أعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربيّة، السفير حسام زكي، أخيرًا أنّ عودة سوريا إلى جامعة الدول العربيّة ستساهم في تطبيع العلاقات السوريّة العربيّة، ورفع المعاناة عن الشعب السوري من خلال التوصّل إلى حلّ سياسي في سوريا. وأضاف في حديث مع قناة "سكاي نيور عربيّة"، في 18 آذار/ مارس الجاري، أنّه يجب أن "تُبنى مقاربة جديدة لإيجاد الترتيب الذي يفتح الطريق أمام فك التجميد الخاص بالمقعد السوري"، كما قال في مؤتمر صحافي عُقد في بيروت على هامش أعمال القمة العربيّة التنمويّة الاقتصاديّة والاجتماعيّة إنّ عودة سوريا إلى جامعة الدول العربيّة "حتميّة".
فيما أكّد الأمين العام لجامعة الدول العربيّة، أحمد أبو الغيط، في وقت سابق من هذا الشهر، أنّ هناك اتجاهًا لإعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة.
يأتي ذلك بعد سنوات من قرار بالتجميد اتخذ وقت كانت الثورات العربية مشتعلة، والآن وقد عادت معظم الدول العربية إلى وضعها الذي كانت عليه قبل الربيع العربي، يجد كثير من الرؤساء العرب أن الوقت قد حان للمّ الشمل.
مناشدات عربية
ليست هذه التصريحات العربيّة الأولى في هذا الصدد، فقد سبقتها تصريحات عديدة من قادة ومسؤولين عرب يرحبون بعودة سوريا إلى الجامعة. وزير الخارجية المصري، سامح شكري، اعتبر أنّ عودة سوريا إلى الحاضنة العربيّة "أمر حيوي من أجل صيانة الأمن القومي العربي". فيما طالب وزير الخارجيّة الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيّان بضرورة "التعاون الإقليمي لبدء مسار عودة سوريا إلى محيطها وشغل مقعدها في جامعة الدول العربيّة".
كذلك فعل الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، الذي طالب بعودة سوريا إلى الجامعة وقال إنّ سوريا "تستحق العودة لأنّها وفيّة لمبادئها"، وإنّها من مؤسسي الجامعة ومن أعرق الدول العربيّة، وفسّر الرئيس الجزائري "ضعف سوريا على الصعيد الدولي" بأنّها "الدولة الوحيدة التي رفضت التطبيع مع إسرائيل". وكان وزير الخارجيّة الجزائري، صبري بوقادوم، قد دعا في وقت سابق إلى إنهاء تجميد عضويّة سوريا، وإعادة تمثيلها مجددًا في اجتماعاتها ونشاطاتها.
الدعوات إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها تصريحات عديدة من قادة ومسؤولين عرب يرحبون بعودتها ممثلةً من إدارة الرئيس الأسد.
وأعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس العام الفائت أنّ السلطات الفلسطينيّة تؤيد عودة سوريا إلى الجامعة العربيّة، وتتطلع إلى الوصول إلى هذا الهدف بالتشاور بين الدول العربيّة.
ولم يوفر وزير الخارجيّة العراقي، فؤاد حسين، الفرصة أثناء لقائه بمجموعة من المسؤولين الخليجيين، وشدّد على ضرورة إعادة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربيّة، لأنّ ذلك يحقق "مبدأ التكامل في العمل والتنسيق العربي".
في سياق متصل، كانت تونس قد دعت أثناء انعقاد اجتماعات الجامعة العربيّة على أراضيها في العام 2019، إلى عودة سوريا إلى الجامعة، كما جدّد وزير الخارجيّة التونسي، خميس الجهيناوي، الدعوة أثناء مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الروسي، سيرجي لافروف، مؤكدًا ضرورة عودة سوريا إلى داخل جامعة الدول العربيّة.
تحركات دبلوماسيّة
في الوقت الذي تعدّ فيه سوريا صاحبة أعلى معدلات فقر في العالم، ويعيش نحو 82.5% من سكانها تحت خط الفقر، وأزمة الجوع لديها في تفاقم، حسب الأمم المتحدة، أطلق "الاتحاد العربي للأسر المُنتجة والصناعات الحربيّة والتقليديّة" التابع للجامعة العربيّة، خلال شباط/ فبراير الماضي، أعمال رئاسة الاتحاد والمكتب الإقليمي في دمشق، وذلك خلال حفل رسمي عُقد في دار الأوبرا في العاصمة السوريّة، في نشاط يعدّ الأول من نوعه للجامعة العربيّة.
وسبقت الجمهوريّة الإسلاميّة الموريتانيّة إلى إعادة فتح سفارتها في دمشق، بعد إعادة فتح سفارتي الإمارات والبحرين، في الوقت الذي قال فيه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إنّ سوريا تعيش في "كابوس"، مشيرًا إلى وضع البلاد خلال السنوات العشر الأخيرة.
وكان وزير الخارجيّة الروسي، سيرجي لافروف، قد قال خلال مؤتمر صحافي جمعه مع نظيره السعودي، فيصل بن فرحان، عُقد في كانون الثاني/ يناير الفائت، إنّ السعوديّة وروسيا تجمع بينهما عدّة نقاط بما يخصّ سوريا، أبرزها عودتها ممثلة في نظام الرئيس بشار الأسد إلى جامعة الدول العربيّة.
وتبذل روسيا جهودًا دبلوماسيّة كبيرة من أجل عودة سوريا إلى جامعة الدول العربيّة، إذ قال رئيس لجنة الشؤون الدوليّة في مجلس الدوما الروسي (مجلس النواب)، ليونيد سلوتسكي، إنّ "روسيا تساعد في التسويّة السوريّة على جميع المستويات، بما في ذلك بذل جهود سياسيّة ودبلوماسيّة كبيرة لإعادة دمشق إلى جامعة الدول العربيّة". ويأتي ذلك في إطار محاولات روسيا لكسب واستعادة الشرعية لنظام الأسد في المحافل الإقليميّة والدوليّة، حيث تعتبر روسيا الداعم الرئيسي، إلى جانب إيران، لبقاء الأسد.
رغم فشلها في تحقيق معظم الأهداف التي قامت من أجلها، تظل جامعة الدول العربية كياناً سياسياً حكومياً معترف به دولياً، وقادرة على إضفاء الشرعية على أنظمة الحكم التي تمثل دولها لديها.
لماذا الجامعة العربية؟
تعدّ الجامعة العربية كيانًا سياسيًا حكوميًا، العضوية فيه على أساس ثقافي من اللغة.
ورغم أنها لم تتمكن من تحقيق معظم أهدافها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية منذ نشأتها، فهي كيان معترف به دولياً كمرجعية دبلوماسية، وذات تمثيل لدى المنظمات الدولية الحكومية الأخرى، وعلى رأسها الامم المتحدة. وهذا ما يجعل من عودة مقعد سوريا فيها ورقة اعتراف بشرعية نظام الحكم، بعد سنوات من التنازع الذي اسقط الشرعية والاعتراف طوال 10 سنوات عن إدارة الرئيس السوري بشار الأسد، الذي اتهم وعناصر من دائرة حكمه بارتكاب جرائم حرب ضد الشعب السوري.
وتسعى الحكومتان السورية، والروسية الداعمة لها، إلى استعادة مقعد سوريا وموقعها في الجامعة العربية، أملاً في عودتها تدريجياً إلى الساحة السياسية والدبلوماسية الدولية لضمان الاعتراف الدولي بشرعية حكم بشار الأسد.
سوريا وجامعة الدول
أُنشئت جامعة الدول العربيّة سنة 1945، قبل أشهر معدودة من إنشاء الأمم المتحدة، لتصبح أول منظمة دوليّة أُنشِئت بعد الحرب العالميّة الثانية، بعضويّة سوريا والعراق ومصر واليمن وشرقي الأردن والمملكة العربيّة السعوديّة ولبنان. وكانت سوريا عضوًا فاعلًا في الجامعة، ومشاركةً في معظم هيئاتها واجتماعاتها، كما احتضنت عددًا من مكاتب الجامعة وعددًا كبيرًا من اجتماعاتها.
لكن، بعد اندلاع الثورة السوريّة في أواسط آذار/ مارس 2011، توصّل وزراء الخارجيّة العرب في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، إلى قرار يقضي بسحب السفراء العرب من دمشق، وتعليق مشاركة وفود سوريا في اجتماعات مجلس الجامعة العربيّة وجميع المنظمات التابعة لها، حتى تقوم الحكومة السوريّة "بتنفيذ كامل تعهداتها وتوفير الحماية للمدنيين السوريين"، كما دعا الوزراء المجتمعون في قرارهم "الجيش السوري إلى عدم التورط في أعمال العنف ضد المدنيين". صوتت حينذاك 18 دولة عربيّة لصالح القرار فيما امتنع العراق عن التصويت وصوّت لبنان وسوريا واليمن بالرفض.
بقي مقعد سوريا شاغرًا حتى تشكيل "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السوريّة" وكان آنذاك أكبر تشكيل معارض للأسد، وما زال أحد اللاعبين البارزين على الساحة السوريّة.
قدمت الجامعة العربيّة في مؤتمر أعمال القمة العربيّة المنعقد في الدوحة سنة 2013 كرسي سوريا إلى الائتلاف السوري المعارض برئاسة أحمد معاذ الخطيب، الرئيس الأول للائتلاف، في خطوة اعتبرها الكثيرون أحد أكبر الانتصارات السياسيّة للمعارضة السوريّة.
إلّا أن تفتت المعارضة السوريّة وخلافاتها وشقاقاتها، فضلًا عن الصراعات الإقليميّة والدوليّة في سوريا، حال دون احتفاظ الائتلاف بمقعد سوريا. وبهذا بقي المقعد شاغرًا حتى اللحظة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...