لأجساد النساء حدود توضع منذ الصغر، صُنعت من قوانين وأعراف اجتماعية بهدف الحد من حرية المرأة، وحماية العائلة المباشرة ومحيطها، وذلك لأن المرأة تمثل بجسدها "الشرف والعرض". هنا، لن نخوض في كل الرواسب المزروعة داخل كل امرأة، بل سنحكي من خلال قصص نساء في بيروت لا يردن البوح بأسمائهنّ، عن العلاقات الجنسية الأولى، تلك التي تمت ممارستها عن قناعة وحب، وأخرى تحمل عقداً تشرّبتها أجسادهنّ، لدرجة أنها حوّلت هذا التواصل الطبيعي إلى فعل مليء بالذنب.
نحكي قصص ثلاث نساء شاركن مع رصيف22 تجاربهنّ الجنسية، واللحظات المفصلية التي شهدتها أجسادهن وأدّت إلى أن يصبحن من هنّ عليه اليوم، إن كان من خلال التخلي ومحاربة مفاهيم فرضت عليهنّ أو من خلال اكتساب واختيار مفاهيم أخرى تعكس حقيقتهن :
القيء والقبلة الاولى: "ح.ف" 28 عامًا
كبتت احتياجاتي الجسدية لسنوات طويلة، بالأحرى لم أكن أدرك أن لجسدي احتياجات، كنت قد تعلّمت أنه لا يجوز مشاركة نفسي إلا مع رجل سأرتبط به ضمن مؤسسة زوجية يرضى عنها المجتمع والدين. ولذلك لم اختبر قبلتي الأولى إلا حتى بلغت من العمر 19 عامًا، يومها كنت في أول وعيي، وأردت أن أعرف وأفهم ما هي تلك القبلة التي يتحدّث عنها الجميع وأراها في المساحات العامة والخاصّة في بيروت.
في أحد الأماكن في شارع الجميزة لبّيت دعوة رجل كنت أعرفه، يكبرني بتسع سنوات. في تلك الفترة كنت وافدة جديدة إلى عالم بيروت وكل ما يأتي معه من تجارب حسيّة، من الموسيقى، والرقص والسهر، والشرب. احتسيت كأسي الأوّلى والثانية والثالثة، وفجأة أثناء حديث الرجل معي، وجدت نفسي واقفة إلى جانب الطاولة، أتقيّأ أمام الجميع. ظننت أن السهرة انتهت بعد تلك اللحظة، لكنّ الرجل اللطيف ساعدني على تنظيف وجهي وشعري، وأكّد لي أنّه ليس هناك ما يدعو للخجل، طبعًا لم أرد سوى أن أختفي عن المكان وأن لا اعود إليه أبدًا، ولذلك حملت أغراضي وطلبت منه أن يوصلني إلى منزلي. أمام المصعد قرّر الرجل الذي يملك واحدًا من أجمل الوجوه التي صادفتها في حياتي أن يقبلني بعد أن تقيّأت على نفسي، عليّ أن أعترف حتى هذه اللحظة وبعد مرور ثماني سنوات، لا زلت أُفاجأ من مبادرته. أحكي هذه القصة، ليس بسبب هذا التفصيل ولا لأنها كانت قصّة قبلتي الأولى، لكن لأنه أثناء حدوث تلك القبلة، مدّ يده ولمس مؤخّرتي، هنا كان الفعل الصادم، إذ إنّي كنت امرأة تبلغ من العمر 19 عامًا، ولا تعلم أنه بامكان رجل أن يلمس مؤخّرة امرأة أثناء تقبيله لها، لهذه الدرجة كنت جاهلة بأمور الجسد، وظننت أن القبلة محصورة بالفم فقط. كانت تلك المرة الأخيرة التي رأيته فيها.
فقدت عذريتي معه بأسلوب سيىء جدًا، لم أكن جاهزة لكن الأمر حدث بسبب انغماسنا الجسدي، ليلتها بكيت كثيرًا، وظننت بسبب ما كنت أسمعه أن أحدًا لن يرتبط بي في المستقبل، لأنني "خسرت شرفي"
لاحقًا حين وقعت في حبّ رجل آخر، بدأت من خلال المشاعر باكتشاف علاقتي مع جسدي وعلاقتي بجسده، كنا نبلغ من العمر 21 عامًا، ولا مكان خاصاً لنا لنتشارك فيه جسديْنا، فكنا نستأجر غرفة في فندق مرّة في الأسبوع. كنت أتنكّر كلما أردت مقابلته هناك خوفًا من أن يتعرّف علي أحدهم. أضع نظارات شمسية، أغير تسريحة شعري، أفعل كل ما يمكنني كي أغيّر ملامحي، لأنه في حال اكتشفت عائلتي أنني ألتقي برجل في فندق لممارسة علاقة جنسية، كنت سأسجن في منزلها وبالتأكيد كنت سأتعرّض للضرب.
فقدت عذريتي معه بأسلوب سيىء جدًا، لم أكن جاهزة، لكن الأمر حدث بسبب انغماسنا الجسدي، وشعرت بالدم يسيل على فخذي، ليلتها بكيت كثيرًا، وظننت بسبب ما كنت أسمعه أن أحدًا لن يرتبط بي في المستقبل، لأنني "خسرت شرفي". هذه الأفكار كانت حقيقية في رأسي، فهي كل ما كنت أعرفه، وبقيت تطاردني لسنوات طويلة، قبل أن أتصالح مع جسدي وأنوثتي وأتخلّى عن التقاليد البالية. لكن تبقى ذكرى وحيدة عالقة في رأسي، مرّة من المرات التي كنا نمارس فيها الجنس، صدح صوت الشيخ من الجامع القريب من الفندق، وصدح صوت أبي في رأسي، وكنت كمن تحمل داخل جسدها كل ذنب العالم. بقي صوت أبي يطاردني لسنوات كثيرة. في كل مرة كنت أخلع فيها ملابسي كنت أسمع تعاليمه الدينية، رغم أنه هو نفسه لديه علاقات جنسية متعدّدة. لكن هكذا نحن النساء، يدخل الرجال إلى أجسادنا، ويدخل الآباء إلى عقولنا، ولنتخلّص منهم، ونسترجع جسدنا الفطري علينا خوض معارك نفسية، واجتماعية وجسدية، وأن نربحها كي نحظى بتجارب تشبهنا وتعكس صلبنا لا صلب المجتمع.
الإجهاض الذي غيرني جنسيًا: "ن. ص"، 27 عامًا
أردت أن أتركه، كان شخصًا جيّدًا لكنه لم يناسبني. لم تكن علاقتي الجنسية الأولى ولا الأخيرة، لكن وبسبب الوحدة التي كنت أختبرها قرّرت أن أخوض علاقة عاطفية معه. معظم صديقاتي لديهن معاناتهن الخاصة مع الجنس، يمكنني القول إنني لا أشبههن من هذه الناحية، فخلال نشأتي، الجنس لم يكن من المحرّمات في منزلنا، لذلك حين فقدت عذريتي قبل ست سنوات في الـ 21 من عمري، لم أشعر بذرة ذنب واحدة بل جاءت العلاقة الجنسية كامتداد طبيعي لتكويني ونضجي كامرأة. في منزلي الذي تربيت فيه على يد والدي في ظل غياب والدتي بحكم طلاقهما، علّمني أبي أن قيمتي كانسانة أولًا، وكامرأة ثانيًا لا تنبع من جسدي، وأن هذا الأخير لي ولدي كامل حرية التصرف به كما شئت، طالما أنني لا أمسّه بأية أذية، وهذه القيمة التي زرعها بداخلي كبرت معي وجعلتني انتقائية في علاقاتي، لم أرَ يومًا أنني سأحقق نفسي أو أنتقم من التقاليد في حال خسرت عذريتي، بالعكس لم يأخذ هذا الموضوع حيّزا كبيرًا من تفكيري. لكن أزمتي الحقيقية كانت بالفقدان العاطفي الذي عانيت منه بسبب غياب أمي، ولذلك كنت أتعلّق بكل من يعطيني جزءًا صغيرًا يملأني من الناحية العاطفية.
ولهذا السبب رغم إدراكي فشل علاقتي معه، لم أقوَ على طرده من سريري. فاحتياجي لجسد ينام إلى جانبي خلال الليل كان أقوى من المنطق. بعد ثلاثة أشهر معه، استجمعت قواي وقرّرت أن أرحل عنه. لن أنسى ما حييت ذلك اليوم، استيقظت بعد الظهر متعبة، وغير قادرة على مغادرة السرير، خطرت فكرة سريعة على رأسي من تلك الأفكار التي لا نعيرها اهتمامًا وقالت لي: "أنت حامل". وضبطت أغراضي وقدت سيارتي جنوبًا لزيارة والدي، قال لي حين وصلت: نصحاني. ضحكت. وبدأت تحضير العشاء. أخبرته أنني أنوي الإنفصال عن الرجل الذي أواعده لأنني عدت وعلقت بدوامة الاحتياج العاطفي، أكّد لي أنني وحدي أعرف مصلحتي. في اليوم التالي وأثناء زيارتي لصديقتي المقربة، تنبّهت أن دورتي الشهرية تأخرت أكثر من أسبوع. جلبت لي اختبارًا للحبل لأجريه من باب المزاح، لكن تلك المزحة تحوّلت إلى واقعي، إذ إن النتيجة جاءت إيجابية. في تلك اللحظة فهمت أن لكل الأمور حساباتها ونتائجها، وأنني الآن أدفع ثمن النقص العاطفي الذي يتملّكني، إذ إن الفعل الجنسي الذي مارسته بهدف تعبئة نفسي، أوصلني إلى نقطة مفصلية في حياتي، فأنا لم أرد سوى أن أشعر بالحب، وهذا الهروب الدائم من نفسي نحو الآخر، واستخفافي بكل ما هو جسدي أمام عُقدتي الخاصّة، جعلاني أحبل من رجل لا أريد حتى أن أكون بعلاقة معه. فهمت أيضًا، انني جزّأت قيمتي، فتعاملت مع جسدي بحرص شديد لكن ليس مع عاطفتي، والنتيجة جاءت واحدة، الآن عليّ ان أدفع الثمن من خلال إجهاض لم اكن أريده.
بقي صوت أبي يطاردني لسنوات كثيرة. في كل مرة أخلع فيها ملابسي كنت أسمع تعاليمه الدينية، رغم أنه هو نفسه لديه علاقات جنسية متعدّدة. لكن هكذا نحن النساء، يدخل الرجال إلى أجسادنا، ويدخل الآباء إلى عقولنا. علينا أن نخوض معارك نفسية واجتماعية وجسدية
لم أخبر شريكي عن الحبل، وأكملت علاقتي العاطفية/الجنسية معه لمدة شهر بعد الإجهاض، لن أخوض في تفاصيل الأسباب، لكنّني قمت ببناء بديل عاطفي معه على أساس أنه كان سيكون والد طفلي أو طفلتي.
بدأت علاجي النفسي بعد تلك الحادثة، أي قبل ثلاث سنوات، واستوعبت أن الجنس العابر الذي كنت أخوضه في علاقات عابرة يتم وضعها في إطار جدّي، كان وسيلتي الوحيدة للحصول على العاطفة التي أريدها، وبصراحة هذا الأمر فاجأني، فأنا التي ظننت نفسي متعرية من كل المفاهيم الإجتماعية، كنت أستخدم الجنس، أي جسدي كامرأة لأبني علاقات لا تشبهني، بل تشبه عقدي، فقط لكي أنتمي. منذ ذلك الحين توقّفت وصرت انتقائية في خياراتي العاطفية أيضًا، الأمر الذي انعكس على علاقاتي الجنسية التي صارت تشبهني.
بيروت تكره العذرية: "غ. ع"، 30 عامًا
أردت أن أخسر عذريتي وأكتشف جسدي، لم أخطّط يومًا لأبقى عذراء حتى الـ 29 من عمري، لكن بيروت ردعتني لسنوات، وربما أخافتني. ففي بيروت المجموعات التي أعرفها ورغم تعدّدها هي في صلبها واحدة، هناك دائمًا صلة وصل تكسر عامل الخصوصية، فكل القصص الحميمية تصلنا وأحياناً تضم أسماء نعرفها جيّدًا، وأخرى لم نصادفها. بدأت بممارسة علاقات جنسية غير كاملة في الـ 18 من عمري، ولكن لسوء حظّي وقلّة معرفتي أظن أنني كنت مجرّد فانتازم لرجال مثقّفين يكبرونني بعشرات السنوات، لديهم زوجات وأطفال من جيلي. هذه العلاقات عطبتني جنسيًا لعدّة سنوات وجعلتني بسبب مشاهد جنسية اختبرتها معهم أكره الجلد الذي أعيش بداخله. لاحقًا حين تخلّصت من هذا العطب، رأيت أمورًا أخرى، واكتشفت أنني أعيش في محيط قائم على الجنس وكل شيء فيه مباح، وهنا لا أبالغ بقولي هذا. بيروت قائمة على الجنس، كل الحياة قائمة على الجنس، لكن بحسب تجربتي غير الموضوعية لبيروت خصوصيتها، فهي تحتوي على ما أحب أن أطلق عليه "الجنس الحزين" هذا الذي تتم ممارسته بسبب الوحدة أو الرغبة بالانتماء، ويجعلنا نستيقظ في اليوم التالي متغاضين عن كل الأسئلة التي تدور في رأسنا. أرى أمامي نساءً قويات، جميلات واستثنائيات، يشاركن أسرتهنّ مع رجال ضائعين لا يقدرون قيمة أنفسهم، وبالتالي لن يقدروا قيمتهن.
بدأت بممارسة علاقات جنسية غير كاملة في الـ 18 من عمري، ولكن أظن أنني كنت مجرّد فانتازم لرجال يكبرونني بعشرات السنوات، لديهم زوجات وأطفال من جيلي. هذه العلاقات عطبتني جنسيًا لعدّة سنوات وجعلتني بسبب مشاهد جنسية اختبرتها معهم أكره الجلد الذي أعيش بداخله
أنا مع الجنس العابر وكل ما يأتي معه من لذّة، لكن هل هناك جنس عابر في بيروت؟ في هذه المساحة المليئة بوجوه نصادفها دائمًا؟ لا أعتقد، لأن أغلب قصص الجنس العابر التي سمعتها، تأتي مع أسئلة ورغبات لم تتحقّق، ومع خرق كبير لخصوصية المرأة. لست في طور جلد الرجال، أو خلط الجنس بالحب، هذا ليس مقصدي، لكن لا أريد أن أستيقظ في سرير أحدهم في يوم من الأيام، ولا أعرف إلى أين يجب أن أتّجه، نحو الباب أو نحو جسده، فهذه التفاصيل غير الواضحة تزعجني، ربما لو لم أنغمس في أجواء محدّدة لكنت مارست الفعل الجنسي قبل سنوات، لكن التجربة تعرقلت بعد معرفة ما عرفته، وتحديدًا بعد كل الضغوط التي تعرضت لها من المحيط، حيث بقي أصدقائي يُصدمون كلّما قلت لهم إني عذراء. قبل نهاية العام الماضي، وقبل حلول عيد ميلادي الـ30 وفي ظل الحجر الصحي، قرّرت أن أتخلص من مخاوفي ومن كل الأفكار المسبقة التي بنيتها على أسس محيط محدّد، وفقدت عذريتي مع رجل أكن له مشاعر، ويمكنني القول إني، بعد التجربة الجنسية الكاملة، لا أزال أتعامل مع الجنس على أنه فعل تعبيري عن علاقة أعرف كل جوانبها، وليس هو أساس العلاقة، أو نقطة بدايتها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع