شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
أنا فتاة ممتلئة ونجحت بأن لا أقسو على جسدي

أنا فتاة ممتلئة ونجحت بأن لا أقسو على جسدي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأحد 7 يونيو 202011:52 ص

لم أكن يوماً من الفتيات النحيفات ذوات الجسم المرتّب، كنت دائماً الفتاة الممتلئة، كرهت التواجد في أماكن عامة وما زلت، خاصة تلك التي تصبح مقرّ نميمة للنساء والجارات، إذ كلما دخلت إلى ديوان كهذا، تكرّر السؤال: "إنت الصغيرة، صح؟"، ولكنه كان يوجّه لأختي، الأكبر منّي سنّاً، الأصغر منّي حجماً.

لم أفهم يوماً علاقة الوزن بالوجه أو بالجمال عامة، إذ طالما اعتقدت أنني أملك ما يدعى بالـ"بيبي فيس" وهذا بالذات كان من المفترض أن يظهرني أصغر عمراً.

لم يفلح الأشخاص غالباً بتحديد عمري، إذ عندما كنت في السادسة عشر، اعتقد البعض أنني في العشرينيات. كان واضحاً بالنسبة لي أن شكلي يلعب دوراً هاماً في التخمين الخاطئ لعمري، ولكنني أيضاً كنت أعرف أنني أفوق أترابي وعياً.

في بداية مراهقتي تساءلت كثيراً، لم أعرف ما الذي يحدد معايير الجمال في مجتمعنا خاصة، وفي العالم بشكل عام، ما هو الجمال؟ وهل هو فعلاً نسبي؟ كانت النساء من حولي عادة ما يصفن الجميلات بمقولة: "مثل الباربي"، إذ طالما اتصل الجمال بباربي، الشقراء ذات العيون الملونة، وكنت أتساءل، إذا كانت أمي تنسب الجمال لباربي، هل تعتقد أمي أنني جميلة أم قبيحة؟ أو ربما ما بينهما...

هل نحن جميلات بما فيه الكفاية بالنسبة لوالداتنا وآبائنا؟

"ما حدا راح يتطلّع عليكي"، هذا ما قيل لصديقتي عندما كانت في الثالثة عشر من عمرها. لم يهب الله صديقتي وجهاً مستديراً كوجه أختها الأكبر سنّاً، لم تكن رشيقة هي الأخرى، ولم تكن عيناها زرقاوين، منذ ذلك الحين، تحاول إصلاح ما أفسدته جملة ذلك الرجل الذي أورثها جيناته.

أما جيهان الخطيب، وهي امرأة لبنانية، تقول في وثائقي "أنا والمرآة": "عالسبطاعش تقريباً عملت منخاري، مش أنا اللي اخذت القرار، ماما اللي أخدته"، مثل جيهان كثيرات، كثيرات تم اتخاذ القرارات نيابة عنهن، طفلات لم يعشن طفولتهن، أجبرن على ارتداء الفساتين والملابس المزركشة طوال الوقت، لم يلعبن بالتراب ولم يلطخن أكواعهن.

منهن من اضطرت لأن تلبس حزام الشدّ كي تبدو أنحف، وأخرى صبغت شواربها كي لا تُلقّب بـ"الزلمة"، فلقّبوها بالخاروف، وأيضاً من كرهت الألوان لأنها تظهرها أكبر حجماً، هذا من دون التطرق الى بعض العادات التي تمارس في قبائل ومجتمعات مختلفة، ومدى خطورتها على صحّة الفتيات، فمثلاً "لبلوح" وهي عادة متوارثة في الثقافة الموريتانية، وتعني التسمين القسري للنساء من سن السادسة حتى مرحلة المراهقة، هدفها زيادة الجمال، وأما النساء في قبيلة الكايان فيضعن لفائف نحاسية لتطويل الرقبة.

في المجتمعات الرأسمالية الذكورية تقمع الفتاة مرتين وأكثر، مرة لكونها فتاة، ومرة لكونها "بشعة"، ولأسباب عديدة أخرى

في المجتمعات الرأسمالية الذكورية تقمع الفتاة مرتين وأكثر، مرة لكونها فتاة، ومرة لكونها "بشعة"، ولأسباب عديدة أخرى. ينظر المجتمع الذكوري إلى الفتاة كسلعة "لازم تُنفق"، إذ يعتبر شكل الفتاة دليلاً على جودتها، ولكن لا تعطى لهيئة الذكر هذه الأهمية، إذ إنه في نهاية الأمر "زلمة"، وبنات الناس كثيرات.

تكبر الفتاة مع ذكريات مليئة بالإهانات: "مثل الولد"، "شوفي منظرك"، "عصاية سنوكر"، "روحي اضعفي بكرا ما حدا بتطلّع عليكي"، تكبر الفتاة مع شعور بعدم ثقة وأمان، تشعر أنها محط مقارنة مع كل الفتيات الأخريات، تمشي بتردّد، لا تخرج من البيت دون النظر في المرآة والتأكّد من أن كل شيء "على ما يرام"، لا تنشر أي صورة على الإنستغرام أو الفيسبوك دون التمعّن في أدق التفاصيل.

من الذي قرر أن الأشقر هو الأحلى؟

الأسبوع الماضي زرت جدتي، وسألتها عن معايير الجمال التي كانت متّبعة في صباها، لم يكن الأشقر ضمن القائمة، إذ اعتبرت العيون الواسعة والفم المقطّم الصفتين الأساسيتين.

يفضّل الرجل الشرقي تقديس ما لا يشبهه، هذا ما تقوله صديقتي، إذ لا يرى بالأنثى العربيّة جمالاً خاصاً، ويحاول دائماً إيجاد ثغرة في شكلها، وإن لم يحالفه الحظ، يدقق في شخصيّتها، أمّا إذا خيّر بين السمراء والشقراء بالطبع سوف يختار الأخيرة.

تسألني عن رأيي فأجيب: أعتقد أن الشعوب المقموعة غالباً ما تطمح للوصول إلى ما لا يشبهها، وفي محاولة كهذه تخسر الكثير. مثلاً، إذا نظرنا إلى البلدان الشرق أوسطيّة عامة، نلاحظ أن الرجال غالباً ما ينظرون إلى الفتاة الشقراء كنموذج مثالي لفتاة أحلامهم، إذ تملأ صورها صفحاتهم الفيسبوكية.

وبالتالي، يحاول جزء لا بأس به من النساء العربيات التشبه بالمرأة البيضاء من أجل إرضاء شركائهن، إذ يصبغن شعورهن بالأشقر ويضعن العدسات الزرقاء أو الخضراء. بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من النساء السوداوات اللواتي يفعلن تماماً ما ذكر، يملّسن شعورهن أو يقمن بتبييض بشراتهن، وهذا شيء طبيعي جداً، إذ لم ينص أي قانون على أن الشعر الأشقر هو حكر على البيضاوات وحدهن، ولكن يبقى السؤال لماذا؟ هل ما زالت المرأة السوداء في القرن الحادي والعشرين تشعر بأنها مهددة أمام المرأة البيضاء؟ أم أنها مجرد نتيجة طبيعية في عالم ذكوري كهذا؟

من أجل فحص ماذا يفضل الرجل بين السمراء والشقراء، قامت فتاة بريطانية تدعى إيميلي بتجربة، وضعت صورتها بالشعر البنّي على تطبيق المواعدة "تيندر" لمدة ثلاثة أيام، وبعدها وضعت صورتها بالشعر الأشقر لمدة ثلاثة أيام أخرى، طبعاً بأسماء مختلفة، والنتيجة كانت أنها حصلت في الأول على 28 ملائمة و6 رسائل، وفي الثاني، بالطبع حصلت على نتائج أكبر، إذ حصلت على 101 ملائمة و20 رسالة، لماذا؟ لست أدري، هل ما زال تأثير مارلين مونرو قائماً حتى يومنا هذا؟ ماذا عن أودري هيپورن؟

علّموا بناتكم أن الجمال يأتي بكل الأشكال، أن البشرة الداكنة جميلة، أن "الكيرڤي" جميل، أن الوزن ليس مقياساً للجمال أو البشاعة، لا تقارنوهن. علّموهن أن الفيلر الحقيقي يجب أن يجمّل الداخل قبل الخارج، علموهن حب أنفسهن وأجسادهن

فيلر لأي غرض بالتحديد؟

مؤخراً انتشرت موضة عمليات التجميل في الدول العربية، إذ نرى لبنان ودبي في الصدارة.

ففي لبنان وفق سنة 2017، امرأة من بين 3 نساء، خضعت لجراحة تجميلية، مع هذا، عبّر عدد ليس بقليل من النساء اللبنانيات عن مدى تأثير المجتمع عليهن، وبسبب هذا التأثير خضعن لعمليات تجميلية.

"تريد النساء نفس النتائج التي يحصلون عليها في بيڤرلي هيلز"، يقول الجرّاح التجميلي، متين كريم.

تتنافس النساء مع أنفسهن قبل أن يتنافسن مع الأخريات، يردن الجمال يومياً، لا يخرجن دون المكياج أو تسريح شعورهن، يطلبن الكونتور لكي تبدو أنوفهن صغيرة.

مثال على ذلك سماح حرب، وهي امرأة لبنانية قامت بعمليات تجميلية عديدة، فقط لإغراء زوجها الحالي، الذي طالما رأته برفقة فتيات قمن بمثل هذه العمليات، أما الآن فتقول: "بتمنى يرجع الزمن لورا لأنه ما كنت لعبت بحالي، يعني ندمت قد ما أقلك ندم، ما راح تحسّي باللي أنا حسّيته. يعني بدك تقولي الواحد بتعلم من غلطه، وهلأ كرمال أعرف كيف ربّي بنتي أكثر، بس أكيد بدعي إنه ما أوصل لمرحلة أنا وهي نحكي عن هيدا الشي. ما بدي تكبر وتقلي إنت عاملة أنا بدّي أعمل".

هذه الأمثلة ومثلها الكثير، تذكّرنا كيف أن للميديا تأثيراً كبيراً على حياتنا، وكيف أن هناك العديد من النساء اللاتي لا يردن هذه العمليات التجميلية، ولكن يرغمن عليها من قبل أزواجهن والمجتمع ككل.

تكبر الطفلة في المجتمعات الشرقية حتى تصبح مراهقة ومن ثم امرأة، وهي تسعى إلى تطبيق وممارسة ذات المعتقدات البدائية والمعايير الغبية التي وضعت لها منذ عشرات السنين، وغالباً ما أجبرت على اتباعها.

لم أستطع أن أغض النظر عن كوني فتاة ممتلئة، ما زلت أمنع نفسي من ارتداء قطعاً معيّنة كي لا أزيد الطين بلّة، ولكن نجحت بأن لا أقسو على جسدي، وأن أتقبله تدريجيّاً وأنظر إلى الأشياء الأكثر جمالاً.

علّموا بناتكم أن الجمال يأتي بكل الأشكال، أن البشرة الداكنة جميلة، أن "الكيرڤي" جميل، أن الوزن ليس مقياساً للجمال أو البشاعة، لا تقارنوهن. علّموهن أن الفيلر الحقيقي يجب أن يجمّل الداخل قبل الخارج، علموهن حب أنفسهن وأجسادهن، بكل ما أوتين من طاقة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard