شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
أضاعوا القدس وكفّوا عن أوروبا... هزائم المسلمين الكُبرى في رمضان

أضاعوا القدس وكفّوا عن أوروبا... هزائم المسلمين الكُبرى في رمضان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 6 مايو 202002:34 م


يعرف شهر رمضان بين المسلمين بأنه "شهر الانتصارات"، ولا عجب في ذلك فلقد شهد "الشهر الفضيل" ذكريات إسلامية مظفّرة لا تُنسى، كغزوة بدر، فتح مكة، موقعة عين جالوت وحتى حرب أكتوبر 1973م.

ولكن في الوقت نفسه، فإن الأيام الرمضانية لم تكن كلها انتصارات متتالية، وإنما شهدت هزائم مروّعة لعبت دوراً كبيراً في وقف حدود التوسع الإسلامي، وكانت بدايات لانهيار بعض دول الإسلام الكبرى. نستعرضها لكم في التقرير التالي.

بلاط الشهداء Battle of Tours

في عام 113هـ/731م اختير عبد الرحمن الغافقي والياً على الأندلس، وسريعاً ما تمكّن القائد، الذي ينتسب إلى قبيلة غافق اليمنية، من توطيد دعائم حكمه عن طريق وأد الفتن التي اندلعت في شمال الأندلس، بسبب ميول قبائلها الانفصالية بفضل ما تلقّوه من دعم من "الإفرنج".

اعتبر الغافقي أن الضمان الوحيد لعدم تكرار هذه الفتنة مجدداً أن يغزو فرنسا، وفي هذا الأمر فهو يستعى لتحقيق أحلامه الشخصية كمجاهد قضى شطراً كبيراً من حياته في حروب الجيوش الإسلامية بفرنسا.

تحطّمت هذه الأحلام عقب الهزيمة التي تلقاها المسلمون في "تولوز" (أسمتها المصادر العربية طولوشة) عام 102هـ/722م، وبالرغم من ذلك لعبت هذه الهزيمة دوراً في سطوع نجمه كقائد عسكري محنّك، تمكّن من الانسحاب ببقية جيوش المسلمين وردّهم سالمين إلى بلادهم، عقب وفاة قائدهم السمح بن مالك الخولاني.

كما تحطّمت سابقاً الأحلام التي طاردت موسى بن نصير إبان الاجتياح الإسلامي الأول لأوروبا، بعدما قرّر عدم الاكتفاء بالانتصارات التي حقّقها في إسبانيا، وإنما أعدَّ جيوشه لقضم جيرانها من ممالك القارة العجوز حتى يصل إلى القسطنطينية، لولا أن استدعاه الخليفة الوليد بن عبد الملك إلى دمشق، خوفاً من أن يستقل بالأندلس عن دولة الخلافة.

هذه المرة، عزم الغافقي على عدم تكرار أخطاء الماضي، فخرج في أضخم جيش إسلامي سبق وأن عبر جبال البرت (70 ألف وفقاً للمصادر العربية و400 ألف وفقاً للمصادر الأجنبية)، وتحرّك نحو ما عجز المسلمون عن منحه اسماً محدداً، فأطلقوا عليه لقب "الأرض الكبيرة The vast land"، فيما كانت تحمل اسم Frankish kingdom.

حققت الجيوش الإسلامية نجاحات ملحوظة واستولت على المدن الفرنسية الواحدة تلو الأخرى، ودانت مدن فرنسية كبرى للراية "الغافقية"، مثل "بوردو" و"ليون"، وتوغلت جيوش الإسلام كثيراً في أوروبا حتى صارت على بعد 1300 كليو متر من العاصمة قرطبة.

وباتت على بعد مئتي ميل فقط من باريس، وبدا أنه في طريقه إلى تحقيق نصر ساحق، سيضع الغافقي في زمرة فاتحي الإسلام التاريخيين، وهو ما تحطّم على يدي "المطرقة".

احتشد الأوروبيون، بما فيهم البلغار والألمان والإيطاليون، في جيشٍ جرّار بقيادة شارل مارتل (أو كارل)، الذي حكم أجزاء شاسعة من شمال أوروبا، وعُرف عنه التعصّب للمسيحية، ومواجهة أي فتنة حاولت ضرب مملكته بقبضة من حديد، حتى اشتهر بلقب "المطرقة Martel" لفرط قوته وصلابته، وفي رمضان التقى الجيشان عند تفرع نهر اللوار، عند السهل بين "بواتييه Poitiers" و"تور Tours"، لذا أسمتها بعض المراجع الغربية لقب "معركة بواتييه".

كانت منطقة غابات كثيفة لم تلائم الفارس العربي الذي اعتاد الكرِّ والفر في الصحراء، كما حُرم من استخدام تكتيكات الهجوم المباغت الخاطف التي امتازت بها جيوش الغافقي طوال مسيرته، ولم تلائم الأجواء حتى الخيول العربية التي جفلت سريعاً من البرد والأمطار.

وفي شهر رمضان، دارت عدة معارك على مدار عدة أيام (من أسبوع إلى عشرة أيام)، فشل المسلمون في إحراز النصر بها، حتى فقد المسلمين قائدهم الغافقي بسهم قاتل، وآثروا بعدها الانسحاب معلنين انتهاء الحلم الإسلامي بامتلاك أوروبا للأبد.

في شهر رمضان، دارت عدة معارك على مدار عدة أيام (من أسبوع إلى عشرة أيام)، فشل المسلمون في إحراز النصر بها، حتى فقد المسلمين قائدهم الغافقي بسهم قاتل، وآثروا بعدها الانسحاب معلنين انتهاء الحلم الإسلامي بضمّ أوروبا للأبد

وعلى الرغم من الهزيمة المزلزلة، صمتت عن تفاصيلها كافة كتب التاريخ الإسلامية، فاكتفت بإيراد أنباء الهزيمة دون ذكر أي تفاصيل، بعكس المصادر الأجنبية التي فتحت لها صفحاتها آلافاً مؤلفة.

ألمان داغي

شهد يوم 20 رمضان من العام 1094هـ/ 1683م صدمة إسلامية أخرى في سبيل أطماع الاستيلاء على أوروبا، وهذه المرة ليس من الغرب وإنما من الشرق.

وكما حلم الأندلسيون بحُكم فرنسا لم تتوقف أحلام العثمانيين في ضم فيينا، عاصمة الإمبراطورية الرومانية، إلى دولتهم، وفي ذلك الوقت كانت الإمبراطورية الرومانية تشمل أجزاء من ألمانيا والنمسا وسويسرا وبلجيكا وهولندا وبولندا، لذا نظرت الدولة العثمانية دوماً بعين الريبة لهذا الكيان الفتي، وعلموا على إسقاطه شيئاً فشيئاً، فجردوا الحملات الواحدة تلو الأخرى نحو العاصمة فيينا، وفشلت جميعاً في تحقيق مآربها.

جرت المحاولتان الأوليتان في عهد السلطان الشهير سليمان القانوني، الذي ضمّ المجر إلى إمبراطوريته، فسعى عام 932هـ إلى إضافة "الكرزة إلى التورتة" بضمِّ فيينا، فحاصرها لمدة شهر لكنه عجز عن اقتحامها، واضطر لرفع الحصار بعدما استغلت الدولة الصفوية (الشيعية) انشغاله واحتلت بغداد.

ورُوي أن هذا الحصار أدّى إلى اختراع "الكرواسون" الذي نأكله في المخابز اليوم، بعدما قرّر أهل فيينا الانتقام من العثمانيين، فرحوا يصنعون المعجنات على شكل هلال (رمز الدولة العثمانية) وأكلوها.

والمرة الثانية سنة 939هـ لكنه آثر العودة من منتصف الطريق، بعدما علم بأنباء الحشود الأوروبية التي تدفّقت على العاصمة الرومانية وشكّ في قدرته على دحرها، أما الثالثة فكانت القاضية والأخيرة.

في العام 1087هـ توفي الصدر الأعظم للدولة العثمانية أحمد كوبريلي، أحد أعظم من شغلوا هذا المنصب طوال تاريخ الدولة العثمانية، وخلفه صهره "قرة مصطفى" الذي اهتم بأن يُلاحق إنجازات خلفه بأي ثمن.

في هذه الآونة، كان الأوروبيون قد استعادوا أجزاء من المجر، فخرج "مصطفى" لتأديبهم، وحقّق سلسلة انتصارات ساحقة جعلته يطمح في تحقيق ما فشل فيه سليمان القانوني نفسه، فتوجّه بجيشه الجرّار إلى فيينا، على الرغم من عدم الحماس الكبير الذي أبداه السلطان محمد الرابع إزاء هذه الخطوة خوفاً من ردة فعل الأوروبيين.

في النهاية حسم الأمر، واقتنص "مصطفى" الضوء الأخضر لحصار فيينا.

حدث ما توقّعه السلطان العثماني، وقُرعت أجراس الكنائس للدفاع عن فيينا، وقاد بابا الفاتيكان جهود حشد أمراء الأقاليم المختلفة لمحاربة آل عثمان، وبالفعل اندفعت الجيوش الأوروبية لمحاولة إنقاذ فيينا من مصير القسطنطينية.

تحسّب "مصطفى" لهذه الخطوة خلال حصاره لفيينا، ووضع قوة عثمانية كبيرة بقيادة "مراد كراي" أمير القرم، عند جسر "الدونة"، وهو السبيل الوحيد من جهة الغرب للوصول إلى فيينا، وأمره بنسفه إذا لزم الأمر، المهم ألا يسمح بعبور أحد.

وتحكي كُتب التاريخ أن "مصطفى" تعرض لخيانتين أعانتا الأوربيين عليه: الأولى من مراد كراي، الذي كان يكره "مصطفى" فسمح للجيوش الأوروبية بعبور الجسر دون قتال.

فوجئ الجنود العثمانيون الذين ملّوا من البقاء 59 يوماً حول أسوار فيينا دون قتال، وبدأوا يُعانون من نفاد الذخيرة والطعام، بالجيوش الأوروبية تسعى إليهم، وفور احتدام القتال ظهرت الخيانة الثانية من "أوغلو إبراهيم" قائد ميمنة الجيش العثماني، الذي انسحب من المعركة فور اندلاع أعمال القتال.

أُجبر "مصطفى" على الانسحاب من أمام أسوار فيينا بعدما فقد 10 آلاف مُقاتل، دون ألا ينسى ثأره ويعدم "مراد" و"أوغلو"، وكانت هذه الهزيمة نقطة فاصلة في تاريخ الصراع العثماني الأوروبي، فمن بعدها تداعت الكفة لصالح الأوروبيين، وراحت الإمبراطورية العثمانية تتلقى الضربات وتنسلخ عنها الأقاليم الواحد تلو الآخر.

عرّى هذا الحصار حجم التأخر الحضاري الكبير الذي كانت عليه الدولة العثمانية، وستره عن الأعين تفوقها العسكري، وهي الميزة التي ستزول عقب فشل هذا الحصار.

فبينما كان العثمانيون لا يهتمّون ببناء المدارس والجامعات ويحرّمون استخدام المطبعة (لم يُسمح بها إلا عام 1727م)، وأغرقوا أقاليم دولهم في غيمة من الجهل والظلام، عاشت أوروبا نهضة كبيرة على مستويات الإصلاح الديني والاكتشافات العلمية، وخلال سنوات "ما بين الحصارين" (الحصار الثاني، 1529م، والحصار الثالث، 1683م) ظهرت عقول نابغة كنيوتن وليبنتنز، أسّست لقيام العلوم الحديثة في التربة الأوروبية.

وهذه الفوارق لم تظهر فقط في الفجوة المعرفية بين جنود كلا الطرفين، بل تجسّدت مادياً في ميدان القتال، بعدما عجزت المدفعية العثمانية عن ردِّ "جحافل الإنقاذ" لأنها لم تجر عليها عمليات تطوير كافية وبقيت على حالها لعقود.

واعتُبر نجاح الأوروبيين في فكِّ هذا الحصار عن فيينا، هو أول خطوة جماعية لإخراج العثمانيين من أوروبا بأسرها، وبعدها تم توقيع معاهدة "كارلو فيتز Karlowitz" عام 1699م، التي كانت أول معاهدة توقعها الدولة العثمانية كأمة مهزومة، تستعين بالتفاوض لحلِّ مشاكلها مع أعدائها بدلاً من السيوف، والتي تخلّت بموجبها إسطنبول عن المجر وترانسلفانيا في رومانيا، وعن ميناء آزوف لروسيا، وأجزاء من بلاد اليونان لدولة البندقية، وأُعفيت النمسا من الجزية التي كانت تدفعها للسطان العثماني.

سقوط القدس

يحكي عبد الرحمن رأفت الباشا، في كتابه "حدث في رمضان"، أنه في رمضان عام 492هـ رُوِّع العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه باحتلال الصليبيين للقدس، فكان يوماً حزيناً من أيام المسلمين لا تذهب الأيام بمرارته.

حكي عبد الرحمن رأفت الباشا، في كتابه "حدث في رمضان"، أنه في رمضان عام 492هـ رُوِّع العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه باحتلال الصليبيين للقدس، فكان يوماً حزيناً من أيام المسلمين لا تذهب الأيام بمرارته

كان ضياع القدس من أيدي المسلمين ثمرة للموجة الأولى من الهجمات الأوروبية على بلاد الشام، والتي عُرفت لاحقاً بـ"الحروب الصليبية"، والتي وضع بذرتها البابا أوتولاجري Orodo Lagry، والمعروف بـ"أوربان الثاني Pope Urban"، فرنسي المولد كاثوليكي متعصب، شاركت عائلته في حروب استرداد إسبانيا من أيدي المسلمين.

عقد الرجل مجمّعاً في مدينة كليرومونت، وهو اختيار له مغزاه، لأنها مدينة فرنسية على الحدود الإسبانية، زامل أهلها عائلة البابا في حملات طرد العرب من الأندلس، ما يجعل أجواء "العداء للإسلام" تُخيّم على الآفاق خلال انعقاد المجمّع.

وهو ما يُفسّر المشاركة الكثيفة اللاحقة للفرنسيين في الحملات، وعلى رأسهم أسرة "ريموند دي سان" أشهر قادة الحملة فيما بعد.

ألقى أوبان الثاني خطبة عصماء، لا تزال كتب التاريخ الأوربية تتناقلها حتى الآن، دعا فيها لتدشين حملات لاسترداد "الأراضي المقدسة" من المسلمين وإنقاذ المسيحيين الشرقيين من الأهوال التي يتعرضون لها على أيدي "الكفرة"، معتبراً أن هذا التوجّه هو إرادة الرب "The will of God" لذا فإن كل من يشترك فيه ستُغفر له ذنوبه كما لو أنه وُلِد لتوِّه.

تحمّس كافة الحضور لخطبة البابا البليغة، وراحوا يهتفون "Deus voit" أي إنها مشيئة الله، وكانت الاستجابة الشعبية لهذه الكلمات فوق التطوعات، حتى أن جيشاً من المتحمسين غير المقاتلين تحرّك من تلقاء نفسه ولم ينتظر اكتمال الاستعدات الحربية، بقيادة بطرس الناسك، وكانوا يعتقدون أنهم لا يحتاجون إلى سلاح للانتصار على المسلمين، تكفيهم قوة الرب التي تؤيدهم، ولكن هذا الجيش فُني تماماً على أيدي السلاجقة.

تحركت الجيوش الصليبية للمرة الأولى عام (1097م-490هـ)، استولت على نيقية عاصمة دولة سلاجقة الروم، ما أعطاهم دفعة قوية من الحماس لاحتلال المزيد من أراضي المسلمين، فحاصروا أنطاكية لمدة 3 شهور حتى استسلمت لهم في 26 رجب 492هـ، ومهّد سقوطها الطريق لتحقيق هدف الحملة السامي، وهو دخول القدس.

وعلى الرغم من الاستعدادات التي اتخذها حاكم القدس الفاطمي أفتخار الدولة، من تحصين الأسوار، تسميم كافة مصادر المياه خارج المدينة وطرد كل مَن شُك في موالاته للصليبيين، إلا أن الصليبيين كانوا في قمة حماسهم بعدما باتوا على مشارف مدينة الرب، خاصة بعد أن دعمهم الأسطول الجنوي بمدد زاد من قوتهم، فنصبوا حصاراً ضارياً على المدينة وشدّدوا من هجماتهم عليها حتى اقتحموها وارتكبوا أبشع المجازر بحق سكانها.

يروي القس فولشر أف شارتر، الذي صحب الحملة الصليبية في رحلتها في مذكراته: "على قمة هيكل سليمان (المسجد الأقصى) تسلقه المسلمون محاولين الفرار، تم قتل الكثيرون منهم رمياً بالسهام (...) وبداخل الهيكل تم قطع رؤوس ما يقرب من الألف، ولو كنت هناك لغاصت قدماك إلى الكعبين بالدماء التي ملأت الساحة (...) لم يُسمح لأحد منهم أن يبقى على قيد الحياة".

وأضاف: "زرع رجالنا أرجاء المدينة جرياً بسيوفهم المرفوعة، فما أبقوا على أحد ممن ناشدوهم الرحمة بهم، وأحيط بالجمع فأسقطوا إلى الأرض تماماً كالفاكهة العفنة وهي تسقط من الفروع".

وبعدها عرفت المنطقة لأول مرة وجوداً لاتينياً تمثّل في مملكة بيت المقدس التي شملت أجزاء من فلسطين والشام لمدة قرنين من الزمان.

اجتياح دمشق

في العام 749هـ حقّق العباسيون انتصاراً هاماً على الأمويين في معركة "الزاب"، التي اعتُبرت حاسمة في إنشاء دولتهم وانقضاء مُلك الأمويين.

بعد دحر جيوشه في "الزاب" لم يجد الخليفة الأموي الأخير مروان بن محمد، أمامه إلا اللجوء إلى عاصمته دمشق والتحصّن بها، آملاً أن تُنقذه من سنابك خيل العباسيين وسيوفهم التي تتمنّى الظفر برأس كل أموي.

ما إن اقترب العباسيون من المدينة حتى هرب مروان إلى مصر، وأبقى عليها عامله الوليد بن معاوية، الذي بذل كل جهده لتحصينها، فنصب المجانيق والعرّادات على أبراج الأسوار، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لإنقاذ آخر المعاقل الأموية من جحافل العباسيين، التي حاصرت العاصمة دمشق شهراً ونصف، كانت كفيلة بجعل عاصمة الدنيا التي تخلّت عنها الدنيا، تترنّح من فرط قلة الإمكانيات ونقص الطعام.

وقبل أن يدخل عبد الله قائد العباسيين المدينة، ورده كتاب من خليفته أبي العباس قال له فيه: "خُذ بثأرك من بين أمية"، فعمل بالوصية كأفضل ما يكون! اقتحم العباسيون أبواب دمشق في 14 رمضان، وبالرغم من أن تزامن هذا الاقتحام مع الشهر الأعظم عند الإسلام، ارتكب الجنود من المذابح ما يشيب لهولها الولدان، فكانت رؤوس أهل دمشق تُجزُّ في الشوارع وتُنهب الممتلكات بلا ضابط أو رابط.

كما أُعمل التنكيل في أعضاء الأسرة الأموية، فقُتل الباقون منهم ونُبشت قبور المتوفين، باستثناء عُمر بن عبدالعزيز، كمعاوية بن أبي سفيان، عبدالملك بن مروان وهشام بن عبدالملك، وأحرقت بقايا جثثهم، كما نُكِّل بأرملة هشام بن عبد الملك، وأجبروها على المشي حافية أمام الناس، ثم قتلوها في البرية، أما ابنة مروان ابن محمد، فقد آثرت على نفسها السلامة، فانتحرت مخافة تنكيل العباسيين بها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image