تُجمع العديد من الدراسات البحثية على الحضور المتواضع للمرأة اليمنية في وسائل الإعلام، سواء كعاملة أو قيادية في تلك الوسائل، أو بما يخصّ تناول المواضيع التي تتحدث عن أحوالها.
مثلاً، نقرأ ضمن ورقة عمل قدمتها سامية العنسي، كبيرة مذيعي إذاعة صنعاء الحكومية، حصل رصيف22 على نسخة منها: "بعد خمسة عقود مرّت على وجود المرأة في المجال الإعلامي بتميز وموهبة واقتدار، لم تحظَ بالأثر المطلوب الذي يذكر تميزها أو يردّ اعتبارها وحقها المعنوي، بل ما زالت حتى اليوم تدفع الكثير من مشاعرها من أجل مهنة حسبت عليها لا لها. الإعلامية اليمنية ما زالت في الظلّ، حيث لا ترقيات حصلت عليها ولا امتيازات ساوتها بأخيها الرجل".
كما تشير دراسة للدكتور صالح حُميد، أستاذ الإعلام في جامعة صنعاء، حول الإعلام النسوي في اليمن، وأطلع رصيف22 عليها، إلى أن المسميات الوظيفية للمرأة في الوسائل الإعلامية تركزت في الوظائف الوسطى، فيما لا نجد تمثيلاً للنساء في الوظائف العليا.
انطلقت مؤخراً منصات يمنية أفردت مساحات لقضايا المرأة، وتقلدت فيها الصحفيات مناصب قيادية.
دفع ذلك بعدد من الصحفيين والصحفيات لإطلاق منصات نسوية يمنية تفرد مساحات لقضايا المرأة، واستطاعت كسر الحواجز المجتمعية في تقلّد الإعلاميات لمناصب قيادية فيها، كما عكست احتياج المرأة اليمنية لمن ينقل صوت معاناتها المكتوم، في مجتمع أثقلته الحرب وخذلته وسائل إعلامه.
نسوان فويس: منصة خلقتها الحاجة
انطلقت نسوان فويس في مايو 2019، كمنصة نسوية يمنية على فيسبوك، وتتحدث وفاء صالح، مديرة تحريرها، لرصيف22: "جاءت فكرة 'نسوان فويس' من الواقع اليمني، رغم وجود وسائل إعلام محلية كثيرة خاصة بعد الحرب، لكن، لم تنشأ وسيلة إعلام واحدة خاصة بالمرأة اليمنية وقضاياها، ولم تخصص نسبة إنتاج إعلامي للمرأة، فالموجود أقلّ من أن يذكر".
وتضيف وفاء بأن كثيراً من قضايا المرأة اختفت من حديث وسائل الإعلام لكنها برزت بشكل أكبر في المجتمع، مثل العنف، زواج القاصرات، تسرب الفتيات من التعليم، غياب الخدمات الصحية أو صعوبة الوصول إليها، ولا يسلط عليها الضوء إلا في المناسبات. كما أن دور المرأة تغير بعد الحرب، وأصبحت مركز ثقل، وهي اليوم تعمل إلى جانب الرجل للبحث عن لقمة العيش، لكن وسائل الإعلام لم تعالج هذه القضايا، واكتفت بنقل الوقائع دون البحث عن حلول.
"من هنا جاءت منصة نسوان فويس لنقل معاناة المرأة اليمنية، دعم وجودها والاحتفاء بنجاحاتها، خاصة بالنسبة للفتيات اللواتي استطعن التغلب على تقاليد المجتمع، ونجحن في كافة المجالات والتخصصات التي كان المجتمع يرفض تواجد المرأة فيها"، توضّح وفاء، وتشير إلى أن اختيار الاسم جاء ليكون بنكهة يمنية، فكلمة "نسوان" مألوفة في المجتمع اليمني، وهي أول منصة للنساء اليمنيات بهدف نقل أصواتهن.
وتنتج المنصة مواد إعلامية متنوعة، من تقارير وأخبار وبودكاست وفيديو وصور ورسومات، وقد لاقت نجاحاً كبيراً كما تشرح المتحدثة: "أدهشنا تفاعل الجمهور، ما أعطانا دافعاً كبيراً للمواصلة والتخطيط لإطلاق موقع إلكتروني. استمرارنا على مدى عامين بميزانية صفر ناتج من إيمان الفريق بالفكرة والهدف البعيد".
وتعطي المنصة الأولوية للنساء للعمل فيها، وذلك لإدراك القائمين عليها الإقصاء الذي تعاني منه المرأة اليمنية في المؤسسات الإعلامية، ولإيمانهم بقدرة المرأة على العمل والإبداع، لكن ذلك لا يعني إقصاء العاملين الرجال أو رفض التعاون معهم عند الحاجة.
اختفت قضايا المرأة اليمنية من حديث وسائل الإعلام لكنها برزت بشكل أكبر في المجتمع، ولا يسلط عليها الضوء إلا في المناسبات. كما أن دور المرأة تغير بعد الحرب، وأصبحت مركز ثقل، لكن وسائل الإعلام لم تعالج هذه القضايا، واكتفت بنقل الوقائع دون البحث عن حلول
هودج: التعبير عن تطلعات المرأة اليمنية
هودج هي منصة نسوية أخرى انطلقت في شباط/ فبراير الماضي، "للتعبير عن تطلعات المرأة اليمنية وتسليط الضوء على كافة قضايا النساء"، وفق حديث سحر محمد، سكرتيرة تحرير المنصة، لرصيف22.
وتهدف المنصة –وهي جزء من مشروع "مكانتي" لتعزيز حضور المرأة اليمنية بوسائل الإعلام- لإنتاج مواد صحفية تتعلق بقضايا النساء اليمنيات، بالاستعانة بشكل أساسي بكادر نسائي، كي تكون النتيجة "من النساء إلى النساء".
وجاء اختيار الاسم كما تقول المتحدثة، كرمزية تمثل مكانة المرأة العالية لدى المجتمع، "فالمرأة في المجتمعات الطبيعية تحظى بمكانتها الرفيعة والقيادية، حيث تشارك في كافة مناحي الحياة إلى جانب الرجل. ليس صحيحاً أن المرأة كانت تحتجب بل كانت تشارك الرجل في كل الأنشطة الحياتية".
"تمثل المنصة فرصة للصحفيات والكاتبات اليمنيات كي يمارسن قيادة مؤسسة إعلامية ويصنعن محتواها، والتحديات التي تتعلق بإنتاج المواد والاستدامة كشفت عن الحاجة لتطوير قدرات عدة صحفيات، ليحصلن على كفاءة تحريرية تمكنهن من إدارة الموقع بصورة مستقلة"، تختم حديثها.
سحر محمد سكرتيرة تحرير منصة هودج
حاضنة صحفية
يعتقد مصطفى نصر، وهو مدير مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، بأن وجود مثل هذه المنصات يشكل حاضنة مهمة للصحفيات للتدرب على المهارات الصحفية والإدارية: "الجانب الإداري مهم في هذه المرحلة للصحفيات حتى يتمكنّ من تأسيس مشروعات إعلامية خاصة بهن، فخلال المرحلة الأخيرة برزت صحفيات متمكنات وشجاعات، ونسعى أن يشكل ذلك إلهاماً لكافة الصحفيات لقيادة العمل الإعلامي خلال المرحلة المقبلة".
ويضيف نصر خلال لقاء مع رصيف22: "صحيح أن قضايا المرأة يفترض أن يهتم بها الرجال والنساء على حد سواء، لكن إذا ما تم تمكين النساء من صناعة المحتوى والنشر وقيادة الوسائل الإعلامية، ستكون تلك القضايا حاضرة أكثر وستناقش بعمق أكبر".
ويشير المتحدث إلى أن دراسة مسحية للمركز كشفت ضعف حضور المرأة في وسائل الإعلام، سواء كقضية أو إدارية أو صانعة محتوى، وقد أوضحت أرقام الدراسة التي جرت على سبع قنوات يمنية، حجم الفجوة بين أعداد النساء وقدراتهن وما يحظين به من تغطية، إذ بلغت نسبة ظهور المرأة 9.7% في حين ظهر الرجل بنسبة 90.3%.
مصطفى نصر مدير مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي
امتداد لصوت المرأة
تشير الدكتورة نوال عبد الله الحزورة، رئيسة قسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة صنعاء، إلى ضرورة التفريق بين المنصات النسوية الناطقة باسم مؤسسة تتبني قضايا المرأة، أو منظمة مهتمة بها، والمنصات التي تقوم عليها نساء بشكل شخصي كمنبر إعلامي.
وتوضح الحزورة في حديثها لرصيف22 أن المنصات الناشئة هي امتداد لصوت المرأة المعبر عن قضاياها واهتماماتها في الوسائل الإعلامية التقليدية، وانتشارها جاء نتيجة عدة عوامل، أبرزها أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت الوسيلة الإعلامية الأكثر استخداماً، وأتاحت أن تكون صوت المواطن بمختلف فئاته وشرائحه، إضافة للتوجه العالمي الذي يدعم صوت المرأة اليمنية كفئة مهمشة في الساحة الاجتماعية، ووجد في الفضاء الإلكتروني المنبر المناسب لذلك.
"هي بمثابة صوت إعلامي للمرأة يعول عليه لحشد الرأي العام لمناصرة قضاياها ومعالجة الصورة النمطية والتقليدية المجحفة بحقها"، تقول المتحدثة.
البيئة السياسية والأمنية والثقافية، وضعف المهارات الصحفية والإدارية والقيادية لدى العديد من الصحفيات، هي من أهم الأمور التي تضع معوقات عديدة أمام عمل الصحفيات بالحرية والكفاءة المطلوبتين
جمهور واحد
ومع النظرة إليها على أنها محاولات جيدة لإسماع صوت النساء في المجتمع، يرى المستشار الإعلامي والمدرب نشوان السميري، أن هذه المنصات تخاطب جمهوراً واحداً كما أوضح لرصيف22: "هذه المنصات ربما تكون نخبوية بعض الشيء، وتخاطب جمهور وسائل الإعلام الحديثة، لكن إذا أحسنت الأداء فقد يتسلل صوتها لفئات أخرى في المجتمع. المهم ألا تتحيّز لوجهة نظر دون الأخرى، وألا تخدم مصالح فئات معينة فقط".
ويضيف السميري: "وجود هذه المنصات لا شك أنه إضافة إلى الوسائل التي تعمل على إثارة قضايا المرأة اليمنية، ودورها توعوي وإرشادي لنماذج نسوية ناجحة، لكن أخشى من ألا تعكس الاحتياجات الحقيقية للمرأة اليمنية في إسماع صوتها وإيصال رسائلها داخلياً وخارجياً، قياساً بحجم المجتمع وعوائق الوصول إليه".
المستشار الإعلامي والمدرب نشوان السميري
وتضيف نوال الحزورة بأن الفضاء الإلكتروني سهّل من إمكانية حشد الرأي العام تجاه قضايا النساء، والتجارب عديدة، مثل جرائم العنف وزواج القاصرات، التي كانت مواقع التواصل وسيلة ناجحة لتسليط الضوء عليها، إضافة للضغط على القائمين على الأمر لمحاسبة المتهمين والجناة.
وتشير إلى أن: "المنصات النسوية في اليمن لا زالت أصواتاً ناشئة تحتاج لفترة وجهود أكبر لتحتل مكانتها الجماهيرية، وهذا يعول على القائمين عليها، من خلال تقديم خدمات إعلامية نوعية شكلاً ومضموناً بما يضمن وصول رسالتها". وتضيف: "هذا يحتاج إلى مزيد من الجهود من المرأة ذاتها التي عليها توحيد صفوفها ليكون لها صوت موحد ومنظم، كما تتحمل الدولة ومنظمات المجتمع المدني المسؤولية الأكبر في إشراك المرأة بالتنمية عبر رؤية وطنية تنموية".
المنصات النسوية في اليمن لا زالت أصواتاً ناشئة.
أما عن التحديات التي تواجه المنصات النسوية في اليمن، يتفق المتحدثون على أن البيئة السياسية والأمنية والثقافية، وضعف المهارات الصحفية والإدارية والقيادية لدى العديد من الصحفيات، هي من أهم الأمور التي تضع معوقات عديدة أمام عمل الصحفيات بالحرية والكفاءة المطلوبتين، كما يعتبر تأمين الدعم المادي اللازم للاستمرار أمراً بالغ الأهمية.
من هذه التحديات، تشير سحر محمد إلى "ما يتعلق بإنتاج المواد والاستدامة وتطوير القدرات"، وتضيف وفاء صالح بأن العمل الميداني في ظل الحرب ووجود أطراف متصارعة صعب للغاية، يضاف إليه صعوبة أن تكون المنصة مستقلة، تعمل بحياد وتحرص على المصداقية، بجهود تطوعية وبإمكانيات متواضعة.
وتستكمل الحزورة بهذا الخصوص: "لا بد أن تتمتع العاملات بهذه المنصات بالكفاءة الإعلامية والإنسانية والأخلاقية، وأن يكون لديهن الإيمان العميق بقضاياهن، كي يتمكن من الدفاع عن حقوقهن، وحشد النساء والمجتمع لمناصرتهن، ووضع الحلول والمعالجات لكل ما تتعرض له المرأة من أشكال التمييز".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...