقيرة أنفسها مشقة إرسال أطعمة ومواد تموينية ومكسرات وفواكه مجففة لبناتهم أو أخواتهم المتزوجات، رغم عدم حاجتهن لها بالضرورة، وهم يفعلون هذا فقط حتى لا تلومهم أسر الأزواج، رغم أنهم من الممكن أن يكتفوا بإرسال أشياء بسيطة على قدر استطاعتهم، وفي نفس الوقت يدخلون البهجة والسرور على قلوب بناتهم".
لا تتنازل الأسرة طوال شهر رمضان عن أكل اللحوم والدواجن والأسماك، ما يجعلهم يتعرّضون لضائقة مادية.
الباحث في التراث تحدّث كذلك عن خطورة هذا العرف ومدى التزام الناس به، ولو حتى على حساب راحتهم، مشيراً إلى أن هذه الأعراف تزداد بشكل ملحوظ في الريف المصري، حيث نجد أن الأم يمكن أن ترسل لبناتها الخمس مشتريات رمضان كاملة ولو كانت ستتدين ثمنها، حتى لا تعرّض نفسها وابنتها لأي انتقاد من الأقرباء والمعارف.
ورغم أن هذا العرف يظلم الأهل كثيراً، يؤكد خطاب بأن هناك حالة من الخوف من تجاوزه أو الخروج عنه، والخوف هنا من كلام الناس ومن كلام أهل زوج الابنة، وما يحدث في الحقيقة هو أن هناك بعض العائلات التي تعاير الابنة إن لم تشتر لها أسرتها كل ما تحتاجه في شهر رمضان، وكيلا يكسر الأب أو الأم من خاطر الابنة أو يقلِّلا من شأنها أمام عائلة زوجها، يرضخان للأمر ولو كان على حساب حالتهما الاقتصادية.
"زبيب وجوز الهند وبلح وقمر الدين وبط وفراخ. كل ذلك وأكثر يجب أن يرسله لي شقيقي في رمضان، حتى لو كانت ثلاجتي ممتلئة ولا أحتاج، فهذه عاداتنا"، هذا ما قالته دعاء عبد النبي (37 عاماً) من محافظة كفر الشيخ، لرصيف22، ورغم إنها متزوجة منذ 10 سنوات، فإن العرف يلزم شقيقها بعد وفاة والدها بالاستمرار في ذات العادات، وهي لا تقتصر على شهر رمضان وإنما الأعياد أيضاً.
من موائد الإفطار في القرى المصرية
بين رمضان وكورونا
"لم تؤثر كورونا علينا كثيراً. ربما امتنعنا عن الخروج بصورة مستمرة في رمضان، ولكننا ندعو الأهل والأصدقاء إلى المنزل". هذا ما قالته الثلاثينية سوزان فوزي من محافظة الجيزة، لرصيف22، مؤكدة أنه لا غنى عن التجمّع في رمضان، وهي مناسبة تحدث مرة واحدة في العام، وأن الأجواء لا تكتمل إلا بحضور الأهل والأصدقاء.
وعن الحالة الاقتصادية وزيادة الشراء في رمضان قالت سوزان: "هناك أصناف من الطعام والحلويات مرتبطة بشهر رمضان ولا بد من تحضيرها، وعندما تكون هناك عزومة لا نقبل بصنف واحد أو اثنين، وحتى لو كانت حالتي الاقتصادية لا تسمح، يجب أن أتصرف بحيث تكون مائدتي مشرّفة أمام الحضور".
تزداد هذه الأعراف بشكل ملحوظ في الريف المصري، حيث نجد أن الأم يمكن أن ترسل لبناتها الخمس مشتريات رمضان كاملة ولو كانت ستتدين ثمنها، حتى لا تعرّض نفسها وابنتها لأي انتقاد من الأقرباء والمعارف
التخوف من كورونا اختفى هذا العام كما تقول أميرة سعيد (24 عاماً) من محافظة كفر الشيخ، إذ تشير إلى أنها وعائلتها امتنعوا العام الماضي عن دعوة أحد لمنزلهم في شهر رمضان الذي مرّ عليهم بشكل كئيب، "ولكن يبدو أن الجائحة ستستمر معنا لفترة طويلة ويجب أن نتكيّف معها، ولذلك قمت هذا العام بالعودة لحياتي العادية أنا وزوجي، وبدأت بقبول دعوات أصدقائي للإفطار ودعوت عائلتي وجيراني أيضاً".
أميرة أضافت في حديثها لرصيف22: "الحياة يجب أن تستمر والعزائم تضيف للشهر الكريم طعماً خاصاً، ويجب أن نقوم بشراء كل اللوازم الخاصة بشهر رمضان، فلو خرجت للمحال التجارية ستجدين الزحام في كل مكان، والناس يشترون ما يريدونه وبكميات كبيرة. رمضان يحب الأكل والحلويات، وأحاول دائماً أن أتفنن في طهي الطعام بصورة مختلفة عن الأيام العادية، وحتى لو تعرضت لضائقة مادية واضطر زوجي لاقتراض المال من صديق له. نقوم بسداد المال بعد رمضان وكل شيء يمر".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون