في اليوم التالي على انفجار مرفأ بيروت، توجّهت الوفود البشرية إلى بيروت حاملةً الخوذ، المكانس والرفوش، لإزالة ركام ما خلّفه فساد السلطة اللبنانية على المدينة. طواعية قامت مجموعة من العاملات الأجنبيات بتخصيص يوم عطلتهنّ للمشاركة في أعمال التنظيف وإزالة الركام، يوم العطلة الذي لا زلنا إلى الآن نصرخ بأحقية العمال والعاملات الأجنبيات به، في المسيرات التي تسلّط الضوء على نظام الكفالة العبودي في لبنان.
يوم دوّى الانفجار كانت طيبة –من الجنسية الأثيوبية- تفترش الأرض أمام مبنى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في منطقة الجناح، شاهدت زجاج المبنى يتكسّر ويقع من المباني المحيطة بهم. للوهلة الأولى اعتقدتها هزّة أرضية.
في اليوم الثاني تتابع طيبة أخبار البلد الذي تصفه بأنه بلدها أيضاً، تتواصل مع مجموعة من العاملات الأثيوبيات ويقررن الانضمام إلى مجموعات المتطوعات لتنظيف وإزالة الركام.
لا تستطيع طيبة وصديقاتها إخلاء الرصيف كلياً، غياب المجموعة كاملة يشكّل خطراً على اختفاء مكان إقامتهم، الرصيف، لذا يتناوبن على التطوّع.
"نقوم بالتنسيق فيما بيننا قدر المستطاع، ما حدث في بيروت ألمّ بنا أيضاً، على الرغم من أنّنا هنا نعيش في العراء، إلّا أنّنا نشعر بكم، نشعر بحجم الخسارة، أشعر بالأسف الشديد على هذا البلد"... عاملات مهاجرات في بيروت يتحدثن لرصيف22
طيبة وتيغيز اليوم، أما باقي أفراد المجموعة عليهن البقاء مع الأطفال، وفي المرّة القادمة يذهبن وتبقى طيبة وتيغيز بدلاً منهن. كل هذا من أجل بيروت التي يفترشون رصيفها. تقول طيبة لرصيف22: "صحيح وجعنا صعب. ظروفنا صعبة هون. بس وجعكن وجعنا، نحنا عشنا بلبنان... هذا أقلّ ما يمكن أن نقدّمه".
تضيف طيبة: "نحاول أن نقدّم أي مساعدة، على الرغم من أنه قد مضى على بقائنا هنا على الرصيف ما يقارب السنة، لم نجد فيها الدعم الكافي. لكن لبنان يمّر بمحنة صعبة اليوم، يجب علينا مساندة اللبنانيين. أتمنّى للجرحى الشفاء العاجل وللضحايا الرحمة، وأدعو أن يرجع لبنان متل ما كان، حرام يصير فيه هيك".
تيغيز، سيدة أثيوبية وأم لطفلين، تلهو ابنتها آية بالقرب منّا بفستانها الوردي، حافية القدمين على الرصيف، تدور حولنا وهي تدندن، تقول والدتها: "أشعر بالحزن الشديد على الأمهات الفاقدات"، هي تعرف جيّداً معنى الخوف المتواصل على فلذات الكبد. فبعد ولادتها بمدة قصيرة وجدت نفسها وطفلتها في الشارع. عندما دوّى صوت الانفجار، احتضنت طفلها وتسمّرت في أرضها، لكن في اليوم التالي توجهّت إلى شوارع بيروت المنكوبة، وبيدها مكنسة لتزيل الركام.
تضيف طيبة لحديثها لرصيف 22: "رح نرجع بكرا والسبت. نقوم بالتنسيق فيما بيننا قدر المستطاع، ما حدث في بيروت ألمّ بنا أيضاً، على الرغم من أنّنا هنا نعيش في العراء، إلّا أنّنا نشعر بكم، نشعر بحجم الخسارة، أشعر بالأسف الشديد على هذا البلد".
البلد الذي تصفه السيّدات "ببلدنا الثاني"، يصّر بعض أبنائه على كشف الوجه الآخر منه، أثناء مقابلتي لهنّ، يقترب رجل مار بالقرب منّا ويصرخ في أذن إحداهن، ترتعد خوفاً، أسألها هل تعرفينه؟ تجيبني بكل برود: "لا، اعتدنا على هذه التصرّفات، بعض الرجال يتحرشون بنا كلما مرّوا من هنا، والبعض يرى أننا رخيصات فقط لأننا في الشارع".
"بين الإجلاء والدمار والعنصرية"
محمد، عامل من الجنسية السودانية يعمل في شارع مخايل، يسكن مع مجموعة من العمال السودانيين، تهدّم منزلهم بالكامل بعد الانفجار. ينام محمّد اليوم بين ركام المحل، لأنه لا يمكن له أن يتركه كونه الحارس. يخبرنا محمد أن بقية المجموعة من زملائه في السكن قد تبعثروا، النساء خرجن من منطقة مار مخايل ويبتن لفترة معينة في منزل صديقة.
على الرغم من خسارته، يساهم محمّد في تنظيف المنطقة وإزالة الركام، كما يتطوّع في توزيع الحصص الغذائية مع المجموعات، إلا أنه، وبحسب إفادة لمى الأمين، الناشطة في حركة "حياة السود مهمة" في لبنان، لم يسلم من النظرة العنصرية. كتبت لمى على صفحتها: "هلق من شوي قاعدي ب internazionale بمار مخايل ناطرين لنوزع أكل، بيجي تلفزيون وبيسأل عن مدير المحل ليعمل مقابلة عن الانفجار، في شب أسمر من السودان بيشتغل بالمحل تعرفت عليه من شي ثلاث أيام، وخبرني شو صار معو وقت الانفجار وبيتو راح متل أيا شخص بالمنطقة، وهلق بنام بالمحل إن بطّل في بواب وشبابيك، فهوي حارس للمحل ليل ونهار... قلتلا أحكي معو لان هوي كان وقت الانفجار وبيفيدك، قامت الوقحة بتطلع فيه من فوق لتحت وبتقول: لا، بفضل أحكي مع المدير".
تحاول حركة مناهضة العنصرية في لبنان الضغط على القنصليات والسفارات لتنفيذ الإجلاء الفوري للعاملات والعمّال الراغبين بالعودة إلى بلادهم، وذلك بعد أزمة الدولار وجائحة كورونا، واليوم جريمة مرفأ بيروت
في حديث لرصيف22 مع فرح بابا، مسؤولة التواصل والمناصرة في حركة مناهضة العنصرية، تفيد فرح أن بعض العمال والعاملات من قاطني منطقة الكرنتينا، تعرّضت منازلهم للدمار، وبحسب البابا، تحاول مجموعة Enya lenya المكونة من مجموعة من الناشطات الأثيوبيات، إحصاء منازل العمّال المهاجرين التي تعرضت للضرر من أجل تقديم المساعدة.
وتفيد فرح أنه بحسب معلوماتها، فإن اللوائح الرسمية التي تناولت أسماء المفقودين بعد الانفجار لم تتضمن أسماء العمال والعاملات الأجانب.
وتحاول حركة مناهضة العنصرية في لبنان الضغط على القنصليات والسفارات لتنفيذ الإجلاء الفوري للعاملات والعمّال الراغبين بالعودة إلى بلادهم، وذلك بعد أزمة الدولار وجائحة كورونا، واليوم جريمة مرفأ بيروت.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...