شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
ألا يحق لامرأة أن تعبّر عن اشتهائها الرجال؟

ألا يحق لامرأة أن تعبّر عن اشتهائها الرجال؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 19 مارس 202103:34 م

 يقودنا الجمال إلى حقيقتنا، إلى المكان الذي تصرخ فيه الرغبة والشهوة، إلى المكان الذي تتعرّى فيه العفة والحشمة الدينية التي تدعونا إلى النبذ والإنكار والتجاهل وغض الطرف. وعلى النقيض من ذلك، يدعونا الجمال إلى التصريح والإقرار. حيث يوجد الجمال لا وجود للعفة، ولو لم يكن كذلك لما استفزَّنا واستحالت امرأة جميلة أو رجل جميل إلى مثار للغيرة وحفلة شواء يلوكها الجميع.

يقال بأن سينيكا الابن، رئيس وزراء نيرون، كان يكره كل ما هو حي، يكره اللذّة، يكره الطعام ويكره الشراب، وكان يعشق المال ويخاف من الألم. ولكن سينيكا يعيش الآن في القرن الحادي والعشرين، يعيش كملك في عصر الإيديولوجيات في داخل كل واحد منا، لا يخلص للجمال، لا يخلص للذة والمتعة، لا يخلص للحياة.

يقودنا الجمال إلى حقيقتنا، إلى المكان الذي تصرخ فيه الرغبة والشهوة، إلى المكان الذي تتعرّى فيه العفة والحشمة الدينية 

أحب الجمال، وأبحث عنه بكل بساطة في كل التفاصيل، أتطلع إليه في أبسط الأشياء. وليس هذا رفضاً للقبح أو تجنباً له، بل لقناعة راسخة لدي أن كل شيء في الكون يتضمن الجمال، بما فيه الشرّ بحد ذاته، ليس بوصفه خلاقاً فقط، بل بوصفه حامل السر الأبدي. كما لا أنكر أن هرمون السعادة يرتفع لدي عندما أرى امرأة جميلة، بنفس المقدار الذي يرتفع عندما أرى رجلاً جميلاً، فتعتلي وجهي ابتسامة عريضة وتلمع عيناي وأبدأ بالحديث عن المحاسن التي أراها.

قبل يومين، كنت أسير مع صديقتي عندما قلت لها: انظري إلى تلك السيقان الجميلة، المبرومة، المتناسقة كعمدان المرمر، أتعرفين، في هذه اللحظة أشعر وكأن ساقي تصرخان لفخذيّ: "إنتو ياللي فوق شايفين، تخففوا". تضحك صديقتي وأنا، ثم تقول لي: أنت فضيحة، لا يمكن أن يسير معك أحد، إن رأيت رجلاً جميلاً تتحدثين عنه، وإن رأيت امرأة جميلة أيضاً، يكاد يغدو الأمر مبتذلاً قليلاً"، أضحك وأقول بجديتي المعهودة: "أنا أتأمل الجمال تماماً في البشر بالطريقة ذاتها التي أقف فيها أمام منحوتة في متحف، أو لوحة أو منظر غروب أو شروق أو بحر أو أو...".

"أحب الجمال، وأبحث عنه بكل بساطة في كل التفاصيل، أتطلع إليه في أبسط الأشياء. 

في الفيسبوك أحياناً، أضع صوراً لنساء جميلات ومثيرات، مصنوعة بحرفية عالية، وأحياناً أخرى تتطاير أمامي مؤخرات جميلة وأثداء عارية وصور إيروتيكية مأخوذة من مواقع البورنو غراف. يضع الرجال والنساء على حد سواء القلوب والتعليقات الإيروتيكية المبطنة أحياناً.

أما أن نضع، نحن النساء، صورة لرجال جميلين، مثيرين، منحوتين على طريقة الرومان، هذا يعني أن تنهال الضحكات والقهقهات والتعليقات المضحكة، وأحياناً بعض الرسائل التي تحدثني عن جمال المعنى الكامن في الثقافة أو العقل، أو تصوّب بوصلتي  لأعود إلى الثقافة بعيداً عن التفاهة – كما يعتقد البعض- وكأن التعبير عن إعجابنا برجل أو رغبتنا به يدخل في التفاهة، ولعل بعضهم يدعوه بانعدام الحياء.

ألم أقل إن الجمال يستفزنا أحياناً ويحرك الراكد فينا، أم أنني أخطأت، إذ لا يحق لامرأة في الثلاثين، أو مهما كان عمرها، أن تعبِّر عن إعجابها واشتهائها الرجال، حيث أنها تشكل خطراً في الحظيرة، ويُفضّل أن تشارك صور نساء ترضي مخيلة الذكور وتهدئ من روعة النساء؟!

يعتقد البعض أن الإعجاب بالجمال الخارجي يتنافى مع حبنا للجوهر والفكر -لست بصدد هذه الجدلية الأزلية- وإن كان الأمر كذلك، لماذا كل هذه العمليات التجميلية وأطباء التجميل والحقن والمواد التجميلية والتجارب والمعامل والنوادي الرياضية والتطبيقات الإلكترونية وغيرها، أليس بحثاً عن الجمال الخارجي، عن الكمال المفقود، ولعل الأكثر ولعاً بهذه القضايا هن النساء اللواتي يجهدن كثيراً للحفاظ على الشباب، على طريقة جلجامش في البحث عن الخلود.

ألا يحق لامرأة في الثلاثين، أو مهما كان عمرها، أن تعبِّر عن إعجابها واشتهائها الرجال؟

أسأل نفسي هذا السؤال مطولاً، لماذا يرغب هذا العالم أن يكون عدواً للجمال، ألسنا جميعا ندين له؟ وأنا أقول هذه العبارة تصرخ في رأسي النسوية وماركس وشركات الإنتاج والأديان والكهنة والقديسين، ويصرخ علم النفس الذي يحلل كل شيء، ومراكز الدراسات والأبحاث التي كتبت كثيراً عن دور النظر إلى الأثداء والمؤخرات في إنقاص وزن الرجل وضبط انفعالاته. لكنها لم تكتب شيئاً عن تأثير الشفاه الجميلة لرجل، أو اللذة والمتعة التي تطلقها نظرة لعينيه، وما تثير مؤخرته الجميلة وصدره المفتوح من شهوة لدينا.

الجمال هو محرك الرغبة فينا، هو صانع هذا العالم وحرفيه، هو الذي يحفظ نسل البشرية ويحضُّها على التكاثر. ألم يكره بجماليون كل النساء ولكنه وقع في غرام تمثاله البالغ الكمال، وألم يبكِ مطوَّلاً تحت قدميه إلى أن أحالته الآلهة امرأةً؟ ألم تقطع النساء أيديها بكاءً من جمال يوسف؟

وألم يغرق نرسيس من نظرته حين أدرك أن جماله عقاب له لأنه رفض إيكو حين قالت له: لنتضاجع؟ ألم يُسقط الحب والجمال والرغبة طروادة؟ كل هذه الإثارة والجمال الذي عرفته البشرية يحرك لديّ تلك الرغبة البدائية نحو الجمال. أما الجمال الذي سينقذ العالم فهو جمال يستلزم تعباً، وأنا في الغالب كسولة وأحب المتعة التي يمكنني أن أمسكها، المتعة الخفيفة كفراشة، المتعة التي تستفزّ لحظتي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image