في المشهد الأخير من فيلمه الوثائقي التفاعلي القريب من تلفزيون الواقع، يأخذنا الممثل ساشا كوين، تحت اسم "برونو" إلى صالة رياضة المصارعة الحرة. وكالعادة، فإن المشهد مركب ليضعنا ويضع الجمهور أمام اختبار. تصدح الموسيقى الحماسية ونشاهد الجماهير وهي تهتف للعنف وتشجّع على بدء القتال، داخل الشباك المصارع المنافس ليس إلا حبيب برونو المثلي، وبدلاً من القتال يقترب الرجلان من بعضهما البعض بقبلة فموية، لعبة المخرج أن يضع القبلة المثلية بدلاً عن القتال.
وهكذا يمكننا في الفيلم مشاهدة تعابير الجمهور الحقيقي الغاضب من رجال ونساء، يثور غضبهم/ن، يهتفون ثائرين، بعضهم يبكي من شدة الارتباك، ويبدؤون بإلقاء الكراسي والطاولات إلى داخل الحلبة. عبر هذا المشهد، يثبت لنا ساشا كوين أننا معتادون على العنف أكثر من اعتيادنا على الحب أو الجنس.
اعتياد العنف والموت
لا تتوقف الأعمال الفنية السورية عن محاولاتها في تجسيد العنف، في عرضه "دوشكا" يقدم المخرج عمر الجباعي، سردية عن علاقة البشر بالعنف، وبالأدق التجمعات البشرية. منذ البداية يمارس المخرج علاقة مركبة مع جمهور المسرحية، بغاية اللعب أيضاً على التقاليد المسرحية بين الجمهور والعرض، لأن مقولة العرض ممتدة إليها.
لا تتوقف الأعمال الفنية السورية عن محاولاتها في تجسيد العنف، ففي عرضه "دوشكا" يقدم المخرج عمر الجباعي، سردية عن علاقة البشر بالعنف، وبشكل أدق علاقة التجمعات البشرية بالعنف
خيار المخرج أن يحصر فريق الأداء الحركي في العرض بالمؤديات النساء (لارا إيلو، هنادي الشبطة، مروى المصري، ساندي طعمة، هديل سهلي)، ما يضفي على العرض تمييزاً عن ارتباط العنف بالعلاقة بين الجنسين باستمرار. تدخل المؤديات من خلفية المسرح، يبدأن بالتصفيق ويعبرن بين صفوف الجماهير باتجاه المنصة.
عرض دوشكا
يذكّر دخولهن بأداء التدشين الرسمي، يرفعن الستارة ليظهر خلفها جسد مشنوق في وسط المنصة، يبقى متدلياً عند منتصف الصالة، بينما تستمر المؤديات بإيقاعهن العادي. إنها عادية الموت. المؤديات يحكن بالسنارة، يشربن القهوة ويكررن الأفعال اليومية والعادية، بينما الجثة الميتة المعلقة أمامهن. يؤكد المشهد على اعتياد حضور العنف والموت إلى درجة لعبهن الورق بجانب الجثة، ما يذكّر بالجلاد الذي يتسلى مع زملائه بلعب الورق، بينما المعتقلين معلقين بوضعيات مؤلمة وأحياناً مميتة.
عرض دوشكا
دائرة مفرغة من ممارسات سلطوية
التواصل بين المؤديات لا يتم عبر اللغة، بل عبر همهمات صوتية. تكتب منى مرعي عن العرض: "ستتوالى المشاهد بين ممثل السلطة أو الدكتاتور وضحيته، حتى تصبح الضحية جلاداً لضحية أخرى، كما لو أننا في دائرة مفرغة من ممارسات سلطوية عنيفة منذ الأزل"، ترتدي المؤديات النظارات السوداء في إشارة إلى رجال الشرطة السرية في سورية.
النظارة الشمسية رمز للسلطة، ومن ترفض منهن عقوبتها الموت. الخضوع للآلية الموضوعة هي شرط أساسي للاستمرارية وإلا العقوبة والعنف، تصبح النظارات رمزاً للخضوع، فالقطيعية تحمي من الموت، وهكذا تنتقل كل مؤدية من دور الضحية إلى الجلاد. تخضع المؤديات الأربع بالكامل في حركتهن لإيقاع الزعيمة، تكرّر كل منها حركة الأخرى أمام القيادة، يقدمن فروض الطاعة بتقبيل اليد. إن العنف يتولد من الطاعة، من التبعية.
إننا معتادون على العنف أكثر من اعتيادنا على الحب
تخدم المواطنات الأربع الزعيمة، ويحصلن على فتات دخان الزعيمة، من تتراخى منهن أو تنهك جسدياً تطرد من الجماعة للوحدة والعزلة. وحين تتمرد إحداهن يُطلعنا العرض على صنوف التعذيب المتبعة بحقها، وتتعرّض للإهانة والإهمال والضرب، تصعق بالكهرباء، تغرق بالماء، كلها أساليب تعذيب عرفت في سورية. يظهر العرض أن القمع يُعيد الإنسان إلى الجسد البهيمي، إلى الحركة البهيمية، يعبر عنها بإيقاع محتوم يسوده القسوة والعنف.
وتستعرض المسرحية أنواع القتل المتعددة الممارسة عبر التاريخ: النحر بالسكين، بتر السيف، اختراق الرصاص، من ثم الرشاش، وعنوان العرض "دوشكا"، هي إشارة إلى انتشار الأنواع العديدة من الأسلحة، وحتى الكيميائية، في الحضارة عامة وسورية خاصة.
عدا عن الحكاية الأساسية التي يدين فيها العرض التبعية والخضوع المولدين للعنف برأي المؤلف، فإن العرض أيضاً يبني بين المؤديات والجمهور علاقة تبعية، يجبروهن على التصفيق، على الجلوس أو الوقوف. إن خضوع الجمهور إلى تقاليد العرض المسرحي هو جزء من خضوع الشعب إلى السلطة، هذا الخضوع الذي يولد العنف.
عنف الباطن يهز العالم الخارجي
مسرح سارة كين يخلق ارتباطاً مهولاً بين العنف الممارس على الذات الواحدة، وبين العنف المستشري في العالم. عرف مسرح سارة كين بالجمع المركّب والعميق بين الحساسية المثالية ودرجة كبيرة من العنف. فيحضر العنف بشكل طاغ ومكثف ليدلل على الحساسية العالية للمؤلفة.
عرض بغيض
عرضها الأول "بغيض، 1955" يبرع في الربط بين حدث يجري بين ثنائي (يان وكيت) يمضي الليلة في غرفة فندق في "ليدز"، في حديثهما تكرار عبارات التذمر القاسية من رداءة المكان، يوحي بجو من القلق والقابل للانقياد للكارثي، وما نلبث أن ندرك مع سلوك يان ولغته وتصرفاته البغيضة، وبرهافة لا تدفع المشاهد لإدانة أفعاله، بأنه اغتصب كيت خلال الليل.
ثم ما نلبث أن نسمع طرقات على الباب، في واحد من أكثر مشاهد المسرحية جرأة وتجريبية، حين يدخل ضابط عسكري، وهو يعلن خبراً مهيباً عن دمار العالم الخارجي أيضاً بسبب العنف. تربط اللحظة السردية بين فعل الاغتصاب الداخلي في الغرفة، الذي يبدو وكأنه امتد ليشمل بآثاره العالم الخارجي.
عرض بغيض
يتابع النص مسار آثار العنف، فيتشظى الحوار ثم يتناثر بلا مركز أكثر فأكثر، وكذلك يقصر الزمن، فالمشاهد تضيق أكثر فأكثر، تتحول إلى لقطات قصيرة وسريعة، ثم تعرض تحوّل يان إلى التدهور الكامل فالانهيار، يعيده كائن الحاجات العضوية، كما في مسرحية الجباعي، كائن الاحتياجات الأولية: يبكي، يتغوط، يتحطم، يموت، وفي اللحظات الأخيرة من النص، يرتاح.
"ستتوالى المشاهد بين ممثل السلطة أو الدكتاتور وضحيته، حتى تصبح الضحية جلاداً لضحية أخرى، كما لو أننا في دائرة مفرغة من ممارسات سلطوية عنيفة منذ الأزل"
صنف النقاد والقراء المسرحية من موجة العنف القادم من السينما العنيفة، لكن لاحقاً برزت خصوصية مسرح سارة كين، بخصوصية التعبير وتجسيد العنف بحساسية، نموذجها الأمثل في عرضها هذا "انفجار" حيث تجعل من حادثة اغتصاب ثنائية، منعزلة في غرفة فندق عابر، حدثاً يطوي العالم الخارجي بشروره.
بروفات في تجسيد العنف الرمزي
تحت هذا العنوان "عشرة مشاهد ليست عنيفة كما يجب" نشر النص الأخير للمسرحي عمر الجباعي، باللغة الفرنسية، وينطلق العرض من فكرة مميزة تسمح بأفق سردي متصاعد للموضوعة التي يعالجها.
حيث يتحول المسرح إلى تجارب أداء تمثيلية، فحص تمثيل لدخول المعهد المسرحي أو كاستينغ لانتقاء الممثلين الذي يؤدون عشرة مشاهد يقيمها المخرج في الكونترول، متدخّلاً مباشرة لتوجيه الأداء. ممثل 1 يصفع ممثل 2، فيصرخ المخرج: "بدي حسّ الكف حقيقي أكتر. عنف عنف، المشهد ما في عنف".
في المشهد الأول يؤدي الممثلان عنف الجسدي بالكف، لكن المخرج لا يرضى بدرجة العنف، والمشهد الثاني يتجسد العنف بأن يجرب الممثل الدخول في الحذاء، ما يحيل إلى صور تقبيل الحذاء العسكري والتركيع في سورية.
يقول الممثل3: "إستاذ مستحيل إقدر إختفي جواة البوط، صوت المخرج: جيب بوط أكبر". وكلما طالب المخرج بعنف أشد يتحول رمزياً إلى الثقافة السائدة في الصراع السوري. كأن الحدث السياسي السوري هو البروفة المسرحية المطالبة من القائمين عليها بدرجات أشد من العنف. لكن أنواع العنف المقدمة في المسرحية لا تسعى إلى القسوة، فالكاتب يسعى إلى تقديم تنويعات على العنف الرمزي أو الذهني.
صوت المخرج: هاد مشهد عنف؟!
الممثل5: عنف مبطن إستاز.
صوت المخرج: إيه، وكيف بدو يبين العنف إذا مبطنينو؟!
صوت المخرج: شفتوا؟! كول خرا مثلاً فيها عنف واضح وجلي. واحد دعسلك إبنك بتقلو شكراً؟!
يقف الممثل 5 مستعداً لسماع ملاحظات المخرج. صمت طويل قدر الإمكان. يدخل أربعة رجال صالة المسرح ويتجهون إلى الخشبة، يمسك أحدهم بالممثل ويقوده عبر الصالة إلى الخارج، فيما يتبعه الآخرون وهم يعتذرون من الحضور عن إزعاجهم.
مشهد اختراق عناصر الأمن للمسرح يصرّ الكاتب على طرحه كأحد أقسى أنواع العنف. بعدها يتابع الممثل 4 محاولاته الدخول ببطء داخل الحذاء حتى يختفي: "صمت. لا شيء على الخشبة إلا فردتي الحذاء. يبعد الممثل فردتي الحذاء"، العنف يبلغ مداه مع الصمت المفروض.
مسرح سارة كين يخلق ارتباطاً مهولاً بين العنف الممارس على الذات الواحدة، وبين العنف المستشري في العالم. عرف مسرح سارة كين بالجمع المركّب والعميق بين الحساسية المثالية ودرجة كبيرة من العنف. فيحضر العنف بشكل طاغ ومكثف ليدلل على الحساسية العالية للمؤلفة
اعتراض وحيد يخرج في المسرحية، يضع الابن فوهة المسدس على صدغه من جديد، ويقفز واقفاً على الكرسي: والله العظيم بقوص حالي هه. لكن تفاعل الأهل مع الألم الذي يعيشه الابن هو الذي يمثل العنف، فالجمل التقليدية تستمر: "الأم: يقصف عمرك إلهي، عم تدخن؟! نزيل عن الكرسي ولا.
يوجه المسدس إلى والديه. نزيل عن الكرسي، الله لا يوفقك لسا مبارح نجدناهن الكراسي".
ثم يقع على المسرح حدث العنف الأوضح جلاءً، الانفجار النووي: "وتنطلق موجة هائلة من الضوء تشبه ما يحدث إثر انفجار نووي، إضاءة تعمي الجمهور، ثم تخفت رويداً رويداً، لنرى الممثلَين 1 و2 جثتين ممزقتين عند طرفي المسرح، تسيل الدماء من حولهما (يمكن تدمير المسرح إن شاء المخرج ذلك)، يدخل كلور ومعه عدة التنظيف.
يحاول مسح الدماء، لكن دون جدوى، إذ كلما نظف أكثر كلما لوّث الخشبة أكثر، لتختتم المسرحية بعادية الاستمرارية النمطية، صباح الخير وموسيقى الصباح. إن العنف هو الصمت المطبق على العنف، تعايش القيم الإنسانية مع انتشار العنف.
في يوم من أيام العنف العادي مات صديقي ميشيل سورا، أميرالاي
في اللقطة الافتتاحية من فيلم "في يوم من أيام العنف العادي مات صديقي ميشيل سورا" يقف المخرج علي أميرالاي، في موقع التصوير الذي يحوي باباً حديدياً وسريراً فقط، وبجانبهما شاشة تسقط عليها صورة الصديق الراحل.
ويخاطب حضوره على الشاشة: "ميشيل صديقي، كيف أصنع فيلماً عنك، دون أن يستفزّ ذلك ذاكرتنا المكلومة ودون أن ينبش جراحاً لم تندمل بعد، ولكن حين وصلني خبر وفاة والدك إثر فقدانك، قررت المتابعة حتى النهاية. بعد فترة وجيزة من وفاتك، رحل والدك، لم يتحمل ألم فراقك. مات دون أن يعرف ما كنت تفعله في ذلك الشرق البعيد، ولا لماذا قتلوك".
من عرض "في يوم من أيام العنف العادي مات صديقي"
في 22 أيار 1985، اختطف الصحفي والباحث ميشيل سورا مع صديقه جان بول كوفمان، وهما متجهان إلى مطار بيروت، من قبل منظمة الجهاد الإسلامي، واستمر اعتقالهم ثلاث سنوات انتهت بقتله.
العنف هو العجز عن تخيل اختلاف الآخر
جان بول كوفمان، الصديق الذي رافقه سورا حتى مماته، ويروي شهادته في الفيلم: "اعتقد باستحالة روي العنف، لا يمكن سرده، إنه كابوس لا يدركه إلا من عايشه، لكني ورغم هذه القناعة التامة، إلا أنني سأسعى في الفيلم لأجل قضية ميشيل سورا".
العنف هو العجز عن تخيل اختلاف الآخر
لا يصور أميرالاي في الفيلم أية لقطة عنفية، تجري أغلب مشاهد الفيلم في فضاء مسرحي معتم، يتأتى التعبير عن العنف من الأسلوب السينمائي الساكن، الموحى بالرعب.
في شهادته، يحدّد جان بول العناصر المشكلة للرعب المهول: "محاولات الترهيب التي مارسها الخاطفون لإخضاع أرواحنا، نبرتهم الهجومية، كراهيتهم للديمقراطية، وإعجابهم بالقوة المفرطة، كآبتهم، شكّهم وتماهيهم الكامل مع المنظمة، ما يؤدي إلى انفصال عن الواقع، كل ذلك تخلّف، وهذه العناصر رأيناها تتكرر في التاريخ الحديث"، بهذا العبارات البسيطة يحدد جان بول أسباب العنف وتمظهراته.
يصف جان بول التجربة بالرحيل في الجحيم، ليس الجحيم الحارق ألماً، بل عنفاً، لأنها جردتنا ببطء من كينونتنا، عبر العبث والغباء والكذب. "التزمّت يشوّه بقوة الأفكار والعواطف"، العنف يولد من التزمت، من التشدد، من عدم إمكانية تخيل اختلاف الآخر.
كان الخاطفون يسألون الصحفيين الفرنسيين: هل تشربان النبيذ؟ لماذا؟ هو محرم في القرآن. أسئلة مفاجئة وغير منطقية تنم عن ضيق في أفق تخيل الاختلاف.
التزمّت يشوّه بقوة الأفكار والعواطف، العنف يولد من التزمت، من التشدد، من عدم إمكانية تخيل اختلاف الآخر
العنف في حكاية سورا يأتي من رغبته في فهم التاريخ من داخله، بالانخراط في التجربة الوجودية، ليس كمستشرق، بل كباحث وجودي. يأتي العنف حين نفكر بالمصير الذي آل إليه دافع نبيل وبحثي.
يأتي العنف بصرياً في الفيلم من درجة السكون، من الأماكن التي يصور فيها المخرج وتسير فيها الكاميرا ببطء، واحد منها عند تمثال ساحة الشهداء في بيروت، بالعتمة المهيبة، المستوى السينماتوغرافي للفيلم يقترب للغاية من مشاهد المسرح، ويأتي العنف من عدم قدرتنا على تغيير مصير ميشيل سورا.
يروي جان بول: "لم يكن سورا يؤمن بالشرّ، وخصوصاً أن يأتيه من لبنانيين، وكان لآخر لحظة يعتقد أن ما حصل معه سوء تفاهم، كان يكرر بأنهم ليسوا لبنانين رغم أن لهجتهم كانت واضحة، كان يكذّب كل الوقائع"، لم يكن يصدق أن يأتيه الشر من لبنان، هو الذي أعاد التواصل بين زوجته ماري مارمار باشي، وبلدها الأصل سورية، تقول:
"لقد أعاد حب الشرق إلى قلبي، وأعاد اكتشاف الإسلام"، وبعد عشر سنوات ما تزال جثة الباحث والصحفي الذي اهتم بلبنان سورية مخفية. بالإضافة إلى عنف الاعتقال والتشدد الديني، تولّد الحكاية إحساساً ذهنياً بالقسوة، بالمصير الوحشي للإنسان على هذه الدرجة من المصداقية والفضول.
العنف والحب كقوتين قاهرتين
مسرحية "تطهير" هي الثالثة من بين أعمال سارة كين الخمسة، وهي تكتسب أهمية استثنائية في تجريب العنف قصدياً، فتجري أحداث المسرحية في مؤسسة طبية تحت إدارة المدير المستبد الطبيب تينكر، الذي يرغب باختبار مقدار الحب الذي قد يكنه أي عاشقين لبعضهما البعض، من خلال تحمل الألم لأجل الآخر، فيبدأ اختباراته بأفراد المجموعة لاختبار شدة العواطف، ولقياس التضحيات التي يقدمها العشاق.
مسرحية تطهير
يدفع نزلاء المصحّ إلى أشد الألم، ليختبر مدى تأثير الحب في كل واحد منهم. ويبتكر تينكر آليات القسوة والتعذيب، وتبلغ به الوحشية أن ينزع أطرافاً، يقشط جلوداً، يزيل أعضاء تناسلية ويحور الهويات الجنسية. حتى نبلغ المشهد الأخير، حيث يؤدي العنف إلى تداخل هويات وأجساد الأشخاص الخاضعين لاختباراته.
تدعي امرأة بأنها غريس، وغري يبدو شبيهاً بغراهام، أما كارل فيرتدي ملابس روبين. فالعنف المفروض عليهم/ن لإجبارهم/ن على كبح عواطف الحب، يجبرهم/ن على التحول، على تجاوز حدودها الجندرية، ما ينتج اختلاطات في الهوية.
لن أكذب عليك...مؤسسة الحب لا يمكنها الصمود أمام المحن والانفعالات
عبر هذه المسرحية، تجرب سارة كين مع الجمهور الدرجات التي يمكن للعنف أن يبلغها، والقدرة التي يمتلكها الحب على التحمل والاستمرارية، لتكشف التشوه الذي ممكن حدوثه في حال التعارض بين عواطف الحب وانفعالاته، وبين العنف الذي يرغب بكبحه وإلغائه أو استغلاله للحدود القصوى. وهي تدخل الجمهور معها أيضاً في هذه التجربة القاسية.
كتب ديفيد غريغ عن العرض: "أظهرت سارة كين بشدة جسدية عذابات القاطنين في المصحة، ليعايش المتلقي تجربة التعذيب. الخواص الإنسانية يمكن لنا تلمسها في العبارات الأخيرة التي تلفظها شخصية رود: أحبك، أنا معك الآن، سأفعل ما بوسعي، لحظة بلحظة، ليس لأخونك. الآن هذا كل شيء، لا مزيد، لن أكذب عليك. لأن مؤسسة الحب لا يمكنها الصمود أمام المحن والانفعالات".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ يومينالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يومينوالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت