افتتحت منظمة بيت السلام الباكستانيّة وبدعم من السلطات التركيّة، في مدينة رأس العين (أو سري كانيه بالكرديّة)، يوم الثلاثاء 21 آذار/ مارس الجاري، مدرسة تحت اسم "مدرسة الشهيد سالم المرعي" وفُرنًا آليًا، بحضور كلّ من والي محافظة شانلي أورفا التركيّة، عبد الله آرين، وأعضاء المجلس المحلي لمدينة رأس العين ورئيسه، مرعي يوسف، وممثلي إدارة الكوارث والطوارئ التركيّة وممثلين عن مديريّة التربية التركيّة وعن هيئة الإغاثة الإنسانيّة التركيّة IHH، وبحضور رئيس جمعيّة بيت السلام الباكستانيّة، مولانا عبد الستار. وقال الوالي التركي "إنّ افتتاح مثل هذه المشاريع يسهم في تعزيز روابط الإخوّة بين شعوب تركيا وباكستان وسوريا".
تأسست منظمة بيت السلام في مدينة كراتشي الباكستانيّة سنة 2010، وتعمل في مجالات الدعوة الدينيّة والتعليم والصحة والإغاثة، وبحسب موقع اتحاد المنظمات الأهليّة في العالم الإسلامي المؤسَس في تركيا سنة 2005، فإنّ منظمة بيت السلام "تعمل مع "إدارة الكوارث والطوارئ" التركيّة ومؤسسة "ديانت" التركيّة لمساعدة اللاجئين السوريين".
الجدير بالذكر أن العلاقات التركيّة الباكستانيّة شهدت تطورًا ملحوظًا خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث بلغت صادرات تركيا إلى باكستان خلال السنة الماضية أكثر من 400 مليون دولار أمريكي، إضافة إلى صفقة بيع مروحيات أتاك الهجوميّة ومنتجات أخرى تضاف إلى ترسانة الجيش الباكستاني بقيمة تصل إلى مليار دولار أمريكي، فيما بلغت قيمة واردات تركيا من باكستان خلال الفترة نفسها أكثر من 300 مليون دولار أمريكي.
يذكر تقرير نشره "مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا" إنّه بالإضافة إلى افتتاح المدرسة والفرن في مدينة رأس العين، فإنّ منظمة بيت السلام الباكستانيّة افتتحت تسعة مدارس في مدينة اعزاز، شمال حلب، كما شيّدت جمعية "مسلم هاندز" الخيريّة الباكستانيّة، مدرسة في مدينة جرابلس، الواقعة على الحدود السورديّة التركيّة.
عمل إنساني أم "تتريك"؟
تسيطر تركيا بشكل مباشر على مناطق في شمال سوريا منذ بداية تدخلها العسكري المباشر في سوريا سنة 2016 لمحاربة الأكراد، ودعمها لمجموعات مسلحة سوريّة تتبع قرارات الحكومة التركيّة بشكل مباشر. بدأت السيطرة على مدينة رأس العين، غرب محافظة الحسكة، سنة 2019 بعد انسحاب قوات سوريا الديمقراطيّة (قسد)، والتي يُشكل الأكراد قوام هذه القوات، من المدينة، باتفاق أمريكي.
حسب تقرير "مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا" فإنّ تركيا لجأت إلى دول إسلاميّة مثل قطر وباكستان والكويت تحت حجة مساعدة اللاجئين، إلا أن تركيا "وبأموال هذه الدول تسعى إلى "تتريك" المناطق السوريّة التي احتلتها منذ 2016، أي تحويلها إلى مناطق تركية، مستغلة فقر السكان وحاجاتهم، وتواصل مساعي افتتاح مدارس ذات طابع ديني متطرف" حسب التقرير.
ويذكر التقرير إنّ مجموع المدارس الدينيّة التي افتتحتها تركيا في المناطق الخاضعة لها شمال سوريا قد بلغ 220 مدرسة منها 120 مدرسة في مدينة عفرين وحدها، والتي هُجّر منها السكان الأكراد واستوطنت فيها عائلات عربيّة، و20 مدرسة في مدينة رأس العين، إضافة إلى عشرات الجمعيات الأهليّة والمعاهد والجامعات.
كما تنشط في المناطق التي تسيطر عليها تركيا والميليشيات التابعة لها منظمات سوريّة مدنيّة ومنظمات دوليّة تتخذ من مدن تركيا الجنوبيّة، ولا سيما غازي عينتاب، مقرًا لممارسة نشاطاتها، إلّا أنّ التضييق الممارس على هذه المنظمات ازداد سنة بعد أخرى حتى كادت نشاطاتها في مناطق شمال سوريا تختفي مقارنة بالسنوات السابقة.
مجموع المدارس الدينيّة التي افتتحتها تركيا في المناطق الخاضعة لها في شمال سوريا، بلغ 220 مدرسة. منها 120 مدرسة في مدينة عفرين وحدها، والتي هُجّر منها السكان الأكراد واستوطنت فيها عائلات عربيّة.
في سياق متصل، نشر الصحفي الكردي محي الدين عيسو، في أيلول/ سبتمبر الماضي، نص مكالمة هاتفيّة بينه وبين المسؤول عن المجلس المحلي في مدينة رأس العين، عيسى البني، يؤكد فيها المسؤول الاستيلاء على العديد من منازل المدنيين في المدينة. وكان عيسو قد اتهم المجلس المحلي، ومن خلفه منظمة الإغاثة الإنسانيّة التركيّة IHH والحكومة التركيّة بالاستيلاء على منزلين لعائلته وتحويلهما إلى معهد لحفظ القرآن.
وتتهم العديد من الجهات تركيا، بمحاولات تتريك مناطق سيطرتها في شمال سوريا، بدءًا من رفع العلم التركي في جميع المقرات والمؤسسات الرسميّة وصولًا إلى اعتماد اللغة التركيّة في المدارس واعتماد الليرة التركيّة في المعاملات اليوميّة في تلك المناطق.
في مناطق الأكراد
تتمتع مناطق الإدارة الذاتيّة، شمال شرق سوريا، والتي يتحكم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) بمعظم مفاصلها، باستقرار نسبي، حيث بُنيت العديد من المؤسسات وتمّ تنظيم العمل بشكل مؤسساتي أكبر من مناطق سيطرة تركيا والميليشيات التابعة لها، مما ساهم في وجود قوانين تنظم عمل الجمعيات الأهليّة والمجتمع المدني فيها.
في السنوات الأخيرة تم تأسيس أكثر من مئة منظمة غير حكوميّة في مناطق الإدارة الذاتيّة، تعمل في المجالات الإغاثيّة والحقوقيّة والتعليميّة والبيئيّة والنسويّة، وعلى سبيل المثال نذكر منظمة "روجآفا" أكبر منظمة إغاثية في المنطقة وتعمل منذ العام 2012، والهلال الأحمر الكردي، وغيرها. نتيجة لذلك أسست الإدارة الذاتيّة في العام 2015 مكتبًا لشؤون المنظمات الإنسانيّة من أجل ضبط المنظمات والإشراف عليها، كما يحق لهذا المكتب التدخّل في عمل أيّ منظمة إذا رأى المكتبة حاجة إلى ذلك.
كما أسس حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) "التعاونيات الزراعيّة والنسائيّة" ونظم عملها لتكون هذه التعاونيّات يد مؤسسات الإدارة الذاتيّة في تنظيم العمل في الأرياف.
كذلك تعمل في مناطق الإدارة الذاتيّة الكثير من المنظمات والجمعيات والمؤسسات الدوليّة، والتي تنسق برامجها بشكلّ مباشر مع الإدارة الذاتيّة أو مع شركاء (منظمات وجمعيات) محليين، كما تعمل في تلك المناطق منظمات مرخّصة من قبل نظام الأسد، وهي جمعيّات مرخصة من الحكومة السوريّة مثل "الهلال الأحمر السوري" و"جمعيّة البر والإحسان والمودّة" و"جمعية عموم الأرمن".
إضافة إلى ذلك، يمكن ملاحظة العديد من المبادرات المدنيّة غير الحكوميّة، وغير المنطويّة تحت سقف جمعيات أو مؤسسات، مثل مبادرة جدائل خضراء، والتي تستهدف زراعة أشجار في المنطقة، ومجموعة أبناء حيّ الهلاليّة والتي يتولى الأفراد فيها زراعة بعض الأشجار وجمع النقود والمساعدات الإنسانيّة لمساعدة فقراء مدينة القامشلي.
في مناطق سيطرة النظام
تشير التقديرات والأبحاث إلى أنّ أكثر من 91% من المنظمات العاملة في سوريا، في جميع المناطق السوريّة، قد تأسست بعد العام 2011، عام بدء الثورة السوريّة، بسبب الحاجة المُلّحة لهذه الجمعيات نتيجة غياب المؤسسات الحكوميّة وعدم قدرتها على توفير جميع الاحتياجات. علمًا بأنّ عدد المنظمات العاملة في سوريا قبل آذار 2011 قد بلغ 1074 جمعيّة، وفقًا لإحصائيات وتقارير وزارة الشؤون الاجتماعيّة والعمل.
في الوقت التي اتهمت فيه وزيرة سوريّة المنظمات الدوليّة بعدم الحياديّة والفساد، أشارت تقارير صحفيّة إلى أنّ منظمات الأمم المتحدة ساهمت في بقاء نظام الأسد وتقويته.
بعد استلام بشار الأسد لرأس السلطة في سوريا، بعد موت والده، حافظ الأسد، سنة 2000، وزواجه من أسماء الأخرس، والتي عُرفت لاحقًا باسم أسماء الأسد، نشط المجتمع المدني في سوريا بشكل ملحوظ، وتأسست عشرات المنظمات والجمعيات التي عنت بمختلف جوانب الحياة تحت رعاية أسماء الأسد، وكانت أبرز هذه المنظمات هي الأمانة السوريّة للتنميّة، التي تأسست سنة 2001 تحت رئاستها.
سيطرت زوجة الرئيس السوري على معظم الجمعيات المدنيّة والأهليّة في سوريا بطريقة غير مباشرة، عن طريق الأمانة السوريّة للتنميّة أو عن طريق مكتبها الخاص.
كذلك تنشط في مناطق سيطرة النظام منظمات دوليّة ولا سيما تلك المنضويّة تحت مظلة الأمم المتحدة، وأبرزها برنامج الأغذيّة العالمي (WFP)، ومنظمة الصحة العالميّة (WHO). وفي الوقت التي اتهمت فيه وزيرة الشؤون الاجتماعيّة والعمل المنظمات الدوليّة العاملة في سوريا بعدم الحياديّة والفساد، أشارت تقارير صحفيّة عديدة في سنوات سابقة، وأبرزها تقرير صحيفة الغارديان، إلى أنّ الأمم المتحدة، عن طريق منظماتها العاملة في سوريا، ساهمت في بقاء نظام الأسد وتقويته عن طريق الضخ المالي والمساعدات التي تصل دمشق من خلال هذه المنظمات.
ويُذكر في هذا السياق أنّ 73 منظمة إغاثيّة غير حكوميّة قد علّقت تعاونها في مشاركة المعلومات مع الأمم المتحدة في سوريا سنة 2016، احتجاجًا على التأثير الكبير والملموس للحكومة السوريّة على أداء الوكالات الأمميّة العاملة في سوريا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...