شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"يجيدون لعبة التلاعب والخداع"... هل السيكوباتيون أكثر ذكاء من الآخرين؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 9 مارس 202106:00 م

من الصعب اكتشاف بسرعة الشخصية السيكوباتية، وذلك لأن الشخص المعني يكون قادراً على الخداع والتلاعب ذهنياً بالآخرين، بغية الحصول على ما يريده، أما في جوهره، فيفتقد القدرة على التعاطف مع غيره وإقامة علاقات شخصية ناجحة، وذلك بسبب الأنانية وعدم الاعتراف بعيوبه وأخطائه، بالإضافة إلى القسوة والبرودة في طريقة تعامله مع أفراد المجتمع.

في الغالب، عندما نتحدث عن السيكوباتية، فإننا نربط هذه الحالة النفسية بالذكاء، وذلك من منطلق أن معظم الأفراد الذين يتبؤون مناصب رفيعة، خاصة في مجال السياسة، يتمتعون بالذكاء الحاد الذي يسمح لهم بالتلاعب بالآخرين، بهدف تحقيق مصالحهم الخاصة، ولو كان ذلك على حساب تعاسة الآخرين.

وفي حياتنا اليومية، نصادف بعض الأشخاص الذين لديهم ميل لاستغلال أولئك الذين يعملون لصالحهم، أو المقربين منهم عاطفياً، من خلال التقاط نقاط ضعف الآخر والاستفادة منها.

خصائص الشخصية السيكوباتية

تحدث الأخصائي في علم النفس، هاني رستم، عن الشخصية السيكوباتية، موضحاً أن الشخص المعني يعاني من اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع: "يدور هذا الشخص الذي يعاني من اضطراب نفسي في حلقة مفرغة عبر اتباع نمط يتسم بالتلاعب، الاحتيال والاعتداء على الآخرين، سواء كان ذلك اعتداء نفسي أو عاطفي أو حتى جسدي".

وأوضح رستم لرصيف22 أن أفعال الشخص السيكوباتي تتراوح بين سلوكيات وتصرفات خفيفة الحدّة، وصولاً إلى اتباع نمط مؤذ، مشيراً إلى أن الشخص السيكوباتي يكون في معظم الأحيان غير مسؤول اجتماعياً، أي يفتقر إلى الحسّ بالمسؤولية تجاه الآخرين وتجاه المجتمع الذي يعيش فيه، ويكون هدفه الرئيسي تحقيق مصالحه الخاصة: "من السهل على الشخص السيكوباتي أن يعتدي على حقوق الآخرين، كما أنه يفتقر للقدرة على التمييز بين الصح والخطأ، بالإضافة إلى غياب الحسّ بالأمن والأمان وحتى التعاطف، والذي إن وُجد، يكون مصطنعاً".

معظم الأفراد الذين يتبؤون مناصب رفيعة، خاصة في مجال السياسة، يتمتعون بالذكاء الحاد الذي يسمح لهم بالتلاعب بالآخرين، بهدف تحقيق مصالحهم الخاصة، ولو كان ذلك على حساب تعاسة الآخرين

وأشار رستم إلى أن الأشخاص السيكوباتيين يجيدون التصنّع والتمثيل بامتياز: "بوسعهم تركيب شخصيات والتماهي معها بغية الوصول إلى هدفهم".

وبخلاف ما تظهره الأفلام والمسلسلات، أوضح هاني أن الشخصية السيكوباتية ليست محصورة فقط بالقاتل المتسلسل، أو الشخص الذي يقوم باغتصاب النساء، على سبيل المثال، بل يمكن أن تظهر لدى أي شخص عادي: "بيقدر يكون مش قاتل، بس مثلاً سياسي بيدعس على كل العالم لحتى يوصل ليلي بدو ياه، ولو كان ذلك على حساب الآخرين وحياتهم".

ما العلاقة بين السيكوباتية والذكاء؟

كما أشرنا في السابق، يتمتع الشخص السيكوباتي بالقدرة على استخدام تكتيكات غير تقليدية لتحقيق غاياته الملتوية، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل السايكوباتيون يفوقون الآخرين ذكاءً ويتمتعون فعلاً بالعبقرية، أم أن المسألة كلها أوهام؟

وصفت سالي أولدرباك، من جامعة أولم، السيكوباتيين بأنهم "متلاعبون وكاذبون، ما يعني أن لديهم (أو أنهم طوروا) المهارات اللازمة للتعبير العاطفي".

ونظراً للطبيعة الملتوية للسيكوباتيين، فإن هذه المهارات تعني أنهم يعرفون كيفية تقديم صورة زائفة عن الإخلاص واللطف وحتى التواضع، بالإضافة إلى قدرتهم على تقليد مشاعر الآخرين دون الشعور بها.

هل السايكوباتيون يفوقون الآخرين ذكاءً ويتمتعون فعلاً بالعبقرية، أم أن المسألة كلها أوهام؟

في هذا الصدد، سعى فريق البحث الألماني إلى اختبار قدرة السيكوباتيين على إظهار المشاعر مقارنة بالأفراد غير السيكوباتيين، ليس فقط من حيث الميل إلى الكذب (وهي صفة أساسية لدى السيكوباتي)، ولكن مدى مهارتهم في استخدام العواطف للخداع.

وتعليقاً على هذه النقطة، قال الفريق البحثي: "إذا كانوا أفضل في الخداع، فإننا نتوقع أن يكون لديهم مهارات اجتماعية وعاطفية قوية وقدرة ذهنية أعلى".

بعد تقييم الأبحاث المتاحة، وجدت سالي أولدرباك وفريقها دليلاً يدعم أن السيكوباتيين يفتقرون للقدرة الفكرية على الكذب بسرعة وسهولة، لأنهم لا يمتلكون مهارات استشعار المشاعر اللازمة لتحديد ما يشعر به الآخر، حتى أنهم قد يفشلون في امتلاك المراوغة اللازمة للتقرب من ضحاياهم من خلال تقليد المشاعر.

وبالتالي تساءل الفريق: "هل من الممكن ألا يكون بوسع السيكوباتيين فهم الفروق في التعبير العاطفي؟".

غير أن الدراسات التي استشهد بها الفريق الألماني لا تدعم احتمال افتقار السيكوباتيين للذكاء العاطفي، إذ تشير بعض الأبحاث السابقة إلى أن السيكوباتيين بارعون حقاً في إقناع الآخرين.

وبهدف حلّ هذه التناقضات، قرّر فريق البحث في جامعة أولم أنه بدلاً من الاعتماد على مقاييس التقارير الذاتية، كما هو الحال بالنسبة للعديد من الدراسات الحالية، فإنه سيتم وضع السيكوباتيين في المختبر، بهدف مراقبتهم بشكل مباشر خلال عملية التعبير العاطفي وكذلك المعرفة.

أما السمة الرئيسية الثانية لهذا البحث فهي تضمين مقاييس القدرة الفكرية، وهو امر لم يتم القيام به من قبل.

تفاصيل الاختبار

أخذ فريق البحث عيّنة تتألف من 316 رجلاً في السجن، أو في مستشفيات الأمراض النفسية أو أفراد يعيشون ضمن المجتمع.

وكان متوسط العمر لدى المشتركين 35 سنة، ومعظمهم من المواطنين الألمان، هذا ولم يكمل 85% منهم الدراسة بعد المرحلة الثانوية، بما في ذلك 13% من غير المتعلمين، أو ممن لم يكملوا الدراسة بعد المرحلة الابتدائية. توصل الفريق إلى أن ثلث المشاركين استوفوا شروط التشخيص.

في المختبر، كلّف فريق البحث المشتركين القيام بسلسلة من المهام على الكمبيوتر، تتضمن إثارة وتفسير المشاعر أساسية، وهي: الغضب، الاشمئزاز، الخوف، السعادة، الحزن والدهشة.

 أفضل طريقة للتعامل مع السيكوباتيين هي تجنب الوقوع في فخهم

وبعدها، قام العلماء بتسجيل أفراد المجموعة وهم يعبرون عن سلسلة من المشاعر المحددة مسبقاً، كما طلبوا من المشاركين تقليد تعابير الوجوه أثناء التعبير عن نفس المشاعر.

طور الباحثون نموذجاً إحصائياً سمح لهم باختبار ومقارنة التعبير العاطفي العام عن التقليد بالقدرة الذهنية العامة، وتحديد الوجوه والمشاعر.

أظهر هذا النموذج أن القدرة الذهنية العامة كانت مرتبطة نسبياً بالتعبير العاطفي، في حين ارتبطت القدرة على التعبير عن المشاعر بالقدرة على تحديد الوجوه والمشاعر.

بعبارة أخرى، كان الرجال الأكثر ذكاء في المجموعة أفضل بقليل في مطابقة تعابير الوجه مع عاطفية معيّنة، بالإضافة إلى مطابقة العاطفة الظاهرة على الوجه الذي طلب منهم تقليدها. كانت هذه المجموعة أفضل في إظهار المشاعر، وأفضل في تحديد الوجوه.

ماذا عن دور السيكوباتية في هذه العملية؟

على الرغم من أن الرجال الذين يعانون من السيكوباتية سجلوا درجات أقل في التعبير عن المشاعر، إلا أن هذه العلاقة تلاشت عندما تم وضع القدرات الذهنية العامة في المعادلة.

واستنتج الفريق أن الأفراد السيكوباتيين هم أسوأ في التعبير عن العواطف التي لا يشعرون بها، لكن هذا لا يعود لعجز محدد في قدراتهم، بل لعجز أساسي في القدرة الذهنية العامة.

إذن لماذا يبدو السيكوباتيون أذكياء للغاية؟ بحسب الباحثين، فإن الأمر لا يتعلق بالقدرات بل بالحظ.

"من السهل على الشخص السيكوباتي أن يعتدي على حقوق الآخرين، كما أنه يفتقر للقدرة على التمييز بين الصح والخطأ، بالإضافة إلى غياب الحسّ بالأمن والأمان وحتى التعاطف، والذي إن وُجد، يكون مصطنعاً"

يحاول السيكوباتيون باستمرار التلاعب بالآخرين من خلال الكذب، وينجحون بذلك بين الحين والآخر، في حين أن الأشخاص غير السيكوباتيين لا يقضون أغلب وقتهم في التظاهر بمشاعر لا يشعرون بها، أو في اختبار مدى سيطرتهم على الآخرين.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تكرار سلوك معين يؤدي إلى تحسن ممارسة هذا السلوك، مما يعني بأن الرابط بين الذكاء والسلوك السيكوباتي هو مجرد معادلة رياضية.

وعليه، يقترح الباحثون أن أفضل طريقة للتعامل مع السيكوباتيين هي تجنب الوقوع في فخهم.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard