ما زالت فصول قضية نفايات إيطاليا، التي تمّ توريدها بطريقة غير قانونية إلى تونس، تثير جدلاً واسعاً في البلاد، خاصة بعد نهاية الآجال المحددة لإرجاعها.
وانخرط المجتمع المدني التونسي بقوّة في تحركات داخلية وخارجية من أجل الضغط على السلطات التونسية للتعاطي بفاعلية وشفافية أكثر مع الملف، ودفع روما لتحمّل مسؤولياتها، لا سيما وأن ما حدث يقع ضمن سياق الاتفاقيات الدولية المعنية بهذا الشأن.
ونظّم العشرات من ناشطي المجتمع المدني في الأيام الماضية وقفات احتجاجية أمام ميناء محافظة سوسة حيث تقبع النفايات منذ أشهر، طالبوا خلالها بالإسراع في إرجاعها لإيطاليا، وندّدوا بتراخي الدولية التونسية في حسم هذه القضية.
ورفع المحتجّون شعارات كثيرة على غرار "أرض تونس مش بوبالة (حاوية أوساخ) يا حكومة العمالة"، "لا سيادة وطنية دون سيادة بيئية" و"رجع الزبلة" التي تحولت لهاشتاغ على فيسبوك، وغيرها من الشعارات.
ناظم عطيه، عضو "شبكة تونس الخضراء" وهي واحدة من أبرز المنظمات الناشطة في قضية النفايات الإيطالية، أكد أن ناشطي المجتمع المدني سيواصلون تحركاتهم عبر الشارع والمتابعة والضغط عملياً داخلياً وخارجياً حتى تستجيب السلطات الإيطالية وتسترجع نفايتها.
وقال عطيه في حديث لرصيف22: "سننقل تحركنا إلى العاصمة هذه المرة أمام السفارة الإيطالية، لنقوم بوقفة رمزية ندعو من خلالها الايطاليين لإرجاع نفاياتهم والتزامهم بوضع تاريخ محدد وواضح لذلك. وسنذكرهم بعدم احترام بلدهم للاتفاقيات الدولية، خاصة بازل، وقيامها بإرسال نفايات سامة وضارة للبشر والبيئة، وعدم تحملها لمسؤوليتها في تصحيح هذا الخطأ الكبير".
نظّم العشرات من ناشطي المجتمع المدني في الأيام الماضية وقفات احتجاجية أمام ميناء محافظة سوسة حيث تقبع النفايات الإيطالية منذ أشهر، طالبوا خلالها بالإسراع في إرجاعها لإيطاليا، وندّدوا بتراخي الدولية التونسية في حسم هذه القضية
ويعلّل عطيه تحرك المجتمع المدني بغياب الضمانات على المستوى التونسي والإيطالي بشأن مغادرة هذه النفايات للأراضي التونسية، والجهود المنقوصة التي تقوم بها السلطات الرسمية محلياً من أجل حسم الملف بالصيغ القانونية، وعدم التزامها بالشفافية في التعاطي مع هذه القضية مع التونسيين، بما في ذلك المجتمع المدني رغم جهوده الكبيرة، والأهم، ضبابية المعلومات بشأن مكونات النفايات وتضاربها بين الجانبين التونسي والإيطالي، الأمر الذي يجعل تحديد درجة خطورتها على المواطنين والبيئة صعباً.
وشدد عطيه على أن المنظمة وبقية مكونات المجتمع المدني المعنية بالملف تتحرك خارج تونس بدعم من منظمات لها ثقلها في البرلمان الأوروبي، إلى جانب التوجه للأمم المتحدة بهدف تدويل القضية والضغط على إيطاليا للالتزام بتعهداتها.
ما هي حكاية النفايات؟
تقبع 212 حاوية من النفايات الإيطالية في ميناء محافظة سوسة، و70 حاوية بمقر الشركة التونسية الموردة، منذ حزيران/ يونيو الماضي، وسط مخاوف من انبعاثات سامة من الحاويات في محيط الميناء الآهل بالسكان.
وتُلزم اتفاقية بازل والقانون الأوروبي المتعلق بنقل النفايات إيطاليا بعدم الموافقة على أي عملية تصدير نحو البلدان التي منعت توريد مثل هذه النفايات.
لذلك تعتبر هذه الشحنات، بموجب الاتفاقيات والقوانين، اتجاراً غير مشروع، وهو يعد عملاً إجرامياً. ولهذا فإن الدولة المصدرة مجبرة على استعادة الشحنات غير القانونية المصدرة على غرار قضية النفايات الإيطالية المصدرة إلى تونس، في غضون 30 يوماً ابتداء من تاريخ إعلام الدولة المصدرة بذلك، أو التخلص منها بطريقة إيكولوجية تحت إشرافها.
إضافة لذلك، يمنع القانون التونسي توريد النفايات المنزلية التي تريد السلطات الإيطالية التخلص منها، نظراً لخطورتها على البيئة وصحة المواطنين، وفي القضية أيضاً خرق لاتفاقية بامكو التي دخلت حيز النفاذ عام 1998، وتنصّ على حظر تصدير النفايات الخطيرة إلى أفريقيا والمحيطات والمياه الداخلية، أو حرق النفايات الخطرة، وعلى الإدارة السليمة لهذه النفايات داخل القارة.
تقبع 212 حاوية من النفايات الإيطالية في ميناء محافظة سوسة، وسط مخاوف من انبعاثات سامة.
وقد أثير ملف صفقة إدخال شركة تونسية لأكثر من 12 ألف طن من الفضلات السامة القادمة من إيطاليا عبر ميناء سوسة، تحت غطاء "نفايات قابلة للتدوير"، في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر 2020. وكانت الشركة المستوردة تنوي إتلاف الفضلات في مكبات تونسية، لكن مصالح الجمارك حالت دون ذلك، بعد تحرك منظمات المجتمع المدني وضغطها على البرلمان لفتح تحقيق في الأمر. وأسفرت القضية عن إقالة وتوقيف وزير البيئة التونسي مصطفى العروي ومسؤولين في الجمارك.
لكن لم تنجح حتى الآن الجهود الرسمية وتحركات المجتمع المدني في إرجاعها لإيطاليا، رغم اعتراف الأخيرة بتصدير النفايات السامة إلى تونس والتزامها باسترجاعها، ورغم حصول تونس على تعهد رسمي من السلطات الإيطالية باسترجاع نفاياتها خلال مهلة لا تتجاوز التسعين يوماً، ابتداء من التاسع من كانون الأول/ ديسمبر، وفقاً لمقتضيات اتفاقية بازل.
وانتهت مهلة الأشهر الثلاثة التي منحتها مقاطعة كامبانيا الإيطالية للشركة المتورطة في ملف تصدير النفايات في التاسع من آذار/ مارس، والعاملة في هذه المقاطعة. ولا يبدو أن الدولة التونسية قد تحركت بجدية كافية في التعاطي مع هذا الملف، وظلت بانتظار تحركات السلطات الإيطالية دون اكتراث لكونها تواجه شركة كبيرة خطيرة لن ترضخ بسهولة لقرار إرجاع النفايات.
على الدولة بذل جهود أكبر
ذكر المكلف العام بنزاعات الدولة، علي عباس، في تصريح صحفي قبل أيام قليلة، بأن "الدولة تبذل جهوداً دبلوماسية كبيرة لإيجاد حلول مع السلطات الإيطالية لإرجاع النفايات في أقرب الآجال". مؤكداً أن الشركة الإيطالية المصدرة هي التي تتراخى عبر اللجوء المتكرر إلى قضاء بلدها محملاً روماً مسؤولية عدم استرجاع نفاياتها.
إلا أن ذلك ليس كافياً بنظر منظمات المجتمع المدني، التي تطالب السلطات الرسمية التونسية بإعادة تصدير حاويات النفايات الراسية بميناء سوسة، وتدعوها لبذل جهود أكبر في التعاطي مع الموضوع والتحلي بالشفافية وإعلام التونسيين بالخطوات والإجراءات التي تقوم بها ومآلاتها، بدل التراخي الحالي في معالجة الملف والغموض الذي يكتنف الإجراءات.
وقالت مراكشي في لقاء مع رصيف22: "حدث منعرج خطير في القضية إلى جانب معضلة تجاوز التاريخ المحدد لإرجاع نفايات ايطاليا في التاسع من آذار/ مارس، وهو حصول الشركة المصدرة للنفايات على حكم قضائي عدلي استعجالي غير قابل للاستئناف يقضى بأنه لا يحق لوزارة البيئة الايطالية وشركة التأمين استخدام أموال الضمان التابعة لها لإرجاع النفايات، بعد أن كانوا يعتزمون القيام بذلك. لقد أضاعت تونس بسبب تراخي الدبلوماسية والحكومة ورئاسة الجمهورية فرصة إرجاع النفايات قبل نهاية المهلة".
وترى مراكشي أن السلطة التونسية لا بد أن تعي أنها إزاء قضية تُحلّ بين دولتين على المستوى الحكومي، وتحتاج مساراً دبلوماسياً واضحاً، لأن المسألة تتعلق بخرق الدولة الإيطالية لاتفاقية دولية، وأن غير ذلك لن يحل المشكلة.
المشكلة الأكبر أننا لا ندري بعد حجم خطر هذه النفايات، لا سيما وأنها قد ظلت فترة طويلة في الميناء، فضلاً عن كوننا مقبلين على فصل الصيف الحار ما يعني مزيداً من التعفن، وأننا سنكون بذلك عرضة لخطر أكبر إذا لم يتم إرجاعها في أقرب الآجال
وانتقدت المراكشي غياب الشفافية لدى الجهات الرسمية التونسية، وعدم تشكيل خلية أزمة مكونة من جميع الأطراف ذات الصلة بالموضوع، لمتابعة تطورات الملف وإخبار الرأي العام بما يجري، و"كأن تونس لا تريد التحرك وتكتفي بمراقبة ما ستفعله مقاطعة كامبانيا، والمشكلة الأكبر أننا لا ندري بعد حجم خطر هذه النفايات، لا سيما وأنها قد ظلت فترة طويلة في الميناء، فضلاً عن كوننا مقبلين على فصل الصيف الحار ما يعني مزيداً من التعفن، وأننا سنكون بذلك عرضة لخطر أكبر إذا لم يتم إرجاعها في أقرب الآجال".
وتشير مراكشي إلى أن الحكم القضائي المذكور سيجعل الأمور أكثر تعقيداً، وفي ظل تراخي الدولة التونسية فإن المجتمع المدني، ممثلاً بعدة منظمات، عازم على مواصلة الضغط على أكثر من صعيد، "حتى أننا سنقوم بتدويل القضية، إذ أن استنفاذ الحلول سيضطرنا للجوء لمحكمة العدل الدولية التي تتطلب مساراً طويلاً يقاس بالسنوات"، تضيف شارحة.
ومن الخطوات التي سيعمل عليها المجتمع المدني، ومن ضمن الناشطين فيه شبكة تونس الخضراء، إعداد ملف كامل عن القضية بأكثر من لغة، مدعومين بعدة منظمات أوروبية كبيرة، وستتولى تقديمه قريباً للبرلمان الأوروبي حتى يتم الضغط عبره على الدولة الإيطالية لتحقيق المطلوب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...