"بروح عند أهلي في وقت الغدا كإني رايحة أزورهم عشان أأكّل البنات وآكل معاهم، وساعات باقول إني شبعانة أو أكلت.. المهم البنات ياكلوا".. هكذا تتحدث دعاء، عن حيلتها هذه الأيام للتعامل مع تناقص دخل زوجها الشديد، بينما ينتظر الجميع قدوم شهر رمضان.
"ننتظر حقائب رمضان"
تعاني دعاء (28 عاماً) وأسرتها من تقلّص دخلهم للربع، بسبب الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية لمواجهة انتشار فيروس كورونا، ويشاركها في ذلك كثير من الأسر المصرية التي يعولها عمَّال القطاع الخاص.
الأمر ليس جديداً على أسرتها الصغيرة، حيث عانوا من قبل أزمة شبيهة، فزوجها الذي كان يعمل في توزيع أنابيب الغاز، انخفض دخله بشدّة، بعد أن تمّ توفير خدمة الغاز الطبيعي لكثير من المنازل في الإسكندرية، حيث تقيم.
لمواجهة تلك الأزمة، قام شقيق الزوج بترك "التوكتوك" الخاص به ليعمل عليه في فترة المساء، وسارت الأمور المادية للأسرة بشكل مقبول، إلى أن جاء كورونا بما لا يشتهيه أحد، وتمّ فرض حظر التجول مساء، وهي فترة عمل الزوج الأساسية، ليمنحه شقيقه ساعتين للعمل قبل وقت الحظر، توفران له ربع دخله السابق.
خلافاً لكثيرات ممن ضربت كورونا دخول أسرهن، تنتظر دعاء شهر رمضان، حيث يقدّم عملاء زوجها القدامى لهم حقائب رمضان المعبأة بالحبوب والمواد الجافة، تقول لرصيف22: "بيبقى عندي خزين لرمضان وشهر كمان بعده، ولو ربنا رزقنا بفلوس باجيب لحوم وكبدة مستوردة على قد البنات، إحنا أكلنا كتير زمان".
"هاعمل مكرونة بكل الألوان، صوص أحمر أو أبيض أو مسلوقة أو محمرة، وممكن بالخضار زي الكوسة أو البطاطس أو مع بيض، وممكن باللبن والسكر للتحلية"
تحدثت دعاء لرصيف22 عن قائمة طعام موفرة مادياً، وشهية في الوقت ذاته، لتشغل بها موائد إفطار أسرتها: "السمك مش غالي هنا بـ15 جنيه مثلاً، مع شوية رز من الشنط اللي هتجيلنا، وممكن كشري اسكندراني وبيض، ويوم تاني مكرونة وبيض، وكبدة مستوردة مش غالية ومكرونة، وكشري مصري، وممكن يوم نشتري ربع لحم مفروم مستورد مع أي خضار رخيص".
يتراوح سعر كيلو اللحم البلدي بمصر بين 80 إلى 180 جنيهاً (ما يقارب 18 دولار)، وفقاً لتقرير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، وكان متوسط السعر الذي أشار إليه من تحدثوا لرصيف22، 150 جنيهاً للكيلو، فيما يبلغ سعر كيلو اللحم المستورد 85 جنيهاً، ويبلغ سعر كيلو الكبد 130 جنيهاً، أما المستورد منها فسعره 30 جنيهاً، وبينما تحدد بورصة الدواجن سعر الكيلو بثلاثين جنيهاً، فإن أسعارها بمعظم المنافذ كان 35 جنيهاً.
تبتسم دعاء، بسخرية ممزوجة برضا أو أسى، قائلة: "أصلاً البشاميل والفراخ المحشية والكلام ده بيتخن ومش مفيد، الحمد لله إحنا أحسن من غيرنا".
لا تحمل الأم الشابة همّاً لرمضان، خاصة أنها لا تنوي أن تدعو أحداً، حيث تضم عائلتها وزوجها 6 أشقاء من جانبها، و9 أشقاء لزوجها، وهو عدد لا يمكنها مواكبته حتى في الظروف العادية، حيث ستكتفي بدعوة والدها لها وأشقائها، في أول أيام رمضان، ثم تواجه مائدتها مع صغيرتيها وزوجها لباقي الشهر.
تتمنى دعاء أن يتم رفع الحظر وتعود الحياة لطبيعتها قبل العيد، لتتمكّن أسرتها من الوفاء بالتزاماتها العادية، كالإيجار، الخدمات واحتياجاتهم الأساسية.
"الطماطم والباذنجان أصدقاؤنا القدامى"
كانت حياة أسرة أماني (25 سنة) ربة منزل، تسير بشكلها المعتاد والمألوف، حتى طرق كورونا أبواب المصريين، واتخذت الحكومة قراراً بحظر التجول مساء، ليفقد زوجها، الذي يعمل بأحد مطاعم القاهرة، عمله بشكل مؤقت لا يعلم أحد متى ينتهي.
منحه مديره وغيره من العمالَ إجازة غير محدَّدة المدة، وحينما حاولوا التواصل معه بخصوص رواتبهم، رد مديره: "أجيب منين؟" ليترك الزوجين للاقتراض من أسرتيهما.
الظروف الصعبة ضربت أسرتيهما أيضاً، وفكرت أماني وزوجها أن يبقيا بمنزلهما طوال شهر رمضان، بلا عزائم، تقول لرصيف22: "كل واحد شايل شيلته بالعافية.. هنقضي رمضان في البيت، وفي بيتك محدش عارف بطنك أكلت إيه".
تضيف أماني، المقيمة في القاهرة: "من يوم ما الشغل قفل ما اشتريناش لحوم ولا فراخ، والحمد لله أسعار الطماطم والباذنجان والبطاطس أصدقائنا الدايمين كويسة دلوقتي.. مش مشكلة، ياما أكلنا".
"من يوم ما الشغل قفل ما اشتريناش لحوم ولا فراخ".
لا تنوي أماني أن تستقبل هذا العام العزائم الرمضانية المعتادة، ولا تفعل ذلك هرباً من التجمعات أو خوفاً من المرض، ولكن لأنها لا تستطيع أن تثقل على ميزانيتها المفترضة، حيث ستكتفي بإفطار يوم مع أسرتها، وآخر في استضافة أهل زوجها.
تفكر أماني في أطباق إفطار أسرتها الرمضانية، لتقدم لهم أصنافاً مختلفة في حدود المتوفر ومع استبعاد اللحوم، ولكنها تجد أن المعكرونة، التي تحصل عليها ضمن حصة أسرتها من الدعم التمويني، هي رفيقتها معظم الأيام، تقول: "هاعمل مكرونة بكل الألوان، صوص أحمر أو أبيض أو مسلوقة أو محمرة، وممكن بالخضار زي الكوسة أو البطاطس أو مع بيض، وممكن باللبن والسكر للتحلية".
أعلنت الحكومة المصرية، عن صرف 500 جنيه شهرياً لمدة ثلاثة أشهر، لصالح العمالة غير المنتظمة، لمواجهة تداعيات أزمة كورونا، وقال محمد سعفان وزير القوى العاملة، إن مليون و200 ألف سجلوا بياناتهم للحصول على الإعانة، بينما يقدّر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أعدادهم بـ14 مليون مصري، ولم تكن أسرة أماني بين المستفيدين من الإعانة.
وبحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فإن عدد المصريين العاملين هو 26 مليون مصري، وكان أكتر من ثلاثة أرباعهم من الذكور في عام 2017.
يعمل 7 من بين كل 10 عاملين بالقطاع الخاص دون عقد يضمن حقوقهم، ودون تأمين اجتماعي أو صحي، بحسب ورقة بحثية للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية بعنوان "الموتى لا يذهبون للعمل".
في عام 2018، كان 6 من كل 10 عاملين مصريين دخلوا ضمن تصنيف "الفقراء" بحصولهم على دخل أقل من الحد الأدنى للفقر المقدر بـ735 جنيها شهرياً، وترتفع النسبة لـ7 من كل 10 بين النساء والشباب، وفقاً للمبادرة.
الفلافل والفول المدمس
سها (36 عاماً) بدأت استعدادات رمضانية مبكرة هذا العام، بإعداد الفول المدمس منزلياً، وكذلك الفلافل، حيث أصبحا طبقين رئيسيين على مائدتها، بعد أن فقد زوجها، الذي يعمل أخصائي بصريات، نصف دخله.
بعد قرار الحظر، قرّر مالك محل النظارات الذي يعمل به زوج سها، تخفيف العمالة، للتعامل مع نقص ساعات العمل، بحيث يعمل العاملون لديه يوماً ويستريحون يوماً، مقابل حصول كل منهم على نصف أجره.
رغم محاولات سها السيطرة على تقلّص ميزانيتها بإعداد الفول والفلافل منزلياً، والاعتماد على أطعمة محدودة التكلفة، والتوقف عن شراء الحليب، وعدم منح الصغار الثلاثة مصروفاً يومياً، إلا أن نصف الراتب الذي تحصلوا عليه يوشك على النفاذ، وسيضطرون للاقتراض من معارفهم لقضاء باقي الشهر.
سها ليست متحمسة لرمضان هذا العام، حيث يزعجها إغلاق المساجد، ولا عزائم بالطبع، ولا دخل كافٍ، لذا لا تحمل قائمتها الكثير، حيث تنوي الاعتماد على الفول والبطاطس والعدس والكشري والمعكرونة، في محاولة للتحكم بميزانية أسرتها المنقوصة.
"كل واحد شايل شيلته بالعافية فلن أذهب للإفطار عند أهلي أو أهل زوجي، هنقضي رمضان في البيت، وفي بيتك محدش عارف بطنك أكلت إيه"
وقد قرَّرت وزارة الأوقاف المصرية في 21 مارس الماضي، إغلاق المساجد والزوايا، وتعليق صلوات الجماعة والجمع، لتحقيق المقاصد الشرعية في الحفاظ على النفس، وأعلنت في أبريل تعليق كافة الأنشطة الجماعية في رمضان، بما في ذلك التراويح والاعتكاف والموائد الرمضانية في ساحات المساجد.
"استبعاد اللحوم"
يعمل زوج رشا (24 عاماً)، مندوباً للمبيعات في مجال المنتجات التجميلية، لا يتقاضى راتباً ثابتاً في العادة، ولكنه كان يجتهد دوماً للحصول على مكافآت توزيع جيدة تساعده على توفير احتياجات أسرته، إلى أن اعتذرت الشركة التي يوزع منتجاتها عن العمل خلال تلك الفترة.
توضح رشا: "العملاء كمان رفضوا يتعاملوا مع المندوبين عشان الفيروس، وأولوياتهم مبقتش منتجات التجميل، كله بيفكر في الأكل والشرب دلوقتي".
"حصَّالة" كانت توفر بها رشا وزوجها بعض الأموال، أنقذتهم منذ إقرار الحظر وتوقف العمل، خاصة أن أسرتيهما تقيمان بمحافظة الشرقية، بينما يقيمان هما بالقاهرة، فلا فرصة لديهم للحصول على بعض الدعم من الأسرة في تلك الفترة.
فكرت الزوجة الشابة أن يسافرا لعائلتيهما لقضاء شهر رمضان بصحبتهم ولتوفير النفقات، ولكنهما تراجعا عن الفكرة، خوفاً من انتشار الفيروس، وخاصة أن ذويهم من كبار السن.
"حاجيب كمية لحمة صغيرة تكفّي ابني".
لم تقم رشا، بتعديلات كبيرة على قائمة الطعام المفضلة لأسرتها، والتي سترافقها في رمضان: "هنعمل محشي وبامية وملوخية وبطاطس وكشري وإحنا بنحب الأكلات دي في العادة، وعندي أرز من البلد "القرية" هيوفر لي شوية، وهنستبعد اللحوم طبعاً، يمكن أجيب كمية صغيرة تكفي ابني بس".
وتنهي رشا حديثها لرصيف22: "هنقضي رمضان في البيت ونصرف على قد فلوسنا، لحد دلوقتي بنحاول نوفر واستغنينا عن طلبات كتير.. يارب الأزمة ده متطولش".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع